السبت، 28 فبراير 2009

العائلات وحدها هي التي تكترث..يديعوت >>>> بقلم : ناحوم بيرنيع

...........
الحكومة الضيقة هي مصيبة، يحذروننا من اليوم التالي للانتخابات: هذه امور تافهة. الائتلاف الذي يقوم على 65 عضو كنيست ليس ضيقا وهو قريب جدا من الرقم الامثل: 67 عضوا. بعد هذا الرقم يمكن لاعضاء الائتلاف ان يخونوا الحكومة. حكومة رابين الثانية التي قامت في عام 1992 حتى اغتياله في 95 اعتبرت من اكثر الحكومات فعالية وعطاءا خلال تاريخ الدولة. كان في ائتلافها 62 عضوا.
نتنياهو ليس بحاجة الى 28 عضو كنيست من كاديما حتى يحقق الاغلبية في الكنيست. هو بحاجة لهم لاربعة اسباب: الحصول على الشرعية من العالم، وتخفيف الارتياب نحوه من قبل ما يسمى "النخب القديمة" – المحاكم، المؤسسات الاكاديمية، وسائل الاعلام، وحتى يموضع نفسه في وسط الحكومة وليس في طرفها اليساري واخيرا حتى يخلص نفسه من صرعات ليبرمان ومن ضغوط الاحزاب الاصولية.
روبي ريبلين عاد لتكرار تذمره في هذا الاسبوع من انهم يقومون بنزع شرعية حكومة اليمين مرة اخرى. الرجل المهم الوحيد الذي ينزع الشرعية عن حكومة اليمين هو بنيامين نتنياهو. مثل ميري بوبينس هو بحاجة لملعقة السكر المسماة كاديما حتى يبتلع حبة الدواء.
دولاب ضخم
من المفترض ان تعلم تسيبي لفني نتنياهو اليوم نهائيا عن انها لن تنضم هي وحزبها للحكومة. نتنياهو على قناعة ان رفضها ليس ايديولوجيا وانما نابعا من الجبروت: ان تلفظ فقط بكلمة "تناوب" ستقفز بسرعة فوق عربة الحكومة كائنة ما كانت خطوطها البرنامجية الاساسية.
مطلب لفني بان تصرح الحكومة القادمة عن انها ستجري المفاوضات الهادفة الى اقامة دولة فلسطينية بلا اساس في نظره. الفلسطينيون ليسوا ناضجون الان لتسوية شاملة ولا الاسرائيليين ايضا. السيناتور جو ليبرمان الذي زار البلاد في هذا الاسبوع والتقى مع لفني ومع سلام فياض كرر له تقديرات فياض. هو سمع من هذه التقديرات لهجة مشابهة لما قاله: دعكم من التسوية الشاملة وهيا بنا نتحدث عن الاقتصاد والحواجز والترتيبات على الارض.
ان لم تكن هناك فرصة للتسوية فما الذي يضير نتنياهو ان قال انه مع الدولتين؟ هو يخشى مما سيقوله جناحه اليميني، بني بيغن وريبلين وغيرهم، وهو يخشى من الاحزاب الاخرى في الجناح اليميني. لفني لن تحقق تسوية مع الفلسطينيين، ولكنها ستدق اسفينا في معسكر اليمين في الوقت الحالي.
هناك قدر غير قليل من المنطق في افتراضي نتنياهو: التناوب قد يقنع لفني بالدخول، واحتمالية التوصل الى تسوية شاملة مع الفلسطينيين صغيرة حتى معدومة. ما يرفض نتيناهو قبوله هو القول بان لفني سياسة من طراز اخر. في هذه المرحلة من مسيرتها السياسية هي ليست مهتمة كثيرا بالسلطان والجاه فهي في الخمسين من عمرها فقط. بالامكان السلطان ان ينتظرها. ان لم يتيحوا لها التاثير فعليا على السياسة فستتوجه للمعارضة.
شارون اعتاد القول بان السياسة هي دولاب ضخم تكون فيه في الاعلى احيانا وتعود للاسفل في احيان اخرى، ولكنك تبقى على الدولاب دائما. بيرس يفكر بنفس الطريقة "فلتكافحي من الداخل" قال للفني. وركز على كلمة "من الداخل".
شارون كان لينضم لحكومة نتنياهو خلال يوم ومثله بيرس والاغلبية الحاسمة من كاديما ان لم نقل كلهم. الامر المثير الذي حدث في كاديما منذ الانتخابات هو ان احدا لم يتجرأ على التمرد على لفني رغم المعارضة لتحركاتها. ولا حتى شاؤول موفاز الوحيد الذي كان ليرتقي بمنصبه للاعلى في منصب وزير الدفاع لو ان لفني وافقت على الانضمام.
قسم منهم يخشون تحديد رأيهم، والقسم الاخر في حيرة والثالث في خوف من ان تنساه لفني ان دخلت حزب كاديما للحكومة. صمتهم يشير الى قوة الانجاز الشخصي الذي حققته لفني في حملتها الانتخابية. هم يدينون لها بعضويتهم في الكنيست.
هل سيعطي التوجه نحو المعارضة للفني رئاسة الحكومة؟ ليس بالتاكيد. احد قادة كاديما قال لي ان الحزب قد استنفد في هذه الانتخابات كل ما يمكنه ان يجلبه من اليسار. بعض الناخبين توقفوا في محطة كاديما مؤقتا وفي المستقبل سيعودون للعمل او لميرتس. الجلوس في المعارضة سيدفع لفني وكاديما لليسار حيث لا يوجد مستقبل هناك.
لفني تقول: ان دخلنا للحكومة سنخسر اصوات اليسار وكذلك اصوات اليمين. سنصبح لا شيء. اختباري ليس في اليسار او في اليمين وانما في المصداقية. وعدت الناخبين بشيء ما وانا لا استطيع ان اخونهم.
على اية حال، نتنياهو حسب رأيها غارق عميقا في الخطاب اليميني حيث لا يوجد شيء يمكن الحديث عنه. من لا يستطيع ان يقول عبارة "دولتين لشعبين" لا يمكنه ان يكون شريكا.
الجدل شرعي. ولكن هناك تعليل واحد فيه يجدر رفضه مباشرة: التذرع بان الحسم مع ايران يقترب ولذلك من المحظور التفريط به بيد حكومة يمينية ضيقة. من فرض موعد انفراط الحكومة الحالية كان ايهود باراك. وهو كان يعرف عن المسالة الايرانية حينئذ. ومن يطرحها اليوم ربما بالكاد يشبه ذلك الفتى الذي قتل والديه ومن ثم صرخ انقذوني انا يتيم.
ابتسامة الصياد
رئيس القسم السياسي – الامني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد اصيب بالحيرة وكبى واعتذر خطيا من رئيس الوزراء الذي سارع للصفح عنه. مثل هذه الكبوات تحدث في الجهاز الحكومي في احيان متقاربة: ظاهرة طبيعية جدا في الجهاز الذي فقد فيه كبار مسؤوليه ما تبقى من كرامتهم امام المسؤولين عنهم. المكتبان الحكوميان اللذان وصلت فيهما هذه الظاهرة الى ابعاد وبائية هما المالية والدفاع.
ما اوصل هذه النكتة الى العناوين الرئيسية كان سلوك جلعاد والوزير المسؤول عنه ايهود باراك. في يوم الاربعاء الماضي عقد اولمرت وباراك وجلعاد لقاءا متوترا بينهم. اولمرت انتظر اعتذارا علنيا – وهذه مسالة طبيعية في مثل هذه الحالة. هذا الاعتذار لم ياتي. اولمرت خاض خصومات كثيرة بلا داعي في حياته ولكنه كان محقا مائة بالمائة في هذه المرة.
ان بامكان باراك ان يحل المشكلة بدقيقة واحدة مطالب جلعاد بان يكتب رسالة وتوجيه ملاحظة له. سألت باراك لماذا يحجم عن القيام بذلك. ان كنت افسر رده بصورة صحيحة فهو اعتقد ان جلعاد قد اخطأ في الطريقة ولكنه كان محقا في الجوهر. وسارع لاصدار بيان حاد ضد اولمرت فرد هذا الاخير عليه كما كان متوقعا برد مضاد.
هذه الخطوة كانت مصابة بقصر النظر مثل خطوات كثيرة اقدم عليها باراك خلال هذه الفترة من عمله. باراك اعتقد انه يلطخ وجه اولمرت، ولكنه لطخ وجه الجميع في الواقع. هذه الجلبة اعتبرت من قبل الجمهور حربا انانية ذاتية على حساب دم جندي اسرائيلي مخطوف.
جلعاد هو اشقر ابيض شعره، ولكن طبعه بقي اشقرا. هو حلل بنجاح نقاط ضعف كل قادة العالم العربي ولكنه لم يتمكن من ادراك نقاط ضعفه الذاتية.
ايما ويليامز هي بريطانية جميلة وطبيبة من حيث التخصص، وزوجة بيتر غيلمور الدبلوماسي الذي يعمل في خدمة الامم المتحدة الذي كان نائبا لـ تريا لارسن مبعوث الامم المتحدة للشرق الاوسط. عائلة غليمور قدمت الى هنا خلال انتفاضة 2000. هم سكنوا في منزل في جبل المكبر بجانب مقر الامم المتحدة قبالة مشهد البلدة القديمة الجميل. وليامز دونت مشاعرها في كتاب صدر في بريطانيا في عام 2006 تحت اسم "الوصول الى نهاية العالم اسهل من الوصول الى نهاية الشارع". هذا الكتاب ينتقد اسرائيل بكلمات قاسية.
هي تقول انها تعرفت على عاموس جلعاد في حفل في تل ابيب. مونا يول زوجة لارسن وسفيرة النرويج عرفتها عليه. "وكان مؤدبا وهادئا" كتبت في كتابها. "هو حدثني عن قلق الجيش الاسرائيلي على مصير طيارات في سلاح الجو خشية ان يسقطن في الاسر. انت لا تريدين ان تعرفي ما الذي يفعلونه بالنساء اللواتي يلقون القبض عليهن، وانا لا انوي ان احدثك عن ذلك، قال لي. ولكن هؤلاء الفتيات يرغبن باصرار في ان يصبحن طيارات ونحن دولة ديمقراطية واحيانا ديمقراطية جدا. قالها وهو يضحك".
هما اتفقا على الالتقاء. هي وصلت الى مقر وزارة الدفاع في تل ابيب. جلعاد كما كتبت احاطها بالاهتمام والتزلف وقامت مجندات في الزي العسكري بتقديم القهوة وهو حدثها عن عرفات. وليامز سجلت كل كلمة قالها.
"احد اخطائنا الكبرى كان اننا لم نفهم عرفات" قال جلعاد. "هذا لا يسهم في صورة اليهود كعباقرة". خلال تلك المحادثة اكثر جلعاد من التطرق للمحرقة. عرفات، كما قال يذكر اسرائيليين كثيرين من خلال قسوته بالنازيين.
جلعاد انتقل من عرفات الى معاملة النساء في المجتمع العربي. "انت تعرفين ان النساء بالنسبة لهم هن اقل مرتبة من الحمير او الكلاب". قال. "عربي يبلغ من العمر 75 عاما جاء الي وطلب علاجا للخصوبة – كانت لديه زوجة تبلغ من العمر 25 عاما؟ بامكانك ان تشتري امرأة في مجتمعهم. هل تذكرين العملية الانتحارية في حاجز ايرز؟ كانت لتلك المرأة علاقة غرامية مع المسؤول عنها. عائلتها لم تترك امامها مفرا: اما ان تموت في عملية، او ان تقتل".
جلعاد حدثها عن العمليات الانتحارية واجمل بالقول: "الفلسطينيون فشلوا لاننا لا نقوم باعمال انتقامية ولا نقوم بالتنكيل ولا نغتصب. الروس امروا جنودهم في عام 1945 باغتصاب النساء الالمانيات. نحن لسنا كذلك. نحن حتى لا نقوم بالتعذيب: هذا مخالف للقانون. انت لا تدركين مدى الكراهية. هل تعرفين عدد العمال الفلسطينيين الذين خانوا ارباب عملهم الاسرائيلييين وقتلوهم. الكراهية تاتي من التحريض والتحريض فظيع. في عام 2000 كان بامكان عرفات ان يحصل على اخلاء كل المستوطنات ، ولكنه رغب بالحل النهائي فقط".
عندما انتهت المقابلة مدت ويليامز يدها حتى تصافح جلعاد. "هو امسك بي وشدني اليه لتقبيلي" كتبت.
"عندما غادرت وبينما كنت اسير في الديوان وعيون المجندات موجهة الى ظهري شعرت بدرجة معينة انني امرأة قد تم شراؤها. سألت ان كنا سنلتقي مرة اخرى. هو قال انه يأمل ذلك. عندئذ امسك بي. ابتسامته عندما شدني اليه كانت ابتسامة الصياد، نفس الابتسامة في كل مكان: ليس هناك ضرر من المحاولة هذا ما قالته ابتسامته".
ذلك اللقاء تسبب بهياج كبير في نفسها وعادت للقدس مع ثقب في اطارها. بعد فترة من الزمن حدثت جلعاد عن الكتاب وعن الجزب المتعلق به فيه. هو تذكر ذلك اللقاء بصورة ايجابية. "كان لقاءا هاما جدا". قال. هو ابتسم ابتسامة خفيفة. لم اعرف ان كانت ابتسامته ابتسامة الصياد ام ابتسامة الطريدة.

نتنياهو : "حماس" عدو السلام وسأتبع مع الفلسطينيين مبدأ الأمن مقابل الاقتصاد

قال زعيم الليكود ورئيس الوزراء الإسرائيلي المرتقب بنيامين نتنياهو إن عملية الرصاص المصبوب قد انتهت مبكراً وكان يجب أن تستمر لأن حماس هي عدو للسلام .وأعرب نتنياهو عن أمله بأن يستطيع سكان غزة أن يغيروا حكم حماس في غزة.
وفي تصريحاته لصحيفة الواشنطن بوست تطرق نتنياهو إلى موضوع الضفة الغربية وقال أنه يجب أن تتواصل الاتصالات مع الجانب الفلسطيني مع دعم المشاريع الاقتصادية وازدهارها وفي المقابل أن يتم تقوية ودعم الأجهزة الأمنية للسلطة.
وأضاف نتنياهو أنه وبعد تشكيل الحكومة سيشكل لجنة اقتصادية برئاسته تهتم بالمشاريع الاقتصادية واحتياجات السكان في الضفة الغربية .
وأشار نتنياهو إلى أن أهالي الضفة الغربية تألموا كثيراً على فقدان الكثير من سكان غزة ومع ذلك لا يريدون أن يذهبوا بنفس الطريق التي نهجتها غزة.
واتخذ نتنياهو من مخيم جنين مثالاً واقعياً لاستراتيجيته القادمة حيث زعم بأن منطقة جنين اليوم تشهد ازدهاراً اقتصادياً مع نظام محلي قوي تابع لأجهزة السلطة وهذا سيكون خير مثال لنا سيحدث في المدن الأخرى، فالسكان الفلسطينيون لا يريدون نظاماً إسلامياً متطرفاً كغزة على حد قوله.
وعلقت الصحف الإسرائيلية بأن نتنياهو لم يُشر و في مقابلته مع الواشنطن بوست إلى حل الدولتين بالمطلق وهذا ما يؤكد ذهابه نحو استراتيجيته التي يتبناها الأمن مقابل الاقتصاد، وليس الأرض مقابل السلام
وبالنسبة للمسار السوري فلقد اشترط نتنياهو بأنه مستعد للحديث مع سوريا على أساس أن تترك حلفها مع إيران وتوقف دعمها لحزب الله.

هدوء في الضفة الغربية / بقلم: ميرون بنفنستي / هارتس 26/2/2009

جرت العادة على القول ان الاهتمام ينصب على الضفة الغربية عندما تجري فيها اعمال عنيفة وعندما تمتزج الاحداث في الحكاية المعروفة حول المستوطنين، والحواجز، وجود الاحتلال وظلمه. هذه المقولة تبرهن عن صحتها امام حقيقة ان التغير الايجابي في الوضع الامني والاقتصادي والاجواء العامة يحظى باهتمام قليل وتغطية محدودة. وهكذا يتبين ان تغيرات هامة ذات اثار واسعة على الواقع السياسي وعلى الجدل الذي يرافق حكومة نتنياهو لا تحظى بالاهتمام الكافي. ليست هناك حاجة لدراسات معمقة للادراك بأن الوضع في الضفة يختلف عما يظهر من التقارير الشديدة حول البطالة والفقر وعدم التطور الاقتصادي والشعور العام بان المناطق خطيرة وعنيفة. يكفي التجول في رام الله للشعور بأن الوضع هناك مريح ومفعم بالحياة. النشاط الاقتصادي ظاهر هناك. التحسن ملموس ايضا في المدن التي كانت بؤرة للعنف مثل نابلس والخليل. الصحفيون الذين يتجولون في منطقة جنين يتحدثون عن الحياة الهادئة والمنظمة. شرطيون فلسطينيون في زي مرتب يسيطرون على المجريات على الارض التي كانت حتى ما قبل حين معقلا للمسلحين. رغم الخطر يمكن ان تلمس عودة العرب الاسرائيليين الى اسواق جنين وطولكرم. المعطيات تشير الى صحة الانتعاش الاقتصادي، في السنة الاخيرة طرأ ارتفاع باكثر من الثلث على النشاط التجاري، ورغم مؤشرات الركود الا ان ارتفاع مستوى المعيشة يتواصل .. صحيح ان الدخل القومي للفرد بقي اقل من عشر الدخل القومي الخام في اسرائيل وان الازدهار مصطنع لانه يقوم على التبرعات الآتية من الخارج ورغم مساعي بناء آفاق انتاجية الا انها مصطنعة، الا انها تشجع الاستهلاك والانفاق المبذر. الا ان هدف المانحين هو تأييد سياسة السلطة ومكافحة حماس من خلال الاقتصاد. هم ينجحون في ذلك على ما يبدو. الدليل:- الضفة بقيت هادئة خلال عملية غزة ولم تنجر لاعمال احتجاجية وبدرجة تقل عن عرب اسرائيل حتى. الجهات الامنية متنبهة لهذا التحسن وهي تقوم بازالة حواجز وتسهل الحركة بل وتتنازل عن مقاطع من الجدار الفاصل في القدس. في ظل هذا التحسن قد يكون نتنياهو محقا عندما يدعي انه يتوجب التركيز على "السلام الاقتصادي" وان من الواجب العمل على مواصلة التنمية الاقتصادية في المناطق في ظل غياب احتمالية التوصل للتسوية الدائمة. لا يتوجب الاستخفاف بموقفه هذا واعتباره محاولة لاستبدال التطلعات الوطنية الفلسطينية بتحسن الاوضاع الاقتصادية. هناك ايضا طرح مناقض يقول ان "عملية السلام" التي لم تطرح اية ثمار حتى الان هي وسيلة لتبرير تجاهل الواقع. معسكر اليسار متمسك بمواقفه وقد اختار تجاهل التحسن الاقتصادي الذي طرأ على المناطق لانهم يعتقدون ان من المحظور اضافة طابع ايجابي على صورة الاحتلال الوحشي. كما ان معسكر اليمين يتجاهل التحسن الذي طرأ على الوضع لان "اعتبارات امنية" ستختفي حينئذ ولا تعود هناك ذريعة لاعمال النهب والسلب على شاكلة الجدار. التجاهل مريح للجميع، وهكذا يشتركون جميعا في القول بان العرب مهمون فقط عندما يكونوا عنيفين. في ظل عدم الاهتمام يتواصل ترسيخ وتعميق الحكم الاسرائيلي على الضفة. هناك موقف سائد مفاده، ان الفلسطينيين سيشرعون بانتفاضة ثالثة، الا انها قد تكون نابعة من التشبث بالنظرة القائلة انهم لا يفهمون الا القوة. ربما تعبوا من العنف الذي قادهم الى الكارثة، وهم يتبنون الان استراتيجية عرب اسرائيل – التي تجبر الاسرائيليين على التعامل باهتمام مع كفاحهم غير العنيف ومراكمة القوة الاقتصادية المجتمعية.

الأربعاء، 25 فبراير 2009

كيف صعد اليمين وانهار اليسار في إسرائيل ...صالح النعامي

ذهلت السيدة عندما اندفع طفلها مذعوراً باكياً الى داخل المنزل، وجارها ضخم الجثة يطارده. ولما لم تسارع الام الواقعة تحت هول الصدمة لنجدته، اندفع طفلها نحو الحمام، فما كان من الجار إلا أن اقتحم الحمام في أثره حتى أمسك به، وأخرجه، وأمام ناظري أمه قام بضربه بشكل مبرح وبعد ذلك قام بعضه. وقع هذا الحادث قبل سبع سنوات، في مستوطنة " نوكديم "، الواقعة في محيط مدينة " بيت لحم ". لم يكن هذا الجار المتوحش سوى مفاجأة الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة افيغدور ليبرمان، رئيس حزب " إسرائيل بيتنا "، اليميني المتطرف الذي سجل مفاجأة كبيرة عندما فاز بخمسة عشر مقعداً، ليحل في المرتبة الثالثة بعد حزبي " كاديما "، و " الليكود "، ويتفوق على حزب العمل بزعامة إيهود براك، وهو الحزب الذي بنى الدولة وقادها على مدى عقود من الزمن. في هذه الإنتخابات حقق اليمين فوزاً واضحاً إذ أن مجموع ما حصلت عليه الأحزاب اليمينية بشقيها الديني والعلماني هو 65 مقعد في الكنيست، وهذا ما يعني أن أي حكومة ستشكلها ستحظى بأغلبية مستقرة. وفي المقابل فأن أحزاب ما يعرف بـ " يسار الوسط " و" اليسار " ممثلة في حزبي كاديما والعمل و حركة " ميريتس " قد حصلت مجتمعة على 44 مقعد فقط. وقبل الاستفاضة في رصد وتحليل الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج، فأنه يتوجب التنويه إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي أن تصنيف الأحزاب الإسرائيلية الى يسار ويمين هو تصنيف مضلل. فعلى صعيد السياسات الإحتماعية الإقتصادية، نجد أن أحزاب اليسار الإسرائيلي وبخلاف كل الأحزاب اليسارية في العالم تدافع عن اقتصاديات السوق والخصخصة. وإن كان الإنتماء لليسار يعني تبني موقف معتدلة من الصراع مع العرب، نجد أن تحالف أحزاب يسار الوطي ممثلة في " كاديما " والعمل هو الذي أدار الحرب الإجرامية على قطاع غزة، وهي الحرب التي لم تجرؤ أي حكومة في إسرائيل على شنها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا انهار اليسار الإسرائيلي على هذا النحو غير المسبوق، ولماذا تعاظمت قوة اليمين ؟، هل الصراع مع العرب وتداعياته هو العامل الرئيسي المؤثر على تعاظم اليمين وتهاوي اليسار في إسرائيل؟. نحن هنا سنحاول رصد الأسباب التي أرست موازين القوى في الحلبة الحزبية الإسرائيلية على هذا النحو.

التغيرات الديموغرافية والإثنية :

الباحث والمؤرخ الإسرائيلي شلومو بن عامي الذي شغل منصبي وزير الخارجية والأمن الداخلي سابقاً يرى أن أهم الأسباب التي قادت الى تعاظم اليمين الإسرائيلي وتراجع اليسار هو التغيرات الديموغرافية والإثنية التي طرأت داخل إسرائيل، وليس بتأثير الصراع العربي الإسرائيلي. ويشير بن عامي الى أنه خلال العقود الثلاثة الماضية أسفرت التغيرات الديموغرافية عن تبلور ثلاث قطاعات سكانية رئيسية داخل إسرائيل، وهي: المهاجرون الروس الجدد، والشرقيون، والمتدينون، منوهاً إلى أن هذه التجمعات أصبحت تضم حوالي 80% من المستوطنين اليهود في إسرائيل. ويضيف بن عامي أن قوى اليسار لم تنجح في اختراق هذه التجمعات، التي خضعت منذ البداية إلى تأثير نخب مثقفة ذات توجهات يمينية صرفة. حسب بن عامي فإن المهاجرين الروس لوحدهم يشكلون 20% من إجمالي عدد المستوطنين في إسرائيل، ولا يوجد لليسار تأثير يذكر على هذا التجمع السكاني الكبير.
من ناحيتها أشارت النسخة العبرية لموقع صحيفة " هارتس " على شبكة الانترنت إلى أن حسب النتائج، فأن المهاجرين الروس قد منحوا حزب ليبرمان 10 مقاعد من أصل 15 مقعداً حصل عليها في الانتخابات، وهذا يعني الدور الحاسم للروس في تعزيز قوة اليمين المتطرف.
البرفسور سامي ساموحا، استاذ علم الإجتماع السياسي في جامعة حيفا يتفق مع بن عامي ويضيف أن هناك عاملين دفعا المهاجرين الروس الجدد لتبني التوجهات اليمينية المتطرفة، وهما:
أولاً: الرغبة في التميز عن المهاجرين المخضرمين، منوهاً الى أنه يكاد يكون أمراً مسلماً أن يندفع المهاجرين الجدد لتبنى المواقف اليمينية المتطرفة، واتخاذ مواقف عنصرية من العرب للتدليل على اخلاصهم لـ " الوطن الجديد "، على اعتبار أن المواقف العدائية من العرب ينظر إليها كدليل على " الوطنية "، مشيراً الى أن الذي يدلل على الرغبة في التمايز هو حرص الهاجرين الجدد على التطوع للخدمة في الوحدات المختارة والخاصة في الجيش الإسرائيلي عندما يحين موعد خدمتهم العسكرية الإلزامية. ويضيف ساموحا: " تبني المواقف المتطرفة هي ماركة الوطنية المسجلة في إسرائيل بالنسبة للمهاجرين الجدد.
ثانياً: التعرض لتأثير النخب المتطرفة، ففي الوقت الذي أهمل اليسار الإهتمام بالمهاجرين الجدد، فأن اليمين حرص على احتضان النخب المثقفة لديهم، ومساعدتها على بناء منابر اعلامية خاصة بها. فمثلاً الأغلبية الساحقة من هيئات تحرير الصحف الروسية الصادرة في إسرائيل وقنوات التلفزة ومحطات الإذاعة باللغة الروسية، وكذلك الصحافيون والمعلقون العاملون في وسائل الإعلام هذه يتبنون المواقف اليمينية المتطرفة. وإذا عرفنا أن الأغلبية الساحقة من المهاجرين الروس الجدد لا يتحدثون العبرية رغم أنه مضى على الكثير منهم حوالي عقدين من الزمن، ويعتمدون على وسائل الإعلام باللغة الروسية استقاء المعلومات، فإن هذا يعني أنه سيظلون عرضة لعمليات غسيل المخ باللغة الروسية، الأمر الذي يعزز فقط الميول اليمينية المتطرفة لدى هذه الشريحة الكبيرة.
وفيما يتعلق بالشرقيين، فأن البرفسور يهودا شنهاف وهو رئيس جميعة " قوس قزح شرقي "، التي تدافع عن حقوق اليهود الشرقيين في إسرائيل يرى أن معظم الشرقيين يرون أن الأحزاب اليمينية هي الكفيلة بالدفاع عن حقوقهم ومصالحهم و " إنصافهم من الغبن الطائفي " الذي يعانون منه منذ الإعلان عن الدولة، منوهاً الى أن الإستلاب لهذه القناعة دفع اليهود الشرقيين لمنح ولائهم بشكل أساسي إما لحزب الليكود، أو حركة " شاس " الأرثوذكسية ذات التوجهات المتطرفة التي رفعت راية رفع الغبن ومواجهة التمييز ضد الشرقيين.
وفيما يتعلق بالمتدينين، فأن المرء لا يحتاج أن يستفيض في شرح أسباب اندفاعهم نحو التوجهات المتطرفة، لخضوع المتدينين بشقيهم الصهيوني والأرثوذكسي لتأثير مرجعيات دينية متطرفة.

رواج نظرية " انعدام الشريك ":

من ناحيته يرى المفكر والكاتب الإسرائيلي عكيفا إلدار أن أحد أهم الأسباب التي دفعت الرأي العام الإسرائيلي للانجراف نحو التطرف هو اعتقاده أنه لم يعد هناك شريك فلسطيني أو عربي في أي تسوية مستقبلية للصراع. وفي تحليل لنتائج الانتخابات الإسرائيلية يشير االدار الى مفارقة هامة تتمثل في حقيقة أن ايهود براك زعيم حزب العمل، والذي يصف نفسه بـ " زعيم معسكر السلام "، هو المسؤول عن رواج نظرية " انعدام الشريك ". ويضيف الدار أنه في مطلع العام 2001، بعد انهيار مؤتمر " كامب ديفيد "، الذي جمع براك وكان وقتها يشغل منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، واندلاع انتفاضة الأقصى، خرج براك للجمهور الإسرائيلي وأطلق عبارته الشهيرة: " أقر واعترف أنه لا يوجد شريك فلسطيني في التسوية، لقد عرضنا على عرفات القمر، لكنه اختار أن يرد علينا بالإرهاب ". وسائل الإعلام الإسرائيلية التي كانت تشرف عليها النخب ذات التوجهات اليسارية تلقفت أقوال براك وتبنتها وروجت لها، فتسربت لوعي الجمهور الإسرائيلي كحقائق مسلم بها. ويشير إلدار إلى أنه على الرغم من أن الجمهور الإسرائيلي يؤمن بأن حل الصراع يتطلب تسوية سياسية ما على الرغم من عدم استعداده لدفع الثمن المطلوب لإنج، فأنه بات لا يؤمن أصلاً بوجود شريك. لكن الكاتب والباحث ارييه شافيت وإن كان يتفق مع الدار حول حقيقة تلقف الجمهور الإسرائيلي لفكرة " اللاشريك "، فإنه يرى في المقابل أن الجمهور الإسرائيلي لم يعد يؤيد حتى مجرد وجود عملية سياسية، فلسان حاله يقول " ما الجدوى من مفاوضات مادام ليس هناك شريك ". ويستخلص شفيت من ذلك أن المزيد من القطاعات الجماهيرية في إسرائيل قد حولت ولاءها لليمين وأحزابه، مشيراً إلى أن هذا كرس قوة اليمين مع مرور الزمن، متوقعاً أن تزداد قوة اليمين. تسفي هارئيل المعلق في صحيفة هارتس يرى أن تشرب نظرية " انعدام الشريك " أدى الى تحمس الجمهور الإسرائيلي للإجراءات القمعية ضد الفلسطينيين.

الحرب على غزة

من المفارقة ذات الدلالة أنه على الرغم من أن الحرب الإجرامية التي شنتها إسرالئيل على غزة أشرفت عليها حكومة تدار من قبل يسار الوسط واليسار، وعلى الرغم من الشعور بالرضا العارم الذي اجتماع المجتمع الإسرائيلي في اعقاب الحرب، فإن هذه الحرب تحديداً قد أدت إلى ارتفاع أسهم اليمين الإسرائيلي. الباحث زئيف سيجل يقول أنه يمكن تفهم هذا التوجه الذي يبدو لأول وهلة غير منطقي، لأنه كان من المفترض أن تؤدي الحرب الى ارتفاع أسهم حزبي كاديما والعمل الذان أدارا الحرب، منوهاً إلى أن هذا لم يحدث لأن الحرب فتحت شهية المجتمع الإسرائيلي الذي تحطمت كرامته في حرب لبنان الثانية لخيار القوة، وهو يرى أن الإسرائيليين يعتقدون أن قادة اليمين يمكنهم أن يتصرفوا في الحرب القادمة بشكل أكثر وحشية وقوة وحسماً من اليسار ويسار الوسط. ويؤكد تسفي بارئيل أن الذي يدلل على ذلك أكثر من أي شئ اخر، هو حقيقة أن حزب " إسرائيل بيتنا " الفاشي بقيادة ليبرمان حصل على أكثر الأصوات في كل المدن والمستوطنات التي تعرضت للقصف من قبل حركات المقاومة الفلسطينية. ويقول عوزي بنزيمان رئيس تحرير مجلة " العين السابعة "، التي تعنى بشؤون الإعلام في إسرائيل أن اليسار ضعف ليس بسبب أدائه وانما بسبب تعمق وترسخ الميول المتشددة في الرأي العام الاسرائيلي. نتائج الانسحاب من لبنان والحرب على غزة تعتبر في نظر الجمهور برهان اكيد عن عداء العرب الدائم لاسرائيل ودليلاً على فشل نهج المصالحه. اما شلومو غازيت، الجنرال المتقاعد، والباحث المعروف فيرى أن انتهاء حرب غزة بدون خسائر كبيرة للجانب الإسرائيلي ساهمت في تكريس قناعة الجمهور الإسرائيلي بأهمية عوائد الحرب، وهو ما فاقم التوجه نحو اليمين.

تآكل الفروق الأيدلوجية

الباحث ميرون بنفنستي يرى أن أحد أهم العوامل التي دفعت نحو انهيار اليسار هو حقيقة أن الجمهور الإسرائيلي لم يعد يلمس وجود فروق أيدلوجية ذات مغزى بين أحزاب اليسار واليمين. ويضيف بنفنستي أنه عندما يجلس حزب العمل الى جانب حزب الليكود في حكومة شارون الأولى والثانية، ويجلس حزب العمل الى جانب حزب " اسرائيل بيتنا " في حكومة أولمرت، فأن الجمهور الإسرائيلي يعي أنه لا يوجد في الحقيقة ثمة فروق بين أحزاب اليسار واليمين في إسرائيل. ويشير بنفنستي الى أنه من ناحية ايدلوجية، فإن اليسار واليمين يجمعان على قداسة اسطورة الاستيطان ويرفعان البيت والبؤرة الاستيطانية والشجرة المغروسة الى درجة قيمة عليا. وأشار إلى أن اليسار الإسرائيلي يواصل طرح شعارات فارغة دون أن يدلل ولو بفعل واحد أن لديه طرح آخر مغاير لما يطرحه اليمين، وحتى عندما يطرح اليسار حل الدولتين، فإن هذا الحل غير ممكن، حسب حكم الجمهور الإسرائيلي. ويضيف " من المريح طبعا مواصلة الكفاح التقليدي ذلك لأنه لا يوجد ابسط من اجترار شعارات رنانة معروفة. وعندما يتعلق الامر بشعارات قديمة لا يوجد اكثر من شعار "تقسيم البلاد الى دولتين قوميتين" تضليلاً لأنه يراهن على طرح حل متكافيء لتطلعات الاسرائيليين والفلسطينيين القومية "، على حد تعبيره. ونوه بنفنستي إلى أن اليسار هو " الذي تحمس لفكرة اقامة جدار الفصل العنصري في قلب الضفة الغربية الذي حاصر الأرض الفلسطينية، وجعل منها مناطق معزولة غير قادرة على الوصول للعالم الخارجي من خلف الجدران الفاصلة ومن دون قدرة على تطوير بنية تحتية مادية معتمدة اعتماداً كليا على احسان الخارج وصدقاته. في هذه الظروف يصبح شعار الدولة الوطنية الفلسطينية مهزلة تعبر عن النفاق والتصنع"، على حد تعبيره .
من ناحيته يقول وزير وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي إن الذي زاد الأمور تعقيداً ومس بالثقة باليسار وتحديداً حزب العمل، هو حقيقة تحول هذا الحزب الى لعب دور مقاول للأعمال القذرة من خلال تولي قادة الحزب منصب وزير الحرب في الحكومات التي يرأسها الليكود أو كاديما. ويضيف بن عامي أن الجمهور الإسرائيلي لديه القدرة على التمييز بين الأشياء، فعلى الرغم من أن قادة حزب العمل يقومون بالعمل القذر، فإن الذي حصل على ثمار هذا العمل هو الحزب الذي يرأس الحكومة.

نفاق اليسار

ويجزم الكاتب والمفكر جدعون ليفي أن نفاق اليسار وتردد قادته أدى الى تهاوي ثقة الجمهور الإسرائيلي به. ويشير ليفي إلى مثال واضح وصارخ يدلل على ذلك، وهي يولي تامير القيادية في حزب العمل والتي تشغل حالياً منصب وزيرة التربية والتعليم في حكومة أولمرت، والتي كانت رئيسة حركة " السلام الآن " و كانت تناضل ضد المستوطنات ومن أجل التسوية السلمية. ويتساءل قائلاً " هل كان يخطر ببال احد من قادة حركة السلام الآن، بأن رفيقته تامير ستصبح وزيرة في الحكومة التي تفرض حصاراً وحشيا على غزة منذ عامين؟ وهل كان ليخطر ببال اي من الاباء المؤسسين لهذه الحركة بأن رفيقتهم الهامة والبارزة ستصبح بعد حين وزيرة بارزة في الحكومة التي تنفذ سياسة الاغتيالات على غرار القتل بدم بارد الذي اقدم عليه مقاتلو حرس الحدود قبل اسبوعين في بيت لحم بأمر من وزير الدفاع "، على حد تعبيره.
ويضيف ليفي أن اليسار الاسرائيلي مات في عام 2000، بعد اندلاع انتفاضة الاقصى و " جثته الهامدة تدحرجت على رؤوس الاشهاد منذ ذلك الحين الى ان صدرت بالامس شهادة الوفاة وفقا للمراسيم "، على حد تعبيره. واكد ليفي أن زعيم حزب العمل ايهود براك هو الذي اعدم اليسار في عام 2000، وهو الذي دفنه في عام 2009، عندما اقنع الرأي العام الإسرائيلي أنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية التسوية. واعتبر ليفي أن اليسار يحمل اسم معسكر السلام " زوراً وبهتاناً "، مشيراً الى أن هذا المعسكر ممثل في حزبي العمل وكاديما هما الذان قادا حربين في عامين. وجزم ليفي أن قيم اليسار تتنافى مع الصهيونية. وقال " من يريد يسارا ذو اهمية عليه ان ينفي الصهيونية ويخرجها من داخله، لن يكون هنا يسار عريض اذا لم يقم التيار المركزي باعادة تعريف الصهيونية. لا يمكن ان يكون الواحد يساريا وفي نفس الوقت صهيونيا ".
ويسخر عكيفا إلدار من نفاق اليسار، منوهاً إلى أن كل من يكرر شعارات اليسار يصبح لديه الحصانة الإخلاقية لارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين. وأضاف " لقد حول قادة اليسار السلام الى علامة تجارية مظفرة، والاسرائيليون اكتشفوا بأنه لا توجد مادة تطهر الضمير افضل من انشودة للسلام. عندما اعلن عن نفسي "مؤيدا للسلام" يكون أسهل جدا عليّ التعايش مع الاحتلال. وعندما اشارك في مظاهرات السلام يكون أسهل جدا عليّ أن اخدم في الحواجز العسكرية التي تحول حياة الفلسطينيين الى جحيم ".
ويضيف الدار " الجمهور الإسرائيلي جمهور ذكي وفطن وهو يلحظ معالم نفاق اليسار، فيبتعد عنه لتأييد اليمين بسبب وضوحه وصراحته ".

المواقف العنصرية من فلسطينيي 48

دلت نتائج الإنتخابات الإسرائيلية على أن أحزاب اليمين و اليمين المتطرف قد حظيت بأغلبية الأصوات في جميع المدن الإسرائيلية المختلطة التي يقطن فيها فلسطينيو 48 والمستوطنون اليهود. فقد حصل حزب " إسرائيل بيتنا " بقيادة الفاشي ليبرمان على أكثر الأصوات في مدن اللد والرملة، ويافا والناصرة العليا وعكا. كما حصلت أحزاب اليمين على أغلبية الأصوات في مدن حيفا ويافا وبئر السبع. وقال أمنون أبراموفيتش كبير المعلقين في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أن المفارقة تكمن في حقيقة حصول حزب " إسرائيل بيتنا " الذي يمثل اليمين المتطرف على الترتيب الأول من حيث عدد الأصوات في هذه المدن التي تعتبر من المدن الكبرى والهامة في إسرائيل، مشيراً إلى أنه في حال حافظ الحزب على هذه الوتيرة في الانتخابات المقبلة، فأنه قد يصبح الحزب الأكبر في إسرائيل. وفي تحليل قدمه أشار أبراموفيتش إلى أن تصويت اليهود في هذه المدن لصالح ليبرمان يدلل على تعاظم المواقف العنصرية تجاه فلسطينيي 48، على اعتبار أن ليبرمان قد وعد اليهود بتخليصهم من فلسطينيي 48 عبر تجريد فلسطينيي 48 من حقوق المواطنة، وعلى رأسها الحقوق السياسية والحق في الحصول على مخصصات الضمان الإجتماعي. القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي بثت تحقيقاً حول تفسير المستوطنين الذين يقطنون المدن المختلطة لتصويتهم على هذا النحو لصالح اليمين المتطرف. ولعل الذي لفت نظر معد التحقيق هو التحول الذي طرأ على توجهات رئيس بلدية اللد مكسيم ليفي وهو شخصية سياسية كانت معروفة بإعتدالها السياسي، إلا أنه عشية الإنتخابات التشريعية إنضم إلى حزب " إسرائيل بيتنا "، وتجند مع جميع أفراد عائلته لصالح الحزب، حيث أصبح نجله الأكبر يرأس فرع الحزب في المدينة. أما راحيل بنت ليفي فقد قالت في التحقيق أنها صوتت لصالح ليبرمان لأنها لا تريد اياً من العرب في المدينة. وأضافت " يجب أن ينتهي كل شئ، يجب أن تتجند كل القوى الصهيونية من أجل سن قانون يسمح بطرد العرب من المدينة، لا أريد رؤية أي عربي هنا، رؤيتهم تثير حنقي وغضبي ". ونفس الموقف عبر عنه الكثيرون من المستوطنين الذين أجريت معهم مقابلات خلال التحقيق. يغآل مستوطن يبلغ من العمر 68 عاماً هاجر من العراق ويقطن مدينة الرملة قال " يتوجب استغلال كل فرصة من أجل طرد العرب، وجودهم أمر لا يطاق، هم أعداؤنا، بدلاً من أن نسمح لهم بالمشاركة في الإنتخابات يتوجب أن نقذف بهم خلف الحدود ".

السياسات الإقتصادية والإجتماعية

من ناحيته قال البرفسور دان غوفتاين استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية أن سياسة الخصخصة التي اتبعت في اسرائيل الحقت اكبر الضرر باليسار لأنها أوجدت مشاكل اقتصادية كبيرة، ساهمت بصعود نجم اليمين. وفي مقال تحليلي في صحيفة " هارتس "، قال غوفتاين " كلما تم تطبيق سياسة خصخصة، والتوقف عن تقديم مخصصات الرفاه الاجتماعي للجماهير يزداد شعور لدى الناس بعدم الامن الاقتصادي والاجتماعي، الذي يزداد بعقب الازمة الاقتصادية العالمية، مما يدفعهم لليمين ". واكد أن افضل وصفة لتنامي اليمين هو الجمع بين ازمة اقتصادية والشعور بعدم الأمن لأنه يولد شوقاً لوجود زعيم قوي يحل محل الديموقراطية. واكد أنه بدلاً من أن يواجه اليسار سياسة الخصخصة تواطأ في فرضها وغض الطرف عن مساوئها فقط من أجل أن يضمن مقاعد لقادته حول طاولة الحكومة.
وتتفق الباحثة بمبي شيلغ مع هذا الطرح قائلة أن قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي تشعر بان اليسار الاسرائيلي ليس معنيا حقا بالمجتمع الاسرائيلي الواسع، ولا يطرح تقليص الفقر والفوارق الثقافية وغيرها على رأس جدول اعماله. وتضيف " لهذا السبب لن ينجح اي حزب يساري اذا لم يعرض جدول اعمال مختلف وواسع مما عرض حتى اليوم. فاليسار لن يصل الى قلوب جموع جماهير اسرائيل الجوعى، لأن هذا الجمهور لا يرى أن في اليسار قيادة لديها احساس بالرسالة والالتزام ". أما سيفر بلوتسكير، المعلق الإقتصادي في صحيفة " يديعوت أحرنوت " فيقول أنه في الوقت الذي تتعزز فيه قوى اليسار في جميع أرجاء العالم، فإن اليسار الإسرائيلي ينهار وتتعاظم قوة اليمين بشكل غير مسبوق. وعزا بلوتسكير إنهيار اليسار الصهيوني إلى " القيادة الفاشلة " لإيهود براك لتجاهله التركيز على القضايا الاقتصادية والإنكباب بدلاً من ذلك على القضايا الأمنية، مؤكداً أن هذا المنحى اضعف اليسار.واضاف " لقد هبط حزب العمل الى رتبة حزب هامشي، والسبب هو القيادة المختلة لزعيم الحزب باراك والجماعة المحيطة به، لقد أخفى باراك ورفاقه الرسائل الاقتصادية والاجتماعية لحزبهم اخفاءً تاماً. ونجحوا في التهرب من عرض خطة شاملة لمواجهة الازمة الاقتصادية التي تهدد اسرائيل، وهذا كان خطأ كارثي، فبدلاً من أن يقول براك لعشرات الاف من الاسرائيليين الذين يخافون من أن يفقدوا أماكن عملهم في القريب العاجل أنه لن ننضم إلى أي حكومة لا تضع محاربة البطالة في رأس جدول اعمالها، فأنه أخذ يوزع التعهدات بالعمل حتى يعود الى منصب وزير الدفاع في الحكومة القادمة ".

تداعيات الإنتخابات الإسرائيلية عربياً:

هناك ما يبرر انزعاج أنظمة الحكم في دول ما يسمى بـ " محور الإعتدال " ا من نتائج الإنتخابات الإسرائيلية ليس لأن صعود اليمين الصهيوني سيضر بالقضية الفلسطينية أو حتى المصالح القومية للدول التي تحكمها تلك الأنظمة، بل لأن صعود اليمين سيعري هذه الأنظمة، ويحد من قدرتها على تبرير مواقفها المتخاذلة. ففي وجود اليمين الإسرائيلي لن يكون بوسع بعض الأنظمة العربية الزعم أن حركة حماس تهدد الأمن القومي لدولها، وذلك لتبرير محاصرة الشعب الفلسطيني والتآمر عليه والتواطؤ مع إسرائيل في ضربه كما حدث في الحرب الأخيرة على غزة. فعلى سبيل المثال ليس بوسع هذه الأنظمة تبرير موقفها من حماس في الوقت الذي يتولى فيه أفيغدور ليبرمان زعيم حزب " إسرائيل بيتنا " منصباً هاماً في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهو الذي يطالب بقصف السد العالي من أجل إغراق شعب مصر، وهو الذي انتقد سفر المسؤولين الإسرائيليين للقاهرة للقاء الرئيس المصري حسني مبارك، قائلاً " فليذهب مبارك للجحيم ". وليبرمان هو الذي يدعو إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في صحراء سيناء، فضلاً عن دعوته لتدمير القصر الرئاسي في دمشق. لن يكون من المريح لأنطمة الإعتدال أن يكرر ليبرمان دعوته لفرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى ومنع المسلمين من الصلاة فيه، ونزع الشرعية عن وجود فلسطينيي 48 فوق أرضهم، ناهيك عن مطالبته بإلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة من أجل القضاء على الوجود الفلسطيني مرة وللأبد.
في ظل وجود حكومة اليمين لن يكون بوسع " محور الإعتدال " بمواصلة التبشير بثمار " المسيرة السلمية "، فإن كانت حكومات الوسط واليسار في إسرائيل قد حولت المفاوضات العبثية إلى هدف بحد ذاته وهو ما راق لأنظمة " الإعتدال "، التي ظلت تواظب على تحميل حماس المسؤولية عن إفشال جهود التسوية، فأن الأخبار السيئة لـ " المعتدلين " العرب تتمثل في أن حكومة اليمين لن تقبل مواصلة مجرد المفاوضات رغم عبثيتها. نتنياهو في أحسن الأحوال سيعود لمعزوفة " السلام الإقتصادي "، أي العمل على تحسين ظروف حياة الفلسطينيين مقابل تنازلهم عن حقوقهم الوطنية، ومقابل كل ذلك، فأن حكومة اليمين ستطالب العرب بالتعاون معها في القضاء على حكم حماس، وضرب المشروع النووي الإيراني.
في ظل حكومة اليمين لن يكون بوسع النخب في العالمين العربي والإسلامي سواءً الحاكمة أو المثقفة تسويغ مشاركتها في مؤتمرات والتطبيع والتقارب بين الأديان التي تجمع المسؤولين الصهاينة بالمسؤولين العرب والمسلمين. فالكثير من قادة أحزاب اليمين الديني التي ستشارك في الحكومة القادمة يؤمنون بحكم " علقيم " التوراتي، والذي ينص على أنه يجوز قتل الفلسطينيين سواء كانوا شيوخاً أو أطفالاً أو نساءً وحتى الدواب. وعندما يسيطر الخطاب الصهيوني في نسخته الأكثر عنصرية وتخلفاً لن يكون من السهولة بمكان على الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس نفث أكاذيبه و تمرير أحابيله وتضليله.
سيحرج عرب " الإعتدال " ولن يتمكنوا من تسويع تطبيعهم للعلاقات مع إسرائيل في ظل وجود حكومية يمينية، لسبب بسيط أن الساسة اليمينيين في إسرائيل لا يولون اهتماماً نحو التطبيع مع العرب. ففي العام 2004 رفض ليبرمان وكان وزيراً للبنى التحتية دعوة من قطر لحضور أحد المؤتمرات التي عقدت هناك، قائلاً إن إسرائيل ليست في حاجة لعقد مثل هذه المؤتمرات.
صعود اليمين للحكم سيكون مصدر حرج أيضاً للإدارة الأمريكية والإتحاد الأوروبي وسيفضح المعايير المزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين التي تحكم السياسات الأوروبية والأمريكية في كل ما يتعلق بالعلاقة مع العرب وإسرائيل. لقد لعب الغرب دوراً هاماً ومحورياً في فرض الحصار على الشعب الفلسطيني ومنع عنه الطعام والدواء وحرم أطفاله من الحليب فقط من أجل دفع الشعب الفلسطيني للتمرد على حركة حماس، لكن هذا الغرب أعلن بشكل واضح وجلي أنه سيواصل التعاون مع الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل. على الرغم من هذا الموقف إلا أنه سيكون من الصعب أيضاً على الغرب تسويغ نفاقه، وسيكون عليه اتخاذ موقف أكثر أخلاقية عندما يعبر قادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن مواقفهم العنصرية الواضحة والجلية، والتي تهون الى جانبها مواقف النازية والفاشية.

*** دراسة نشرت في عدد مارس من مجلة " وجهات نظر " المصرية

الأحد، 22 فبراير 2009

من جديد عن مصر وحركة حماس .... بقلم : سري سمور

(1)
في كانون ثاني (يناير) عام 2008 وبعد تفجير مقطع من الجدار الحدودي بين مصر وقطاع غزة و«سكوت» مصر آنذاك على هذا الحدث ،سألتني إحدى وكالات الأنباء الفلسطينية عن سبب تساهل أو سكوت مصر على ما جرى فكان من ضمن إجابتي:-
- موقف الحكومة المصرية بالسكوت عن تفجير الجدار الحدودي بين غزة ومصر نابع من عدة أسباب منها غضب القيادة المصرية من الرئيس محمود عباس الذي يرفض فتح باب الحوار مع حركة حماس...الرئيس الراحل ياسر عرفات كان ينسق كل خطواته تقريبا مع المصريين وقد تعرض لانتقادات بسبب هذه السياسة، كما أن المصريين فتحوا قنوات مع كل القوى الفلسطينية وأصبحوا طرفا أساسيا في أمور عدة تتعلق بالعلاقات الداخلية وبعض الأمور المتعلقة بالصراع مع إسرائيل مثل مسألة الجندي شاليط؛ لكن الرئيس عباس يرفض الاستماع كما هو واضح للمصريين فيما يتعلق بفتح باب الحوار أو تبريد الأجواء مع حماس، وهو موقف يغضب المصريين بلا شك، خاصة أن عرفات والذي كان أقوى بمرات كثيرة من عباس، وكانت حماس في زمانه أقل قوة، لم يكن يتردد بالاستجابة لنصائح المصريين... المصريين يرسلون بذلك رسالة واضحة لأبي مازن وفريقه، وفيما فتحت الحدود وتنفس القطاع ولو جزئيا وباتت حماس قادرة على الصمود فترة طويلة بلا تعب، يقوم الرئيس المصري بانتقاد حركة حماس، وهذه لعبة بارعة من المصريين الخبراء في خبايا المنطقة.
- الرئيس جورج بوش لم يزر مصر إلا سويعات قليلة ألقى فيها دروسا في الديمقراطية، والإعلام الغربي يسهب بالحديث عن حقوق الإنسان في مصر وحقوق الأقليات، بل تمادى البعض وتحدثوا عن مخططات لتقسيم الدولة المصرية بين النوبيين والمسلمين والأقباط، كل هذا نابع من شعور بأن مصر ليس لديها ما تفعله، فكانت خطوة مصر الأخيرة رسالة معبرة بان اللعب مع مصر له ثمن كبير وأن لا مشكلة لو قويت حماس في غزة أكثر مما هي قوية إذا كان الأمر يتعلق بوحدة مصر ومستقبلها.
- صوت الشعوب بات يعمل له حساب في الوطن العربي وسيزداد تأثير الشعوب، وعليه فإن مصر لا يمكن أن تغمض عينها عن حركة الجماهير وتغلق أذنيها عن أصواتهم المطالبة بفض الحصار عن غزة، لا سيما أن شعبية مصر (كدولة ونظام) ستزداد أو تتحسن...مشكلة مصر هي في مسألة الربط بين الإخوان المسلمين وحركة حماس، ولكن يبدو أن الدولة باتت تدير هذه المعادلة بطريقتها، فأجهزة الأمن تقمع الإخوان ومناصريهم المحتجين، وفي نفس الوقت تنسق مع حماس بشأن غزة، فيبدو أن مصر تأكدت بأن حماس جادة وصادقة فيما أعلنته مرارا وتكرارا أن معركتها مع الاحتلال وأنها لا تتدخل بتاتا في شئون الدول العربية الداخلية،والإخوان والنظام المصري خرجوا من أزمة غزة متعادلين شعبيا.«انتهى»
كان هذا رأيي آنذاك ،ولكن حدثت تطورات لاحقة كما رأينا ،وقد كررت الحديث عن علاقة مصر وحماس في مقال-نصه موجود في نهاية هذا المقال،تحت عنوان «العلاقة بين مصر وحماس..إلى أين؟!» وذلك في آب(أغسطس) من نفس العام الماضي أي بعد شهور على إزالة مقطع من الجدار الحدودي،وتعليقي على ذلك لوكالة الأنباء المحلية،وما حدث من تطورات متسارعة،يدفعني ودفع غيري لإبقاء هذا الملف مفتوحا للنقاش،لا سيّما في هذا الوقت بالذات حيث أن حكومة الاحتلال المنصرفة تنكرت لاتفاق التهدئة الجديد وأحرجت مصر،وحكومة الاحتلال القادمة برئاسة نتنياهو لن تتردد في محاولة إحراج مصر أو محاولات دفع القيادة المصرية لتبني مواقفها كاملة بلا نقاش.
أعود إلى أول نقطة في إجابتي لوكالة الأنباء من أن مصر أرادت إرسال رسالة لرئاسة السلطة ،فهل وصلت الرسالة؟بالتأكيد نعم؛لدرجة أنه في أوج المحرقة الصهيونية في القطاع نظمت حركة فتح والسلطة مسيرات في الضفة الغربية رفعت صور الرئيس المصري والأعلام المصرية،ويجب ألا ننسى أن سفير السلطة في رام الله لدى القاهرة هو «نبيل عمرو» ومن السذاجة بمكان توقع دور السفير العادي لعمرو في مصر،فبكل تأكيد هو يبذل قصارى جهده لتحريض مصر على حماس ،وإيغال صدور المسئولين المصريين على قادة الحركة ،وعدم التساهل معها إلا إذا قبلت بالرضوخ لرؤيته ورؤية الفريق الذي يمثله!

(2)
بعد عودة الغزيين إلى قطاعهم من العريش ،وذلك مباشرة بعد شرائهم لحاجياتهم،أعادت السلطات المصرية بناء الجدار الحدودي بشكل أمتن وأقوى من السابق،وبدأ وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط يهدد «بكسر رجل من يعبر الحدود» وشنت الصحافة المصرية الرسمية عبر أقلام كبار صحفييها ومنظريها حملة عنيفة على حماس محملة إياها مسئولية الحصار المفروض،ورغم كل النداءات والمناشدات أبقت السلطات المصرية معبر رفح مغلقا،وكان هناك تعثر في ملفي صفة شاليط والحوار الوطني،وكانت كل المؤشرات تشير إلى أن التهدئة ستسقط لا محالة.
في ملف الحوار الوطني فقد دعت مصر الفصائل الفلسطينية إلى حوار يبدأ في 10/11/2008م وشعرت حماس بأن مصر منحازة تماما لفريق رام الله،وأن هدف الحوار فقط هو إعادة سلطة فتح إلى غزة دون الاتفاق على بقية القضايا الشائكة،كما أن السلطة لم تطلق سراح المعتقلين في سجونها في الضفة الغربية،إضافة إلى إشكاليات أخرى،فقاطعت حماس جلسات الحوار تلك،مما أغضب مصر،حتى أن مصادر صحفية ذكرت أنه حتى رئيس المخابرات المصرية «عمر سليمان» طالب بمعاقبة قادة حماس في دمشق وغزة على هذا الموقف،علما بأن رئيس المخابرات ومساعديه ظلوا طوال الفترات السابقة يتعاملون مع حماس بدفء أو لنقل بواقعية أكثر من وزارة الخارجية مع حماس.
التهدئة التي رعتها مصر لم تفتح المعابر إلا جزئيا وخرقها جيش الاحتلال مرارا وتكرارا ،وكأن على أهل القطاع أن يختاروا ما بين الموت من الحصار والقهر،أو الموت بالقنابل والصواريخ،وكان واضحا أن ثمة ما يدبر في الخفاء.
في مصر وهي تقف بجانب وزير خارجية أكبر الدول العربية أطلقت وزيرة الخارجية الصهيونية «تسيبي لفني» تهديداتها ضد حماس ،وما هي إلا ساعات معدودة عقب مغادرتها لمصر حتى بدأت المحرقة الصهيونية والحرب على غزة في 27/12/2008م لتنتهي مرحلة وتبدأ مرحلة أخرى .
(3)
رغم المحرقة أبقت مصر معبر رفح مغلقا ،وأوعزت الحكومة لحملة الأقلام الموظفين لديها تحميل حماس مسئولية ما يجري من قتل ودمار بدل مهاجمة الاحتلال،واتهام حماس بأنها «لعبة» في يد إيران؛فثار الشارع المصري والعربي ضد هذا المنطق الواهي،وبدا أن موقف العرب الرسمي لم يكن من الضعف منذ 60 عاما مثلما هو عليه الحال في ظل العدوان الهمجي على غزة،ولكن المقاومة صمدت وامتصت الضربة وحكومة غزة بقيادة حماس ظلت متماسكة ،لدرجة تمكنها من دفع رواتب موظفيها في ظل القصف،وكل دقيقة تمضي تضع النظام الرسمي العربي في موقف حرج،فالاحتلال غير قادر على سحق المقاومة،ومنظر الأطفال الممزقة أجسادهم والأسر التي تتعرض لإبادة تعرض على مدار الساعة على شاشات التلفزة محدثة غضبا وحزنا في قلوب الناس...
أطلقت مصر مبادرتها مع الرئيس الفرنسي ساركوزي،وفي ذات الوقت الذي أعلن فيه الرئيس المصري أن معبر رفح سيفتح فقط وفق اتفاق 2005 ،وهو بالمناسبة انتهى وتم تجديده مرة،ومصر ليست طرفا فيه،واستمرت المحرقة وارتفع عدد الشهداء.
ووجهت «لفني» إهانة جديدة لمصر فطارت إلى واشنطن لتوقع مع كونداليزا رايس التي توشك على ترك منصبها اتفاقا أمنيا يهدف حسب زعمهما إلى منع تهريب السلاح إلى المقاومة في غزة،وطالبت حكومة الاحتلال بوجود مراقبين أجانب على الشق المصري من الحدود ،وبدا الانقسام العربي واضحا بشكل مؤلم،وقاطعت مصر قمة الدوحة،وأقر أبو الغيط مؤخرا انه عمل بجد على تعطيلها وإجهاضها!
صمدت المقاومة وانتصرت وأصبح واضحا بأن حماس رقم صعب في المعادلة لا يمكن تجاوزه أو احتواؤه سواء بالحصار أو المقاطعة أو «بالفسفور الأبيض» وبرز لاعبون جدد في المنطقة مثل تركيا التي كان موقف رئيس وزرائها أفضل بكثير من الموقف الرسمي العربي عموما والمصري خصوصا.
ومن مصر ظهرت أقلام شريفة وأصوات مفكرين وكتاب حكماء انتقدوا موقف حكومتهم،حتى محمد حسنين هيكل المعروف تاريخيا بأنه ضد الإخوان المسلمين انتقد بصراحة موقف حكومة بلاده مما يجري.
(4)
لم تفتح مصر معبر رفح بشكل كامل بعيد المحرقة ومنعت العديد من الطواقم الحقوقية التي تهدف إلى استقصاء الحقائق تمهيدا لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة ،إضافة إلى صحفيين ومتضامنين من مصر وخارجها من الدخول،وحتى أن جرحى العدوان أفادوا بتعرضهم للمضايقات وخضوعهم لاستجوابات أجهزة الأمن المصرية.
وهنا تحركت مصر لدعم اتفاق تهدئة جديد،فدعت قادة حماس في دمشق وغزة للحضور إلى القاهرة لهذا الغرض لمناقشة هذه المسألة إضافة لموضوع الحوار الوطني الفلسطيني،وموضوع إعادة الإعمار ،وملف صفقة التبادل.
واستمرت مصر في هدم وتدمير الأنفاق وملاحقة التجار الذين يرسلون البضائع عبرها حتى كتابة هذه السطور،فيما أبدت حماس مرونة كبيرة في جميع الملفات،ولكن الاحتلال تنكر لاتفاق التهدئة،ثم تملص من استحقاقات صفقة التبادل،ووضعت نتائج الانتخابات الأخيرة في الكيان جميع الأطراف وخاصة مصر أمام أسئلة صعبة تحتاج إلى إجابة واضحة!
(5)
موقف حماس تجاه كل ما سردناه كان موقف الصبر والأناة والحكمة،فهي تعلم أن هناك في مصر من يستغل أن مصر هي الرئة التي يتنفس منها القطاع،وأن هناك من يريد أن يحملها مسئولية جرائم الاحتلال .
ولكن حماس بمرونتها وحكمتها أظهرت الصورة بوضوح أكثر؛فالحديث عن حساسية مصر وارتفاع منسوب الغيرة الوطنية فيها أمر تحترمه حماس ويحترمه كل عربي،ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بغضب:لماذا تستحضر هذه المشاعر والأحاسيس فقط ضد حماس؟حماس التي رغم وجود معتقلين لها في السجون المصرية(مثل القيادي القسامي أيمن نوفل) ورغم ما تسمعه من تجريح وقدح وتشكيك وهجوم من المستوى الرسمي والإعلامي في القاهرة ،بقيت تؤكد على دفء علاقتها بمصر وأهمية هذه العلاقة ،ولم يسجل في سجل حماس أي اعتداء على مصر؛فمن اختطفوا الدبلوماسي المصري «حسام الموصلي» قبل عامين في القطاع ليسوا من عناصر القسام ،ولم يسجل عن حماس تدخلها في الشئون الداخلية المصرية...لماذا لا تكون المشاعر والمواقف حادة ضد الكيان؛ولقد ذكرنا ما فعلته «لفني» وأيضا تهديدات «ليبرمان» ومطالبته العلنية بقصف السد العالي ،وتهجمه على شخص الرئيس مبارك بالقول:«فليذهب إلى الجحيم» ،ماذا لو أن عنصرا من الصف العاشر من حماس تفوه بكلمات أقل حدة ضد الرئيس المصري،كيف سيكون رد فعل الصحافة المصرية وخلفها الحكومة المصرية؟ولنتذكر أن «ليبرمان» هو صاحب الكتلة الثالثة في الكنيست حاليا وقد يتولى منصبا سياديا هاما فهل ستعلن مصر أن هذا الشخص «غير مرغوب فيه في مصر» أم ماذا؟هل أصبحت المشاعر الوطنية حسب المزاج وتستحضر ضد طرف هو أخ في الدين والقومية وشريك في المصير،ويتم تناسيها ضد طرف آخر هو عدو لئيم؟ومصر تعلن أنها لن تقبل بوجود «إمارة إخوانية إسلامية» على حدودها،حسنا،فلماذا تقبل كيانا صهيونيا يهوديا يمتلك مئتي قنبلة نووية على نفس الحدود؟
هذا يقودنا إلى التفسير الذي يردده مفكرون وكتاب من مصر وخارجها حول مخاوف مصر من تعاظم قوة الإخوان المسلمين لديها في حال تعاظمت قوة حماس في القطاع؛وموضوع توريث الحكم الذي يتطلب ترتيبات مع واشنطن أو «مقايضة» سياسية معها ،وبديهي القول أن هذا ليس في صالح الأمن القومي المصري ،ولا حتى في صالح الحزب الحاكم هناك؛وطبعا حاشا وكلا أن أكون أنا من يحدد لمصر ما هو في صالحها وما هو ليس بذلك،ولكن هذا ما يقره مصريون وطنيون مطلعون على الوضع،ثم أن التجارب أثبتت ذلك بما لا يدع أي مجال للشك.
(6)
مصر الآن بيدها ملف الحوار وستستضيف مؤتمرا لإعادة إعمار القطاع،وهي ما زالت الوسيط في مسألة شاليط ،وهي على وشك الوقوف في مقابل حكومة بقيادة نتنياهو ،وبات معلوما لدى مصر أن حماس مستعدة للتعاون إلى أبعد مدى معها في جميع هذه الملفات ،ولكن الطرف الصهيوني تنكر وانقلب على عقبيه ومسألة التهدئة الجديدة خير برهان،ولا يكفي تجميد بعض العلاقات التجارية مع الكيان،فالمطلوب من مصر أكثر من ذلك ليس دفاعا عن حماس ولا حتى عن الشعب الفلسطيني بل عن الكرامة المصرية والدور المصري إقليميا ودوليا،وهذا يتطلب وقف الهجوم على العرب والفلسطينيين بالقول بأن مصر قدمت آلاف الشهداء وتعرض اقتصادها للضرر الكبير في حروبها العديدة مع الكيان،حيث أن الكيان خطر عليها أولا في الماضي والحاضر والمستقبل،وخلال 36 سنة أي بعد حرب رمضان 1973 لم تجن مصر الشيء الكثير على مختلف الصعد،وهذا ليس تحريضا على حرب أعلم أن مصر لا تريدها ،ولكن الكيان يتآمر على مصر وسعى ويسعى وسيسعى لابتزازها وخلق الفتن داخلها،وحماس حركة داعمة لمصر في هذه الحرب غير المعلنة مع الكيان وعليه فإن أقل ما يمكن لمصر فعله يتلخص فيما يلي:-
1) دعم حوار وطني جاد والوقوف فعلا لا قولا على مسافة واحدة من فتح وحماس ،والسعي لإبرام اتفاق كامل يبني فوق الاتفاقيات السابقة ويحييها خاصة اتفاق القاهرة عام 2005 ،وأن تبقى مصر على تواصل لضمان استقرار الجبهة الداخلية الفلسطينية ،عبر دعم برنامج مشترك تجمع عليه كل الفصائل.
2) فتح معبر رفح فورا وبلا تأخير،ويمكن ذلك وفق تفاهمات 2005 مؤقتا،ولكن شريطة ضمان إقامة المراقبين الأوروبيين في الأراضي المصرية،حتى لا تبقى مصر وسيادتها محكومة لضابط صهيوني في معبر كرم أبو سالم.
3) أن توصل مصر رسالة واضحة للاحتلال سواء الحكومة المنصرفة أو القادمة بأنه من غير المسموح له العبث والتنكر لمتطلبات التهدئة واستحقاقات صفقة التبادل.
4) يجب ألا يكون ملف إعادة الإعمار وسيلة ابتزاز سواء لحماس أو للمشردين من أهل القطاع ،ويمكن لمصر أن تعمل الكثير في هذا المجال.
5) أن تفصل مصر بين حماس كحركة مقاومة فلسطينية رئيسية منتخبة،وبين صراعها مع إخوان مصر،وتأخذ سوريا في ذلك أسوة إذا أرادت،أو أن توجد أي صيغة تشاؤها شريطة ابتعاد هاجس الربط بين حماس وإخوان مصر.
6) وقف الحملات الإعلامية ضد حماس ،والتوقف عن فكرة ربط حماس بمحور إيران أو غيرها،فحماس معنية بعلاقات طيبة ومتينة مع الجميع لأن فلسطين تحتاج لجهود الجميع.
هذا أقل ما يمكن لمصر القيام به ،وإلا فإن مصر ستخسر ومعها فلسطين والأمة بأسرها ،وسيواصل الاحتلال صلفه وعدوانه،في الوقت الذي تنشغل مصر بشتم إيران،ومناكفة سوريا وقطر،ولأن الله خلق قانونا يقول بأن الوعاء أو الحيز يجب ألا يكون فارغا ،فإن الفراغ لا بد أن تملأه قوة غير مصر-مع الأسف- ،والطالب النجيب الذي يحوز على الدرجات الممتازة لا يقارن عادة بالطالب الكسول ،ومصر بحجمها وتاريخها وأهميتها لا يمكن أن تبقى –على لسان بعض كتاب السلطة- تتحدث عن دور بسيط جدا تقوم به مقارنة مع ما بيدها من أوراق مهمة وقوية!
فيما يلي نص المقال حول نفس الموضوع والذي كنت كتبته في 10/8/2008م
العلاقة بين مصر وحماس...إلى أين؟!
بقلم:سري سمور-جنين-فلسطين المحتلة
قبل أيام أعلنت مصر على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية أن معبر رفح لن يفتح إلا بعد عودة العناصر التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية للسيطرة عليه،هذا التصريح يضفي جوا من التوتر على العلاقات بين حركة حماس والحكومة المصرية لأن هذا الشرط يتطلب إنهاء حالة الانقسام القائمة حاليا وبناء مصالحة وطنية كاملة بين رام الله وغزة بعد حوار وطني ،وهو أمر يبدو متعثرا في الظروف الحالية كما أنه يتطلب وقتا لن يصبر عليه العالقون والطلبة والمرضى وأي راغب في السفر من غزة وإليها،كما أن هذا الشرط يضع علامات استفهام حول مستقبل التهدئة التي رعتها مصر في قطاع غزة والتي يتوقع سقوطها في حال لم يفتح المعبر واستمر الحصار الذي كان شديدا جدا جدا جدا فأصبح بعد التهدئة شديدا جدا جدا!
الموقف المصري يطرح التساؤلات أو يعيد طرح تساؤلات قائمة منذ سنوات عن طبيعة العلاقة بين حركة حماس وبين الدولة المصرية وملابساتها ومستقبلها،وانعكاس هذه العلاقة على الوضع الفلسطيني الداخلي وعلى مستقبل الصراع مع الاحتلال الصهيوني.
ولأن المجال لا يتسع للخوض في كل الجزئيات فسأحاول تسليط الضوء على مواقف وخلفيات ودوافع الطرفين :-
الموقف المصري...خلاف وارتباك وتخوف!
من الواضح أن هناك خلافا داخل مؤسسة الحكم المصرية حول كيفية التعاطي والتصرف مع حماس ،ولا ينبغي تفسير هذا الخلاف بفكرة « توزيع الأدوار » بين أركان الحكم في الدولة المصرية،لأن الخلاف أدى إلى ارتباك لا تريد مصر أن يظهر بكل تأكيد.
فموقف وزارة الخارجية على لسان الوزير أحمد أبو الغيط أو بعض المتحدثين باسم الوزارة يختلف بلا شك عن موقف المؤسسة الأمنية والوزير عمر سليمان مدير المخابرات،التشدد والتشنج تجاه حماس والذي وصل حد التهديد والوعيد وانعكس حتى على سكان قطاع غزة بقضهم وقضيضهم هو سمة واضحة لوزارة الخارجية،ومحاولة لعب دور الوسيط المتوازن بين حماس والاحتلال فيما يتعلق بالتهدئة وملف « شاليط » ،وبين الأطراف الفلسطينية في ظل الخلاف والانقسام من نصيب المؤسسة الأمنية،ولا يلغي أو يفنّد هذا الرأي وجود معتقلين من حركة حماس في السجون المصرية،نظرا للتشابك والتعقيد الموضوعي القائم في مصر.
أما عن موقف الطبقات السياسية والإعلامية الأخرى في مصر فقد اتسم بنوع من العدائية والتشكيك والتحريض على حماس وامتهن بعض حملة الأقلام من المقربين للحكم في القاهرة أسلوب «شيطنة» حماس وتحميلها وحدها المسئولية الكاملة عن حصار الشعب الفلسطيني وصولا إلى مهاجمة الشعب الفلسطيني بأسره!
أما الرئاسة المصرية فتحاول التحرك بين القطبين ،وكلنا يتذكر موقف الرئيس مبارك عقب إزالة الجدار الحدودي بين غزة ومصر ،وموقف الرئاسة هذا يأتي في سياق الترتيبات المستقبلية لوضع الجمهورية وآلية الحكم وانتقاله فيها،ومراعاة كل التغيرات المتوقعة والسيناريوهات المحتملة إقليميا ودوليا.
بالتأكيد لن نرى مصر (مؤسسة الحكم) تهيم حبا بحركة حماس نظرا لدوافع نفسية نشأت من قضايا داخلية ؛فالدولة المصرية ترى في حماس امتدادا لحركة الإخوان المسلمين بالمعنى الهيكلي والتنظيمي وليس فقط الأدبي والتاريخي والفكري كما تحاول حماس أن تبرهن في كل مناسبة،وقد أثبتت حماس عبر تاريخها ومنذ انطلاقتها قبل عشرين عاما أنها لا تتدخل في شئون الدول العربية الداخلية.
متى نرى تيارا في الحكم المصري يفصل بين صراع أو خلاف الدولة المصرية مع حركة الإخوان المسلمين الممتد منذ نهاية العهد الملكي وحتى الجمهورية الثالثة الحالية ،والذي اتخذ أحيانا شكلا عنيفا وقاسيا ودمويا خاصة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر(حملتي1954 و1965)،وبين تعامل مصر مع حماس كحركة مقاومة شعبية لا يستهان بحجمها لها أيديولوجية إسلامية وامتداد أو ارتباط تاريخي وأدبي مع إخوان مصر؟
ربما يكون الطرف الأمني في الدولة المصرية يحاول أن يجد صيغة لمثل هذا الفصل ،نظرا لأن مصلحة مصر كدولة وحتى مصلحة الحزب الوطني الحاكم تقتضي التعامل مع الواقع الفلسطيني كما هو بغض النظر عن إدارتهم للأزمة التي تأخذ مدّا وجزرا مع الإخوان في الداخل ،فبلا شك تدرك المؤسسة الأمنية أن الطرف الصهيوني سواء من في المعارضة أو في الحكم سابقا وحاليا ومستقبلا يسعى جاهدا لترحيل أزمة قطاع غزة إلى مصر وتحميل مصر مسئوليات أمنية وإنسانية وتوريط مصر بما لا شأن لها به ،وتحويل دورها المفترض وهو مساعدة الفلسطينيين بالحد الأدنى ضمن هامش المناورة المتاح لدور آخر يصل إلى حد لعب دور الوكيل عن الاحتلال ضمن خطة متدحرجة وبضغط أمريكي وربما بعروض من خلف الكواليس فيما يتعلق بالمنح والمساعدات وترتيبات الحكم في مصر مستقبلا،وأستطيع أن أؤكد أن المؤسسة الأمنية في مصر ولو كانت كارهة لحماس وحالمة بيوم تراها فيها قد اختفت إلا أنها في ظل الواقع ترى حكمها واستقراره في القطاع أفضل من السيناريو الفظيع الذي يحيكه أولمرت وباراك ونتنياهو وعاموس جلعاد ،ولكن ما حجم هذا التيار وما تأثيره في مصر ،بل ما مدى تأثيره على صنع القرار داخل المؤسسة الأمنية؟إن استمرار اغلاق معبر رفح رغم التهدئة الحالية والتعثر المستمر في إبرام صفقة تبادل الأسرى ،رغم التفاؤل الحالي بإنجازها بحلول شهر تشرين الثاني(نوفمبر)،كلها أمور تشي بأن التوجه العام في مصر الرسمية هو استمرار حالة الجفاء مع حماس حتى ترضخ الأخيرة للاشتراطات إياها والتي تجرد الحركة من مبادئها ولا تبقي بينها وبين خصمها السياسي فرقا إلا بالأسماء والمسميات.
وهنا لا بد من تحرك « عقلاء » السياسة والإعلام في مصر لإنهاء هذه الحالة لأنه ثبت تاريخيا أن محاولة حشر حماس في الزاوية والإمعان في استفزازها له نتائج لا يرتضيها خصومها أو منافسوها ،فحماس قبلت التهدئة ضمن وعود وتأكيدات وتطمينات برفع الحصار وفتح معبر رفح ،فإذا لم يفتح المعبر فهل ستستمر حماس في التهدئة؟الجواب سمعناه على لسان قادة الحركة وهو أنهم لن يتمسكوا بهذه التهدئة « ولتذهب التهدئة إلى... » إذا ما استمر الحصار ،ولا يفوتنا تزايد الحملات الأمنية في الجانب المصري ضد الأنفاق،مما يوحي بوجود مخطط متكامل لإخضاع حماس أو إحراجها لدرجة تفقدها كل مكتسباتها ،ويرى من يسعون لذلك أن حماس عاجزة حاليا عن فعل اي شيء سوى تنظيم المسيرات وعقد المؤتمرات الصحفية والتنديد والشجب،وأن حماس لا تجرؤ على قلب الطاولة حاليا لأنها-باعتقادهم- متمسكة بحكم غزة تحت أي ظرف؛ولكن هذا الاستنتاج والتحليل خاطئ مئة بالمئة ،والتجارب السابقة خير دليل ،والتحليل المنطقي هو الذي يشمل كل السيناريوهات والتوقعات مهما كانت نسبتها وعليه ،كيف سيكون موقف مصر إذا نفضت حماس يدها من التهدئة بحجة مقبولة لديها ولدى فصائل المقاومة الأخرى وهي عدم فك الحصار؟وهل وضع المراهنون على عجز حماس في حسبانهم احتمالية وصول الأخبار العاجلة التالية إلى سمعهم وبصرهم:-
« سقوط مئة صاروخ من طراز قسام على اسديروت وعسقلان خلال 24 ساعة » !
« تفجير دبابة ميركافاة بعبوة زرعتها المقاومة على حدود قطاع غزة » !
« عملية معقدة تسفر عن أسر جندي جديد ...أي أن يكون هناك زميل لشاليط » !
على الجميع خاصة من يسعون لإخضاع حماس ألا يفترضوا استحالة وقوع أي من أو حتى جميع هذه الأحداث ،وعندها سيهرول الجميع داعين حماس لضبط النفس وضرورة تثبيت تهدئة جديدة ،أما إذا كان هناك من يراهن أن عملية عسكرية واسعة في غزة ستحسم الأمر فليفكر مليّا وبعمق وليستحضر أي تداعيات ستجرها مثل هذه العملية على المنطقة بأسرها!
من هنا وجب على الحكماء والعقلاء في مصر،وهم كثر ولله الحمد،أن يخرجوا مصر الكنانة من « هوس » ازدياد خطر وشعبية الإخوان في مصر إذا تحسن وضع حماس في غزة،لأن الاستمرار في هذه اللعبة خطر جدا ،والمؤشرات ونواقيس الخطر تفصح عن أمور خطرة...إذا استمر الحصار،وحماس برعت في صنع المفاجآت في كل مرحلة!
موقف حماس...ديبلوماسية وضبط نفس وحذر!
في كل مناسبة تؤكد حماس على دفء وقوة العلاقات مع مصر،وأن مصر هي الرئة التي يتنفس منها القطاع ،وتنفي حماس أي شائعة تنشرها صحيفة هنا أو مجلة هناك عن مهاجمة أو انتقاد مصر ،ويحرص قادة حماس على مد جسور الود والتفاهم مع مصر ،وعلى الرد الإيجابي الحذر على اقتراحات مصر،دون المساس بثوابت الحركة ،فمن الحكمة أن تبقي حماس على علاقتها بمصر بل وتحسن وتطور هذه العلاقة،ورغم أنها ترى إعراضا في بعض الأحيان من الطرف المصري فهي لم ولن تقطع شعرة معاوية معه ،بل إن حماس ورغم ضغط قواعدها وأنصارها ونصائح المراقبين والمتابعين بل حتى كثير ممن يعنيهم الأمر وأقصد الأسرى ما زالت تضع ملف « شاليط » فوق الطاولة المصرية ولن تدعو أحدا لهذه الطاولة إلا بعد موافقة صاحبها المصري رغم التعثر الذي يكتنف هذا الأمر محملة الطرف الصهيوني مسئولية التعثر بسبب التعنت والغطرسة.
ولكن حماس حرصت في تعاطيها مع المصريين على الحفاظ على مواقفها المعروفة من القضية الفلسطينية بدبلوماسية واحتراف ،وتصر على مطالب واضحة لا نقاش فيها فيما يختص بصفقة التبادل المتوقعة،وترفض حماس نشر قوات عربية أو مصرية أو دولية في قطاع غزة لاعتبارات معروفة ولتيقنها بالجدل المحتدم داخل مصر حول هذه المسألة ،أما فيما يتعلق بموضوع الحوار الداخلي فحماس تدرك أنه رغم التحالف الافتراضي لما يعرف « بمحور الاعتدال » العربي الذي يضم ضمنا السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس فإن علاقة هذا الفريق بمصر ليست بتلك القوة والدفء والمتانة التي كانت قائمة أيام الرئيس عرفات؛فمعروف أن الأخير كان يستشير مصر في أدق التفاصيل ويستمع للمصريين ويأخذ بنصائحهم إلا في حالات نادرة ،أما فيما تلا مرحلة عرفات فقد ضعفت العلاقة-نسبيا- بين رام الله والقاهرة،ولا أظن أن مصر تنسى أن الرئيس مبارك توقع بعيد الحسم العسكري في غزة أن تتم المصالحة الوطنية بعد شهر ومضى الشهر والذي تلاه وصولا إلى عام ونيف ولم تتم المصالحة،ولعل هذا ما دفع مصر لإرسال رسالة واضحة حين غض الأمن المصري نظره عن تفجير الجدار الحدودي في رفح مطلع العام الجاري ...صحيح أن مصر ترى ان كل طرف يقول أنه حريص على الوحدة الوطنية وإعادة اللحمة لغزة والضفة مع تمسك الفريقين بمطالبهما؛إلا أن مصر بدأت علاقتها بحماس عمليا خلال انتفاضة الأقصى أما علاقتها بالرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير فقديمة ،وهي تلحظ التغير ،فأبو مازن ليس كأبي عمار في التعاطي مع مصر ونصائحها ،ولا شك أن هذا يستفز مصر.
كما أن حماس تدرك أن حرب مخابرات خفية تدور بين مصر والكيان العبري وان الأخير يسعى لنشر شبكات التجسس وإغراق المجتمع بالمخدرات والفساد ،وأن مصر خاصة المؤسسة الأمنية قد ترى في حماس رأس حربة تحمي بها كيانها ومجتمعها من الخبث الصهيوني ،خاصة أنها لا تستطيع حاليا خوض مواجهة علنية مفتوحة مع الكيان العبري،ولهذا لم تطلب مصر من حماس إعادة الوضع في قطاع غزة إلى ما كان عليه قبل 14/6/2007م وهو ما يصر عليه الرئيس محمود عباس ،بل إن رئيس المكتب السياسي لحماس الأستاذ خالد مشعل أكد في غير مناسبة أنه ليس ثمة دولة عربية واحدة طلبت من حماس هذا الطلب!
ولكن حماس في ذات الوقت تدرك حساسية مصر من الحركات الإسلامية التي هي واحدة من أهمها وأقواها،وتعي حجم الضغوط على مصر وهامش المناورة المتاح لها في ظل الإدارة الأمريكية الحالية وربما القادمة،مما يؤدي إلى بقاء معبر رفح مغلقا واستمرار معاناة أهالي غزة التي طال أمدها ولم يعد من المنطق تحملها.
ومن هنا فإن حماس قد تلجأ إذا استمر الوضع على ما هو عليه إلى الانفجار بوجه الاحتلال ،مع الحرص الشديد على إبقاء علاقات ودية وتواصل دائم مع مصر،حتى ولو سمعت من الأخيرة ما يغضب ويستفز،الله وحده يعلم إلى أين ستصل الأمور ...الأسابيع والشهور المقبلة ستحمل في ثناياها تغيرات مفصلية...والله تعالى أعلم!

-انتهى نص المقال-

رقصة الموت: «فالس مع بشير» والعطف على القاتل... بقلم : د.اسعد أبو خليل

أثار فيلم «فالس مع بشير» للمخرج الإسرائيلي آري فولمان جدلاً كبيراً في الصحافة اللبنانيّة والعالميّة. وقد مُنِع عرضه رسمياً في لبنان بسبب سياسة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، رغم وصف وزير الإعلام اللبناني طارق متري منع الفيلم بالأمر «العبثي». هنا مقالة حول الفيلم:فيلم «فالس مع بشير» معروض في بعض المدن هنا في أميركا. لم أرد أن أراه في شاشة عرض، كي لا أسمع تأوّهات جمهور ليبرالي مُوافِق في مدينة «بيركلي» مثلاً. والأهم، لم أرد أن أدفع قرشاً لشركة إسرائيليّة. أذكر عندما ذهبت لمشاهدة فيلم «ميونيخ» لستيفن سبيلبرغ مع صديقة يساريّة (ومُخرجة أفلام وثائقيّة)، لم أعد أراها إلا لماماً. انتهى الفيلم وأنا أريد أن أذهب بعيداً عنها جداً، نحو الأناضول. حاوَلَت جاهدة أن تقنعني بأن السيد سبيلبرغ كان مُنصفاً وأن الفيلم لم يكن مُجحفاً بحق العرب مثل غيره من أفلام هوليوود. هل تريدينني أن أُسرّ إذا صُوِّرنا كنصف بشر مقارنة بتصويرنا كحيوانات؟ هل قرأتِ مذكرات أبو داوود قبل أن تناقشيني؟ هل يعلم سبيلبرغ أن عمليّة ميونيخ لم تأتِ من القيادة بل من القاعدة التي كانت تغلي بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المستمرّة على مخيّمات اللاجئين في لبنان آنذاك؟ كانت كلماتي تتسارع ونبرة صوتي تتوتّر، وكانت هي تظن أنها تهدِّئ أعصابي. من قال لها إنني أريد أن أهدأ؟ أذكر لبنان في تلك الفترة عندما وقعت عمليّة ميونيخ. وكان الجيش اللبناني في كنف... الجيش اللبناني، وبدأ بعض منه يتصل بالعدو الإسرائيلي في ذلك الوقت كما تذكر المراجع العبريّة. أي إن بعض الجيش كان في كنف العدو. غضبتُ من الصديقة وباعد الفيلم بيننا.لم أردْ أن أعيد الكرّة هذه المرّة مع أحد. أردت أن أغضب وأن أشتم بمفردي. صديق جاءني مشكوراً بنسخة عن الفيلم من الصين (اطلبوا الأفلام الجديدة في الصين ـ تحيا القرصنة)، بعضنا لا يزال يقاطع الكيان الغاصب. والفيلم يُعرض برعاية السفارات الإسرائيليّة حول العالم، كما ذكرت صحيفة «الغارديان»، كما أنه تلقّى دعماً ماليّاً من مؤسّسات الدولة العدوّة التي يسخر طارق متري من مقاطعتها.ولكن قلت في نفسي إن مشاهدة الفيلم في صالة أميركيّة أقلّ إيلاماً من مشاهدته في بيروت مع رهط من مثقفي (ومثقفات) 14 آذار. تصوّرت هؤلاء وهم يجهدون لرؤية جوانب إنسانيّة في كل ما يصدر من العدو: هؤلاء ـ ليبراليّو الوهابيّة، تعرفونهم ـ يحاولون أن يقنعوا الرأي العام العربي بأن كل ما يصدر عن العدو الإسرائيلي من قنابل وصواريخ وأشعار وأغانٍ وتصريحات وشتائم وعنصريّة وكراهية يتضمّن مقداراً من الليبراليّة ومن الإنسانيّة ومن الحضاريّة المرهفة. يحاولون بشتّى الوسائل أن يتنسّموا عند العدو بوادر أو خيالات اعتدال. هؤلاء الذين (واللواتي) ينظّرون ترحيباً بفاشيّة العدو، ويقولون لك إن هناك بديلاً أكثر تطرّفاً مما رأيت، أو إن تطرّفهم نابع من تطرّفنا، كما أفتى حازم صاغيّة (المُرشد «الفكري» لسعد ونادر الحريري) وردّدتها بعده جيزيل خوري (التي قاطعت أبو العلاء في مقابلة غاضبة، وأعلمته أنه ليس صحيحاً أن أميركا تناصر إسرائيل دائماً. «أعلمته» أن كلينتون ضغط على نتانياهو، لا بل ساهم في إسقاطه). هؤلاء ينتظرون كلمة من «آموس عوز» كي يقنعوا الرأي العام العربي بضرورة الصلح مع إسرائيل. وعندما يصمت «عوز» أو عندما ينطق مؤيّداً للقتل وللمجازر، يُذكّرونك بتلك التظاهرة اليتيمة بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، متناسين أن التظاهرة كانت لأسباب إسرائيليّة انتخابيّة بحتة، ولا علاقة لضحايانا بها. هؤلاء ينتظرون ظهور معارض واحد خجول في إسرائيل ليصرخوا: انظروا إلى ديموقراطيّة إسرائيل. «واو».ولكن لحسن حظّي لم أشاهد الفيلم مع هؤلاء، ولم أحضره بوجود مراسل «هآرتس» في بيروت كما روت الصحيفة. والفيلم، في منطلقاته الفكريّة، يذكّر بتلك اللوحة لرينوار بعنوان «الجامع»، وأنا أسميها لوحة «الكتلة»، وهي غير «الكتلة الوسطيّة» التي يباركها البطريرك، وإن كان يحذِّر من تدخّل الدين في السياسة. تظهر في لوحة رينوار أجسام مُبهمة غير واضحة في إشارة إلى الجمع المُسلم. وهي تُجسِّد الخيال الاستشراقي، حيث تنتفي فرديّة الشخص العربي أو المسلم. هم ـ الفصل الإيبستومولوجي بين «نحن» و«هم» جزء أساسي في فكر الاستشراق كما بيّن إدوار سعيد في كتاب «الاستشراق» ـ دائماً كتل بشريّة متراصّة لا حدود بينهم. هم يسمّونه «الشارع العربي». وهذا التصوير الجموعي يهدف إلى تسهيل ضرب الكتل العربيّة والمسلمة وتعذيبها وقصفها وقتلها واستعمارها. لا فرادة لنا في لوحة رينوار، ولا في فيلم «فالس مع بشير». يمرّ العرب في الفيلم (ضحايا أم قتلة أم «إرهابيّون») عَرَضاً وكتلاً ومن دون فرادة أو شخصانيّة. يمرّون على الشاشة دون أن ينطقوا أو أن يظهروا أفراداً. يعبُرون في ظهور خاطف كي لا يتحسّسهم المشاهد، وكي لا تقوم علاقة بين المشاهد وبينهم. تقارن ذلك بمشاهد الجنود الإسرائيليّين الذين لا يظهرون إلا فرادى.يحرص الفيلم، كما يجري دائماً في إعلام الصهيونيّة الليبراليّة، على التعرّف، عن كثب، إلى كل جندي يظهر في الفيلم. لا بل ترى الجندي طفلاً يساعد أمه في المطبخ، وتراه مع الحبيبة، وتراه يعاني دوار البحر ويتقيّأ، وما على المشاهد (والمشاهدة) إلا التأوّه والتحسّس مع القاتل الإسرائيلي الذي يعاني.وهناك مدرسة بحالها في اليسار الصهيوني تعبّر عن امتعاض ـ لا أكثر ـ من بعض ممارسات الحروب الإسرائيليّة وعن بعض جوانب الاحتلال من باب أنها مضرّة بـ«الروح الإسرائيلي» أو بـ«نفسيّة الجندي». أي إن معارضة المجازر عند هؤلاء ـ مثلاً الآلاف الذين تظاهروا بعد مجازر صبرا وشاتيلا ـ ليس من منطلق التعاطف مع الضحايا والشعور بمصابهم، بل من باب تعزيز الروح القتالي والقومي (وحتى الديني عند البعض) للجيش المُستعمِر. وأنسنَة القاتل والعطف عليه هما الوجه الآخر لإفراغ الآخر الفلسطيني من إنسانيّته: فهو لم يكن يوماً إنساناً كاملاً، في نظرهم. تقرأ الأدبيّات الصهيونيّة منذ البداية لتجد أنه إما لم يكن موجوداً إطلاقاً أو كان ـ في تصويرهم ـ فلاحاً متخلّفاً أو بدوياً دونيّاً أو لاجئاً دون صفة وطنيّة ثم تحوّل إلى «مُخرّب» (وهي التسمية ذاتها التي درجت عليها إذاعة «صوت لبنان» الكتائبيّة أثناء الحرب) في الستينيات، إلى أن رست الدعاية الصهيونيّة على صفة «الإرهابي». ولا يشذّ الفيلم عن القاعدة، حتى في ما يتعلّق بذلك الصبيّ البرّاق وهو يطلق قاذفة «أر.بي.جي» في وجه المحتلّ.لكن المعيار ال(لا)أخلاقي للفيلم يظهر جلّياً منذ البداية إذ إن المُتحدّث كان يعاني كوابيس بسبب قتله كلاباً في جنوب لبنان. وفي مشهد آخر يتأوّه جندي إسرائيلي لمشهد إصابة الأحصنة في سباق الخيل في بيروت. فالحيوان أثمن عندهم من العربي، بناءً على تراتبيّة عنصريّة لا تختلف في توجّهاتها وفي منطلقاتها عن التراتبيّة النازيّة. وهناك منظمة أميركيّة ليبراليّة لم تكترث يوماً لحياة شعب فلسطين، قامت بحملة للاعتناء بالحيوانات في غزة. العربي والمسلم بمعيار ليبراليّة الرجل الأبيض هو أقل مرتبةً من الحيوان. وقد يتعاطف المشاهد الغربي مع الجندي الإسرائيلي لأنه بدا أشدّ تأثّراً بقتل الحيوان على يد الإنسان العربي في اجتياح 1982.وهناك ما هو أهمّ. لماذا التركيز الصهيوني على مجزرة صبرا وشاتيلا دون غيرها من مجازر ارتكبها العدوان الإسرائيلي في عام 1982، عندما قتل ما يقارب 20,000 فلسطيني ولبناني معظهم من المدنيّين والمدنيّات؟ السبب واضح، وهو لا يرتبط بفظاعة جريمة القوات اللبنانيّة التي ارتكبت من المجازر ما يملأ أي تأريخ للحرب الأهلية اللبنانيّة. تريد إسرائيل في دعايتها من التركيز على صبرا وشاتيلا دون غيرها التنصّل من المسؤوليّة، لا تحمّلها.وهذا ما عناه «فولمان» في الدعاية المُصاحبة للفيلم عندما قال «إن لا علاقة للجندي الإسرائيلي بتلك المجزرة». فإسرائيل اختارت مجزرة ارتُكبت على يد حلفائها حتى تبقى على مسافة من المسؤوليّة. تريد إسرائيل (والفيلم) أن تقول إنها لا تقوم بتلك الأفعال الشنيعة مع أنها قتلت في ذلك الاجتياح أضعاف عدد الضحايا في تلك المجزرة البشعة. وجاء في فيلم الترداد الببغائي السهل لكليشيهات الكراهية العنصريّة أن العرب يقتلون دفاعاً عن «الشرف» و«العرض»، وكأن الانتقام ليس من صفة الصهيونيّة. ولم يفهم بشير الجميّل وزوجته التي أعدّت الأطعمة اللبنانيّة لأرييل شارون أنهما رغم ادعائهما «الفينيقيّة» فإن الصهاينة ينظرون إليهما كعربيّين، شاءا أم أبيا، مهما تصنّعا ومهما حاول أمين الجميّل أن يبدو متمدّناً أمامهم.والفيلم يمرّ على اجتياح إسرائيل للبنان عرضاً، ويتناسى قصداً عدداً من الحقائق العنيدة. لم يرد الفيلم أن يذكر، مثلاً، أن إسرائيل لم تجرؤ على غزو بيروت إلا بعدما رُحِّل عنها خيرة مقاتلي المقاومة الفلسطينيّة الأشدّاء، وبعد وضع العدو الآلاف من الشبان والأولاد والنساء في معسكرات اعتقال. لكن الفيلم أظهر المَخفي: أن جنود الاحتلال يخافوننا. أخافهم صبية في عين الحلوة وفي مخيّم الرشيديّة.ويمكن القول إن الخدعة الدعائيّة انطلت علينا من عام 1948 إلى عام 2006. لا ينكر إلا الجاحد (أو الدعائي الوهابي أو الدعائي الصهيوني، وهما حليفان هذه الأيام) أن حرب 2006 قضت للأبد على أكبر عنصر استراتيجي في حوزة العدو: القدرة على التخويف وعلى زرع وهم انعدام الخوف في طرفه. ولو لم يُقضَ على هذا العنصر في حرب لبنان، لما تطوّر عدوان تموز على النحو الذي جرى به، دون حسم لمصلحة العدوّ. كما أن الدافع الأيديولوجي عند الجندي الإسرائيلي يقلّ: الخدمة في الجيش أصبحت وظيفة للارتزاق. وعندنا، حدث العكس: القتال لم يعد على يد من يمتهن القتال لكسب الرزق، بل على أيدي متطوّعين شديدي البأس ومتشبّثين بالعقيدة (الدينيّة هذه الأيام).وعندما ترى الفيلم تتذكّر تلك الحقبة الأليمة. تشاهده بغضب. وجدتني أتفرّس في رسوم الوجوه لجنود العدو، وأتساءل: هل رأيتُ واحداً من هؤلاء عندما لجأت إلى بلدة القليلة قرب صور صيف 1982؟ هل أوقفني واحد من هؤلاء على حواجزهم؟ هل شارك واحد من هؤلاء في تجميعنا ذات صباح في ساحة القليلة من أجل فرز «الإرهابيّين» بيننا بناءً على إشارات وشاة مقنّعين؟ ووجدت نفسي أتابع الفيلم بغضب وغيظ، محاولاً إعادة كتابة تلك الحقبة. لماذا لم تتعامل الحركة الوطنيّة مبكراً مع ظاهرة حزب الكتائب التي ترعرعت منذ الخمسينيات (وفق المراجع العبريّة) في كنف دولة إسرائيل؟ لماذا لم يتعامل اليسار الفلسطيني والجناح غير العرفاتي في حركة فتح مع ياسر عرفات الذي عمل المستحيل للقضاء على إمكانات الثورة اللبنانيّة والفلسطينيّة؟ كان من الممكن أن تنشأ مقاومة فاعلة في جنوب لبنان عام 1978 بعد الاجتياح الأول. يومها بادر العراقي هاشم علي محسن إلى إطلاق (وتسمية) جبهة المقاومة الشعبيّة لتحرير لبنان من الاحتلال والفاشية، واتصل بمحسن إبراهيم وجورج حاوي لكن عرفات (راعي الاثنيْن) رفض. كان يفضّل استعمال ساحة لبنان للمفاوضة على تأليف فصائل مقاومة. لهذا، لم تكن تعيينات عرفات العسكريّة، من شاكلة الحاج إسماعيل وأبو الزعيم، عفويّة. زَرَع الفاسدين لإفشال المقاومة.من المؤلم مشاهدة الفيلم لمن يستطيع تبيّن المعالم والشوارع والبساتين. ماذا يفعلون على أرضنا؟ يريد الفيلم أن تتعاطف مع جنود الاحتلال وأن تتناسى أن محتلّي فلسطين يمشون ويتجوّلون خائفين مذعورين على أرض محتلّة أخرى. هو الاحتلال المُكرَّر. يريد منّا الفيلم أن نقبل احتلالهم، وأن نتألّم فقط لمشاهد قتل الفلسطينيّين على يد عصابات القوات اللبنانيّة التي نشأت وترعرعت ونمت بقرار من إسرائيل. لكن هذا الإصرار الإسرائيلي على الفصل بين جيش الاحتلال وقوات رجل إسرائيل في لبنان يمثّل تنصّلاً من مسؤوليّة الاحتلال المباشرة.تشاهد الفيلم وتتذكر تلك الحقبة وتجول بناظريك بين أهل السياسة في لبنان. تتذكر متعاوني الاحتلال آنذاك. كان بشير الجميّل يهدِّد بقوات إسرائيل وإن لم يُكتب له أن يقطف ثمار عدوان راعيه. وسمير جعجع، قائد تلك العصابات التي قَتَلَت في صبرا وشاتيلا، يُنظِّر اليوم في موضوع استراتيجيا دفاعيّة للبنان. أما صولانج التي قالت لشارون وزوجته إنها تريدهما أول ضيوفها في القصر الجمهوري في بعبدا، فقد أتت إلى برلمان لبنان بتحالف رباعي بغيض. وواحد من قادة عصابات الجزارين في صبرا وشاتيلا (الذي مثله مثل جعجع تلقّى تدريبات وإرشادات في إسرائيل)، إيلي حبيقة، حوّله رفيق الحريري والنظام السوري وحلفاؤهم إلى زعيم وطني. وهناك جوني عبده، اللصيق منذ سنوات مبكرة برفيق الحريري كما روى هيكل وعبد الله بو حبيب. يبتسم جوني عبده، الذي كان يستضيف أرييل شارون في منزله، عندما يُسأل إذا كانت استخبارات الجيش في عهده تُرسل سيّارات مُفخّخة إلى بيروت الغربيّة، ويقول إنه لا يؤكّد ولا ينفي. أراد الحريري أن ينصّبه رئيساً، قبل أن يستقرّ الأمر على رئيس كان يتلقّى ـ كما روى حسن صبرا أخيراً ـ مبلغاً شهرياً بقيمة 350 ألف دولار (كان باني الدولة الحديثة يبدأ البناء برشوة رئيس الجمهوريّة اللبنانية).حقبة اجتياح إسرائيل لم تُمحَ من الذاكرة لمن عاشها. تتذكر تفاصيلها ومقدّماتها. كيف كان هتلر لبنان الصغير، بشير الجميّل، يستعين بإسرائيل لتهديد أعدائه من اللبنانيّين. عندما علم بشير الجميل بأمر عدوان إسرائيل ـ قبل أن يسمع أحد بـ«شلومو أرغوف» ـ استدعى الإعلامي عرفات حجازي ليتحدّث بتهديد عن «القرار». وبعد توقف التصوير، أصرّ الجميّل على تحميل حجازي ـ كما روى لي الأخير ـ شتائم سوقيّة بذيئة لشفيق الوزان، مع أنه كان أداة طيّعة بيد الياس سركيس وأمين الجميّل من بعده. صحيح أن عدداً من الميليشيات ارتكب مجازر، لكن جرائم القوات اللبنانيّة أكبر من غيرها: 1) لأنهم بدأوا بالتطهير العرقي والطائفي. 2) بدأوا بالقتل على الهويّة. 3) أقاموا علاقات مع إسرائيل منذ الخمسينيات. 4) حضّروا للحرب، وأجّجوا لها، وأصرّوا على استمرارها. 5) حاولوا استيراد نموذج فاشي ـ نازي في ربوع الأرز والبلّوط. لكن، كل المشاريع الطموحة تكسّرت على صخور طائفيّتهم هم. وسواعد الصبية في مخيم عين الحلوة بدأت مسيرة لم تنتهِ. أذنت لاندثار نموذج الانفلاش العسكري الأهوج الذي أشرف عليه عرفات، وبدأت أفعال مقاومة ضد إسرائيل منذ إنشائها.لم يرد الفيلم أن يتحدّث في التاريخ. لم يرد أن يتحدّث في المعاناة. حتى عندما تتطرّق الليبراليّة الصهيونية إلى المعاناة، هم يعنون معاناة القتلة. كوابيس جنود الاحتلال كانت أهم من معاناة ضحايا صبرا وشاتيلا. تحدّث الجنود عن معاناتهم فقط، لم يُسمح للضحايا العرب بالتحدّث عن معاناتهم هم (وهن). كوابيس جنود الاحتلال كانت أفظع من قتل الأطفال في قصف إسرائيل الوحشي قبل صبرا وشاتيلا وبعدها.سيحصد الفيلم عدداً من الجوائز. وسيحاور المخرج عدداً من الليبراليّين العرب، وقد يوقّع مع ياسر عبد ربّه وثيقة من أجل نسيان الماضي والولوج في سلام من أجل إسرائيل. ونخبة الثرثرة في الإعلام السعودي ستبجّل الفيلم وستعتبره ذروة في الرهافة الإنسانيّة. كُتب عن الفيلم في لبنان وكأن أحداثه جرت في بلد آخر غير لبنان. لم يعاجلهم أحد بالقول إن الميليشيا التي ارتكبت المجزرة في صبرا وشاتيلا تتشارك في حكومة مع فريق المقاومة في لبنان. وللأسف إن هناك من يريد أن يقتنع بأن العدو رحيم ورؤوف، والمطالبة بالعودة إلى اتفاق الهدنة هو تسليم بـ(لا)منطق، لكون إسرائيل حملاً وديعاً في ربوعنا. وهناك من سيتعجّل الحكم على الفيلم. تسرّع من رأى في المخرج فولمان «مناضلاً» يدين حروب إسرائيل. هو لم يفعل شيئاً من ذلك، على العكس، صوّر ضابطاً إسرائيلياً يتدخّل لوقف المجازر، وكأن اجتياح لبنان في ذلك العام تضمّن مجزرة واحدة فقط. وبشير حبيب يكتب في نشرة حريريّة أن الفيلم «عمل كبير وجريء». ساطع نور الدين كان من الأقلام العربيّة القليلة التي عبّرت عن شكوك في دعاية الفيلم عن نفسه وعن جرأة المخرج المزعومة.لكن لبنان طوى صفحة في تلك الحقبة. وباشر أعداء إسرائيل في لبنان ضرب مخطّط لإنشاء كيان متحالف مع الدولة اليهوديّة. منا من يرى الفيلم ويعود بالذاكرة إلى شعار طواه الزمن بعد مجزرة عين الرمّانة: شعار عزل الكتائب كان صائباً منذ إطلاقه، وكمال جنبلاط قُتل لأنه كان مقتنعاً ـ بعد لأي ـ بجدوى الحسم العسكري مع إسرائيل. لكن ياسر عرفات والنظام السوري لم يريدا الحسم العسكري: وعدم اللجوء إلى الحسم العسكري في ذلك الربيع مدّد أَجَل الحرب الأهليّة اللبنانيّة وفوّت فرصة تاريخيّة لإقامة نظام ديموقراطي (حقيقي لا حريري ـ سعودي المقاس) علماني في قلب العالم العربي. لو تحقق هذا الأمر، لكان من الممكن تصدّي لبنان لعدوانات إسرائيل التي لم تتوقّف يوماً منذ عام 1948، ولكانت حدود لبنان أمنع بكثير.وزير الإعلام في لبنان ـ وهو يحلم بأن يتحوّل إلى رقيب حريري أعلى للإعلام في لبنان ـ سخر من فكرة مقاطعة إسرائيل، وقال في تصريح لوكالة أجنبيّة إن مشاهدة الفيلم ممكنة عبر الإنترنت. ورغم معرفة متري بوجود الإنترنت ـ وهذا حسن ـ ففكرة المقاطعة هي فكرة مبدئيّة ـ قد تكون المبدئيّة كفكرة تعصى على وزير إعلام لبنان ـ واقتصاديّة أيضاً. إن السماح بعرض الفيلم سيدرّ ربحاً ماليّاً على شركة إسرائيليّة تروّج ـ بعلم الوزير أو بجهله ـ لمعايير صهيونيّة. وفي حمأة المعركة الانتخابيّة في إسرائيل، عيّر إيهود باراك منافسه ليبرمان بأنه لم يقتل ـ مثله ـ عرباً بيديه. هل يحتاج طارق متري إلى دروس في تاريخ الصهيونيّة ليفهم سبب إيمان الرأي العام العربي العميق بضرورة المقاطعة، على أقلّ تقدير؟ أم أن شروط انضمام لبنان لمنظمة التجارة العالميّة (التي شغلت رفيق الحريري) تفرض نبذ المقاطعة من أساسها؟
أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا

اتفاق الخنوع لحماس ... بقلم :د. فايز ابو شمالة

يهودا فجمان" مرشد دورات عسكرية، وخبير في تاريخ الجيش الإسرائيلي، كتب في صحيفة يديعوت أحرنوت مقالاً تحت عنوان، [اتفاق الخنوع لحماس] اختصره في التالي: لقد سرنا في الحرب على غزة على حد السكين، لذلك سننجر إلى الحرب ثانية، ويقارن الكاتب بين الانسحاب الإسرائيلي من لبنان سنة 2000، ثم حرب 2006، وتواصل تزود حزب الله بالأسلحة، ويقول: نفس الشيء يحدث في غزة، انتفاضة سنة 2000، بعد ذلك الانسحاب الإسرائيلي من غزة 2005، وبعد أكثر من تهدئة تتوقف حرب الرصاص المصبوب قبل أن تحقق أهدافها، وستواصل حماس تسليح نفسها لحرب قادمة.
ويقول الكاتب: لقد توصلت (إسرائيل) إلى تهدئة مع منظمة ما زالت تصر على تدمير دولة (إسرائيل)، بينما قد فشلت (إسرائيل) في وقف إطلاق الصورايخ، وهذا الفشل الفاضح سيضاف إليه قريباً إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين الذين قتلوا يهود، إن في ذلك تعزيزاً لقبضة الإرهاب بمساعدة الإسرائيليين الذي يسعى الإرهاب لتصفيتهم، إنها أكبر مهانة في تاريخ الدولة العبرية، لقد عرفت حماس كيف تواصل خرق التهدئة بذكاء لا يجر الجيش إلى حرب، ليبقي السكان في فزع لا يشعر فيه القادة، ورجال الأعمال، إنها تهدئة مؤقتة، وستجرنا إلى حرب جديدة، وعلى الحكومة القادمة أن تعمل على حماية مواطنيها، ولا تلتزم بهذه التهدئة المهينة.
شدني تعليق القراء اليهود على المقال، وقد تجاوزت 150 رداً في ساعات، وكان الاهتمام واضحاً بالموضوع، وتركزت الردود على تغذية الفكرة ذاتها التي أتى عليها الكاتب، وظهر الخوف من الغد واضحاً، ولكن لم ألحظ في الردود هجوماً شخصياً ، كما ترى في بعض المواقع الفلسطينية، عندما يترك الموضوع جانباً، ليبدأ الردح.
لقد أجمع المعلقون إلا قليلاً على مضمون المقال، وعلى الفشل العسكري، وانعدام الأمن، وانتصار حماس، فمنهم من كتب: إلى متى سندفن رأسنا في الرمال، وهيا لنخرج إلى الشوارع كي يتنبه القادة؟ وأحدهم كتب: أغلقوا أفواه الجنرالات في (إسرائيل)، الذين لم يستخدموا القوة، والقوة، وفقط القوة. أما رقم [147] فقد كتب: حكومة يمينية قوية قادرة أن تعيد كل أرض (إسرائيل) إلى اليهود فقط.
ولكن رقم [71] كتب: هل حسبتم أن الفلسطينيين سيقبلون إلى الأبد أن يظلوا خيال الحقل، حتى لو دمرتم حماس، سيأتي من هو أشد، وأقسى، لا يكفي أن تعتمدوا على قوتكم، وكتب "اوري" رقم [31] يقول: سأذكر بعض الحقائق: أنتم تحاصرون الفلسطينيين، ثم تقولون لا يوجد من نتحدث معه، في السابق قلتم لن نتحدث مع المنظمة، اليوم تشتاقون للمنظمة، واليوم تقولون لن نتحدث مع حماس، وعندما سيأتي تنظيم القاعدة ستشتاقون للحديث مع تنظيم حماس، أقول لكم أن حماس شرعية ، تحدثوا معها، وكفاكم اعتماد على القوة دون طائل، رد عليه رقم [ 99]: وغداً يصير تنظيم القاعدة قانونياً، وما سيأتي لنا أصعب من القاعدة غير قانوني، المشكلة ليست في عدم وجود من نتحدث معه، المشكلة على ماذا سنتحاور مع الفلسطينيين، إنهم لا يريدونك هنا، ولا جدل، ولا نقاش جماهيري بينهم حول عدم حقك في العيش هنا، هل تستطيع أن تقنع الفلسطينيين أن يتركونا نحيا هنا بهدوء.
ولكن أغرب تعليق جاء فيه: ورغم صدق المقال، وواقعيته، فقد حصلت "كاديما" على 28 مقعداً. إنه شعب (إسرائيل) الغبي الذي يختار مثل هؤلاء، وغداً سيدفع ثمن اختياره.

كي لا نستمر في ملاحقة سراب الدولتين.. د.علي الجرباوي

مع أن الانتخابات الإسرائيلية لم تحسم مسألة رئاسة وتركيبة الحكومة القادمة، وهو أمر سيبقى متأرجحاً حتى يتم التوصل إلى ائتلاف جديد، إلا أن هذه الانتخابات حسمت بشكل واضح توجّه إسرائيل السياسي نحو اليمين. فكتل اليمين واليمين المتطرف حصلت على الغالبية في الكنيست القادم بمجموع 65 مقعداً. بينما لم يتمكن تحالف ما أصبح يُعرف الآن بأنه الوسط ويسار الوسط (أحزاب «كديما» و «العمل» و «ميرتس») من تجميع سوى 44 مقعداً، في حين أصبحت حصة القوائم العربية - وهي لا تدخل في حسابات تشكيل الحكومة - 11 مقعداً. ليس هذا فحسب، إنما يجدر الانتباه إلى أن حزب «كديما» ليس بالواقع حزب وسط حقيقي لأن حوالي نصف أعضائه المنتخبين الآن هم يمينيون أصلاً، وجاؤوا الى الحزب الجديد من خلال انشقاق هندسه شارون داخل حزب «الليكود».وإذا أضيف إلى ذلك أن حزب "العمل" تحرّك تحت قيادة ايهود باراك باتجاه اليمين، فإن النتيجة المستخلصة من حصاد الانتخابات أن ائتلافاً يمينياً جديداً، أكثر غلوّا من الائتلاف الحاكم حتى الآن، هو الذي سيحكم إسرائيل خلال الفترة المقبلة. فسواء أصبح نتانياهو أو ليفني رئيساً للحكومة القادمة فإن تركيبتها وتوجهاتها ستكون بالتأكيد أكثر يمينية من تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية.من أهم ما يثيره هذا التوجه نحو اليمين في إسرائيل تساؤلات حول مستقبل مسيرة التسوية السياسية، إن كانت ستستمر أو ستتوقف، وعن فاعليتها إن هي استمرت، وعن المطلوب فلسطينياً وعربياً لضمان هذه الفاعلية. فالمهم ليس ضمان شكلية استمرار المفاوضات كونها الوسيلة وليس الغاية، بل المهم يتعلق بأن تحقق هذه الوسيلة الغاية منها، وهي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعادة الأرض العربية المحتلة وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال للشعب الفلسطيني.واضح أن مسيرة التسوية السياسية ستشهد مستقبلاً صعباً جرّاء هذا التوجه إلى اليمين في إسرائيل. ولكن يجب أن ننتبه أن وضع هذه المسيرة لم يكن بحال جيدة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية. قد يدّعي البعض أن هناك فروقاً بين الأحزاب الرئيسية في إسرائيل، وأنه لا يمكن المقارنة بين توجهات حزب «كديما» أو «العمل» مثلاً مع «الليكود» أو «إسرائيل بيتنا». لذلك فإن ائتلافاً تقف على رأسه ليفني سيختلف بالتأكيد عن ائتلاف برئاسة نتانياهو في ما يتعلق بمسيرة التسوية السياسية. مع أن ذلك قد يبدو صحيحاً على السطح، إلا أن نظرة مُعمّقة ستثبت العكس. فهذه الأحزاب الرئيسية الأربعة، والتي تدور بينها المحادثات والصراعات لتشكيل الائتلاف الحكومي القادم، وإن اختلفت في طريقة عرضها لمواقفها تجاه الفلسطينيين، فإنها تتفق في المضامين التي تعبّر عنها تصرفاتها على ضرورة فرض تسوية سياسية على الفلسطينيين وفق الاشتراطات الإسرائيلية، وليس التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين تقوم على أخذ الحقوق والمطالبات الفلسطينية في الاعتبار. فجميع هذه الأحزاب تشترك في رؤية متقاربة، إن لم يكن متماثلة، حول مصير القدس وقضية اللاجئين، وتقوم بدعم الاستيطان وتريد فرض المناطق التي تريد ضمها من الضفة لإسرائيل على الفلسطينيين.إن كان هناك اختلاف بين هذه الأحزاب فإنه يتعلق فقط بماهية الشروط التي يريد كل منها فرضها على الفلسطينيين في التسوية السياسية، وكيفية تحقيق هذا الفرض. لهذا السبب لم تشهد عملية المفاوضات أي انفراج مع الحكومة الإسرائيلية الحالية حين كانت ليفني، المعتبرة الآن أكثر اعتدالاً وأقل تطرفاً من نتانياهو أو ليبرمان، مسؤولة عن الملف. باختصار، لن تبدأ عملية التسوية السياسية بالمعاناة مع الائتلاف الحكومي القادم في إسرائيل، وذلك لأنها كانت تعاني أصلا وتصاعدياً مع جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ توقيع اتفاق أوسلو، بما في ذلك معاناة خاصة مع الحكومة الحالية التي تتشكل أساساً من حزبي «كديما» و «العمل»، والتي لم تكتف بعرقلة عملية التفاوض بل شنّت على لبنان وغزة حربين هائلتي التدمير والتخريب.في كل الأحوال، لن تقوم الحكومة الإسرائيلية القادمة، مهما كان عمق يمينيتها، بوقف عملية التسوية، أو حتى بالدعوة إلى ذلك. بل على العكس تماماً، سنجد أنها، وفي البيان الحكومي الذي ستنال عليه الثقة في الكنيست، ستدعو الفلسطينيين والعرب إلى استمرار التفاوض للتوصل إلى هذه التسوية.بالطبع، هذا لا يعني بالضرورة أن هذه الحكومة ستكون جادّة في دعوتها أو أدائها التفاوضي، ولكنه يعني أنها تحسب الحسابات السياسية الضرورية للحفاظ على المصلحة الإسرائيلية العليا، وتتصرف وفقاً لذلك. ففي واشنطن توجد الآن إدارة جديدة ذات توجهات مختلفة عن إدارة بوش السابقة التي كانت تقدّم لإسرائيل الدعم اللا محدود.ومن خلال التصريحات حول توجهات سياستها تجاه ملف التسوية، أو السرعة في تعيين مبعوث للشرق الأوسط مهمته الأساسية التعامل مع هذا الملف، أعطت هذه الإدارة مؤشرات سريعة على أنها تريد ليس فقط تحريك هذا الملف، وإنما التوصل إلى تسويته. ولأنه في الحسابات الاسرائيلية من غير المفيد للحكومة الجديدة الدخول في مواجهة مبكرة مع إدارة أوباما، فإن هذه الحكومة ستحاول إبراز مدى اهتمامها بالتعاون مع المبعوث الأميركي، وستبدأ بإلقاء اللوم على الفلسطينيين والعرب على العثرات التي سيواجهها في مهمته.ليس هذا فحسب، بل إن استمرار عملية التسوية وفق المواصفات الإسرائيلية سيوفر، كما في السابق، الغطاء اللازم للحكومة الجديدة للاستمرار، بل وتكثيف، خلق الوقائع على الأرض، وخصوصاً في موضوع الاستيطان. فالقناعة المترسخة عند النخب السياسية في اسرائيل تقوم على أساس أن الواقع يُثبّت فقط بواسطة فرض الوقائع المادية الملموسة على الأرض. بالتالي، ستتكلم الحكومة الإسرائيلية القادمة بأعلى نبرة، كسابقاتها، عن توقها لتحقيق السلام، ولكنها ستستمر في اتخاذ كل الإجراءات على الأرض بما يحول دون إمكانية إجبار إسرائيل على القبول بتسوية لا ترغبها.على الفلسطينيين والعرب عدم الوقوع في وهم إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية مع هذه الحكومة، أو فخ الانسياب إلى عملية المفاوضات فقط بحكم العادة السابقة، أو تخوفاً من العودة إلى نقطة الصفر، أو تحسباً من إمكانية «إزعاج» الإدارة الأميركية الجديدة المعنيّة بدفع ملف التسوية السياسية. فالحكومة الإسرائيلية القادمة، على أقل اعتبار واحتمال، لن تتخلى عن القدس الشرقية، ولن تقبل بحق العودة، مهما كان مخففاً، أو بتفكيك مستوطنات بغضّ النظر إن كانت في شرق أو غرب الجدار الفاصل العازل، ولن توافق على وجود ممر بريّ يصل الضفة بالقطاع.هذه الحكومة، باختصار، لن توافق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود عام 1967، أو ما يقارب ذلك. لذلك لا فائدة ترجى من استمرار التفاوض معها بنفس الطريقة العبثية السابقة، والتي لم تنتج للفلسطينيين إلا استمرار الاحتلال والاستيطان والحصار والحشر في معازل، بل والتعرض لأبشع فظاعات الحرب. ويجب الاعتراف أن كل المفاوضات السابقة لم تراكم للفلسطينيين سوى المعاناة الناجمة عن ذلك. أما بالنسبة لإدارة أوباما فمع أنه ليس من الحكمة على الإطلاق قيام الفلسطينيين أو العرب باستهداف «إزعاجها»، بل ومع إظهار كل النيات والتوجهات الايجابية للتعاون الوثيق معها ومع مبعوثها للمنطقة، فإن ذلك يجب أن لا يعني بتاتاً القبول باستمرار عملية التفاوض بنفس الطريقة السابقة. ويجدر التفكير أن هذه الإدارة قد تكون بحاجة حقيقية إلى مساعدة من خلال اتخاذ موقف فلسطيني وعربي أصلب تجاه المفاوضات، كي تتمكن من موضعة موقفها وتحركها باتجاه مغاير لذلك الذي اتبعته إدارة بوش.آن الأوان للتوقف عن ملاحقة السراب. فحلّ الدولتين وصل بفعل الإسرائيليين إلى طريق مسدود، ولن يولد ولادة طبيعية لمجرد الاستمرار بالمفاوضات. بل سيحتاج إلى عملية قيصرية لا يبدو أن إسرائيل معنيّة بها أو راغبة بتحمّل إجرائها، أو حتى قادرة على ذلك. هذا لا يعني ضرورة حدوث تحوّل انقلابي في الموقف الفلسطيني والعربي يرفض تماماً التسوية السياسية. ولكن ما يعنيه ذلك أن على الفلسطينيين والعرب تبنّي استراتيجية جديدة بهذا الخصوص.تقوم هذه الاستراتيجية على تحويل رد الفعل إلى فعل، ووضع الشروط عوضاً عن استمرار تلقّيها. فقد آن الأوان، كي يكون لاستمرار عملية التفاوض معنى ومغزى، أن تقوم إسرائيل بإثبات قبولها بمبدأ حل الدولتين واتخاذ الإجراءات الدّالة على ذلك. فالفلسطينيون والعرب قبلوا بهذا المبدأ وطرحوا المبادرة العربية. أما إسرائيل فقد قبلت بالمبدأ مع أربعة عشر تحفظاً أدت إلى إحالته إلى عدم، ورفضت المبادرة العربية بالفعل وليس فقط بالقول، إذ اجتاحت مدن الضفة بعد يوم واحد فقط من تبنّي تلك المبادرة في قمة بيروت.لإثبات جدوى المفاوضات على الحكومة الإسرائيلية القادمة اتخاذ خطوات أساسية يقف في مقدّمها وقف العمليات الاستيطانية، ورفع الحصار، وتفكيك الحواجز العسكرية في أرجاء الضفة، وتوسيع سيطرة السلطة الفلسطينية على أراضيها، والشروع بإجراءات فتح الممر البري بين الضفة والقطاع، والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين على دفعات متفق عليها مسبقاً. مقابل ذلك يدخل الفلسطينيون والعرب مع إسرائيل في عملية مفاوضات جادة، محدّدة الفترة الزمنية، في أجواء من التهدئة الهادفة إلى إنهاء الاحتلال والتوصل إلى تسوية شاملة، لا سباق فيها لمسار على مسار. فالهدف يجب أن لا يكون استمرار المفاوضات، بل إنهاءها والوصول إلى نتيجة ايجابية لها. إن قبلت إسرائيل بذلك تكون قد أثبتت جدّيتها، وان رفضت أو راوغت ينكشف موقفها ويصبح على المجتمع الدولي، وفي مقدمه إدارة أوباما، ضرورة مجابهة ذلك. وعلى كلٍ يجب على إسرائيل تحمّل تبعات قرارها، فإما إنهاء احتلالها لجميع الأراضي العربية والقبول بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وإما تلقّي نتائج تحولها مع الأرض الفلسطينية المحتلة إلى دولة واحدة تطيح بالمشروع الصهيوني برمّته.الخيار ليس لنا فقد اتخذناه سابقاً، بل الخيار لإسرائيل ويجب إجبارها على اتخاذه وإلا فلن نحصل منها سوى على «البقايا» التي لا تريدها، وهذا يجب أن لا يصبح قدراً يُفرض علينا أو خياراً مقبولاً لنا.

كفى، انهوا الامر \ بقلم: يوئيل ماركوس \ هآرتس 20/2/2009

مر يوم آخر انعقد فيه المجلس الوزاري السياسي دون اتخاذ قرار. يوم آخر وبعده يوم آخر، لم توضع فيه على الطاولة قائمة 1.400 سجين ارهابي فلسطيني تطالب بهم حماس كي تعيد لنا جلعاد شليت. جلسوا خمس ساعات، ومرة اخرى لم يقرروا كيف سيكون نظام التبادل ومن سيسبق من وماذا سيسبق ماذا. بعد قليل تنهي الحكومة الحالية ولايتها، وايهود اولمرت يحاول في نهاية النهاية اقناع ناخبيه بانه رغم تلنسكي ورغم التحقيق الشرطي رقم 14 فانه رئيس وزراء فائق وشجاع حتى النهاية. وعلى حد تعبير ارئيل شارون الالمعي، فانه "في النظر الى الوراء دوما يرى الناس ستة على ستة".
بعد قليل الف يوم على شليت في الاسر، والحكومة لا تزال في المتاهة او في المعضلة في كيفية اعادته. مشروع، وان لم يكن دوما انسانيا، ان يظهر المرء متصلبا تجاه صفقة مقترحة على ظهر جندي واحد. ولكن ما الذي ينتظره قادة الدولة؟ ان يكون مصير شليت كمصير رون اراد؟ ما الذي ننتظره؟ ان تقوم حاليا حكومة يمينية قد ينشأ فيها معارضو تعرقل الصفقة؟ الجملة التي اقتبست على لسان احد نشطاء الاتحاد الوطني "سنضحي بارواحنا كي نعرقل الصفقة"، يجب أن تثير لدينا القشعريرة. وصمة كهذه سبق ان علقت بنا ذات مرة عندما "نسينا" في حملة السويس 1956 ان نحرر شبابنا من "العمل المخجل" في القاهرة، عندما كان في ايدينا أسرى كثيرين لنستبدلهم بهم بمن فيهم ضابط برتبة جنرال.
مشروع المساومة، من نحرر مقابل شليت ومن لا. ولكن سخيفا في هذه المرحلة ربط التحرير بمسألة المعابر. مع كل الاحترام لمصر فليست هي من يقرر الجدول الزمني لتحرير اسيرنا. شليت اسر في وردية اولمرت، وكان هناك انطباع بان رئيس الوزراء لن يترك منصبه قبل أن يحرره بـ "الثمن المقبول" والاليم. لديه اسناد من وزير الدفاع والقيادة العسكرية. ليس واضحا لماذا غير رأيه. الجدال هو على ما يبدو بين اولمرت وايهود باراك، في مسألة اذا كان ينبغي ربط التهدئة بتحرير شليت. حرب لبنان الثانية، التي قتل فيها 160 مقاتلا ومدنيا، اندلعت بموافقة اولمرت وبمبادرته بهدف انقاذ مخطوفين اثنين من ايدي حزب الله. ومع الايام تبين، حسب وضع السيارة التي اختطفا منها وكمية الدم بانهما ليسا على قيد الحياة، ولكن نصرالله لعب بنا بالاعيبه في أنه حتى لقاء معلومة عن كل قطعة من جسد ينبغي دفع ثمن. وفي النهاية دفعنا.
على شفا اقامة الحكومة الجديدة فان من شأن هذا الهدف السامي لفداء الاسير ان يصبح بسرعة حربا لليهود ايضا. المزاعم في أن عاموس جلعاد جاء وخرج بشكل مستقل الى القاهرة، وجر اولمرت الى اتفاقات لا يريد الوصول اليها تعكس التوتر السائد بين اولمرت وباراك. لمعرفته بالثمن الباهظ الذي سيدفع لقاء شليت، فان الانطباع هو أن اولمرت نادم ويريد ان يبقي مسألة شليت الى من يأتي بعده.
المحامي سلونيم، الذي عالج على مدى السنين موضوع تبادل المخطوفين، يقول ان شليت هو احدى الحالات الوحيدة التي على الاقل ما كان ينبغي في البداية طلب اشارة حياة منه. أمر آخر: المفاوضات على تحريره تجري بعد حرب، في نهايتها دارج ضمن امور اخرى اجراء تبادل أسرى. وبعد أن دمرت لهم غزة تقوم بخطوة انسانية، الاساس فيها تبادل الاسرى، بينهم كاولئك الذين يجلسون هنا منذ سنوات عديدة.
المشكلة هي ان في ايديهم اسير واحد بينما في ايدينا نحو 12 الف "أسير" – من سارقي السيارات وحتى القتلة المحكومين لعدة مؤبدات ومحتجزين هنا في ظروف معقولة. التفكير في ان نبقيهم هنا الى الابد ليس معقولا. اذا ما عادوا الى عادتهم بعد تحريرهم، مفتوحة الطريق لتصفيتهم. وبالمناسبة، ليس كل اسير/سجين محرر هو ضدنا من حيث المبدأ. الدليل هو ان جبريل الرجوب، محمد دحلان وكثيرين آخرين ايدوا التسويات.
ولكن الاهم من كل ذلك، يقول سلونيم، هو الميثاق غير المكتوب بين الدولة وجنودها، وبموجبه الجندي يتعهد بالقتال والدولة تتعهد باعادته الى بيته. هذا الاحساس في أن جنود الجيش سيكونون مقتنعين بانهم لن يلعبوا بحياتهم، هو قيمة عليا. فما بالك ان الجندي الذي يخرج الى المعركة يتوقع الا تكون معارك سياسية تهكمية وتصفية حسابات على ظهره.
الارهاب المنفعل يلعب لعبة وحشية بنقطة الضعف الانسانية عندنا. فالجمهور الاسرائيلي، الذي من جهة يطالب بتحرير مخطوفين وليكن ما يكون، يستاء بعد ان نقوم بذلك من تحريرنا ارهابيين كثيرين بهذا القدر. عندما سنرى مئات السجناء، بينهم بعض من الـ 450 مخربا مع دم على الايدي ممن تطالب بهم حماس، سعداء وفرحين في غزة، يشتموننا ويسبوننا، فان احساسا ثقيلا من المرارة سيعيشه الجمهور.
ولكن طوبى لنا باننا كذلك. واحد من أجل الجميع والجميع من أجل واحد. إذن باسم الرب، كفوا عن الشجار وانهوا الامر.

بعد حرب غزة والانتخابات الإسرائيلية ..واقع فلسطين مختلف ..ماجد عزام

أدت حرب غزة في الأساس وبعد ذلك وبدرجة أقل الإنتخابات الإسرائيلية إلى نشوء واقع فلسطيني مختلف تمظهر عبر مجموعة من المفاهيم والحقائق السياسية التي يصعب تجاوزها أو القفز عنها عند أي تعاطي جدي مع الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية والمساعي الهادفة لإنهاء الإنقسام الوطني أو عند الشروع فى أي مقاربة تسعى لحل الصراع في فلسطين وفق الخطط والتصورات التي جرى الثرثرة حولها خلال الأعوام الماضية.
أولى الحقائق التى كرستها حرب غزة، تتمثل بإستحالة القضاء على فصائل المقاومة وتحديدا حماس بالقوة المسلحة أوبالوسائل العسكريةـ وأكدت الحرب ما كان يقال في إسرائيل من أن القضاء على حماس يقتضي إعادة إحتلال قطاع غزة بالكامل وإجراء عملية تفتيش أو خوض حرب من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع، حتى إعتقال أو قتل الآلاف من قادة وكوادر المقاومة، وهو سيناريو لا يوجد قائد سياسي إسرائيلي قادر على تحمل تبعاته وتداعياته، ناهيك عن تعقيداته الميدانية ومداه الزمني المفتوح وتكلفته الباهظة أمنيا وإقتصاديا، وهي التكلفة التى تمنع معظم القادة العسكريين من مجرد التفكير به مع وجود أقلية تعتقد أن أي حلول أخرى لن تكون سوى مسكنات لا أكثر ولا أقل .
الحقيقة الثانية التى أنتجتها الحرب الأخيرة هى إستحالة تجاوز حماس سياسياً في أي ترتيب فلسطيني داخلي، أو في أي حركة سياسية ودبلوماسية تهدف إلى حل الصراع في فلسطين والمنطقة. هذه السيرورة لازالت في بدايتها، إلا أن ملامحها الأولية شديدة الوضوح وتبدت في عدة معطيات، منها حديث رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان عن الخطأ الذى تم إقترافه عبر عزل ومحاصرة حماس ووضعها فى الزاوية عوضا عن الإعتراف بالإنتصار الإنتخابي والديموقراطي الذى حققته، وكذلك الإنفتاح الفرنسي التدريجي وشبه الرسمي تجاه حماس ومجاهرة باريس بضرورة تخفيف شروط الحوار مع حماس ونيتها الإعتراف والتعامل مع أي حكومة وحدة وطنية قادمة في فلسطين بما فى ذلك وزراء حماس او المحسوبين عليها. إضافة الى ما سبق يبرز تصريح مبعوث اللجنة الرباعية تونى بلير عن ضرورة إشراك حماس وعدم تجاوزها فى المساعي الهادفة إلى التوصل الى حل للقضية الفلسطينية، أما رابع تلك المعطيات و ربما أهمها فيتمثل بالنقاش الجدي في أروقة إدارة أوباما حول فكرة الحوار مع حماس، أوعلى الأقل الإنفتاح التدريجي وغير الرسمي تجاهها لتفادي الفشل في أي نشاط ديبلوماسي مفترض تجاه المنطقة ومشاكلها المختلفة.
ثالث الحقائق التي كرستها حرب غزة تتعلق بمنظمة التحرير التي باتت أول بند على جدول الأعمال الفلسطيني. طوال الحوارات الماضية تم تقديم الملفات والشؤون الخاصة بالسلطة – الحكومة والإنتخابات- على تلك المتعلقة بمنظمة التحرير. الآن وخاصة بعد تصريح السيد خالد مشعل حول المرجعية البديلة بدا المشهد مغايراً وثمة توافق على الخوض في ملف المنظمة الشائك بالتوازي أو حتى كمقدمة لمناقشة ومعالجة الملفات الأخرى. السيد راكاد سالم الأمين العام لجبهة التحرير العربية المنضوية تحت لواء المنظمة قال أثناء إجتماع للمجلس الوطني عقد في رام الله لمناقشة أبعاد تصريح السيد مشعل ما مفاده أن المنظمة كانت الغائب الأكبر عن حرب غزة وكان يجب عقد إجتماع للمجلس أثناء الحرب لدعم صمود أهالي غزة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية. السيد ياسر عبد ربه كان كعادته أكثر صراحة وجرأة في تناول الموضوع فدعا إلى مشاركة مؤقتة أومرحلية لحماس في المنظمة إلى حين إجراء إنتخابات من أجل إختيار مجلس وطني جديد يأخذ على عاتقه إصلاح المنظمة وتفعيلها. .
رابع الحقائق التي أفرزتها حرب غزة تتضمن إنهاء الوساطة الحصرية المصرية فى الملف الفلسطيني الداخلي. بعد قمة غزة فى الدوحة وجولة قيادة حماس العربية والإسلامية، بدا أن من المستحيل المضي قدماً في الوساطة الحصرية بإطارها السابق وتم التعبير عن ذلك فى إقتراح بتشكيل مرجعية أو لجنة مصرية عربية عليا للإشراف على عمل اللجان الفلسطينية المختلفة التى ستلتئم فى القاهرة أواخر شباط الحالي من أجل معالجة القضايا محل الخلاف وهى لجان الحكومة والإنتخابات والمنظمة والأمن والمصالحة الداخلية وبالتالى يمكن توقع وجود عربى رفيع المستوى فى كواليس الحوارات والمصالحات الفلسطينية
آخر الحقائق التي أنتجتها الحرب تتعلق بالمفاوضات والتنسيق الأمني مع إسرائيل. لافتة جدا في هذا الصدد المبادرة التى أطلقتها ثلة من الشخصيات الفلسطينية من إتجاهات مختلفة – حنان عشراوى ومنيب المصرى وعبد الرحيم ملوح وهاني المصرى واخرين- وتتضمن مطالبة بوقف المفاوضات وكذلك التنسيق الأمني علماً أن هذه كانت مطالب لحماس وفصائل المقاومة المتحالفة معها وجاءت الحرب لتجعل منها نقطة إلتقاء وتقاطع بين تيارات عريضة داخل الساحة السياسية الفلسطينية تؤسس لعمل وأداء فلسطيني مختلف خلال المرحلة القادمة. الإنتخابات الإسرائيلية جاءت بعد الحرب بفترة وجيزة وخلقت بدورها مجموعة من الوقائع والآثار على الساحة الفلسطينية، أو ساهمت في تكريس وتأكيد بعض الحقائق السالفة الذكر أول الآثار التي تركتها بنتائجه الإنتخابات فلسطينيا ظهرت في القاهرة عبر لقاء رفيع المستوى بين حماس وفتح نتجت عنه توصيات جد مهمة مثل وقف التراشق الإعلامي وتشكيل لجان لمناقشة قضية المعتقلين السياسيين والمؤسسات الوطنية المغلقة فى قطاع غزة والضفة الغربية.
يجب تذكر أن الاجتماع الأول الذي أذاب الجليد و كسر حاجز عدم الثقة عقد فى القاهرة أيضا على وقع حرب غزة ولكن بمستوى منخفض، لقاء القاهرة يؤكد أن ثمة قناعة بإستحالة تقديم المفاوضات والعلاقة مع إسرائيل على الحوارات الداخلية والوحدة الوطنية، ويمكن الإستنتاج كذلك بأن إصلاح الوضع الداخلي سينال الأولوية في العمل الفلسطيني خلال الفترة القادمة في ظل الإيمان بإستحالة إستئناف عملية التسوية مع أي حكومة سيتم تشكيلها في إسرائيل وفق نتائج الإنتخابات التي أعطت أغلبية ملموسة وصلبة لأحزاب اليمين المتطرف. أمر مهم آخر أوجدته نتائج الإنتخابات الإسرائيلية يتمثل بإقتناع أصحاب القرار في السلطة الفلسطينية بضرورة وقف المفاوضات الآن وعلى الأقل إستحالة إستئنافها وفق الآلية السابقة. السيد ياسر عبد ربه قال فى مؤتمر صحافي عقده في رام الله الأسبوع الماضي معلقا على النتائج بما يلى:" لعبة الخداع السابقة أوقفناها ، نتفاوض ويسرقون الأرض، تتفاوض ويهودون القدس، نتفاوض ويبنون الجدار، هذه اللعبة إنتهت وأقفلت ولن نتفاوض مع أي حكومة إسرائيلية جديدة ما لم تقبل مبادرة السلام العربية وما لم يتوقف الإستيطان فورا". يفترض أن تؤدي الحقائق والوقائع السابقة الى تقارب فلسطينى وأداء مختلف يعطي الأولوية للوحدة الوطنية والتوافق والتفاهم إستنادا إلى ذخيرة مهمة من الوثائق التى تم التوصل اليها سابقا، غير أن ذلك لا يجب أن يلغي أو يحجب الخيار الديموقراطي والإحتكام الى الشعب للفصل بين الخيارات السياسية المتعارضة، ومن ثم التفرغ لإدارة الصراع مع إسرائيل على أساس بندين مهمين لا يمكن الإستغناء عنهما لأي شعب يبحث عن الحرية والإستقلال، مرجعية عليا أو إطار قيادي جامع لرسم الإستراتيجيات وإدارة الصراع فى بعده اليومي، وهذا متوفر فى المنظمة-بعد اصلاحها طبعا- وبرنامج الحد الأدنى لإنجاز الأهداف الوطنية، وهو متوفر أيضاً فى وثيقة الوفاق الوطني التى تضمنت بنود مهمة ومركزية مثل الحسم الديموقراطي فى الخلافات والتباينات، والمقاومة بكافة أشكالها خاصة فى حدود حزيران يونيو 1967، ودولة ضمن هذه الحدود عاصمتها القدس مع حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194. المنتصر والبطل وصاحب الفضل الأساس فى الصمود الأسطوري خلال معركة غزة هو الشعب الفلسطيني ومن المنطقي الامل أن تذهب كل العوائد والإنجازات السياسية والإقتصادية والمعنوية إلى هذا الشعب، وتصب فى المصلحة الوطنية الجامعة وليس فى المصلحة الفئوية الضيقة .
مدير مركز شرق المتوسط للدراسات والإعلام

الامر الذي سيأتي غدا بالتاكيد \ بقلم: بن كاسبيت \ معاريف -20/2/2009

في اخر المطاف استكمل الثمن المحدد. ربما سنستبدل بعض الاسماء، وربما نغير شيئا في الهوامش. بيغ ديل. ما الذي سيغيره ذلك. الثمن سندفعه، وعندئذ سيطرح السؤال. هذا السؤال سيكون شديد الوقع من دون اجابات. ان دفعت اسرائيل الثمن المطلوب مقابل جلعاد شليت في اخر المطاف، فلماذا فعلت ذلك بعد عامين ونصف، او ثلاث سنوات؟ او خمس سنوات؟ لماذا لم تفعل ذلك فورا، من البداية موفرة على نفسها وعن عائلة شليت هذه العذابات الفظيعة؟
ربما حدث ان اولمرت قد ادرك الامر فجأة؟ ان دفع الثمن الان فسيسألوه، لماذا انتظر كل هذه الفترة؟ ربما. الامر الاكيد هو ان الجدل قادم، قويا ممزقا ومبدئيا. اولمرت ورئيس الشاباك يوفال ديسكن ورئيس الموساد مئير دغان وتسيبي لفني وحاييم رامون من جهة. ومن الناحية الاخرى مجموعة لا تقل عنهم اهمية: وزير الدفاع، رئيس هيئة الاركان عاموس جلعاد والاغلبية الساحقة من قادة الجيش الاسرائيلي. جدل مرير حافل بالغرائز والعواطف. طرف جبل الجليد هذا تكشف في يوم الاربعاء من خلال صحيفة "معاريف"، من خلال اندفاعة تحصل بصورة نادرة ولمرة واحدة من قبل عاموس جلعاد. من يعرف جلعاد يعرف ان كل كلمة هامة عند هذا الشخص، وكل فقرة تسجل وكل مقطع يقاس بدقة. وها هو فجأة يطالعنا بهذا الطوفان. في يوم الاربعاء، بعد جلسة المجلس الوزاري بدا جلعاد منتهيا. ابيض اكثر من عادته، منطفئا. هو تلقى حماما من اولمرت، ولكنه لم ينفي اقواله. قصد كل كلمة قالها. اذا من المحق في هذه الحكاية؟ الجميع. ومن المخطىء الجميع كذلك. ليس هناك جواب سهل على هذا السؤال وربما ليس هناك جواب بالمرة.
بنيامين نتنياهو سيدخل في وقت ما في الاسابيع القريبة من ديوان رئاسة الوزراء. اليكم تسجيلا لمحادثة العمل الاولى التي سيجريها مع رئيس هيئة الاركان جابي اشكنازي. سيكون في الغرفة سكرتيره العسكري والسكرتيرة التي تسجل البروتوكول الامور ستسجل كالمعتاد.
"سيدي رئيس الوزراء" ، سيقول له اشكنازي، "نحن نقف على ارض مهتزة. لباب هذه الارض يتدفق من كل اتجاه، في باطن الارض تجري امور كثيرة. اجهزة الطرد المركزية تتجول في طهران والساعة تتكتك. العالم العربي يغلي غليانا. هذه المجابهة بين المتطرفين والمعتدلين، توشك على الوصول الى نقطة الحسم وليس لصالح المعتدلين. انظر الى قطر قد انتقلت الى الجانب الايراني. ولتوجه نظرك نحو السعودية لترى كيف تلعب لعبة مزدوجة. كل ما بقي هنا وبصعوبة هو مصر. ربما الاردن ايضا الا انه هو الاخر مثل الورقة في الهواء. تركيا قد ضاعت من بين ايدينا منذ زمن. ان كنت تعتقد ان من الممكن قصف المشروع النووي الايراني، فانت مخطىء. عما قريب، عندما ستقرأ المعلومات ستدرك ان هذا اهدار للوقت. نحن نستطيع الوصول اليهم وضربهم، ولكن هذا الامر لن يغير شيئا.
"الطريق الوحيد لتغيير هذه المعادلة، هو تغيير هذا الاتجاه والمرور عبر دمشق. بشار الاسد يريد صنع السلام معنا. بصورة قاطعة. اسأل مئير دغان وعاموس يدلين وعاموس جلعاد. هو يدرك انه لا ينتمي للمعسكر المتطرف. كل مسجد شيعي يبنى في سورية وهذه المساجد كثيرة هناك، يخيفه. بعد عام او عامين سينتهي النفط الموجود لديه. هو يريد السلام وجاهز لدفع الثمن. هذه مسألة نعرفها وهي الطريقة الوحيدة لعزل ايران. هذه الطريقة الوحيدة لانقاذ لبنان ربما. نحن في نقطة انقلاب للوضع وكل ما يتوجب فعله هو تجنيد اوباما. لا تضيع الوقت يا سيدي رئيس الوزراء لانك لا تمتلك الكثير من هذا الوقت. بوش كره الاسد كراهية شخصية وقّادة. اوباما لا يحمل اراء مسبقة، وهو منفتح وجاهز لعقد الصفقات. الامريكيون يوشكون على مغادرة العراق ولذلك يعتبر الموقف السوري هاما جدا لهم. هم بحاجة للظهر السوري وهم وحدهم الذين يستطيعون توفير الرزمة والمظلة والاجواء اللازمة للسلام بيننا. فالتتوجه الى اوباما يا بيبي والان".
حتى ذلك الحين يتبقى لايهود اولمرت بضعة اسابيع قليلة. ربما كان بامكانه ان ينهي قضية شليت. حتى ما قبل فترة غير بعيدة بدا انه يوشك على ذلك وفجأة حدث الانقلاب. لا تهدئة ولا معابر من دون شليت. نقطة نقطة عاموس جلعاد اعتقد ان اولمرت غير جدي. طوال اسابيع وهو يتجول بين القاهرة والقدس وتل ابيب وفجأة يسحبون البساط من تحت قدميه. المشكلة هي ان لدى الجانب الاخر ايضا ما يطرحه. وحجته قوية. والجميع رأوا التهدئة الاولى التي جلبها جلعاد. ما الذي ربحناه من ذلك؟ حمى. لا تهدئة ولا شليت. اولمرت استفاق وقرر عدم الانجرار الى هذه الحكاية مرة اخرى. وعلى الطريق لفظ البحر جثة عاموس جلعاد والقى بها نحو الشاطىء.
اولمرت جلب لجلسة المجلس الوزراي تحقيقا اجراه الشاباك، يبرهن على ان شروط التهدئة الحالية لا تختلف بشيء عن شروط التهدئة الاولى. المسألة هي ان هناك اشخاصا اخرين ينادون بنفس الرأي الذي ينادي به جلعاد. وزير الدفاع مثلا. ورئيس هيئة الاركان وكل قيادة الجيش. هم يعرفون ان التوازن الاستراتيجي مع مصر اهم من اي شيء اخر مع كل الاحترام للامور الاخرى. من دون مصر خسارة على وقت الجميع. لديهم ايضا اخوان مسلمون وهم يتعرضون لانتقادات شديدة، وهم بانفسهم يرتعدون من الطوفان والبركان الاتي في الشرق ويبدأ في لفظ حممه في بلادنا. في بيروت وغزة وسيناء.
عاموس جلعاد بنى مع المصريين علاقات ثقة نادرة. بما في ذلك مكالمات هاتفية في ساعات الفجر الاولى. يستقبلونه باحترام كبير في القاهرة. ولكن يتبين انه لا يلقى احتراما كبيرا في القدس. جلعاد محطم. في هذا الاسبوع استذكر كيف اتصل اولمرت معه في الرابعة فجرا ليلة انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة بعد عملية الرصاص المصهور واثنى على الصيغة التي جلبها معه في ذلك اليوم من القاهرة واتاحت انهاء المسألة. الان يتبين ان هذه المسألة ابعد من ان تكون منتهية.
في مواجهة كل ذلك، هناك مصير جندي واحد على كفة الميزان. ما زال حيا يرزق مع اسرة واصدقاء وصور واب وام. هنا يتوجب فتح هلالين. سنجد فيهما واحدا وهو عوفر ديكل. الكلمات والاوصاف التي تطلق في مقر وزارة الدفاع على ديكل ليست ملائمة للنشر. يسافر ويعقد الصفقات التجارية ومرتبط بـ "المجموعة النيجيرية" (دان حالوتس، لوني هارتسيغوفتش، يوفال رابين وغيرهم من الذين يحاولون عقد صفقات السلاح في افريقيا)، يؤلف كتابا حول القضية، بينما يواصل الجندي السقوط في العفن في اسره. وفقا للجهات الامنية، ديكل فرض صفقة ريغف – غولد فاسر على الحكومة، وبعد ذلك ترك المكان. وفقا للمصادر الامنية ليست هناك اتصالات بالمرة ولا قائمة ولا اي شيء. المصريون يشعرون بالاهانة. كل شيء مجمد، ما تبقى هو الحيل والالاعيب. يرد الحرب بالحرب. ديكل يعمل طوال الوقت.
"هذا جنون مبارك لا يعمل عندنا" قال عاموس جلعاد لمعاريف بالامس، وكل كلمة من كلماته مستخرجة من صخور مقر وزارة الدفاع في تل ابيب. في ديوان رئيس الوزراء يردون باستهزاء. عاموس جلعاد حاول انتزاع حكاية شليت من عوفر ديكل ولكنه لم ينجح في ذلك. عندما ادركوا انهم ليسوا في هذه الحكاية بدأوا يعربدون. هناك امكانيات اخرى لا تقل اثارة. اولمرت يعرف منذ اسبوع ان ليبرمان سيوصي بنتنياهو لرئاسة الوزراء ويعرف بان لفني ستتوجه للمعارضة. هذا يعني اننا سنواجه حكومة يمين ضيقة في المرحلة الاولى. اولمرت يعتقد ان هذا سيضغط حماس المتعطشة للانجازات والتهدئة والسجناء. لذلك رفع مستوى مطالبه وراهن على كل الصندوق. شليت الان، هو يقول لحماس، بانه لن يكون بعد ذلك. وبعد ذلك يعني حكومة بيبي – ليبرمان.
يوم السبت الرابع عشر من شباط، قلب جابي اشكنازي الشريط المسجل. لقد مر عامان وبقي عامان اخران. اشكنازي يحصي الايام فكم يود ان يكون رئيسا لهيئة الاركان وكم هو معذب الان. السياسة تتدفق من حوله وهو يحاول اغلاق الثغرة. الامر ليس سهلا بالنسبة له. عما قريب سيبدأون بالتفكير في خليفته. اضيف للمرشحين في الاونة الاخيرة عدد اخر من المرشحين والاسماء. المفاجىء من بينهم هو موشيه كابلنسكي. اجل يتحدثون عن هذه الامكانية ايضا. مجرب وناضج وهو في الانتظار منذ جولة واحدة في الخارج وجاهز للعودة للداخل. علاقاته مع اشكنازي ممتازة. وبالمناسبة التقى اشكنازي في الاسبوع الماضي بدان حالوتس في محادثة شخصية طويلة. كما ان بني غينتس عاد للمنافسة ايضا. ان اصبح مفاز وزيرا للدفاع (الامر الغير مؤكد بالمرة) فستكون الافضلية لغينتس. ولدينا ايضا ايزنكوت وربما غلنت. هذه هي الاسماء.
ليس بعيدا عن مقر وزراة الدفاع جرت في يوم الخميس جلسة لما تبقى من قائمة حزب العمل في الكنيست. ايهود باراك صرح في بداية الجلسة عن التوجه لصفوف المعارضة.
رغم ذلك ليس الجميع مطمئنين. ان سألتم سيلفان شالون مثلا فالعمل هو خيار جدي ومحتمل للحكومة. ان كان حزب كاديما سيتوجه للمعارضة فعلا فما الذي سيفعله حزب العمل في الخارج. ليس بامكان باراك ان يكون رئيسا للمعارضة حتى، وهكذا سيتعفن حزب العمل في الهامش، متحولا الى ميرتس كاديما، في طريقه نحو الزوال. شالوم يتحدث عن خمسة حقائب وزارية بما فيها وزارة الدفاع، المهم ان يأتوا.
في هذه الاثناء هم ليسوا متحمسين كثيرا. "خلال الاسبوعين الاخيرين من الحملة" قالت يولي تامير في جلسة كتلة حزب العمل، "خسرنا اربعة حتى خمسة مقاعد. لو كانت لدينا حملة انتخابية صحيحة وجيدة لما حدث ذلك". باراك اوضح: "لدينا مشاكل اقتصادية، نحن حزب فقير وليس بامكاننا ان نسمح لانفسنا بمستشار كرؤوفين ادلر". وعندئذ تكلم يورام مارتسيانو رحمة الله عليه وقال "لقد كان لدينا شخص مثل ادلر وهو الداد يانيف، الذي هو عبقري سياسي ولو كان معنا لما حدث ذلك". باراك اصغى وصمت. فجأة سمع صوت ازيز الكرسي الذي يجلس عليه شالوم كيتل. كيتل الذي يعتبره البعض في الكتلة مسؤولا عن هذه النتائج الشحيحة (دائما يتهمون المبعوث) لم يسقط رغم انكسار الكرسي الذي يجلس عليه. ولكن ليس هذا حال حزب العمل الان فوضعه معاكس.
اذا ما الذي انتصر في انتخابات الكنيست افيغدور ليبرمان انهى الجدل بصرخة حادة. نتنياهو هو الذي انتصر. نتنياهو هو الذي سيشكل الحكومة. ولكن احد ما اخر قد انتصر واسمه دانيال فريدمان. "الفريدمانية"، كما يقول المؤيدون لسلطة القانون هي التي انتصرت. كل من خاض الصراع ضد فريدمان، من باراك مرورا بزهافا جالئون، تلقى ضربة. ليبرمان حلق عاليا وتكتل اليمين انتصر. فريدمان لم يعرف حتى انه كذلك. لماذا؟ لانه ليس كذلك. من حاول تصويره على انه معاد لسلطة القانون وممثلا لقوى الظلام السوداء فوق الارض، فعل ذلك من تلقاء نفسه. الجمهور لم يقبل هذا الادعاء كما يتضح.
هناك محللون يحثون افيغدور ليبرمان منذ مدة من الزمن على ان يتنازل طواعية وان يعترف بكل شيء وان يدخل نفسه الى السجن من الان. سلفا. ان تحققنا من الامر سنجد ان هؤلاء المحللين قد تصرفوا بصورة مغايرة تماما في قضية مشابهة ومنذ زمن غير بعيد. التفاصيل متشابهة تقريبا: ها هي ملايين الشواكل تمر من دون تبرير منطقي، من حساب متهم بارتكاب جنايات لحساب زوج – زوجة سياسي مرموق. حينئذ كان هذا الشخص جلعاد شارون. الملايين مرت من دافيد افل اليه. ما الذي قاله امنون ابراموفيتش في ذلك الحين؟ ان المحظور علينا ان نمس بشارون. يجب ان يكون محصنا من اي مس "أترج"، لانه يوشك على اخلاء مستوطنات. هذا اهم حتى من سلطة القانون.
وها هو الزمن يمر. نفس الحكاية تتكرر بالضبط. فماذا يقول ابراموفيتش هذا الان؟ نفس الشيء ولكن بصورة معكوسة. هو يقول ان ليبرمان مجرم ومحتال ورجل مافيا، يقضي اغلبية وقته في الخارج وينشغل في امور واعمال ظلامية. اسود من السواد. ايفيت فلتصرح من الان فورا انك تؤيد اخلاء المستوطنات فربما يساعدك ذلك.
اليكم نموذجا اخر. صغير ولكنه كبير من حيث الاهمية. في الثاني من كانون الثاني 2007، اقتحم عشرات المحقيقين سلطة الضرائب في اسرائيل واحتجزوا 22 من كبار المسؤولين فيها، بما في ذلك الرئيس جاكي ماتسا. الصحف تتحدث عن اكبر قضية فساد منذ قيام الدولة. بالله عليكم؟
لقد مر عامان ونيف. حياة الكثيرين من بني البشر دمرت حتى النخاع. المدخرات والتوفيرات ضاعت والمحامون في هذه القضايا يصبحون مثل الجواهر من حيث الاهمية. اين لوائح الاتهام؟ لم تقدم حتى الان. ربما ينتظرون لائحة الاتهام ضد موشيه قصاب. الان هناك حيرة وتردد وما الى ذلك.
اذا فلتنتبهوا: في السادس من تموز 2008 اجرت الحكومة نقاشها الشهير المثير للخلاف حول قضية تشكيل لجنة تقصي حقائق في قضية رامون. قبل ذلك بيوم عمل واحد (!)، نشرت النيابة العامة بيان مدويا حول لوائح الاتهام المتوقعة في قضية سلطة الضرائب الضخمة. البيان تضمن الثناء على "عملية التنصت" الضرورية جدا لعمل سلطة القانون. ان كانت هذه سلطة القانون فالفوضى افضل من ذلك، لانها سلطة قانون مجيرة.