الخميس، 30 أبريل 2009

حدود التدهور بقلم : عزمي بشارة

لم تتضح بعد حدود مسار التدهور القائم بشأن فلسطين، فالنظام الرسمي العربي الذي أكد منذ العام 1974 على مقولة "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" لكي يحرر نفسه باسم الأمة من مهمة محاربة إسرائيل، بدأ مسيرة الفصل هذه بأن المقاومة شأن الفلسطينيين الذي يجب دعمه عربيا. وهو خلافا لما يعتقد نقاش عربي قديم، فبعد قرار التقسيم عام 1947 أثار أمثال النقراشي باشا نقاشا عنيفا في مصر بتصريحه بعدم التدخل وضرورة تجنيب الدولة الصراع مع إسرائيل، في حين أن غالبية الشعب المصري وأحزابه وقواه السياسية بما فيها الليبرالية، رأى في قضية فلسطين قضيته، وقضية العرب أجمعين. وقد استمر هذا النقاش على الجبهات كافة وفي المفاصل التاريخية جميعها. ولكن ذلك الرأي الانعزالي شكل أقلية في كل الدول العربية. ما لبثت هذه الدول التي وافقت بسرور على مقولة "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" وعلى ضرورة دعمه كيانا سياسيا على الساحة الدولية وقوة مقاومة محليا، ما لبثت أن انخرطت في عملية سلام وتسوية مع إسرائيل لاسترداد أراضيها التي احتلت في حرب حزيران. ولكن "أراضيها" كدول قطرية لم تكن محتلة من العام 1948 حتى 1967، وهي لم تحارب إسرائيل طيلة تلك الفترة من أجل هذه الأراضي. فقط في هذا العام الأخير احتلت تلك الأراضي. والسلام مع إسرائيل بثمن استرجاعها دون استعادة فلسطين وتفكيك العنصرية الصهيونية هو ترجمة وتطبيق لانتصار إسرائيل في حرب 1967. فقد كانت العقيدة الرسمية السائدة في المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية (دعك من قطعان المستوطنين الهستيريين!!) هي احتلال الأرض لمبادلتها بالاعتراف والسلام على أساس قبول إسرائيل في المنطقة. ولذلك فإن استرجاع الأرض التي احتلت عام 1967 مقابل السلام هو انتصار لإسرائيل واعتراف بالهزيمة. وهو أكثر من ذلك مأسسة لتلك الهزيمة. لقد تمت مأسسة وأدلجة الهزيمة بالادعاء بأن الدول أنجزت استعادة أرضها المحتلة عام 1967، وأن ما تبقى هو قضية الفلسطينيين.. ولا بد أن يرافق هذا التنصل تنصلا من الجامع الذي يفرض المعركة وهو الانتماء للوطن العربي المهدد وإلى أمة واحدة. لا بد أن يرافقها التأكيد على الدولة القطرية و"س أولا"، أو "ص أولا"... وهي تعبيرات عن انتصار إسرائيلي آخر أعمق، فقد ادعت الأخيرة دائما أنه لا توجد أمة عربية بل أمم وشعوب وقبائل، وأن الأمة الوحيدة في هذا الصراع هي الأمة اليهودية. صدق أو لا تصدق!!
ثم تبين أن المقاومة تشكل عقبة أمام "عملية السلام" أو أمام العلاقات المنفردة مع إسرائيل، أو تؤدي إلى توريط في نزاعات لا تنتهي معها، فتحولت هذه الدول إلى منع المقاومة أو حتى محاربة المقاومة. لقد وصل هذا النوع من التفكير إلى "لا نريد أن نحارب، ولا نريدكم أن تقاوموا". فمنعت المقاومة بداية من الانطلاق من الدول العربية المحيطة بإسرائيل الواحدة تلو الأخرى. وتبين في الحرب الأخيرة على غزة أن هذا التفكير يقود إلى منع المقاومة داخل الأراضي العربية المحتلة عام 1967 نفسها. ولا يكتفي بمنعها من الدول المحيطة بإسرائيل، التي كانت تسمى دول المواجهة. فقد قام بعد اتفاقيات أوسلو محور عربي-فلسطيني (تعزز بعد اغتيال عرفات) يحاول أن يمنع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من خارج ومن داخل المناطق المحتلة عام 1967، لأن الإستراتيجية الوحيدة المسموح بها حتى على الساحة الفلسطينية هي إستراتيجية المفاوضات. أما "حق الشعوب في مقاومة الاحتلال" فهي مقولة نظرية مهما كانت صحيحة. وتروج منذ مدة تفسيرات مقلوبة لمفهوم "الحق" الذي تناضل الشعوب من أجله في نفس هذه الأوساط. فحق العودة، برأيهم حق، ولكن ليس ضروريا أن يمارس، بل وذهبوا لحد المطالبة بالاعتراف بالحق نظريا دون السماح بممارسته، فكيف يكون الحق بالعودة دون السماح بالعودة؟! والكاريكاتور أكثر تشويها في حالة حق الشعوب في مقاومة الاحتلال. إذ يعترف به نظريا، أما عمليا فمن حق من يرى أن ممارسته تسبب ضررا أن يحارب من يمارسه، وكل هذا تحت الاحتلال. والحقيقة أنه برأينا آن أوان تغيير هذه المقولات، لا بد من القول إنه "من واجب الشعوب مقاومة ودعم مقاومة الاحتلال". وعندما يعترف بهذا الواجب يسمح بالنقاش حول تنظيمه وكيفية ممارسته بحيث لا يصبح فوضى تضر بالهدف، ولكن لا يجوز مناقشة حق المقاومة وأساليبها من منطلق رفضها، فمن يرفض المقاومة مبدئيا لا يفترض أن يهمه نوعها، ولا كيفية إدارتها... اللهم إلا لغرض السجال.
الدول العربية التي دعمت حربا على إيران طيلة ثماني سنوات وسقط فيها مئات الآلاف أعلنت أنها لا تريد محاربة إسرائيل. ولم تعاود طرح هذا السؤال: لماذا لا تريد الدول العربية محاربة إسرائيل؟ هل فعلا إسرائيل دولة لا تحارب؟ هنالك امتناع عن مناقشة هذا الموقف وكأنه مسلمة، وهو ليس بمسلمة. لم تكترث نفس الأنظمة لمقتل مئات الآلاف في حرب ضارية مع إيران استمرت ثمانية أعوام (وهي الحرب الكبيرة الحقيقية الوحيدة التي خاضها العرب في القرن العشرين، وتليها حرب أكتوبر بالحجم والشدة). ولم تتهم هذه الدول المبادرة إلى هذه الحرب بالتسبب بكارثة وبالتوريط والتدمير. ولكنها تعد سقوط المئات شهداء نتيجة لعدوان إسرائيلي "إبادة شعب"، وتنشر الرعب والخوف من إسرائيل وتتهم المقاومة بالمسؤولية عن الدمار. لا يريدون أن يحاربوا ولا يريدون دعم المقاومة، والنتيجة لا يمكن حتى تحقيق تقدم في التفاوض مع إسرائيل. هكذا سدت هذه الأنظمة في وجه شعوبها الخيارات التاريخية الثلاثة: الحرب والمقاومة والمفاوضات.. ولذلك تعيش المنطقة العربية مخاضا حول السؤال ماذا بعد؟ أثبتت هذه السياسات أنها غير قادرة على تحقيق إنجازات في المفاوضات، لقد وصل هذا التفكير إلى مفترق طرق: لا حرب، ولا مقاومة، ولا إنجازات في المفاوضات باتجاه حل عادل. هنا تصبح عملية السلام هدفا قائما بذاته... لأنه لا عودة منها إلى الحرب ولا تقدم منها إلى حلول عادلة.
وفي هذه الأثناء تراهن بعض الدول العربية على عملية السلام كآلية اتصال وتواصل مع الولايات المتحدة، وكآلية لتحسين الوضع الإستراتيجي لهذا النظام أو ذاك في منظومة الاهتمامات الأميركية خاصة فيما يتعلق بأوضاعه الداخلية، إضافةً للعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة. ولكن سرعان ما يتبين مدى صغر هذا المشروع. فكما تحولت "عملية السلام" إلى دائرة علاقات عامة لدى الولايات المتحدة، كذلك تحولت بالنسبة لدول عربية في علاقاتها بالولايات المتحدة. فمثلا خاصمت السياسة الرسمية المصرية رأيها العام ودولا كثيرة، عربية وغير عربية، مؤخرا لكي تمسك بـ"ملف غزة" بما يضمن تصوير أهميتها الإستراتيجية للغرب. فتمنع تعزيز قوة المقاومة في غزة، وتضغط على حماس لقبول شروط الرباعية. كما أصرت ألا يتدخل أحد من الدول العربية في الحوار الفلسطيني الفلسطيني لتحقيق الوحدة. وقد أبلغت مصر مثلا أن أميركا تصر على شروط الرباعية بشأن الحوار الفلسطيني الفلسطيني، وأنه لن تكون لديها أفكار ومبادرات في الشأن الفلسطيني في الأشهر الستة الأولى، ولذلك ما عليهم إلا مد وتمديد الحوار الفلسطيني الفلسطيني في ظروف استمرار الحصار ومنع إعادة البناء بعد كل هذا الدمار في غزة. سوف تشغل الولايات المتحدة العرب بمفاوضات جديدة. وربما يستعاد فيها ما طرح من قِبَل أولمرت وليفني والحكومة الإسرائيلية السابقة كأنه حل الدولتين (أقصد دون حق العودة ودون الانسحاب الكامل لحدود الرابع من يونيو/ حزيران ودون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين). وستبدو المحاولة الأميركية إنجازا يحتاج إلى ضغط على حكومة نتنياهو لكي يتحقق. وهذه كما يعلم القارئ عملية لا تنتهي. ملاحظة راهنة: في هذه الأثناء أخذ الشعب الفلسطيني رهينة الحوار الدخلي وشروط الرباعية والمفاوضات، لقد جرى بقدرة الحصار بعد العدوان ربط إعادة الإعمار في القطاع مع نجاح الحوار. وتم ربط نجاح الحوار بقبول حماس لشروط الرباعية. طبعا لن نثير هنا السؤال لماذا سارت حماس نحو هذا الفخ بعد الحرب؟ ولماذا أصبح يمشي كالديك كل من كان أثناء العدوان خجلا مطأطأ الرأس؟ ليس هذا هو المكان لطرح هذه التساؤلات، فقد كان الضغط بعد العدوان شديدا ناهيك عن سحر طلب الوحدة من قبل من كان يرفض حتى محاورة حماس دون شروط. وقد ضاعت بوصلة المقاومة لفترة. إن أخطر ما يمكن أن يجري للمقاومة هو دخولها في مسار الاعتراف بها دوليا وعربيا، ودفع ثمن هذا الاعتراف. لدى المواطن الفلسطيني شعور أنه حضر هذا الفيلم. ولا بأس. ما جرى جرى. ولكن المقاومة سايرت، ودفعت ثمنا، وأفاد المحرجون أثناء العدوان من هذه المسايرة بعده. ولكن المهمة انتهت. اتضحت شروط نجاح الحوار ورفع الحصار التي يتمسك بها المحور الرافض للمقاومة.. إنها نفس شروط الرباعية. وسوف يستمر الحوار لفترة طويلة والحصار مفروض ومستمر ومنع إعادة البناء أيضا. وقد آن الأوان أن يقَال ما يفهم: إن شرط الاستمرار بالحوار هو السماح بإعادة الإعمار. ولا يمكن أن يقبل الاستمرار بالربط المعاكس، فمقولة إن النجاح بالحوار وقبول شروط الرباعية هو شرط رفع الحصار وإعادة الإعمار هي مقولة تنفيذ النصر لإسرائيل من العدوان. ويجب بأسرع وقت ممكن أن يقال العكس، رفع الحصار والسماح بإعادة الإعمار هو شرط الاستمرار بهذه العملية التي لا تنتهي، فلماذا يجب أن يأخذ هذا الشعب رهينة العدوان ورهينة شروط الرباعية بعد صموده في الحرب؟ هكذا تقلب الطاولة، وليس بتبريرات مثل شرعية الرئيس وغيرها من التبريرات، بل لسبب مصيري متعلق بمصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة المقاومة.
المصدر: الجزيرة

الثلاثاء، 28 أبريل 2009

انتشار مكثف لصور الرئيس الفلسطيني "محمود عباس "في رام الله والبيرة يثير جدلا بين الفلسطينيين

استفاق الفلسطينيون في رام الله خلال اليومين الماضيين، على صور الرئيس عباس تنتشر في كل ركن وزاوية بالمدينة، وعلى أسوار المنازل، وجدران المحال التجارية، وحتى فوق أعمدة الكهرباء والأشجار، وفي المواقف المخصصة من قبل البلدية لانتظار السيارات والحافلات، وفوق مجمعات الهواتف، ومحولات الكهرباء، بل إن بعضها ألصق فوق ملصقات لمنتجات تجارية أو مرشحين سابقين لانتخابات العام 2005.
في حين كان من اللافت تلك الكمية الكبيرة من الصور التي علقت فوق إعلان عملاق في أحد شوارع رام الله لحاسوب نقال (لاب توب)، أظهرت وبشكل مسيء، وكأن الرئيس يروج لهذا النوع من الأجهزة.
صور الرئيس الفلسطيني تنتشر في كل مكان، ما أثار العديد من التساؤلات والتعليقات الساخرة، خاصة أن الانتشار "الرهيب" للصور، وغموض الأسباب والجهات الكامنة وراءه، بات حديث الشارع الفلسطيني، خاصة في مقاهي ومطاعم ومدارس وجامعات وكليات وحتى المؤسسات الرسمية بمدينتي رام الله والبيرة على وجه الخصوص، لاسيما أن الفلسطينيين غير مقبلين على انتخابات رئاسية، أو أي استحقاق شبيه.
بعض الملصقات الصغيرة والمرتفعة لم تصب بأي سوء، في حين تعرضت بعض ملصقات الرئيس الفلسطيني التي اتخذت أماكن منخفضة للتمزيق، و"الشخطبة"، وبعض المجهولين كتبوا على عدد من الملصقات شتائم نابية، ما دفع مصدر مسؤول للإشارة بأن "هذه الحملة أساءت دون قصد إلى الرئيس".
وقال المصدر المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه "هناك من حاول تقديم خدمة للرئيس .. لا أستطيع الكشف عن الجهة وراء هذه الحملة، لكنهم، ودون أن يدورا، أو يقصدوا، أساءوا إليه".
وترافقت الحملة مع جملة من التعليقات الساخرة ضدها، فهناك من قال بأن السبب وراءها ربما كثرة أسفار الرئيس في الفترة الماضية، وبالتالي هي محاولة لتثبيت صورته في أذهان المواطنين، أو أنها هدية من مجهول لمناسبة عيد ميلاده، علماً أن مطلقي هذه "النكات" عبر منتديات الدردشة على شبكة الإنترنت، أو الهواتف النقالة، على محدوديتها، أكدوا أنهم يجهلون يوم مولد الرئيس الفلسطيني.
الغريب في الأمر أن محافظة رام الله والبيرة، وبلدية رام الله، أكدتا جهلهما للجهة المنفذة للحملة، وأنه لم يتم التنسيق معهما بالمطلق في هذه الحملة بالتحديد، وهو ما أكده نمر حماد، مستشار الرئيس الفلسطيني الذي قال "لا علم لي بالجهة التي تقف وراء هذه الحملة، والهدف من ورائها".
وقال أحمد أبو لبن، مدير عام بلدية رام الله، الذي فضل عدم التعليق على حملة صورة الرئيس "في أية حملة ينص القانون على ضرورة التنسيق مع البلدية التي تتبع الشوارع المراد إلصاق الملصقات ضمن إدارتها، على أن لا تعلّق أية ملصقات فوق أبواب المحلات التجارية، أو على أسوار المنازل والمؤسسات، دون استشارة أصحابها أو القائمين عليها".
المحلل السياسي خليل شاهين، وفي تعقيبه على "الانتشار الرهيب لصور الرئيس في كل مكان، وبالتحديد في رام الله"، قال "رغم أن أحداً "لم يعلن مسؤوليته" عن هذه الحملة لصالح الرئاسة الفلسطينية، إلا أن التقديرات قد تشير إلى أنها تأتي كمحاولة لتثبيت شرعية الرئيس عباس، ليس كونه رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية فحسب، وهو أمر يشكك به البعض، بل كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية المرجعية الوطنية العليا، خاصة مع توقعات بفشل الحوار الوطني الفلسطيني وبالتالي اندلاع معركة الشرعيات مجدداً، وفي وقت يخشى فيه على استهداف شرعية المنظمة التي يرأس لجنتها التنفيذية الرئيس محمود عباس (أبو مازن).
وأضاف شاهين "تترافق هذه الحملة أيضاً مع اتهامات موجهة بالفساد إلى الرئيس محمود عباس وعائلته، وبالتالي تأتي هذه الحملة كمحاولة للعمل على استعادة الرئيس لشعبيته في مواجهة هذه الاتهامات التي تحاول النيل من شعبيته، مع العلم أن لا علاقة للرئيس بهذه الاتهامات، وفق التقارير الصحافية العالمية التي نشرت مؤخراً".
وختم شاهين حديثه بالتأكيد "رغم الحملة المكثفة لصور الرئيس علينا أن ندرك أن الشرعية في مجتمع يخضع للاحتلال تقاس بمدى ترسيخ مقاومة الاحتلال ومخططاته، والتصدي لها، ولطالما نجحت حركة فتح في ذلك، عبر التأكيد العملي على دورها كحركة مقاومة، وحامية للمشروع الثوري، وليس في قدرة هذه الجهة أو تلك على "شن حملات دعائية".
نقلا عن الغد الاردنية

من فولكلور الحرب على المقاومة: فرية الارتباط بالأجندات الخارجية ....رشيد ثابت

قطعان الإعلام والسياسة في فريق "الاعتلال" العربي تتهم المقاومة في فلسطين ولبنان بخدمة "الأجندات الخارجية" وتردد هذا الاتهام بشكل ملح ومستمر. ويواظب أحد كبار أعجاز النخل الخاوية في حزب أيتام "دايتون" على الرغاء والنخير بهكذا تهمة في كل بازار وسوق؛ وهذا الذي ساهم شخصيًّا في تعذيب وقتل واغتيال سمعة عدد من مطلوبي حركة حماس في أواسط تسعينيات القرن الماضي (كانوا مطلوبين للكيان الصهيوني وأذنابه وليس "للشرطة الجنائية") هذا العتل لم يجد ما يطمئن به غزة عشية بدأ الحرب الهمجية الأخيرة عليها إلا أن يعدها بأن النصر الصهيوني قريب وأن "الأجندات الخارجية" ستسقط (وكالعادة أخزى الله المنافقين وأخلف مواعيدهم). ومؤخرا على خلفية أزمة "خلية حزب الله" تكاثرت الأبواق المصرية الرسمية التي تردد التهمة ذاتها؛ وكما هو متوقع تجيء الكلمة من فم أزلام فرعون أكثر إضحاكًا وأكثر إسفافًا وإغراقًا وتنقعًا في الرذيلة. ولا أخفيكم أنني شخصيا أحب أن أتابع رجال إعلام ومسؤولي هذا النظام اللعين في البرامج السياسية على تلفزيونهم "الألعن"؛ حتى أضحك قليلاً من قلة عقل منتجي أجندات وبيانات الفجور والرذيلة في خصومة الجهاد والمقاومة وثوابت الأمة. وأحب كذلك أن أقرأ في صحافتهم حتى اتعظ واعتبر وأقول كما قال ابن بطوطة حين حضر خطبة جمعة في البصرة مملوءةً لحنًا وخطأً...يومها قال ابن بطوطة: "هذه البصرة التي إلى أهلها انتهت رياسة النحو، وفيها أصله وفرعه، ومن أهلها إمامه الذي لا ينكر سبقه، لا يقيم خطيبها خطبة الجمعة على دؤوبه عليها"! فأنا أقرأ جريدة الأهرام وأقول: "أهذه مصر الرافعي والعقاد وزكي مبارك؟ فسبحان الذي رفع العلم والفهم من منابر أرض الكنانة الصحافية واستبقى "أسامة سرايا" وأمثاله لحكمة من عنده يستعملون على مناصب الكتابة الرفيعة"!
ومن المجدي والمثير في حمأة هذا التكالب على المقاومة أن ننتبه إلى أن تاريخ الحرب على حركات التحرر والمجاهدين يكشف أن الغزاة لطالما رددوا عين تهمة حمل الأجندات الخارجية هذه - وإن تغيرت شخوص المتهمين بطبيعة الحال بسبب اختلاف ظروف الزمان والمكان - في إطار نزع الشرعية عن جهاد المجاهدين. فلا بد من مؤامرة خارجية تجند هؤلاء المقاتلين من أجل الحرية؛ ولا بد من يد محركة محرضة من وراء الحدود؛ ولا بد أن مبلغًا من المال هو الذي يحسم الصراع النفسي داخل كل مقاتل من مقاتلي القسام: "هل أخرج لأفجر نفسي في العدو أو لا أفعل"! لا بد أن يكون كل هؤلاء الفدائيين والمرابطين والأبطال قتلة مأجورين أو طلاب مغانم شخصية؛ ولا يصح أن يكون أبناء العروبة والإسلام مدفوعين بحاجتهم الطبيعية والبديهية لقتال الغزاة؛ ولولا "إيران" لما قاتلت حماس ولما احتيج لكل هذه المعاناة في محاربة الصهاينة - كأن فلسطين لم تقاتل حتى قامت حماس أو كأن حماس لا تقاتل لولا وجود دعمٍ ما من إيران. ولأن هذه التهمة أصبحت أكثر جريانًا على ألسنة فرعون وزبانيته؛ فإن من الأوقع في النفس - ونحن نحاول أن نثبت أنها بضاعة الاستعمار القديمة الجديدة - أن نأتي بمثال على ترديدها والنفخ فيها من التراث السياسي المصري نفسه؛ فكيف كان ذلك؟
تجيء الإجابة من إحدى صفحات تاريخ الحملة الفرنسية على مصر. صحيحٌ أن أكثر المصريين يدرس تاريخ البلاد من مناهج التعليم؛ وصحيح أن أكثر هذه المناهج قد تم نزع أكثر ما فيها من تفاصيل عربية وإسلامية وحشيت عوضًا عنها بمطولات عن "منقرع" و"حتشبسوت" وما إلى ذلك؛ وصحيح أن "أمريكا" تشترط دائمًا في اتفاقيات مكتوبة ورسمية أن يتم تغيير مناهج التاريخ واللغة العربية والتربية الإسلامية؛ وتقرن معونتها المالية للفرعون بتلك الشروط (بالمناسبة هم لا يطلبون تغيير مناهج العلوم والرياضيات أبدًا ويرون أن على الأمة أن تستمتع بالتخلف الذي هي فيه وليس في الإمكان أبدع مما كان) وصحيح أن آخر جولات غسيل الوعي والذاكرة قد تمت برعاية المثلية "ليز تشيني" ابنة نائب الرئيس الأمريكي الأسبق "ديك تشيني"؛ وصحيح أن أكثر زبانية النظام المصري هم من الجهلة والسفلة ولن يكون مستبعدًا عنهم الجهل بألصق الأحداث بتاريخ بلادهم؛ وصحيح أن أكثر المصريين والعرب يعتقد أن حملة نابليون على مصر كانت "معسكرًا كشفيًّا" أفضى إلى إدخال الطابعة إلى العالم العربي (طبعًا دخلت لطباعة بيانات الاحتلال وخرجت بالمناسبة معه حين خرج) ولا يدري عن المذابح التي دارت من قرية لقرية في دلتا النيل وعلى الطريق من الاسكندرية إلى القاهرة؛ فضلاً عن مذابح القاهرة نفسها وما صاحبها من حرق ونهب واغتصاب - أقول كل هذا صحيح؛ لكن لدي أمل بأن بعض البعض لا زال يفهم ويعرف أن ما نفذه نابليون كان احتلالاً؛ وأنه أيضًا استدعى مقاومة كما فعل العرب والمسلمون على الدوام تجاه أي غازٍ وكما تفعل كل شعوب الأرض تجاه من يدهم أرضها.
إذًا أطلقت مصر حينها عدة موجات لمقاومة الفرنسيين؛ وقد تنوعت هذه الموجات بين تصدي السلطة الحاكمة آنئذ - المماليك - للغزاة في معارك خاسرة عكست فجوةً حضاريةً عمرها ستة قرون (منذ أن صدت مصر هجمة فرنسي آخر هو "لويس التاسع" وهزمته وأسرته) وانتقلت الراية للجمهور بعد أن سقط النظام - أو فرت أركانه للصعيد - ونفذ الأهلون ثورتين كاسحتين ضد المحتل؛ وتوجت الأعمال الحربية للمقاومة بعملية الاغتيال الناجحة للحاكم الفرنسي العسكري على مصر ونائب نابليون فيها - المدعو "كليبر".
يومها عز على الفرنسيين أن يروا مجموعة من شباب الشرق العربي المسلم والمتدين - من طلاب الأزهر - يدبرون خطة فريدة من نوعها لاغتيال رأس العدو في القطر المحتل؛ ولذلك اتجهت تحقيقاتهم الوحشية وما مارسوه فيها من تعذيب لفرض رواية تقول أن بطل العملية "سليمان الحلبي" قد نفذ الهجوم استجابة لطلب ضابط تركي؛ بعد أن شكا له سليمان من فداحة الضرائب الباهظة المفروضة على أبيه فوعده الضابط بمراجعتها إن هو ذهب إلى مصر وأسدى له خدمة اغتيال قائد الفرنسيين فيها - هكذا بكل سذاجة وبساطة وتسطيح! فبالنسبة للفرنسيين كان من الضروري أن تعقد خيوط مؤامرة كبرى تصل قتل قائدهم بضباط عثمانيين ربطتهم في النهاية بالصدر الأعظم في "استانبول"! وكان لا بد من ضرب المتهمين ضربًا مبرحًا ليضطروهم للاعتراف بأن ما كان عملية استشهادية رفيعة لم يزد على أن يكون مؤامرة رخيصة للقتل حركها بريق الذهب العثماني!
ودون دخول في تفاصيل وضع مصر الإداري في تلك الحقبة - حيث كانت علاقة المماليك بالدولة العثمانية صورية وكانت مصر شبه مستقلة عن السلطان باستثناء بعض الشكليات التي لا تقدم ولا تؤخر - فإن الدولة العثمانية كانت بمثابة "قوة إقليمية" خارجية قادرةٍ افتراضًا على أن تؤثر في الوضع المصري (مثلما هي إيران في منطقتنا اليوم وإلى حد كبير) وكان من الأحسن للفرنسيين أن يلحقوا "المقاومة" كتهمة بالعثمانيين على أن يقروا علنًا بأن المصريين العرب المسلمين - ومن عاونهم من العرب والمسلمين الآخرين - هم من يقاتلهم ويرفض وجودهم من منطلقات شعبية أصيلة لا يد للخارج فيها؛ أو على الأقل لا تحتاج للخارج ليعطيها الدوافع الأساسية للتحرك.
فما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ بالأمس كان الاحتلال يردد دعاية "الأجندات الخارجية" بلسانه الأعجمي الأعوج؛ أما اليوم فهو يجدد في فولكلور محاربة المقاومة؛ وينجح في تجنيد عشرات السياسيين والزعماء والقادة والصحافيين ورجال الإعلام من العرب الأقحاح من المحيط إلى المحيط للنخير بدعواه وتكرارها. افتحوا صحف الصباح في أي بلد عربي ولن تعدموا أحد هؤلاء "الهمل" الذين صيرته المقادير كاتبًا - كأن الكتابة الصحافية في العالم العربي صارت معادلاً للعمل في "البحرية" في أمريكا - يتحدث عن الخطر الإيراني والارتهان لإيران بذريعة المقاومة (طبعًا هو يقول ذلك ولا يفكر حتى في رفع الرضاعة الأمريكية من فمه وهو يحدثنا عن استقلال القرار؛ وربما هو يشعر بالفخر لوجود اسمه على موقع وزارة الخارجية الصهيونية أو الحزن لعدم وضع اسمه في قائمة "عدم الشرف" بعد!)
بالأمس كانت جماهير الأمة - حتى تلك التي هي تحت حكم الأمراء المصلحيين وولاة الدنيا المشغولين بملكهم - تنفر للجهاد والقتال ونصرة إخوانها تلقائيًّا وبالحد الأدنى من الحشد والتجييش. يقول أحد مؤرخي حملة نابليون على مصر بخصوص المدد القادم للمجاهدين المصريين من البلاد العربية: " وكان أرهب الأمداد المقاتلون العرب القادمون من الحجاز؛ والذين عبروا البحر الأحمر بالآلاف؛ وقد زعموا كلهم أنهم من سلاسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكانوا يلبسون العمائم الخضراء. ومع أن شريف مكة لم يشجعهم على الانضمام لمراد (حاكم المماليك) فإنه لم يفعل شيئا لثنيهم. وقد أرسل في الوقت ذاته الرسائل الودية لبونابرت لأن موارده كانت تعتمد إلى حد كبير على ما يصدره من البن إلى مصر". أما اليوم فإن إمداد المقاتلين ممنوع؛ ومن يفعل ذلك "مجرم" يمس "بالأمن القومي" وينفذ "أجندات خارجية" (يقولون ذلك دون أن يرف لهم جفن وهم الذين يخبرهم السفراء الأمريكيون بكل ما يجب أن يفعلوه وما يجب أن ينتهوا عنه) فإن كانوا عاجزين عن أن يكونوا مقاومين في ذوات أنفسهم؛ فماذا عليهم لو كانوا مثل "شريف مكة": لا يرضون عن دعم المقاومة ولا يسخطون أيضًا؛ ويحافظون على البن في الوقت نفسه؟!
ولو فحصنا حادثة اغتيال "كليبر" أكثر لوجدنا أن منفذ العملية من سوريا - سليمان الحلبي - وأن اثنين من الذين اعتقلوا معه بتهمة تخطيط العملية وتدبيرها كانا من غزة - الشيخان محمد وعبدالله الغزي - وكان جميع الأربعة المتهمين بالقضية بمن فيهم سليمان من طلاب الأزهر "المولودين ببر الشام" كما قال الجبرتي مؤرخ الحملة من الجانب العربي المسلم؛ فهل يفهم مبارك ومطبلوه ومبخروه مغزى هذه المعطيات؟ هل يفهمون أن الأمة حري بها أن يشد بعضها أزر بعض حين يتعرض قطاع منها للغزو والاحتلال؛ وأن التناصر على المحتل ليس فيه "تحميل جمايل" فغزة تدافع عن مصر ومصر تدافع عن غزة (أو هكذا كان ينبغي؟!)
لكن أملي في أن يفهم هؤلاء مقطوع لأن همتهم أحط من ذلك؛ فمن العبث توقع أي التئام في "شرم الشيخ"؛ وأكاد أزعم أن من سوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى - والله تعالى أعلم - أن يدعو المرء للمختوم على قلوبهم هؤلاء بأن يسمعوا ويعقلوا...ومع ذلك لا بأس في قرع رؤوسهم بهذه الأدلة التاريخية والموضوعية والتي لا تكذب حين تحكم بأنهم عملاء وأجراء للمحتل يرددون نفس مقالاته؛ ولا بأس أيضًا في أن نثبت قلوب إخواننا بالحجة والدليل أنهم على الحق؛ وأن عزاءهم فيما ما نزل بهم من نوازل أنهم قد سبقهم إخوانهم من المجاهدين في السلف الصالح إلى معاناتها ومكابدتها؛ "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين"؛ وبإذن الله ستسقط الأجندات الخارجية فعلاً هذه المرة – الخارجية على المعنى الصحيح في تولي أمريكا والصهاينة – وسيبطل سحر العملاء ويفسد صنيعهم؛ وستكون حال جيش محمد صلى الله عليه وسلم من حال قائدهم من حيث يقول رب العزة: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".

تيارٌ للتسوية أم وكلاءٌ للاحتلال ؟ ....ماجد الزبدة

تخيّل أن جهاز الأمن الوقائي في نابلس ألقى القبض على أحد عملاء الاحتلال بتهمة وشايته لجهاز الشاباك الصهيوني على أحد المطلوبين للاحتلال فدافع هذا الخائن عن نفسه متذرعاً بأن كافة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة تتعاون وعلى أعلى المستويات مع قوات الاحتلال بل و تتبادل معه المعلومات من خلال الاجتماعات الأمنية المشتركة بين الطرفين. كيف ستكون ردة فعل المحققين مع هذا الخائن وهل ستشفع له هذه الحُجّة وصولاً إلى تبرئته والإفراج عنه ؟؟؟التعاون الاقتصادي مع المحتل لا يبتعد كثيراً عن التعاون الأمني فكِلاهما يؤدي إلى تحقيق منفعة مادية ومعنوية لدولة الاحتلال بل يزداد خطر التعاون الاقتصادي كونه يؤدي إلى ترسيخ تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد الدولة الصهيونية ما يؤدي إلى استحالة الاستقلال الاقتصادي في المنظور القريب، أما العجب العجاب فهو أن يتعاون أحدهم مع المحتل متذرعاً بأن الجميع يتعاون مع هذا الكيان وهي كذبة ساذجة لا تنطلي على أجيال فلسطينية إكتَوَت بنار الاحتلال وعانت من عنصريته المقيتة طيلة العقود السابقة.إقرار أبناء رئيس سلطة رام الله بأنهم يتعاونون اقتصادياً مع الاحتلال متذرعين بأن أغلب الفلسطينيين يتعاونون مع الكيان الإسرائيلي إنما يُسقط ورقة التوت ويكشف سوءة هذا التيار المستفيد من بقاء الاحتلال لا من إزالته، فتعامل أبناء الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الصهيوني خارج عن إرادتهم و هو بفعل اتفاقيات الإذلال التي طوقت بها سلطة رام الله رقاب أبناء الشعب الفلسطيني من أجل حفنة من الامتيازات الشخصية بل نرى تلك السلطة تقف سداً منيعاً أمام أي محاولة للتخلص من تلك الاتفاقيات المجحفة وما تمسك قيادة رام الله باتفاقية معبر رفح المجحفة إلا شاهد على ذلك. ما يصعب تصديقه ويندى له الجبين هو إقرار الحكومة الأمريكية بأن أولئك القوم ليسوا مجرد متعاونين اقتصاديين بل هم وكلاء لتنفيذ سياسات أمريكا في الأراضي الفلسطينية ومهمّتهم هي تجميل صورة أمريكا وإقناع الشعب الفلسطيني بأنها دولة نزاهة وحيادية وديمقراطية رغم ما يعانيه أبناء شعبنا من ظلم تلك الدولة الداعمة لكيان الاحتلال في جميع مجازره التي نفذها ضد أبناء شعبنا منذ عشرات السنين، وهي التي تمده بالمال والسلاح والدعم السياسي والاقتصادي والتكنولوجي وغيره بل وتَحول دون اتخاذ أي موقف دولي حازم تجاه هذا الكيان في مجلس الأمن الدولي.هذه الأنباء الهامة تعود بذاكرتنا إلى الوراء حين أصرت الولايات المتحدة الأمريكية على تعيين محمود عباس رئيساً لوزراء فلسطين إبّان حكم الرئيس الراحل ياسر عرفات وهو منصب مستحدث آنذاك وأصرت كذلك على سحب صلاحيات عرفات المالية وتسليمها لسلام فياض لتنادي به رئيساً للوزراء بعد سيطرة حماس على غزة ثم لتبدأ هذه الأيام في تلميع نجمه ليكون خليفةً لعباس ورئيساً قادماً للشعب الفلسطيني، فإذا ما قمنا بالربط بين تلك الأحداث وهذه الأنباء الواردة من أمريكا فإننا نضع علامات استفهام حول الدور الذي لعبته سلطة رام الله طيلة الفترة السابقة وسعيها الحثيث إلى إنهاء القضية الفلسطينية برمّتها من خلال اتفاقيات هزيلة تؤدي في نهاية المطاف إلى حرمان الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات من حقوقه التي ناضل سنوات طوالا من أجل تحقيقها وبذل في سبيلها الغالي والرخيص، فما يتكشف من أنباء حول هذا التيار يدلل بأن تلك الفئة قد أصبحت عبئاً ثقيلاً جاثماً على صدور أبناء الشعب الفلسطيني وما محاولاتها المتصاعدة لتكميم الأفواه وكبت الحريات في الضفة إلا دلائل تشير إلى إحساس تلك الفئة بأن المقاومة في الضفة قد بدأت تستعيد عافيتها فإذا بهم يحاولون من جديد قتل العلماء وتهديد واعتقال المفكرين والإعلاميين والمثقفين والوجهاء مثلما حدث مع الشيخ البيتاوي والدكتور قاسم والقائمة تطول، إلا أنه ورغم قسوة تلك المحاولات اليائسة فهي تبشر بقرب زوال تلك الفئة الضالة التي تدّعي كذباً رغبتها في السلام مع الاحتلال بينما هي في الحقيقة تنشر ثقافته المخادعة بين أبناء الشعب الفلسطيني.

حماس.. مراجعات سياسية وعسكرية ....بقلم: مؤمن بسيسو

لم تكن حركة حماس –على مدار تاريخها الحافل- أشدّ حاجة وأكثر إلحاحا إلى إجراء مراجعات تقييمية لأدائها السياسي والعسكري كما هو الحال اليوم.

فالحركة التي خرجت لتوّها من جحيم حرب إسرائيلية استهدفت استئصالها وإجهاض سلطتها وضرب قدراتها، والتي تجاذبتها حوارات فصائلية ماراثونية برعاية مصرية إبان الأسابيع الأخيرة تقف اليوم على مفترق طرق بالغ الأهمية والحساسية تؤسس اتجاهاته لخيارات متناقضة وسيناريوهات متضاربة، وتواجه تحديات ثقيلة على مختلف الأصعدة والمستويات، ما يفرض عليها إبداء وقفة مسؤولة تراجع فيها -بجدية مطلقة وتفكير عميق- خياراتها وسياساتها وسلوكياتها السياسية والعسكرية.

مراجعات سياسية
إ
ن أي مراجعة سياسية حقيقية تبتدرها حماس ينبغي أن تراعي جملة الحقائق الموضوعية التي يكرسها الواقع المعاش، وتفطن للحقائق الواضحة التي تحكم محددات السياسة الراهنة، محليا وإقليميا ودوليا.

أولى هذه الحقائق أن القضية الفلسطينية لم يرتكس حضورها يوما كما الارتكاسة الراهنة، وأن الحال الفلسطيني قد بلغ أسوأ مراحله انحدارا وانقساما وانفصالا، وأن العلاقات الوطنية لم تكن أكثر تدهورا مثلما هو الحال اليوم.

ثانية تلك الحقائق أن إعادة الإعمار تشكل أحد أهم التحديات المرحلية لحكومة حماس، وأن مفتاحها يكمن في تشكيل حكومة فلسطينية جديدة ذات قبول دولي.

ثالثة تلك الحقائق أن الحصار السياسي والاقتصادي والجغرافي المضروب لا زال على أشدّه، وليست هناك أي إرهاصات حقيقية لتفكيكه في المدى المنظور أو المتوسط إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وأن الزيارات واللقاءات والجولات التي يعرّج فيها مسؤولون ونواب أميركيون وأوروبيون إلى غزة أو دمشق لا تعدو كونها فعاليات ذات طابع استكشافي لسياسات ومواقف حماس، وطبيعة الأمور على أرض الواقع، أو محاولات استدراج متصاعدة لجهة صوغ مقاربات سياسية تقترب من مربعات الغرب وشروط "الرباعية"، ولا يمكن التعويل عليها بأي حال من الأحوال.

رابعة تلك الحقائق أن التيار المسيطر على حركة فتح ومنظمة التحرير ليس في وارد النزول عن شجرة السياسات والمواقف المعروفة التي تتشبث باتفاقات أوسلو وتوابعها والتزاماتها الأمنية إلى ما لا نهاية، وأنه يحاول -بكل وسيلة- جرّ حماس إلى مربعه السياسي، ما يؤشر إلى انسداد الأفق تماما أمام صياغة برنامج سياسي وحدوي فلسطيني مشترك متحرر من شروط "الرباعية" وقيودها المجحفة.

خامسة تلك الحقائق أن حركة فتح والقوى الإقليمية والدولية لا تبتغي من وراء حوار القاهرة سوى تشكيل حكومة فلسطينية جديدة وفق المقاسات الدولية، دون طرق أو علاج أي من القضايا الشائكة الأخرى.

سادسة تلك الحقائق أن وجود حماس في الحكم وسيطرتها على غزة قد منح إسرائيل الشرعية لشن حرب ضدها، وأن الظروف التي أنتجت الحرب الأخيرة مرشحة لإنتاج حرب أخرى حال بقاء حكم حماس مستقبلا في ظل انعدام فرص التوصل إلى تهدئة مع الاحتلال.

سابعة تلك الحقائق أن البناء الحركي والتطور المؤسسي الذي أنجزته حماس طيلة الأعوام الماضية، يبقى عرضة -بشكل أو بآخر- لخطر التبديد والاستهداف المباشر إسرائيليا مع أي حرب إسرائيلية جديدة.

ثامنة تلك الحقائق أن وجود حماس في الحكم وهيمنتها على الحكومة بعد الانتخابات التشريعية وما تلا ذلك من "حسم عسكري"، قد كلّف الحركة الكثير، سياسيا واقتصاديا وميدانيا وتنظيميا، وشغلها عن بعض المهام والأولويات التي يفترض أن تبقى في صدارة أجندة اهتمامات الحركة على الدوام، خاصة قضيتي المقاومة والشأن التنظيمي الداخلي، لصالح منح الأولوية والاهتمام لشؤون الحكم والسياسة.

إن كل هذه الحقائق تحتّم على حماس إعادة النظر في خياراتها وتكتيكاتها السياسية، وتحري الخيار الأصوب والأكثر مواءمة مع حقائق السياسة والواقع، وإبداء مرونة ذات مدى أوسع سياسيا، تطول التكتيكات والفرعيات لا الإستراتيجيات والكليات.

وقد يكون في قبول حكومة من المستقلين على أساس البرنامج السياسي لاتفاق مكة كأحد الخيارات المقبولة دوليا، الخيار الأصح لهذه المرحلة التي تعج بالمطبّات والألغام والتحديات، فهو -من جهة- يستجيب تماما للتحديات السياسية: الخارجية والداخلية، وتحدي إعادة الإعمار، فضلا عن كونه يحافظ على برنامج حماس السياسي، ويحجزه عن أي شكل من أشكال الخدش أو الانثلام من جهة أخرى.

إن أي مخاوف لدى حماس بشأن التعاطي مع "حكومة مستقلين" ذات مهام محددة قد لا تكون مبررة، انطلاقا من أن:

- حماس لا تستمد فاعلية دورها السياسي والوطني من قيادتها أو وجودها داخل الحكومة، بقدر ما تستمده من خدمة شعبها وتبنيها لهمومه وآلامه، ومدى التصاقها مع قضيته الوطنية ومشروعه المقاوم.

- قدرة الحركة على ترشيح وزراء مستقلين يخدمون برنامجها السياسي ورؤيتها الوطنية.

- أن الحكومة المطروحة لا يمكن أن تحظى بأكثر من دور سياسي واقتصادي، بعيدا عن أي دور أمني مركزي، في ظل تبعية الأجهزة الأمنية المعروفة لكل من فتح وحماس في الضفة والقطاع.

- أن الدور السياسي المناط بالحكومة لن يشذّ عن الخط التوافقي المرسوم، كونها تشكل مزيجا غير متجانس سياسيا، انطلاقا من تبعية أو ميل عناصرها –وإن كانوا مستقلين- لرؤى ومواقف القوى والفصائل التي تولت ترشيحهم.

- أن الخشية من استثمار أبو مازن لحالة التوافق السائدة لجهة التفرد بإبرام اتفاق نهائي مع الإسرائيليين، هي خشية ليس لها ما يبررها في ظل مواقف وسياسات الحكومة الإسرائيلية الراهنة.

ومن هنا فإن تشكيل "حكومة مستقلين" وفق المهام المتفق عليها، يضخّ دفقة أمل جديدة في أوصال القضية الفلسطينية، ويُعفي حماس من تبعات وتكاليف الحكم الباهظة، سياسيا وماليا واقتصاديا، ويحررها من مسؤولية الالتزام والمساءلة المباشرة أمام الجماهير في ظل الكارثة الاقتصادية المعاشة، ويقطع العديد من الذرائع التي تبرر تجدد العدوان الإسرائيلي بأشكاله الواسعة المنفلتة، ويمنح الحركة فرصة التفرغ لإعادة بناء وترميم وتدعيم بناها ومؤسساتها الحركية والتنظيمية والاجتماعية، ويهبها آفاقا أرحب نحو تفكير أدق وأصوب حيال المشروع المقاوم، وسبل صيانته وتنميته وإرساء قواعده ونشر أشرعته وفق رؤى تجديدية وتطويرية تتم بلورتها في ظل التحديات التي تعصف بالوضع الفلسطيني قاطبة.

مراجعات عسكرية

لا يمكن تبيان خطورة هذا المحور وآثاره البالغة في تقرير مسار المواجهة وطبيعة العلاقة مع الاحتلال، بمعزل عن فهم واستقراء واقع المعركة العسكرية التي دارت رحاها بين حماس وإسرائيل إبان الحرب الأخيرة على غزة.

فقد كشفت الحرب العديد من الثغرات وأشكال الخلل في إطار خطة وإستراتيجية المواجهة العسكرية التي رسمتها كتائب القسام الجناح المسلح لحماس رغم البلاء الحسن الذي أبدته في تصديها لجحافل القوات الإسرائيلية الغازية، المدججة بكل أنواع الأسلحة، والمعززة بآخر التقنيات والابتكارات التكنولوجية.

ابتداء، لا يمكن إنكار الجهد الهائل الذي بذلته حماس لتطوير قدراتها وأدواتها وبنيتها العسكرية والتسليحية، والقفزات النوعية التي تم بلوغها في إطار العمل المقاوم أثناء انتفاضة الأقصى وحتى اليوم، لكن إمكانات وقدرات حماس التي توفر لها فرصة المناوشة والاستنزاف والتصدي للاجتياحات المحدودة أو المتوسطة شيء، ومواجهة جيش جرار ذي ترسانة حربية هائلة يبغي السحق والإبادة والاستئصال شيء آخر تماما.

ولعل نظرة فاحصة لأداء حماس العسكري -على الصعيد الإيجابي- أثناء الحرب تقودنا إلى العرض التالي:

- أن حماس أفادت كثيرا من تأخر تنفيذ العملية البرية لجهة امتصاص الصدمة التي ولدتها المفاجأة الحاصلة بطبيعة وحجم وتوقيت الحرب، وإبداء أكبر قدر ممكن من التهيئة والاستعداد للنزال والمواجهة.

- أن الحركة حاولت بكل جهدها وطاقتها الإفادة من تجربة حزب الله في حرب تموز 2006 في لبنان، خاصة في مجال المواجهة البرية وحفر الخنادق والأنفاق وسبل إطلاق الصواريخ.

- أن الحركة قد مارست العديد من التكتيكات العسكرية التي فوجئ بها جيش الاحتلال، وأجبرته على بطء الزحف والتوغل وعدم الرعونة أو التهور.

- أن الحركة ابتعدت تماما عن الأساليب الاستعراضية والبهرجة الإعلامية الخاصة بمقاتليها وأدائها العسكري المقاوم.

- أن الحركة اعتمدت تكتيك استدراج القوات الغازية المتوغلة إلى حيث مناطق الكثافة السكانية، بدلا من السقوط في فخ استدراجها إلى المناطق المفتوحة التي يسهل فيها ضرب واصطياد عناصرها.

- أن الحركة استخدمت العديد من الأسلحة لصدّ العدوان والدفاع عن النفس، ومن بينها الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة والقذائف المضادة للدروع ذات المدى المحدود وقذائف الهاون وصواريخ القسام وصواريخ غراد ومضادات الطيران محدودة المدى.

- أن الحركة لم تستخدم كل عناصرها العسكرية في إطار المعارك.

ومع ذلك، كشفت تفاصيل الحرب جانبا من النواقص وأشكال الخلل لدى الجناح العسكري لحماس يمكن إجمالها في التالي:

- أن مستوى الاستعدادات والتجهيزات العسكرية لم يكن كاملا عامة، وجاء قاصرا عن بلوغ تحدي معركة كبرى بهذا الحجم رغما عن التهديدات الإسرائيلية التي لم تكن تنفك توقفا ضد غزة وحركة حماس.

- أن الاعتماد على محاكاة أساليب حزب الله فحسب لم يمثل عامل مفاجأة للجيش الإسرائيلي كما كان مأمولا، فقد عمد جيش الاحتلال إلى كبح وإحباط الكثير من هذه التكتيكات والأساليب التي تحسّب لها جيدا، وكان لا بد من إضافة أساليب أخرى ذات نمط إبداعي جديد لم يواجهها جيش الاحتلال من قبل.

- عدم امتلاك وسائل قتالية رادعة للطيران، أو على الأقل المروحيات، كشف الظهر الفلسطيني عموما، وقلل –إلى حد كبير- من هامش الحركة والفعالية الميدانية، وحدود وإمكانات المناورة لدى مقاومي الحركة في الميدان.

- عدم امتلاك الحركة قذائف مضادة للدبابات ذات مدى متوسط أو بعيد (تزيد عن 1000 متر) حرمها القدرة على مواجهة أرتال الدبابات والآليات الإسرائيلية، ومنح أفضلية ميدانية للقوات الغازية.

- وجود العديد من الثغرات الميدانية والمناطق الساقطة عسكريا التي كانت كافية للنفاذ منها إلى العمق السكاني الفلسطيني، بما يؤهل لإحداث اختراق إستراتيجي في مسار ونتيجة الحرب لصالح الاحتلال، ولم يخفف من وقعها سوى استغلال جيش الاحتلال لبعضها جزئيا دون استثمارها كليا لأسباب غير ميدانية.

- استبعاد الحركة كليا لخيار المواجهة الواسعة والاجتياح الشامل قبل نشوب الحرب، ورسم حسابات غير دقيقة لخيارات المواجهة مع الاحتلال.

- عدم وجود خطة إستراتيجية عسكرية لتنفيذ حرب عصابات طويلة المدى حال الاجتياح الإسرائيلي الشامل، واقتحام الاحتلال لعمق المناطق السكنية.

- ضعف القدرة على اكتشاف العديد من شبكات العملاء قبل الحرب، ما كان له الدور الأخطر في تقديم سيول من المعلومات التي أفادت جيش الاحتلال في ضرب الكثير من الأهداف والمواقع الفلسطينية.

يُضاف إلى ذلك العديد من مظاهر الخلل المزمنة التي تعاني منها ساحة الفعل المقاوم، خاصة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، والمتمثلة في:

- عشوائية الفعل المقاوم لدى العديد من فصائل المقاومة، خاصة في مجال إطلاق الصواريخ.

- تضارب المواقف والأجندات لدى فصائل المقاومة في بعض الأحيان.

- غياب التنسيق الجدي بين أجنحة المقاومة المختلفة.

- عزل العمل المقاوم عن مظلة الاستثمار السياسي في كثير من الأحيان.

- ضعف التقدير الصحيح لتوقيتات العمل المقاوم الذي يفترض أن يرتبط بحسابات دقيقة تظللها المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

- ظهور بعض "المجموعات المتطفلة" و"أدعياء المقاومة" في مفاصل ومنعطفات وطنية حساسة ابتغاء العبث والتخريب أو الاستهلاك والبهرجة الإعلامية.

ما سبق يُملي بوضوح على حماس أشكال العلاج المتوخاة، ويدفع باتجاه تدارك الخلل القائم، والنزوع الجاد والسريع نحو إصلاح الأخطاء الميدانية والبنيوية والعملياتية، والشروع في صوغ خطة إستراتيجية لاحتمالات اندلاع حرب جديدة، ورسم كل الخيارات والبدائل والاحتياجات، ووضعها موضع التنفيذ الفوري دون تأخير.

بموازاة ذلك، الحركة مطالبة بضبط وترتيب آليات العمل المقاوم على جبهة غزة، وإرساء توافق محسوب لدى فصائل المقاومة، يشتمل على وضع الحلول والأدواء المناسبة للسلبيات القائمة.

ولعل من نافلة القول أن الحركة قد استخلصت العبر والدروس من الحرب، أو جانبا معتبرا منها، إلا أن العقبة الكأداء التي تعترض سبل تنفيذ بعض الأجزاء الحساسة منها لا ترتبط بعناصر القدرة والدفع الذاتي للحركة بقدر ما تتعلق بالظروف الخارجية والمعوقات الموضوعية.

أخيرا.. على حماس أن تدرك أن حالة المراجعة والتقييم والاستدراك بقدر ما تُعبّر عن حكمة وحيوية وسعة أفق وفهم للمصلحة وإعمال لفقه الموازنات، بما يحفظ الوطن وفصائله المقاومة، والشعب وقضيته العادلة، وسط محيط التحديات العاصفة التي تنهشه من كل حدب وصوب، فإنها تعبر –أيضا- عن فهم دقيق لنواميس الكون، وانسجام واضح مع قوانين الوجود والحياة، التي لا تُحابي أو تستثني أحدا مهما كان.

يوم فهمت أن الانتفاضة ماتت / بقلم: آفي يسسخروف / هآرتس 28/4/2009


في بداية تشرين الثاني 2007 اتصل بي "ابو طالب"، احد قادة كتائب شهداء الاقصى – الذراع العسكري لفتح في طولكرم. وطلب مني زيارته كي اسمع ما لديه ولرفاقه من الكتائب ما اقوله عن اتفاق العفو بين السلطة الفلسطينية واسرائيل. في اطار الاتفاق اياه منحت في حينه اسرائيل العفو لبضع مئات من المطلوبين، من نشطاء فتح ممن سلموا اسلحتهم الى السلطة وتوقفوا عن كل نشاط تخريبي ضد اسرائيل. ولكن بعضا من المطلوبين من كتائب شهداء الاقصى لم يدرجوا في الاتفاق. ابو طالب طلب ان اسمعهم.
كان من الصعب ان افهم في حينه الى اين تتجه الامور في الساحة الفلسطينية. فمنذ زمن غير بعيد سيطرت حماس على قطاع غزة، بينما حاولت السلطة استقرار وضع امني جديد في الضفة الغربية. ولكن نشاط الجيش في يهودا والسامرة استمر كالمعتاد تقريبا وحوادث النار بين اسرائيل والمسلحين في الضفة كانت لا تزال مثابة الامر الاعتيادي. معظم المحللين من رجال الجيش السابقين ادعوا في حينه بان السلطة لا تفعل ما يكفي لمكافحة البنى التحتية للارهاب.
في شقة صغيرة في مخيم اللاجئين انتظرني نحو عشرة مطلوبين. بعضهم كانوا مسلحين. آخرون امتنعوا عن حمل السلاح، كجزء من الاتفاق بين السلطة واسرائيل. ابو طالب شرح بان من لم يحصل على العفو من جهاز الامن في اسرائيل لا يزالون يتنقلون وهم يحملون السلاح. في بداية الحديث كان يخيل لي بان هذا سيكون واحدا من اللقاءات الاخرى مع مطلوبين مسلحين من كتائب الاقصى، اساسه اطلاق الشعارات حول التزامهم بمواصلة الكفاح والانتفاضة "حتى طرد الاحتلال الصهيوني".
ولكن سرعان ما تغير شيء ما في الاجواء. المخربون الخطرون بدأوا يروون بالتفاصيل عن المشاكل الشخصية التي وقعوا فيها بسبب كونهم مطلوبين. وشددوا المرة تلو الاخرى على أنهم غير معنيين بمواصلة القتال ضد اسرائيل، واعترفوا بانهم يريدون أن ينالوا العفو وفي نهاية الامر "العودة الى بيوتهم بسلام".
المشاكل التي بسطها ابو طالب اوضحت كم اصبح ابطال الشارع في بداية الانتفاضة شخصيات غير مرغوب فيهم في مدينتهم: سائقو السيارات العمومية يرفضون تسفيرهم خشية ان يؤذيهم جنود الجيش الاسرائيلي. اصحاب الدكاكين لم يوافقوا على بيعهم من بضائعهم. وحتى الحلاقين في المدينة خافوا من الحلاقة لهم خشية أن يصابوا هم باذى.
المشكلة الاصعب التي واجهوها كانت غدوهم مرفوضي العفو. أحد المطلوبين، مؤيد ابو تمام، روى بانه سعى الى الزواج من فتاة في المخيم ولكن والدها رفضه بشدة. رفيقه صلاح واجه مشكلة مشابهة. والد الفتاة التي احبها لم يوافق على زواجها منه. صلاح حاول في البداية ممارسة "ضغط اجتماعي" على الاب: فقد أطلق النار على عواميد الكهرباء على مقربة من بيت الفتاة وعلى مدى بضع ساعات كان كل مخيم اللاجئين في الظلام. ولكن الاب لم يتراجع وصلاح تزوج من فتاة اخرى، من عائلة أقل اعتبارا. أما مطلوب آخر، متزوج، فروى عن مشاكل في العلاقات الجنسية مع زوجته في ضوء الخوف الذي يشله.
وعند الظهيرة خرجنا في جولة قصيرة في المخيم ووصلنا الى مقهى "فوزي بابا". وعندما دخلت عصبة المطلوبين الى المكان، سارع كل نزلاء "فوزي بابا" الى الخروج الى الشارع. وتبادل الكلام بين صاحب المقهى فوزي وبين ابو تمام، صديقه من الطفولة، اوضح كم دراماتيكيا كان التغيير في الواقع الامني في الضفة. "لماذا جئتم الى هنا؟" سأل فوزي. احد نزلاء المقهى لم يخف حتى من مواجهة المطلوبين. "انتم تظنون انه بسبب الصحافيين الاسرائيليين لديكم حصانة الان؟ لا ضمانة. هيا، انتم ملزمون بالخروج". ومع أنه كان الحديث يدور عن حدث محلي فقط، فقد كان الاحساس انه جزء من سياق أكبر بكثير. اولئك المطلوبين، الذين في بداية الانتفاضة كانوا ابطال الشارع الفلسطيني اصبحوا في غضون بضعة اشهر "غير مرغوب فيهم": أناس يسعى المجتمع الى لفظهم من داخله تقريبا. الضغط الاجتماعي كان جزءا من التفسير للاستجابة الواسعة جدا من مطلوبي كتائب شهداء الاقصى الموافقة على العفو. بعد وقت قصير من ذلك اختفى المسلحون من شوارع جنين، نابلس، الخليل وباقي مدن الضفة. السلطة الفلسطينية نجحت في اعادة قدر معين من القانون والنظام الى الاماكن التي اعتبرت في الماضي عواصم الفوضى والارهاب

الاثنين، 27 أبريل 2009

قميص غزة على الطراز الصهيوني ....بقلم: د. فايز أبو شمالة

قميص غزة على الطراز الفارسي، كان المقال الأكثر طباعة في صحيفة الشرق الأوسط، ولاسيما أن الكاتب محمد أبو شامة قد استعار الدلالة الدينية للفظة قميص، التي ارتبطت بالخليفة عثمان بن عفان في التاريخ الإسلامي، وألصقها بغزة، في إشارة إلى أن سوريا وإيران وحزب الله وحماس، الذين يتباكون على غزة هم قتلتها، وهم آسروها، وهم تجارها، ويصل الكاتب في النهاية إلى أن ما جرى من جريمة صهيونية في غزة، لا تصب إلا في صالح العدو الإيراني، والسوري، وضد فلسطين وشعبها، وضد قيادته التاريخية.

لا أرد دفاعاً عن إيران، وإنما وددت الإشارة إلى أن غزة التي تحاصر محاصريها قد فرضت نفسها رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزه، وقميصها ما زال فلسطينياً وعربياً ينطق بالضاد، وإسلامياً على المذهب السني، بينما الضفة الغربية المحتلة مباشرة من (إسرائيل)، وقد نسيها الجميع، لأنهم ألبسوها قميص نوم المفاوض، لتمسي أرضها نهباً للمستوطنين اليهود، وتصير مدنها مستباحة، وشوارعها تقطعها الحواجز الإسرائيلية، وهي محط أحلام وأطماع المستوطنين الصهاينة، وما زالت على سرير التفاوض تنتظر أن تمن عليها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، أو الحكومات الإسرائيلية بكلمة مجاملة أو لمسة حنان، تكفل لها سبل العيش، ولكن دون جدوى! ليغدو الأكثر نفعاً للفلسطينيين والعرب؛ أن تلبس الضفة الغربية قميص غزة المقاوم.

إن محاولة الربط بين غزة والجنوب اللبناني من جهة وبين "إيران" هي محاولة للتنصل من فكرة المقاومة، والتقليل من سحرها وتأثيرها على الشعوب، بل ومحاربتها باعتبارها عملاً مستنكراً، مرفوضاً، ومن هنا كان انصباب حبر بعض الأقلام على أن غزة لم تنتصر، وأن الجيش الصهيوني قد شق بطنها، ولم تقاوم غاصبها، والهدف من ذلك؛ رفع العتب عن عدم رفع راية المقاومة، بديلاً عن راية المفاوضات، ومن ثم المفاوضات، وثم المفاوضات حتى تبسط (إسرائيل) يد مستوطنيها على الضفة الغربية، بعد أن ضيقت على سكانها حياتهم، بينما تخرج غزة من الغرق في البحر الذي تمناه لها أعداؤها، لتمثل اليوم قلعة الصمود، وإذا كان قد تلاقى صمود غزة مع المصالح الإيرانية، فإن الخلل ليس في غزة التي عبرت المسافات، تفتش عن أكسير البقاء، وإنما الخلل في من غلّق على الشعب الفلسطيني كل طرق المقاومة والتحرير، وأبقى على طريق اللقاءات والمفاوضات الثنائية إلى الأبد.

إن الذي يتباكى على أهل غزة وعلى حال سكانها، هو الذي ينسج لأهل فلسطين قميصاً على الطراز الصهيوني بزعامة المتطرف "ليبرمان" الذي وقع اتفاقاً مع "نتنياهو" على إزالة حماس من الوجود، كشرط لانضمامه إلى الحكومة، وهو الذي يعرف أن عدوه الحقيقي في المنطقة هي حركات المقاومة بشكل عام، بغض النظر؛ أكانت إسلامية باسم حركة حماس والجهاد الإسلامي، أو وطنية باسم حركة فتح، أو قومية تحت أي اسم كان.

ويا حبذا لو استطاعت أنامل القادة الفلسطينيين والعرب أن تنسج لأهل غزة قميص كرامة، وكبرياء على الطراز العربي، لئلا تنكشف عورة غزة العزة دون قميص.

في ذكرى شطب الثورة: م.ت.ف مماليك بلا مملكة...!! بقلم: عماد عفانة

كان الوجوم يعلوا وجه اغلبهم بينما كانت الابتسامة الصفراء ترتسم على وجوه القليل منهم، هذا الخليط من المشاعر والإيماءات المتناقضة، هو ما ميز الفلسطينيون الذين انقسموا على أنفسهم. في ذلك اليوم المشؤوم يوم شطب الثورة في 24/ 4/ 1996 م أو ما يسمى بتعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني أي ميثاق الثورة، لتسجل هذه الثورة اول سابقة في التاريخ وهي تعديل ميثاقها ليرضى عنها المحتل الغاصب وأعوانه في الغرب.

وتسجل هذه الثورة انقلابا على نفسها وتشطب ثورتها لتتعاون عوضا عن ذلك مع محتليها، فيما يبقي الجزء الآخر والأكبر من شعبنا متمسكا بما انطلقت م.ت.ف من اجله الا وهو تحرير فلسطين من الماء الى الماء

في ذاك اليوم المشؤوم يوم شطب الثورة كان الجو يبدوا حارا جدا مليئا بالقرف والملل فقد اكتظت الزنزانة في سجن الوقائي بغزة بالنزلاء الطارئين، او ما سموا بالمخربين المحتملين خوفا من قيامهم برفع صوتهم بكلمة لا مما قد يعكر صفو كلنتون الذي ما جاء الا ليسمع كلمة واحدة وهي كلمة نعم، ولا ليشاهد إلا أيدي مرفوعة تعبر عن الاستسلام لكل املاءاته واشتراطاته التي جرت على شعبنا وقضيتنا مزيدا من الويلات والخيبات.

فلا ضير أن يتنفس أحرار فلسطين في ذلك اليوم رائحة عرق بعضهم في الزنازين المكتظة في سجون السلطة التي بنيت بأموال الدول المانحة.

في ذلك اليوم الحار صادق أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في غزة الذين فقدوا أهليتهم في تمثيل شعبنا منذ زمن منذ تحولوا من ثوار إلى رجال مال واستثمار لهذه الثورة لتحقيق مصالحهم الشخصية، صادقوا بكل ذلة وخسة على إلغاء مواد الميثاق الوطني الفلسطيني التي تؤدي إلى القضاء على دولة إسرائيل وتعديل بعضها الآخر التزاما لاتفاق واي بلانتيشن.

وكي لا ننسى وتنسى اجيالنا، وكي لا يذهب هؤلاء بعيدا في التغني كذبا وزورا ودجلا بالوطن والوطنية والاسرى والقدس، فنذكر المواد الملغاة وهي 6 و7 و8 و9 و10 و15 و19 و20 و21 و22 و23 و30، أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي 1 و2 و3 و4 و5 و11 و12 و13 و14 و16 و17 و18 و25 و26 و27 و29.

فمنذ هذا التعديل وطبقا للمادة رقم 6 لم يعد اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني فلسطينيون، بل نواة دولة صهيون.

وطبقا للمادة رقم 7 لم يعد الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخ بفلسطين حقيقتان ثابتتان، فقد اصبحتا من الأوهام.

و وطبقا للمادة رقم 7 اصبحت تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية ثورية واتخاذ كل وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفا روحيا وماديا عميقا وتأهيله للنضال والكفاح المسلح والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير جريمة وطنية وليس واجب قومي بل جريمة يتهم من اجلها بالارهاب.

وطبقا للمادة رقم 8 لهذا التعديل فقد اصبحت المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني مرحلة سلام وليس مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين؛ فقد عادت فلسطينهم حسابات في البنوك وفيلات سوبر لكس في عدد من العواصم العربية والغربية، وكراسي فارهة ومناصب ورتب عاليه.

كما اصبحت التناقضات بين القوى الوطنية الفلسطينية تناقضات رئيسية والتناقض مع الاحتلال هو تناقض ثانوي، وعلى الحركة الوطنية ان تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين القوى الفلسطينية، بينما تبقى اجواء الوئام والسلام هي السائدة بين الصهيونية والاستعمار من جهة وبين الشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية، سواء من كان منها في أرض الوطن أو في المهاجر تشكل منظمات وأفرادا جبهة وطنية واحدة تعمل لتأمين حياة وأمن اليهود المحتلين وتحارب كل من يرفع السلاح في وجههم.

وطبقا للمادة رقم 9 لهذا التعديل فقد اصبح الكفاح المسلح هو الطريق الممنوع والمحظور والمجرم لتحرير فلسطين، والسلام والمفاوضات هو الخيار الإستراتيجي وليس التكتيكي لاستعادة الحقوق المسلوبة.

وأكد مدعي تمثل الشعب الفلسطيني في هذا التعديل ان الشعب الفلسطيني مصمم تصميما مطلقا وعزما ثابتا على متابعة المفاوضات والغاء الكفاح المسلح والسير قدما نحو طاولات المفاوضات لتحرير وطنه والعودة إليه وعن حقه في الحياة الطبيعية فيه وممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه، فالوطن في تعريفهم اصبح الكانتونات المقطعة في الضفة المحتلة وغزة المخنوقة المحاصرة.

وطبقا للمادة رقم 19 لهذا التعيدل فقد اعتبر الموقعون المستسلمون ان تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل هو حق للمحتلين، اما حق تقرير المصير التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة فهو باطل من أساسه وذلك استجابة لإرادة الشعب الفلسطيني .

وطبقا للمادة رقم 20 فقد اعتبر هؤلاء ان وعد بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما فهي حقائق واقعية، وأن دعوى الترابط التاريخية والروحية بين اليهود وفلسطين تتفق مع حقائق التاريخ و مع مقومات الدولة في مفهومها الصحيح. وأن اليهودية بوصفها دينا سماويا هي قومية ذات وجود مستقل وكذلك فإن اليهود هم شعبا واحدا له شخصيته المستقلة ومواطنون في دولة اسرائيل.

وطبقا للمادة رقم 21 فقد اقر الموقعون في هذا التعديل العار بان الشعب العربي الفلسطيني معبرا عن ذاته بالمفاوضات وليس بالثورة المسلحة، يرفض كل الحلول البديلة عن المفاوضات كخيار لتحرير فلسطين التي ليس لها حدود، ويقبل بقوة كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها فقد مل الثوار.

اما الصهيونية فقد اصبحت وطبقا للمادة رقم 22 لهذا التعديل حركة سياسية مرتبطة ارتباطا عضويا بالانسانية العالمية، وهي حركة غير عنصرية تعصبية في تكوينها، وغير توسعية استيطانية في أهدافها، وغير فاشية نازية في وسائلها، وأن إسرائيل هي الثمرة الحرة للحركة الصهيونية وقاعدة بشرية جغرافية للسلام العالمي ونقطة ارتكاز ووثب لها في قلب الوطن العربي لتحيقي أماني الأمة العربية في التحرر والوحدة والتقدم.

وإن إسرائيل مصدر دائم لتحقيق السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع، ولما كان تحرير فلسطين يقضي على الوجود الصهيوني والإمبريالي فيها ويؤدي إلى الحروب في الشرق الأوسط، لذلك فإن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نصرة جميع أحرار العالم وقوى الخير والتقدم والسلام فيه وعلى رأسهم اليهود والحركة الصهيونية ويناشدهم جميعا على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم تقديم كل عون وتأييد لإسرائيل فهي التي ستحرر لنا وطننا.

وطبقا للمادة رقم 23 ويقول الموقعون ان من دواعي الأمن والسلم ومقتضيات الحق والعدل تتطلب من الدول جميعها حفزا لعلاقات الصادقة بين الشعوب واستبقاء لولاء المواطنين لأوطانهم أن تعتبر الصهيونية حركة مشروعة وتشرع وجودها ونشاطها.

اما المقاتلون وحملة السلاح في معركة التحرر وطبقا للمادة رقم 30 فهم نواة الإرهاب الشعبي الذي سيكون رأس الحربة ضد مكتسبات الشعب العربي الفلسطيني، لذا علينا محاربتهم وملاحقتهم لسجنهم أو قتلهم.

ويلكم أيها الموقعون على شطب الثورة، فالثورة اولا هي ملك للشعب والوطن وليس ملك احد، ولم يخول شعبنا ولا وطننا ومقدساتنا السليبة احدا ليوقع باسمهم على شطب الثورة وبيع الوطن

وإذا استمرأ أزلام م.ت.ف وأذنابها فيما يسمى بالمجلس الوطني شطب الثورة ليتحولوا من ملوك للثورة إلى مماليك لدى مملكة يهود، فان شعبنا لم يوقع ولم ولن يتنازل عن ذرة تراب من حقه في تراب فلسطين التي هي وقف للأمة الإسلامية جمعاء.

وإذا كان زعيم الثورة السابقة ياسر عرفات هو قدوتكم وهو أول من رفع يده مستسلما ومؤيدا شطب الثورة، فانظروا كيف تحولت مملكته في المقاطعة إلى سجنه ثم قبره وخذوا منه العبرة والعظة وإلا فإنكم لا تعقلون، وإذا كنتم كذلك فسحقا لكم من مماليك أغبياء

الاثنين، 20 أبريل 2009

سجن جنيد وسجن نابلس ....د. عبد الستار قاسم

كان سجن نابلس عبارة عن غرف فسيحة وعالية على نمط العقود القديمة التي كان يبنيها أجدادنا من اللبن والحجارة. بنى الأتراك عدة غرف إلى الشرق من نابلس، وجعلوا منها سجنا للمنطقة، ومركزا أمنيا. وعلى الرغم من أن الغاية من البناء تتراوح بين الذم والضرورة، إلا أن البناء كان تاريخيا، وكان يستحق المحافظة عليه. بالقرب منه، أقام الإنكليز البناية الحكومية المعروفة بالسرايا، والتي أطلقت عليها الحكومة الأردنية اسم المقاطعة.
تم اعتقالي في العهد الصهيوني المباشر مرتين في هذا السجن، وكنت دائما أرى ضرورة تحويل المكان إلى متحف. المكان تاريخي، وموقعه جميل، وغرفه ملائمة لعرض الآثار التاريخية والتراثية. لكن المكان كانت تشوهه قضبان الحديد والأسلاك الشائكة، وحتى أن إحدى غرفه قد أقيمت داخلها زنازين (زنزانات كانت تعرف من قبل المعتقلين بالإكسات) وذلك لحشر الخاضعين للتحقيق. لكن الملاحظة الهامة أن كل الإجراءات والتدابير اليهودية الخاصة بالمبنى لم تكن تؤثر على هيكل وتركيب المبنى. يعني أن الإكسات قد أقيمت داخل إحدى الغرف دون هدم جدران أو إدخال المواد الإسمنتية إلى صلب المبنى، وكان من السهل إعادة كل الغرف إلى حالاتها الأصلية دون تشويه.
اعتقلتني السلطة الفلسطينية في هذا السجن مرة واحدة، وللأسف وضعتني في غرفة إسمنتية في الطابق الثاني داخل غرفة من غرف السجن. نظرت كثيرا إلى المنظر، وسألت الضابط المسؤول عن سبب هذا التشويه والعبث بجدران الغرفة فقال بأنه هو الذي أشار بعمل ذلك. وشرح لي بأنه كانت هناك حاجة لغرف، ولم ير ضرورة للغرف الفسيحة، وأقنع المسؤولين بسهولة بإحداث ذلك التغيير. شرح لي وهو يقول بأن المسؤولين أغبياء ولولا نظرته الثاقبة لما خطرت الفكرة على بالهم.
قام اليهود بقصف السجن بهدف القضاء على الشهيد أبو هنود، ودمروا إحدى الغرف تماما، وأصابوا السجن بأضرار. وبعد ذلك، قاموا بقصف السرايا وألحقوا بها أضرارا جسيمة. ومنذ فترة وجيزة تم تجريف سجن نابلس نهائيا من قبل السلطة الفلسطينية.
كان من المفروض المحافظة على المبنى لقيمته التاريخية أولا، ولأنه من الممكن استغلاله لأغراض إنسانية واجتماعية متعددة. كان من الممكن تحويل المكان إلى متحف وجعله دارا للزوار والسواح. لكن يبدو أن عقل السلطة الفلسطينية قد ضاق بهذا الأمر.
أما سجن جنيد فهو أصلا عبارة عن مستشفى عسكري بنته الحكومة الأردنية، وسقط بيد الاحتلال وهو غير مكتمل (بناية عظم). قرر اليهود تحويله إلى سجن مع بداية الثمانينيات، واقترفوا بذلك جريمة سكت العالم عنها. أبقى اليهود على الشكل الخارجي للمبنى، لكنهم أجروا تعديلات إنشائية جوهرية داخلية عليه بحيث اختفت معالمه كمشفى. لقد اعتقلت من قبل الصهاينة فيه حوالي العام.
استلمت السلطة السجن بعد اتفاقية طابا، وتم اعتقالي فيه مرتين لمدة محدودة جدا. أول ما شاهدت أن السجن ليس نظيفا بتاتا. أعقاب السجاير وقشور البرتقال وغير ذلك ملقاة على الأرض، والذباب يملأ المكان، والرائحة غير الطيبة منبعثة. هذا لم يكن موجودا تحت إدارة اليهود المباشرة. ولاحظت أيضا إضافات إنشائية خارجية، وإذا بها غرف لضباط أو أبناء ضباط. المكان ما زال سجنا حتى الآن، وفيه يجري تعذيب فلسطينيين على أيدي فلسطينيين.
كان على السلطة أن تعيد المكان إلى ما قصد منه، أي إلى مشفى. صحيح أن تكاليف إعادة تأهيل المكان عالية، لكن الذي يتسول من أجل بناء سجون ومقار أمنية بإمكانه أن يتسول من أجل إعادة تأهيل مشفى. المكان يجسد الكثير من الآلام والأحزان، ويجب ألا يبقى كذلك.

الوعود الكاذبة والاتفاقيات المزعومة ..عزمي بشارة

يحكى أن مجموعة من الذئاب المفترسة الشرسة ذات الأنياب البارزة الحادة والعقول الخبيثة احتلت أرضا كانت ملكا لمجموعة من الحملان، وبعد معركة ضارية وقتل وترويع في قطيع الحملان ففر من فر وقاوم من قاوم وسفكت دم من سفك. قرر الحملان وبإيعاز وبضغط من حيوانات الغابة جميعها وعلى رأسها ملك الغابة الذي كان منحازا لقطيع الذئاب أن يعقدوا اتفاقا وهدنة سلام مع الذئاب، وجلسوا وتفاوضوا وأضاعوا الوقت الكثير والمجهود الأكبر ثم خرجوا بنتيجة ظالمة جائرة بأن تأخذ الذئاب قطعة جديدة من الأرض وأحد الحملان لكي يأكلوه في وجبة العشاء. وحين اعتقد قطيع الحملان أنهم بتضحيتهم تلك قد ضمنوا السلام مع من احتل أرضهم وانتهك مرعاهم وشرب ماءهم ودنس ملكهم، جاءهم ذئب جديد وقال لقد صرت زعيما للذئاب ويجب أن نتفاوض من جديد، فأنا لا يعنينى أى اتفاقية أو معاهدة مع الذئب الراحل. وجلسوا مرة أخرى واتفقوا وكتبوا وتفاوضوا وكانت النتيجة بأن ضحوا بقطعة من أرضهم وبحملين هذه المرة لكي تؤكل في وجبة الغداء. واستمر الحال سنين طويلة، يأتي ذئب جديد يلغي اتفاق الذئب الراحل فيعطوه أرضا جديدة وحملان أكثر. حتى جاء اليوم الذي سيطر فيه الذئاب على كل الأرض وكل الماء وكل المرعى وقتلت كل الحملان فاحتار الذئاب وهاجوا وماجوا وقالوا ماذا نفعل الآن وقد أخذنا كل شيء. ساعتها وقف كبيرهم ودماء اخر حمل تقطر من بين أنيابه فقال نسيطر على كافة أراضي الغابة، فما زال أمامنا بيت البقر وبيت الجاموس وبيت القرود وبيت الغزلان ووادي النعام وكل جزء من الغابة سيكون لنا من الماء إلى الماء. وشحذ الذئاب أسنانهم وأنيابهم وهجموا وقتلوا وشردوا ما تبقى من حيوانات الغابة الذين فروا إلى حيث ملك الغابة الذي كان يجلس وحوله الثعلب المكار وذئب من الذئاب جلس مستكينا بين يديه مشتكيا أن حيوانات الغابة تريد أن تقتله هو واهله المساكين. وحين سمع ملك الغابة بكاء الحيوانات وأنينهم وتساءل عن سر تلك الفوضى وهذا الخراب، أخبره الثعلب المكار والذئب المستكين أن الحيوانات قد هجمت على كيان الذئاب فما كان من الذئاب إلا أن دافعوا عن أنفسهم فقط، فهم يا ملك الغابة مسالمون وديعون لا يقتلون أحدا. وأخيرا نادى ملك الغابة وقرر تغريم كل الحيوانات ومقاطعة وادي النعام ومنعهم من الدخول إلى مملكته إلا بعد تفتيش دقيق وإجراءات رقابية صارمة ومكافأة زعيم الذئاب بجوائز وهدايا كثيرة ثم جلس على كرسيه وزئر زئيرا حادا. وقال لن يهدأ لي بال وأنا أرى الذئاب المسكينة مهددة طول الوقت من الحيوانات المفترية. وأصدر قرارا حيوانيا بأن من يعتدي على الذئاب كأنما اعتدى على ملك الغابة شخصيا، فعادت الحيوانات إلى ما تبقى من أرضها مذعورة خائفة في انتظار ذئب جديد وتضحية جديدة وسلام جديد غير محمود العواقب.. وسلامتكم. اخر الكلام
قد حصحص الحقُ.. لا سلمٌ ولا كلامٌ مع اليهود وقد أبدت عواديها
قد حصحصَ الحقُ لا قولٌ ولا عملٌ ولا مواثيقُ صدقٍ عند داعيها
أين السلامُ الذي نادت به محافلكم أين الشعاراتُ يا من بات يطربها
تآمرٌ ليسَ تخفانا غوائلهُ.. وفتنةٌ نتوارى من أفاعِيها

الخميس، 16 أبريل 2009

من هم هؤلاء؟! ....بقلم: د. فايز صلاح أبو شمالة

أعداء فلسطين، والأمة العربية والإسلامية ليس اليهود الذي اغتصبوا فلسطين كما يحسب البعض، أعداء الأمة هم هؤلاء الذين كانوا، وما زالوا الجسر الذي يعبر عليه الغاصبون من زمن "أبرهة النجاشي، و"شاور" وحتى "بوش" و"شارون" و"نتانياهو" هؤلاء الذين ما انفك يكشف زيفهم الكتاب، والمفكرون في لحظات صفاء، ويفضحون ممارساتهم، ويحددون توجهاتهم، فمن هم هؤلاء الذين يوجعون شعوبهم، ويطعنون مقاومته؟ لقد تعمدت رصد ما قاله عمالقة كتاب حركة "فتح" في غضون أربع وعشرين ساعة فقط؟ فعلى سبيل المثال، الدكتور "إبراهيم أبراش" وزير سابق في حكومة تسيير الأعمال في رام الله، يقول فيهم: "وتحت شعار السلام تحولت سلطة فلسطينية كان يُفترض أن تكون مؤقتة وتنتهي في ماي 1999 إلى سلطة دائمة أزاحت عن عاتق الاحتلال مسؤولية إعاشة وأمن أربعة ملايين فلسطيني وحلت محل الدولة، ومحل حركة التحرر، وبات الدفاع عنها هدفا بحد ذاته، ولأن التسوية بدون تسوية، والسلام بدون سلام أفرزا مصالح مشتركة عند الطرفين- إسرائيل من جانب ونخب فلسطينية طفيلية صنعت شراكة مصالح مع الإسرائيليين– أصبحت هناك مصلحة مشتركة للطرفين بالاستمرار على نفس الحال واستمرار الإدعاء بوجود عملية سلام.
ومن هم هؤلاء الذين قال فيهم الكاتب "عدلي صادق": وربما يكون هذا هو بالضبط، ما جعل المستفيدين من "فتح" الغامضة والفضفاضة والمتذرعة بالعملية السلمية وبمقتضيات السلطة؛ يتطيرون من "مروان البرغوثي" ويرون في وُجهته النضالية، وهو على رأس تنظيم الحركة في الضفة، أمراً مقلقاً وكاشفاً لعوراتهم، وغراب بينْ، فيما هم الذين أدمنت ألسنتهم على أكذوبة تقول: أن مصدر قلقهم في كل حين، لا بد أن يكون من صنع إسرائيلي.
ومن هم هؤلاء الذين يقول عنهم الكاتب يحيى رباح، وهو يتحدث عن مزاوجة الأسير مروان البرغوثي بين فعل التحرر الوطني، وبناء قواعد الدولة، يقول: فإن مروان اختار عن عمد وسابق إصرار وبوعي عميق، ليمارس هذه الرؤية من داخل "فتح"، بل من داخل شرعيتها الرئيسية!!! ولما كان الكثيرون قد خلعوا عنهم أرديتهم القديمة، وظنوا أن زمن المقاومة قد ولى إلى غير رجعة!!! فإن مروان البرغوثي وجد نفسه مرات عديدة في مواقف صعبة، ملاحق بالعديد من الأوصاف، وحالات الغدر، بل والتجني والتهم الجاهزة.
ومن هم هؤلاء الذين يقصدهم السيد "فتحي البس" وهو يكتب: شعبنا لا يقبل الرخاوة في أي مجال، يريد الحزم في المواقف والسلوك، يريد السلام المشرف ويريد أن تدرك قيادته أنه يتحسس من أي كلمة أو حركة في غير مكانها، إن شعبنا غير متطرف، لكنه مقاوم، لذلك يجب أن يكون سلوكنا اليومي مقاومة.
فمن هم هؤلاء النخب الفلسطينية الطفيلية التي صنعت مصالح مشتركة مع الإسرائيليين كما يقول "إبراهيم أبراش"، ومن هم الذين تجنوا على "مروان البرغوثي"، وحاربوه، الذين ظنوا أن زمن المقاومة قد ولى، كما يقول "يحيى رباح"؟ ومن هؤلاء المستفيدين من فتح الغامضة الفضفاضة المتذرعين بالعملية السلمية، ومقتضيات السلطة، كما قال "عدلي صادق"؟ ومن هم هؤلاء الرخويين الذين يطالبهم "فتحي البس" بأن يكون سلوكهم مقاوم؟ من هم هؤلاء؟ وإلى متى يظل الحديث عنهم بلغة الإشارة: هؤلاء، ولا تتم تسميتهم بالاسم الصريح الواضح الذي يعرفهم فيه شعبنا؟ والشعب الفلسطيني يخزن في وجدانه الكثير الكثير، وله رأيه الصريح في الصغير قبل الكبير، ولذلك فهو يعشق التغيير

إعمار غزة فرصة جديدة أمام أبو مازن.....د. إياد السراج

في لقاء مع "جيري آدمز" رئيس منظمة المقاومة الإيرلندية "الشين فين" قال "إن على الفلسطينيين أن يحسنوا أداءهم وإلا سوف يكونوا نادمين لفترة طويلة" وقال أيضاً "لقد كنا نقاتل الإنجليز أعداء حريتنا ولكنا نحن الذين صنعنا السلام وفرضناه على أعدائه لأن السلام كان انتصاراً للحرية".لا يختلف كثيرون حول الآثار الوخيمة للانقسام الفلسطيني على الواقع الذي يعيشه الشعب في غزة بآثار الحصار وعلى الضفة أيضاً بآثار الخطة الإسرائيلية الأمنية الاستيطانية ويعم التشاؤم بمستقبل الحوار في القاهرة.ويتفق الكثيرون على أن المبادرة الفلسطينية في ما يتعلق بالقضايا الفلسطينية قد انحسرت لصالح مبادرات وأفعال ومواقف إقليمية أو دولية فأصبحت إسرائيل ومصر وسوريا وإيران وأمريكا بالطبع لاعبين أساسيين في القضية الفلسطينية أكثر أحياناً وجوداً وتأثيراً من الفلسطينيون ذاتهم.فتح تضررت كثيراً بفعل الانقسام والتمرد العسكري أو الحسم في غزة وكانت الآثار معنوية جسيمة أكثر من الخسارة المادية خاصة لدى أولئك الفتحاويون الذين تركوا غزة قسراً وبشعور المهانة ولم يتم التعامل مع هذه النكبة المعنوية بالطرق الصحيحة ربما لأن فتح كانت أصلاً تعاني من انشقاقات ومشاكل طويلة وعميقة، ولدى فتح فرصة للملمة الجراح والصفوف إذا استطاعت عقد مؤتمرها الحركي التي تم الوعد به وتأجيله عدة مرات. إن فتح تتراوح ما بين الحركة أو انقسام أو الموت البطيء. حماس وإن استفادت مؤقتاً بإثبات قدرتها على الحسم العسكري، وتثبيت الأمن والتصدي للعدوان الإسرائيلي إلا أنها قد وضعت نفسها في خانة اللاشرعية والتبرم العربي والانعزال الدولي، بالإضافة إلى تخطي الصراع الداخلي مع فتح والحكومة الفلسطينية في رام الله حدوده المعقولة فأصبحت حماس منشغلة أكثر في هم هذا الصراع أكثر من أي شيء آخر، ناهيك عن أن حماس قد ارهقت وهي ترى مدى معاناة الناس بالفقر والحصار في غزة. لكن رياح التغيير تهب على المنطقة خاصة بعد وصول أوباما للحكم وبدأت نوافذ كبيرة بالانفتاح على حماس تمهيداً لاعتراف العالم بها وبشرعيتها خاصة بعد أن تيقن الجميع أن حماس قوى سياسية كبرى لا يمكن الحديث عن القضية الفلسطينية دون الحديث معها.ان المعضلة الأساسية التي تواجه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي محاولة الموائمة بين الحكم والمقاومة، فالحكم يعني الاعتراف بالقانون والالتزام به داخلياً ثم الاعتراف بالمواثيق والاتفاقات الدولية والحرص على الشرعية، ومن ناحية أخرى فإن المقاومة حق أساسي للشعب الفلسطيني يفترض أن يمكنه من الصمود والدفاع عن حقوقه والتوحد في مواجهة العدوان وتحقيق آماله ويفترض استعمال السلاح ولذلك كله استحقاقات ومضاعفات ليست الحرب الأخيرة على غزة إلا مثلاً عليها. وحين تقرر حماس أنها على استعداد للعمل السياسي والتلاقي مع العالم فإن العالم سيندفع تجاهها.والحكومة الفلسطينية في رام الله في أزمة شرعية وأزمة أخرى بسبب أن الكثير من فتح يعتبرون أنها أضرت بالحركة حيث ظهر أنها مشتركة بالحصار على غزة بوقف الرواتب وحرمان الناس من جوازات السفر والدواء والتشجيع على الإضرابات..إلى آخره. وينظر هؤلاء من فتح إلى أنه كان لابد لهذه الحكومة أن تكون فتحاوية وإن لم تكن فيجب أن تمد يد العون والرحمة للأهل في غزة خاصة وأنها ظهرت للناس في غزة وكأنها حكومة تستند إلى قواعد فتح. إن دراسة هذه الحالة الفلسطينية تستوجب التوقف لمحاولة وضع الأصبع على موقع الوجع ومحاولة تصور طريقة العلاج. والحال أن هناك أزمة عميقة تهدد اليوم المستقبل وهناك فرصة ذهبية لابد من استغلالها خاصة بظهور أوباما واحتمال المواجهة مع حكومة إسرائيل الجديدة خاصة بعد انكشاف الوجه الإسرائيلي البشع مرة جديدة في الحرب على غزة وازدياد التعاطف الدولي مع الفلسطينيين ومع حماس.والحالة أن هناك أزمة عميقة تهدد اليوم والمستقبل..فتح في أزمة كبيرة متشعبة الجذور وحماس في أزمة تهددها من الخارج ومن الداخل والشعب الفلسطيني في الضفة وغزة واقع بين شرور الانقسام والتعسف الفلسطيني وبين البطش الإسرائيلي.إن الطريق إلى الأمام يمكنه أن يبدأ:- محاولة وضع برنامج مرحلي تنموي اجتماعي وسياسي يجتمع عليه معظم القوى السياسية وبالأخص حماس وفتح وحكومة رام الله.- محاولة وضع استراتيجية جديدة للعمل في ميادين المقاومة والسياسية والبناء الداخلي تجتمع عليه حماس وفتح والقوى السياسية والفكرية.- ليس بالضرورة تحالف حماس وفتح بل يمكن الاكتفاء بالاتفاق على برامج مشتركة.- الاتفاق على برنامج إعادة إعمار غزة باشتراك الجميع ونقترح بهذا الصدد تشكيل هيئة وطنية بقرار من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية/رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأن يكون هو رئيساً لهذه الهيئة وتشتمل على عضوية د. سلام فياض والسيد إسماعيل هنية بالإضافة إلى وزير من كل حكومة وعضوين عن كتلة حماس البرلمانية كذلك من كتلة فتح وشخص ثالث من كل طرف، وممثلين عن هيئة العمل الوطني، وممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص على ألا تزيد العضوية عن 23 شخصاً وتبقى اللجنة القيادية لهذه الهيئة مكون من الرئيس وأربعة أعضاء أساسيين من بينهم د. فياض وإسماعيل هنية.إن مثل هذا الاقتراح أو غيره لو تم تنفيذه يضع الأرضية الصالحة للحوار الجاد على قضايا عملية وبناءة، وأهم من ذلك أنه يعطي الجميع فرصة متساوية في اتخاذ القرار على أعلى مستويات السلطة.ويمكن أيضاً التقدم باقتراح أن تشكل هيئة استشارية لمنظمة التحرير الفلسطيني ذاتها بتعيين د. محمود الزهار مستشاراً أول للرئيس محمود عباس ومعه آخرين يتم اختيارهم ليكونوا مواكبين ومتابعين لكل التطورات السياسية الداخلية والخارجية وأن يكون التواصل بينهم مستمراً.إن فتح تحتاج إلى دافعية كبيرة لتنهض من أزمتها وقد تكون استعادة غزة بالوحدة مع الضفة طريقها الأمثل وأن حماس تحتاج إلى مراجعة ذاتية، وتحتاج إلى دافعية من أجل التقدم على طريق إعادة الوحدة، وذلك بالتأكيد لها على دورها على مستوى القيادة وعلى مستوى العمل الداخلي خاصة في موضوع الاعمار، وأن يكون ذلك مدخلاً لمفاوضات حول برنامج مرحلة وخطة استراتيجية، وحل الصراع بين قيادة المقاومة وإدارة الحكومة والتقدم للحصول على الشرعية الدولية دون التخلي عن الحقوق.باختصار: نحن نقترح1. تشكيل هيئة استشارية قيادية لرئيس منظمة التحرير يشترك فيها عناصر قيادية من حماس.2. تشكيل هيئة إعمار وطني برئاسة السيد محمود عباس وباشتراك رئيس حكومة غزة ورئيس حكومة رام الله.3. البدء في حوار حول برنامج عمل مرحلي لإعادة البناء وإعادة اللحمة الاجتماعية.4. البدء في حوار استراتيجي حول آفاق المستقبل والعمل الوطني.ولو استطاع الفلسطينيين الاتفاق على ما تقدم فإن صورتهم ستتغير أمام العالم التي أصبحت وكأنهم أعداء أنفسهم ويستطيع بذلك استعادة القدرة على المبادرة بدل انتظار القرارات والمبادرات من عواصم العالم.والفرصة مازالت متاحة للرئيس أبو مازن ليحضر إلى غزة ويعلن بنفسه هذه القرارات ويعلن تشكيل حكومة الوفاق مع حماس فيكون بذلك سباقاً بفك الحصار عن غزة وعن حماس، ونحن نستفزه ليقوم بذلك كما قام الرئيس ياسر عرفات في فك الحصار عن طرابلس في رحلته الشهيرة إليها عبر البحر على مركب صيد صغير أيام الانشقاق، لكن هذه الفرصة الماثلة أمام أبو مازن لن تستمر طويلاً، فالتطورات السياسية تتصارع وربما يسبقه غيره بمبادرة شجاعة وحكيمة.

الثلاثاء، 14 أبريل 2009

احتلال سيناء! ...صلاح حميدة

اتهم الغزيون وحركة حماس بمحاولة احتلال سيناء، واتخاذها وطناً بديلاً لهم عن فلسطين، عندما اقتحم الغزيون الحدود المصرية الفلسطينية في محاولة منهم لشراء ما يحتاجون من شبه الجزيرة، وما لفت النظر حينها، أن مليون ونصف فلسطيني دخلوا سيناء، ولم تسجل حالة سرقة واحدة عليهم، واشتروا ما يريدون بأضعاف سعره وعادوا أدراجهم إلى سجن قطاع غزة.قبل أيام أجرت إحدى المؤسسات البحثية الإسرائيلية، استطلاعاً في المجتمع الصهيوني، حول تأييد أو رفض إعادة احتلال سيناء، وكانت الغالبية بما يفوق الثمانين بالمئة، تؤيد إعادة احتلالها، عندما قرأت الخبر توقعت أن يتجند كتاب التدخل السريع والنظام المصري لمهاجمة منظمي الاستطلاع والمجتمع الذي استطلعت آراؤه، لعنصريتها واستهانتها بالسيادة المصرية على جزء أصيل من أرض مصر، خاصة وأن لهم سابقة في احتلال هذا الجزء من مصر، وفي ظل حكومة حالية مغالية في العنصرية والعداء لمصر وشعبها ونظامها المتحالف مع إسرائيل أيضاً؟!.مر الخبر مرور الكرام، والظاهر أن النظام المصري قرر التعامل مع الموضوع من باب المثل الفلسطيني الشعبي القائل: (ضرب الحبيب زبيب، وحجاره قطين).في ما يخص سيناء ومصر والفلسطينيين وإسرائيل والصراع، لا يختلف اثنان أن سيناء أصبحت محور الاهتمام لكل العالم تقريباً في الفترة الأخيرة، فسيناء لم تقف على أولويات أحد ولم يهتم بها أحد، وبقيت غارقة في الفقر والجهل والبطالة والإهمال الرسمي، وبقي أهلها ولا زالوا يعاملون على أنهم مواطنون من الدرجة ثانية.بعد انتفاضة الأقصى وحتى اليوم، أصبح عمل أهل سيناء وحياتهم ورزقهم، يعتمد بشكل رئيس على التجارة والتهريب مع المحاصرين في سجن قطاع غزة، ولأول مرة وجد أهالي سيناء أنفسهم أمام فرصة لا تعوض للعمل والكسب، وحتى الثراء، وكانت هذه التجارة والعمل المربح مدفوعاً بدوافع مالية وأخرى وطنية.أفاق النظام المصري على مفاجأة فوز حماس الانتخابي مصدوماً، فيما لم ينم طويلاً بعدها بأرق، حتى نهض فزعاً من سيطرتها على قطاع غزة.عمل هذا النظام كل ما يستطيع لمحاولة تطويع حكام غزة المنتخبين وتدجينهم وجرهم إلى مستنقع ما يسمى مسيرة السلام، ولكن الحكام الجدد لم تنطل عليهم دروس الأخ الأكبر، في محاولاته الحثيثة لاستمالتهم لفعل الفاحشة الوطنية، فاشتدت الحرب والحصار والتضييق، وكلما تعنت الغزيون وتمترسوا حول حقوق الشعب الوطنية الخالصة، زاد الضغط عليهم من الشقيق الأكبر، وبعيداً عن التفصيلات، يزداد الضغط والضرب طردياً، كلما زاد التمسك بالحقوق؟!.أثارت قضية اكتشاف المجموعة التابعة لحزب الله اللبناني الذين كانوا يقدمون الدعم اللوجستي للمقاومة الفلسطينية، لغطاً كبيراً، وحرص النظام على إرفاق الاعلان عنها مع ضجة سياسية وإعلامية كبيرة، بالرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على إلقاء القبض عليهم؟ وقام بتطعيم القضية بالمذهبية وما أطلق عليه(نشر التشيع)، وأثار استغرابي عدم اتهام النظام المصري لحزب الله بالتخطيط لاحتلال سيناء!.دافع الكثيرون عن دعم حزب الله للمقاومة الفلسطينية، وتبنوا وجهة نظره بالكامل، تارة لأن الأصل في هذه الحالات هو تكذيب العميل وتصديق المقاوم، وتارة بتفنيد الرواية المتهالكة للنظام العميل في مصر، ولكن هناك من تساءل عن سر اتهام تلك الخلية ذات اللبناني الواحد بمحاولة (نشر التشيع، وتهديد أمن مصر)؟! ولماذا لم يتهم مباشرة بإسناد المقاومة الفلسطينية؟ فالنظام يحارب التهريب بكل أشكاله إلى غزة منذ فترة، وزادت وتيرة التضييق بعد حرب غزة، ولا يخجل من ذلك، بل يتفاخر به.الهدف الرئيس هو تحطيم كل الحواجز المتبقية بين النظام والمقاومة الفلسطينية، وتقطيع كل الحبال معها، ووضعها تحت ضغط هائل لا يطاق، ولا يتأتى هذا إلا بحجة أمنية ومذهبية تهدد(الأمن القومي) للنظام وليس للبلد وشعبها، وبذلك ستتم كل الموبقات تحت هذه المظلة، وسيبقى المتهمون بدعم المقاومة تحت سيف الاتهام بالتشيع وتهديد أمن مصر بخاصرتها الرخوة سيناء.ولكن لماذا يقوم النظام المصري بكل هذه الأفعال صريحة الخيانة والعمالة، في ظل حكومة من غلاة العنصرية والصهيونية والعداء لمصر وشعبها وحتى نظامها؟ ولم يتورع وزير خارجيتها عن التهديد بقصف السد العالي وإغراق ملايين المصريين، وسب رئيسها(ذي العقل الكبير)أو(الرأس الكبير)؟ولماذا لا يكون التصرف الرسمي المصري بنفس درجة الغلو في العداء تجاه تلك الحكومة التي تحكم شعباً يريد غالبيته إعادة احتلال سيناء؟ ويعلن وزير خارجيتها عن رغبته، بل يدعو لقصف السد العالي؟.هذا الغلو في العداء للمقاومة الفلسطينية، لا يعود فقط لجذورها الإخوانية، وحصر موضوع العداء الرسمي المصري لها بالعداء للإخوان فيه من التسفيه لعقل القارىء الكريم، وبالرغم من أهمية قضية التوريث بالنسبة للنظام، إلا أنها ليست قضية جوهرية، فهؤلاء مجموعة عملاء سيختار سيدهم من بينهم من يخدمه، والذي لن يختار، سيغلق فمه ولن يتحدث بكلمة، ويوجد أمثلة كثيرة حول الموضوع لا داعي لذكرها، فالنظام الرسمي العربي وليس المصري فقط، يرى أنه يرتبط عضوياً بالدولة العبرية، بل يعتبرها حليفة الطبيعي، وتبدو التحالفات في أوضح صورها، ولم تعد خافية، وكل هذه الأطراف الرسمية العربية تعمل الآن بصفة الترابط العضوي مع الاحتلال ومع القوى التي غرسته، وتعتبر هذه الأنظمة أن القوى الحية في الأمة هي عدوتها اللدودة، وتعمل على استئصالها وإبادتها، وترى هذه الاطراف أن أي نموذج ناجح لهذه المقاومة يهدد استقرارها ومستقبلها، ولذلك تعتقد أن عليها المسارعة بالقضاء عليها قبل أن يشتد عودها.ولذلك يلحظ أن عنوان المرحلة الحالية هو دور المخابرات وليس دور السياسيين، فوكلاء الاحتلال الأمريكي والاسرائيلي العرب من المخابرات العربية، ينشطون في فلسطين وسيناء والعراق وأفغانستان والصومال وغيرهما، كله في سبيل رضا أسيادهم عنهم، وخدمة للجسم الذي يمنحهم الحياة السياسية والمالية.المرحلة الحالية والمقبلة، ستشهد محاربة شديدة لاحتلال سيناء، من ضمير المقاومة، وحب المقاومة، ودعم المقاومة، ولكن هل سينجح ذلك في التضييق على المقاومة، نعم سيستطيع التضييق عليها، وهل سيؤذيها ذلك؟ نعم سيؤذيها، ولكنه قطعاً لن يقضي عليها، ولن يفت من عضدها، ولن يجعلها ترضخ وتقاد إلى أوكار العملاء من الرسميين وغير الرسميين العرب.

حدث واحد وروايتين مختلفتين ..عريب الرنتاوي

قدم حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، رواية تلتقي وتفترق عن الرواية المصرية لما بات يعرف الآن بقضية "خلية حزب الله في مصر"، نقطة الالتقاء الوحيدة بين الروايتين، تتمثل في إقرارهما بوجود خلية للحزب ناشطة على الأراضي المصرية، أما نقاط الافتراق فعديدة وتبدأ من أهداف الخلية ومهماتها وصلاحياتها مرورا بحجمها ونطاق عملها وانتهاءً بمرجعياتها اللبنانية والإقليمية.

حزب الله حصر نشاط الخلية بالعمل على مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة، حماس والجهاد كما يفترض المراقب، في الحصول على السلاح والذخائر والدعم اللوجستي بأشكاله المختلفة (التهريب)، وهو نفى بشدة أن تفويض الخلية يشتمل على ضرب أي هدف على الأرض المصرية، أو أن في نية الحزب المساس بأمن مصر القومي، أو أن يكون معنيا بنشر التشيّع في صفوف المصريين، وهي جميعها أهداف حوّلتها النيابة العامة المصرية إلى لائحة اتهام، وتناولها سياسيون مصريون بالنقد والتنديد، وعرضتها الصحافة بتوسع غير مسبوق، فيما ما يشبه الحملة على الحزب وإيران.

من يعرف حزب الله من جهة، ومن يتابع وجهة سير الدبلوماسية المصرية وأولوياتها وأجندتها في هذه المرحلة من جهة ثانية، لا يخالجه شك أبدا في أن الحقيقة تقع في منزلة وسط بين الروايتين، فحزب الله لم يكن يوما بهذه "الطهرانية" أو بهذا الزهد عن "التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية والإسلامية"، وهو - حزب الله - وغيره من الأحزاب الإيديولوجية من إسلامية ويسارية وقومية، ينتمون لمدرسة طالما سخرت من هذا الشعار، وطالما نظرت لتقديم العون والإسناد "للأشقاء في الدول الشقيقة" بوصفه واجبا ملزما ومسألة تبعث على الفخر والاعتزاز، مع أننا في حالة الحزب ومصر، نعتقد أن "الشقيق الفلسطيني" هو المستهدف بدعم حزب الله، وليس الشقيق المصري، ونكاد نصدق رواية حزب الله التي تكاد تحصر أنشطة الخلية المذكورة بغزة تحديدا.

في المقابل، تبدو الرواية المصرية مثقلة بالهاجس الإيراني، وموظفة بالكامل لـ"إعادة الاعتبار" لإيران كمهدد رئيس للأمن القومي العربي، وهي رواية مبثوثة في خطاب الاعتدال العربي بمجمله على أية حال، ومن مقتضياتها "تحويل الحبة إلى قبة" طالما أن الهدف هو عزل إيران ومحاصرة دورها الإقليمي الصاعد، وربما قطع الطريق على المقاربة الأمريكية الجديدة حيالها، والتي تثير مخاوف دول عربية "مسكونة بهواجس دور إقليمي"، لا هي استطاعت أن تحافظ عليه وتعظّمه، ولا هي قادرة على منع الآخرين من ملء فراغه.

كل ما يمكن أن يقال عن حزب الله (واستتباعا حماس ومختلف فصائل المقاومة) في باب "تهريب السلاح وتخزينه وتصنيعه"، يمكن أن يؤخذ على محمل الجد والتصديق، إذ لولا هذا "التهريب"، لما كانت ثورة ولما كانت مقاومة أبدا، يصح ذلك على تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ أواسط ستينييات القرن الفائت، كما يصح على تجربة المقاومة اللبنانية، قبل 1982 وبعدها، والقوى الفلسطينية واللبنانية، من حماس إلى حزب الله، وقبلهما فتح والشعبية والديمقراطية والحركة الوطنية اللبنانية، لطالما نظرت إلى هذه الاتهامات بوصفها أوسمة شرف تعلق على صدرها، لا بوصفها جنحا وجنايات أو مسا بأمن دول أخرى أو تدخلا في شؤونها الداخلية، وهذه "المهمة" هي الثابت فيما علاقات هذه القوى بالأنظمة العربية على اختلافها، وما عداها، فمتغير يخضع للصعود والهبوط وفقا لحسابات اللحظة وتطوراتها.
أما أن يقال، بأن حزب الله ترك وظائفه في لبنان، ليتفرغ لنشر التشيع في مصر، أو استهداف الأمن المصري، فهذا ما يصعب تصديقه، حتى في ذروة الخلاف بين الجانبين، والأمر ذاته ينطبق (وربما بدرجة أكثر) على حركة حماس وعلاقاتها مع دول الطوق، وتحديدا مع مصر والأردن.

وبعيدا عن صدقية الروايتين وجديتهما، فإن الأهم من هذا وذاك، هو ذاك التزامن بين الكشف عن "خلية حزب الله" في مصر، والغارة الإسرائيلية على السودان، إذ في الحالتين، كان الهدف "تهريب" السلاح إلى قطاع غزة، وفي الحالتين كانت إيران هي مصدر القرار والسلاح، وفي الحالتين كانت لحماس وحزب الله (والحوثيين أحيانا) فضلا عن السودان، أصابع في هذه العملية، ولا ندري حقيقة إن كنّا أمام "صدفة خير من ألف ميعاد"، أم أننا أما واحدة من "مزايا التنسيق الأمني"، أم هو "الالتقاء الموضوعي" في المصالح، يقتضي وضع إيران في صدارة الاستهدافات، لا بوصفها قوة نووية محتملة وخطرة، بل وقوة مهيمنة بلغ نفوذها ضفاف البحر الأحمر بخليجيه وشواطئ القارة السوداء وموانئها وأدغالها وصحاريها المترامية على حد سواء؟!.

أكثر من 11 ألف أسير في سجون الاحتلال بينهم 400 طفل و68 أسيرة (تقرير)

أعلنت وزارة الأسرى والمحررين في الحكومة الفلسطينية في غزة عن وجود 11 ألف فلسطيني معتقل في سجون الاحتلال “الإسرائيلي” بينهم 400 طفل و68 أسيرة و43 نائباً غالبيتهم من حركة “حماس”.

وقالت الوزارة في تقرير إحصائي، أمس، إن ما يقارب من 800 ألف فلسطيني تعرضوا للاعتقال منذ عام ،1967 أي أن ما نسبته 25% من الفلسطينيين فيما بلغ عدد من تعرضوا للاعتقال منذ انتفاضة الأقصى نهاية عام ،2000 أكثر من 68 ألف فلسطيني.

وذكر التقرير، الذي صدر بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف في 17 ابريل/ نيسان الحالي، أن ما يزيد على 1500 فلسطيني بينهم نساء وأطفال ونواب وقادة تعرضوا للاعتقال منذ بداية العام الحالي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة الى مئات الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم في الأراضي المحتلة بحجة أنهم لا يملكون تصاريح العمل.

وأشار الى أن من بين المعتقلين، 1000 أسير من قطاع غزة، و470 من القدس وال ،48 و47 أسيراً عربياً من جنسيات مختلفة، بينهم أسير سعودي وآخر تركي تم اعتقاله مؤخراً بالقرب من الحدود المصرية و9400 آخرين من الضفة الغربية.

وبحسب التقرير فإن هناك أكثر من 750 أسيراً يقضون أحكام بالسجن المؤبد لمرة أو لمرات عدة، أعلاهم الأسير عبدالله البرغوثي الذي حكم عليه بالمؤبد 67 مرة، ومن بينهم 620 معتقلاً إدارياً من دون محاكمة، و4800 أسير موقوف و5500 أسير محكوم.

وذكر التقرير أن 1600 أسير يعانون أمراضاً مختلفة ويتعرضون للإهمال الطبي، مبيناً أن 550 منهم بحاجة الى عمليات جراحية عاجلة، و170 أسيراً يعانون أمراضاً خطرة جداً كالسرطان والكلى والقلب والشرايين و17 أسيراً يستخدمون الكرسي المتحرك والعكازة في حركتهم وتنقلهم. وأشار الى أن 196 أسيراً “استشهدوا” في سجون الاحتلال منذ عام 1967.

تجليات العبث الإسرائيلي في ديارنا .....فهمي هويدي

لسنا بحاجة إلى سيناريو «المؤامرة» لكي نتتبع تجليات الاختراق والعبث الإسرائيليين في دول المنطقة. فالوثيقة التي تسربت حول الشهادة المثيرة التي أدلى بها المسئول الأمني الأول في الدولة العبرية تسلط أضواء كافية على تدابيرهم ومخططاتهم، تغنينا عن الاجتهاد والتخمين في الموضوع.

(١)

أول الكلام كان عن حظوظ مصر من تلك التدابير، وهو ما عرضته في الأسبوع الماضي بما تضمنه من معلومات خطيرة وإشارات صادمة ومحيرة. ولأن الحديث كان عن استراتيجية الدولة العبرية في المنطقة، فقد تبقى منه جزء ثان عن بقية الدول التي تناولتها محاضرة آفي ديختر رئيس «الشاباك» السابق «جهاز أمن الدولة الإسرائيلية» الذي صار وزيراً للأمن الداخلي في حكومة إيهود أولمرت. وهو في منصبه الأخير أدلى بشهادته أمام الدارسين في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي. كنت قد وعدت بعرض ذلك الجزء الثاني الذي يخص الدول الأخرى هذا الأسبوع، وهذه خلاصة لكلامه، حيث اضطررت لاختصار بعض المعلومات التفصيلية، لاعتبارات تتعلق بالحيز لا أكثر.

- فيما يخص الساحة الفلسطينية قال ديختر إن "إسرائيل" استخدمت فيها كل الخيارات. فخيار القوة مشهور ومعلوم للكافة. أما الخيار الثاني الذي لجأت إليه فيتمثل في السعي المستمر لتعميق الصراع بين الفصائل الفلسطينية وبين السلطة التي أفرزتها اتفاقية أوسلو 1993. وذكر في هذا الصدد أنه حين كان رئيساً للشاباك، شارك في إعداد الحملات والملاحقات ضد ما أسماه «المنظمات الإرهابية»، التي قامت بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خاصة جهاز الأمن الوقائي. وقال صراحة إنه في تلك المهمة وجد تعاوناً على أوسع نطاق من محمد دحلان مسئول الأمن في غزة، وجبريل الرجوب الذي كان مسئولاً عن الأمن في الضفة!!. وحسبما ذكر فإن تلك الحملات أدت إلى إفشال مئات العمليات «التخريبية». كما أدت إلى اعتقال العشرات من قيادات وكوادر تلك المنظمات، وأسهمت في وصول اليد الإسرائيلية إلى قيادات مهمة مثل المهندس يحيى عياش والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين وأبوشنب وأبوعلي مصطفى وغيرهم.
تباهى ديختر بأن الصراع الذي دارت رحاه بين حركتي حماس وفتح كان نتاج سياسة إسرائيلية محكمة. وقال إن ثمة عوامل ساعدت على إنجاح ذلك المخطط، منها مثلاً إدراك الجهات المعنية في "إسرائيل" لعمق العداء لحركتي حماس والجهاد، بين قادة المؤسسة الأمنية الفلسطينية (ذكر محمد دحلان وتوفيق الطيراوي مسئول المخابرات) ومعهما بعض قيادات السلطة وفتح. وهو العداء الذي ظهر جلياً بعد رحيل أبوعمار. من تلك العوامل أيضاً شعور قادة الأجهزة الأمنية بأن تنامي حركة حماس يشكل تهديداً وجودياً لهم، واقتناعهم بضرورة حسم هذه المسألة خصوصاً بعدما تولي أبو مازن رئاسة السلطة.. وأضاف في هذا الصدد أن تيار الحسم الذي يستهدف قمع حركة حماس وإقصاءها لقي تأييداً مالياً وسياسياً ومعلوماتياً ليس من "إسرائيل" وحدها، وإنما أيضاً من الولايات المتحدة والرباعية الدولية. وخلص الرجل إلى أن استمرار الصراع في الساحة الفلسطينية يحقق مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى، وأن القضاء على حماس والجهاد يظل هدفاً استراتيجياً ينبغي ألا تتوقف مساعي تحقيقه بكل السبل.

(2)

- في شهادته اعتبر ديختر أن لبنان «أكثر بيئة إقليمية تفرض التحدي الاستراتيجي على إسرائيل». وقال إن خيار القوة استخدمته "إسرائيل" مع حزب الله في عام 2006، وعدم نجاحها في تلك الجولة لا يعنى استبعاد ذلك الخيار، الذي سيظل قائماً والاستعداد له مستمر بوتيرة عالية. في الوقت ذاته فإن "إسرائيل" لم تتوقف عن السعي لإحداث الاضطراب وتعميق الشقاق في الساحة اللبنانية. وقد حققت في ذلك نجاحات عدة، منها مثلاً أنها استطاعت خلق بيئة معادية للمنظمات الفلسطينية «توجت» باندلاع الحرب الأهلية عام 1975. في هذا الصدد أشار إلى التنسيق الذي قام بين "إسرائيل" وبين بعض القوى اللبنانية في تلك الحرب. حيث زودت "إسرائيل" تلك القوى بالسلاح والأموال، بموافقة رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين ووزير الدفاع شمعون بيريز.
ومن هذه النقطة استطرد قائلاً إن المجهودات الإسرائيلية الاستخباراتية داخل لبنان والسياسية في المحافل الدولية. هي التي أجبرت السوريين على الانسحاب من لبنان.
الدور الإسرائيلي في إيجاد بيئة معادية للمنظمات الفلسطينية في السبعينيات تكرر مع حزب الله، الذي بذلت الأجهزة الإسرائيلية جهداً خاصاً لتشويه صورته وحصاره ومحاولة استنزافه وتمزيق قوته.. وهي في ذلك تخوض حرباً سرية لم تتوقف ضد الحزب بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تقوم بحشد المنظمات وإقامة المعسكرات للفرق التي تلتقي مع البلدين حول هدف التخلص من «خطره». وتحدث في هذا السياق عن معسكرين لم يفصح عنهما تتطلع "إسرائيل" إلى مساندتهما وتعظيم قوتهما في لبنان، لكسب المواجهة الحاسمة ضد حزب الله.
بالتوازي مع ذلك ـ أضاف صاحبنا ـ إن "إسرائيل" تجرب مع الولايات المتحدة محاولة اختراق الساحة اللبنانية وزرع الاختلالات فيها، لتعميق النزاعات السياسية والمذهبية والطائفية، وقطع الطريق أمام تحقيق التوافق بين القوى السياسية، ومن ثم استمرار إذكاء العداء لحزب الله ولسوريا وإيران.
أما سوريا فمن رأيه أنها غير جادة في التوصل إلى سلام مع "إسرائيل"، وأن أولمرت اعتبر أن التفاوض معها يخدم خيارات إسرائيلية في التعامل مع كل من إيران وحزب الله، وهو ما لم يؤيده ديختر ـ الذي ذكر أن خيار استخدام القوة ضد سوريا يؤيده قطاع عريض من القيادتين السياسية والعسكرية.
إلى جانب ذلك اعتبر أن ثمة خيارات ثلاثة متاحة في الوقت الراهن للضغط على سوريا، أولها استراتيجية «شد الأطراف» التي كانت مطبقة منذ الخمسينيات، وبمقتضاها لعبت تركيا دوراً مهما في الضغط على سوريا، ولكن بعد التحسن الذي طرأ على علاقات أنقرة ودمشق خلال السنوات الأخيرة، فمن الممكن أن يقوم الأكراد بهذا الدور. وهو ما سعت إليه "إسرائيل" خلال السنوات الخمس الأخيرة، حين بذلت جهوداً حثيثة لتشجيع الأكراد على إقامة كيان خاص بهم في شمال العراق، أصبح الآن دولة من الناحية العملية، معتبرة أن الدور الكردي في الضغط على سوريا يمكن أن يعوض الدور التركي.
الخيار الثاني يتمثل في استخدام الساحة اللبنانية للضغط على سوريا، وحسب كلام ديختر فإن ل"إسرائيل" أصدقاء في لبنان على استعداد للقيام بهذا الدور، لكنهم لا يريدون الكشف عن العلاقات التي تربطهم بتل أبيب، التي تحرص على استثمار موقف أولئك الأصدقاء بالتعاون مع الولايات المتحدة.
الخيار الثالث يكمن في التعامل مع المعارضة السورية، وتكرار تجربة "إسرائيل" مع المعارضة العراقية، حين ساندتهم سياسيا ووفرت لهم الدعم المالي الأمريكي كما دربتهم عسكريا، وهو نفس الأسلوب الذي اتبع مع بعض القوى المعارضة في السودان ولبنان.
في ختام هذه النقطة قال ديختر إن «شد أطراف» الساحة السورية أمر ميسور، وإن هناك منافذ عدة تحقق ذلك الغرض، عبر الأردن ولبنان وكردستان العراق.

(٣)

- المعادلة الحاكمة لموقف "إسرائيل" الاستراتيجي من العراق تنطلق من الحرص على تقويض مظان القدرات العربية في دولها الرئيسية، من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي الإسرائيلي. هذه كلمات ديختر التي أضاف عليها أن العراق لا ينبغي أن يعود إلى سابق عهده وقوته، بحيث يصبح دولة مواجهة ضد "إسرائيل" وصاحبة دور على الصعيدين العربي والإقليمي، وهم يعولون كثيراً على الأكراد الذين يحتفظون معهم بعلاقات تاريخية وثيقة منذ السبعينيات، ولكنهم لا يريدون الاكتفاء بما يمثلونه من ضمانة لهم في شمال العراق، ولكنهم يتطلعون إلى توفير تلك الضمانة في بغداد ذاتها، حيث تحاول الأجهزة الإسرائيلية نسج علاقات مع بعض النخب السياسية والاقتصادية تستهدف إبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية المشتبكة على "إسرائيل"، في هذا الصدد ذكر الرجل أن تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية من تكريس وإدامة تحييد مصر.
فيما يخص مراهنتهم على الأكراد، ذكر ديختر أن ثمة التزاماً من القيادة الكردية بإعادة تشغيل خط نقل النفط من كركوك إلى حيفا عبر الأردن، الذي نوقش مع مسئوليه. وإذا ما تراجع الأردن فهناك البديل التركي، أي مد خط كركوك من كردستان إلى تركيا ثم "إسرائيل"، وهذا المشروع تمت دراسته لتوصيل أنابيب المياه والنفط إلى تركيا ومن تركيا إلى "إسرائيل".
- حين تطرق الرجل إلى إيران، فإنه اعتبرها «أكثر الساحات تهديداً لإسرائيل وتصديراً للتحديات». وقال إن الحل الأمثل هو تقويض النظام القائم في طهران واستبداله بنظام علماني يستطيع أن يتفاهم مع الولايات المتحدة و"إسرائيل". لذلك فإنه انحاز إلى فكرة العمل العسكري الذي يستطيع أن يحقق هذا الهدف، وإلى جانب ذلك هناك خياران آخران هما: أولاً الضغط على إيران من خلال الوجود الأمريكي في العراق، ودعم منظمة مجاهدي خلق، واستخدام النفوذ الأمريكي في الخليج، وتطويق إيران من خلال الدول المحيطة بها. أما الخيار الآخر فيتمثل في تفكيك الدولة الإيرانية التي تضم عرباً وأكراداً وبلوشاً وفرساً وأتراكاً.. إلخ وهذه مهام لن تتحقق لها الفاعلية المطلوبة إلا إذا شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل جاد.
في رأيه أن لدى "إسرائيل" معلومات تشير إلى أن إيران قد تنتهي من صنع أول رأس نووي في العام الحالي (2009)، كما أنها حصلت من روسيا على منظومة متطورة جدا مضادة للجو، وهى أمور ينبغي ألا تسكت عليها "إسرائيل"، التي ينبغي أن تتحرك لمواجهتها بحزم وسرعة.

(4)

- ختم ديختر محاضرته بحديث عن السودان، كنت قد أشرت إلى بعض جوانبه في مقال سابق، وقد لخص رؤيته في أن السودان ينبغي ألا يصبح قوة مضافة للعالم العربي. ونقل عن بن جوريون وغيره من الآباء المؤسسين للدولة العبرية قولهم إن إضعاف السودان يجب أن يتم من خلال تشتيت جهوده وتبديد طاقاته، وهو الموقف المبدئي الذي دفع تل أبيب إلى تكثيف أنشطتها في الجنوب وفي دارفور وتتطلع إلى إثارة القلاقل في بقية أنحاء السودان، وحسب تعبيره فإن هناك قوى دولية تتزعمها الولايات المتحدة مصرة على التدخل المكثف في السودان، بما يؤدى إلى استقلال الجنوب فيه، وإقليم دارفور على غرار استقلال كوسوفو، وبالتالي يتم تقسيم البلد إلى عدة كيانات مثلما حدث مع يوغوسلافيا التي انقسمت إلى ست دول. وهذا المخطط ماض في طريقه بنجاح، ستكون أولى ثمراته إعلان استقلال الجنوب قبل موعد إجراء الاستفتاء على ذلك في عام 2011.
ثمة أسئلة عديدة تلح على المرء وهو يستعرض هذه المعلومات منها مثلاً: هل هناك أحد في العالم العربي يفكر في هذه الأمور، وهل هناك تشاور من أي نوع بين أركانه حول كيفية التعامل مع العبث الإسرائيلي الذي لا يزال يرى أن "إسرائيل" لن يهدأ لها بال، إلا إذا تم إنهاك وتفكيك العالم العربي وتدمير القوة الإيرانية ـ لست واثقاً من وجود رد إيجابي على هذه التساؤلات، الأمر الذي يدفعني إلى تخفيض سقف التوقعات والاكتفاء بإبلاغ القارئ، لكي يكون على وعي بما يحيط به. والأمر متروك له بعد ذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الخاسر: نظام مصر وليس حزب الله ....د. عبد الستار قاسم

إذا كانت أنظمة عربية تخشى حزب الله، وتشعر بالرعب من ازدياد شعبيته في الوطن العربي، وتهاب قوته في مواجهة إسرائيل، فالحل أمامها لا يتمثل بالحرب على حزب الله، أو دعم إسرائيل في مواجهته، وإنما في منافسته على العمل الدؤوب والتميز الأخلاقي والرقي الإنساني والاستعداد لصد العدوان وتحرير الأرض. مواجهة الذين يحملون لواء العزة والكرامة فاشلة تاريخيا، وتأتي عادة بنتائج عكسية على من يقوم بها، وهكذا سيكون شأن أنظمة العرب التي اختارت هذا الطريق، وصممت على السير فيه.
في تاريخ الشعوب، هناك حالات مدّ وجزر. في حالات المدّ، تكتسب الشعوب قوة أخلاقية صلبة بفعل عوامل متعددة على رأسها تميّز قادتها ورقي أدائهم الإنساني وحصافة آرائهم وإصرارهم على التقدم والبناء. وهي بذلك تتمسك بقيم العمل الجماعي والتعاون المتبادل، وتعزز الثقة المتبادلة بين مختلف الناس والجماعات والمؤسسات، ويصبح الصدق والوفاء والالتزام من شيمها البارزة. هكذا تبدأ الأمة بالصعود في مختلف مجالات الحياة، وتستمر في النهوض على الرغم من الظروف القاسية التي يمكن أن تواجهها، وعلى الرغم من أعداء قد يحيطون بها. هذه مرحلة مدّ لها المستقبل، والماضي يصبح بالنسبة لها عبارة عن ذكريات.
أما في حالات الجزر، فالأمة تغرق بالمفاسد الأخلاقية، ويسود الشك علاقاتها الداخلية، وتصبح السرقة والاختلاس والمحاباة والتمييز بين الناس سمات بارزة في نظامها الخلقي. تتدنى الروح المعنوية للناس، وتصبح الأمة عرضة للغزو والاضطهاد والاستغلال، ويمتهن أغلب الناس النفاق والكذب، ويغلب عليهم الجبن وتعزّ الشجاعة.
الدول العربية جميعها بدون استثناء تعيش حالة الجزر التي تنعكس سلبا على التعليم والصحة والذوق العام والأخلاق، وتجعل من الوطن العربي ساحة للغزاة والناهبين والطامعين. هناك قلة من الأنظمة العربية غير مرتاحة لهذا الوضع، لكنها أعجز من أن تتمرد على ذاتها وتقرر تغيير ما هي فيه، وهناك كثرة مرتاحة لهذا الوضع وتعمل على تكريسه، وهي تزداد تخلفا على تخلف، ومهانة على مهانة، وإذلالا على إذلال. هذه الأنظمة الكثرة عبارة عن ألعوبة بيد إسرائيل وأمريكا، وهي تعمل وسيطا رخيصا لجعل الوطن العربي مسرحا للبغاة، وهذا ما نراه في فتح أبواب الوطن ومخادعه لإسرائيل.
أنظمة العرب وعلى رأسها النظام المصري يعيش في الماضي، وهو التجسيد الحقيقي لمرحلة الهزيمة العربية على مختلف المستويات، أما حزب الله فيتطلع نحو المستقبل بخطى ثابتة على الرغم من كل محاولات ضربه وإنهاكه وإخراجه من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني. لقد أثبتت سياسته الداخلية على المستوى اللبناني وسياسته في مواجهة إسرائيل نجاعة ونجاحا، وأثبت الحزب أن منهجه يقوم على أسس علمية دقيقة ومدروسة، وهي أسس لم يعتد عليها العربي. اعتاد العربي على كثرة الكلام والخطابات الرنانة والوعود الكاذبة والهزائم، ويجد الآن ان نمطا جديدا على الساحة العربية يتبلور بقيادة حزب الله، وأن في هذا النمط ما يبعث على الأمل.
الصراع الآن على الساحة العربية بين من يرى مستقبله في الماضي، وبين من يرى مستقبله بالخطى الحثيثة نحو الأيام القادمة. لا يوجد في التاريخ حالة واحدة هزم فيها الماضي المستقبل، ولا تغلب أصحاب الخطى الخلفية على أصحاب الخطى الأمامية. قد يسدد المصرّون على التخلف والهزيمة بعض الضربات القاسية للطرف الآخر، لكنهم في النهاية لا يستطيعون الصمود. واضح أن عددا من الأنظمة العربية تفقد صوابها بسبب صمود المقاومة في جنوب لبنان وغزة، وهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة إيقاف عجلة التاريخ. لكن التاريخ لا يتوقف.
الشعوب العربية في أغلبها تتطلع نحو السيد حسن نصر الله وحزب الله كنموذج جديد ناجح، ومن الممكن أن ينجح بالمزيد إذا لقي الدعم، أو على الأقل إذا توقفت المؤامرات العربية ضده. هذه الشعوب لا تهمها فكرة السنة والشيعة، وإنما تهمها فقط كرامتها وعزتها المفقودة على مدى سنوات طويلة، وهي مستعدة لتأييد كل من يواجه الاستعمار بكافة أشكاله والاحتلال بكافة أشكاله حتى لو كان حبشيا لا علاقة له بالعروبة. الشعوب العربية لا تنظر بثقة إلى الأنظمة العربية وإنما بشك واستياء ورفض (غير فاعل حتى الآن)، وكل عمل تقوم به ضد حزب الله أو ضد المقاومة العربية عموما هو موضع شك وتساؤل. وإذا كان يظن النظام المصري أن سيحصل على تأييد الشعوب العربية في ملاحقته لحزب الله وحماس وعموم المقاومة العربية فإنه مخطئ تماما.
الأنظمة العربية لا تساعد نفسها بمثل هذه الأعمال التي يقوم بها النظام المصري تحت ادعاء السيادة والكرامة الوطنية، فنحن جميعا نعرف أن السيادة الوطنية العربية مفقودة، ويستطيع أي موظف صغير في البيت الأبيض الأمريكي أن يتحدى رئيس أكبر دولة عربية. على العكس، تكرس هذه الأنظمة النظرة الشعبية العربية، وتؤكد بأنها أنظمة مطواعة لأعداء الأمة. وإذا كانت الأنظمة العربية تخشى ما يسمى بالمدّ الشيعي (علما أن علاقتها بالإسلام واهية، وأنا متأكد من أن قادة العرب من مراكش حتى العراق لا يعرفون الفرق بين السنة والشيعة)، وأنها بأعمالها هذه تحافظ على أهل السنة، فإنني أرى أن أهل الشيعة سيقودون المسلمين بتأييد جماهير السنة. أما إذا كانت الأنظمة تبحث عن مخرج للأمة ككل، فإن عليها أن تتخلى عما هي فيه من تدنّ وانحطاط، وتتبع سياسات جديدة تعبر عن طموحات الناس، وتجعل لآمالهم معنى.
قلوب الشعوب العربية مع غزة وفك الحصار عنها، ولا أرى أن أعمال النظام المصري في تشديد الحصار تستهوي مشاعر الناس. تشديد الحصار يثلج صدر إسرائيل، لكنه يملأ قلوب العرب اشمئزازا ومقتا.

الأحد، 12 أبريل 2009

كاتب اردني : سياراتنا "مكشّرة" مثلنا تماما...احمد حسن الزعبي

حتى سياراتنا صارت تشبهنا، قبل غروب شمس الجمعة، أراقب السيارات العائدة من رحلات عائلية- دون ان أنتبه الى ركّابها أو أقرأ ملامحهم - أشعر ان السيارة ''مبوّزة'' و''مكشّرة'' وزهقانة الطلعة (بقشرة بصلة)..مشهد يتكرّر دائماً، الزوجة تنظر الى اليمين باكتئاب، الزوج ينظر الى اليسار بعصبية، الأولاد مكدّسين في الكرسي الخلفي أو في صندوق البكم، ضجيج الطناجر يتعالى ''بالطبون'' مع كل منعطف أو عند كل قفزة عن مطب..جو من الصمت والملل يخيم على ''الترويحة'' وكأنهم للتو قد عادوا من واجب عزاء..شتائم متفرّقة كلما ''لزّ'' عليه احد السائقين، أو ضحك أحد الأولاد بصوت مرتفع، وكلمات نابية تهدى من قلب خالص الى البلدية والأشغال والشوارع والرحلات و''اللي بطلعوا رحلات'' كلّما وطأ العجل الأمامي حفرة عميقة أو فاجأه مطبّ جائر..
بصراحة، ليس لدينا ثقافة المتعة، لأننا لم نتعلّم فن''الانبساط'' منذ ولدنا..نتعامل مع كل الأشياء التي نعيشها بأنها ''واجب'' و''هَمّ'' يجب الخلاص منه بأقصر وقت وبالتي هي ''أزفت''..حتى الرحلات التي نمارسها من اجل تغيير الجو، نفشل ونستغلّها في تعكير الجو..مثلاً اذا قالت ام يحيى بأن تلك الشجرة وارفة الظلال وتصلح للجلوس تحتها..يرفض أبو يحيى- لمجرّد الرفض- متحججاً بالذبّان والزعران وكثرة ''البواهش''..وإذا أشارت إلى مصفّ جيّد يستطيع ان يركن به ''بكمه'' ..هزّ رأسه ونفخ ''نيعه'' متّهماً إياها في سرّه ''بقلّة الفهم''..يبحث عن أتفه الأسباب ليشعل نار غضبه المشبّع بزيت المزاج السيء..''جبتوا غطا الدلو الأزرق مشان اهفّ ع الفحم''؟!..فترد الزوجة بانكسار واعتذار : لا والله نسينا!!..فيتمتم قائلاً: هيك هيك للّي بنتكل عليكو!!..مع انه يستطيع أن يتدبّر أمره في أي كرتونة أو قطعة بلاستيك ملقاة على الأرض او تحت الشجر..يسأل ثانية بعد ثوانٍ: وين قطرميز الشطّة المفتوح؟!!..فتقول له: جبنا القطرميزالمسكّر!!..فيعود ثانية ويفتعل مشكلة ليبيّن ''نقاصتها'' وسوء إدارتها: عقلي بقلّي أرجعكوا مطرح ما جبتكوا .انتو مش شغل شم هوا..انتو شغل اكل هوا!!..ثم يتمدّد مزاجه ''الرديء'' ليطال الأولاد الهاربين من قمع الشقق وخصوصية الجيران: (اللي بيبعد، بمصع رقبته)..(وأنتِ إلبسي ع راسك)..(ورحمة ابوي ان صرت واصلك يا شلاش ..لأحتّ أسنانك حتّ)..اي متعة واي رحلة التي قد يفسدها: ''غطا دلو'' أو''قطرميز شطة''، وأية شمّة هوا التي يكون نتيجتها: ''مصع الرقاب وحتّ الأسنان''؟!!..قلت حتى سيارتنا تشبهنا، هذا ما لمسته يوم الجمعة الماضي، ''العمّة'' تجلس في الكرسي الأمامي وبين قدميها ''ترمس مي'' وتسأل عن موعد آذان المغرب، الكنّة في الكرسي الخلفي ترضع طفلها بصمت وتعب، الراديو مطفأ،أحد الأضوية الأمامية ملذوع، كاسات بلاستيك مستعملة في حقيبة الأم اليدوية لإعادة استغلالهن ''تطقطق'' كلما حركت كوعها..وأطفال نيام تفوح منهم رائحة البصل المشوي والعشب البري و''الحندقوق''..والأب ينفخ من غير سبب، ومع كل غيار ''للجير'' لا يتوانى عن ترديد عبارة : ''حسبي الله ونعم الوكيل''.

السبت، 11 أبريل 2009

أين العرب من الحرب الإقليمية على البحر الأحمر وأفريقيا ؟ ..عريب الرنتاوي

القوى الإقليمية الثلاث الفاعلة في هذه المنطقة (إيران، تركيا وإسرائيل)، تبدو في حرب معلنة ومضمرة على أفريقيا...تركيا استضافت العام الفائت (2008) أول قمة تركية أفريقية بمشاركة رؤساء دول وحكومات أكثر من خمسين دولة...وإيران أعلنت العام ذاته، عاما لتطوير العلاقات الإيرانية الأفريقية كما صرح بذلك منو شهر متكي ومن أديس أبابا، وطهران تسعى في استضافة قمة إيرانية تركية، أو اجتماعا على المستوى الوزاري على الأقل، فيما إسرائيل تمد نفوذها في القارة السوداء كالإخطبوط متشعب الأذرع والعيون.

بين تركيا وإيران، ينحصر التنافس في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافة والاجتماعية، كل طرف يسعى في خطب ود دول القارة، أنقرة خصصت برنامج مساعدات معلن ومعروف وشفاف، فيما طهران لديها شبكة واسعة من البرامج متعددة المستويات والطبقات التي لا نعرف عنها الكثير سوى أنها فاعلة ومؤثرة وتحتية، والمؤكد ثمة بعد مذهبي (وسياسي) مؤثر في درجة تطور علاقة هذه الدولة الأفريقية أو تلك بكل من إيران وتركيا.

إسرائيل التي نظرت وتنظر لأنقرة كرديف استراتيجي، تضع لإيران في المقابل كخطر وجودي، وهي إن كانت مستعدة لـ"النظر بعين العطف" لدور تركيا في القارة السوداء، إلا أنها تتابع بكل القلق تزايد النفوذ الإيراني على مقربة منها ومن الطرق البحرية المؤيدة إلى ميناء إيلات، وتحديدا في الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

في سعيها لاستهداف إيران وتشديد أطواق العزلة حولها، وربما التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية لها قبل الصيف القادم، فتحت الاستخبارات الإسرائيلية مؤخرا ملف "خطوط تهريب السلاح من إيران إلى غزة" عبر الخليج وباب المندب واليمن وبور سودان، مرورا بالطبع بالعمق المصري وعطفا على صحراء سيناء وصولا إلى القطاع المحاصر وأنفاق التهريب المفضية إليه.

ومن أجل قطع "طريق الحرير" الجديد هذا، شنت طائرات وقطع بحرية إسرائيلية ثلاث غارات على السودان كما تقول المصادر الإسرائيلية، استهدفت (مرتين) شاحنات على مقربة من الحدود السودانية مع مصر، وضربت سفنا صغيرة في ميناء بور سودان أو على مقربة منه.

الروايات الإسرائيلية تتحدث عن دور إيراني رسمي ومنظم في عمليات التهريب، وهي تقول أن السلاح يأتي أولا للحوثيين في اليمن، ومن ثم يواصل طريقه إلى السودان فحماس في قطاع غزة، وإذ ترافقت التسريبات الإسرائيلية مع أحاديث عن كشف شبكة كبيرة لحزب الله في مصر، تزود حماس بالمال والسلاح، فإن الرواية الإسرائيلية تأخذ طابعا دراماتيكيا إقليميا، أكثر "جدية"، وأقرب تناولا.

وتمضي تل أبيب في نسج فصول إضافية لحكاية الخطر الإيراني المتمد لأفريقيا والبحر الأحمر، فتقول أن إيران تحتفظ بقاعدة بحرية لها في ميناء عصب الإيرتيري، وأنها تستخدم هذه القاعدة لتكون على مقربة من إسرائيل إن حصل الاشتباك العسكري بين الدولتين، فضلا عن تهريب السلاح لحلفاء طهران في غزة واليمن والسودان وأفريقيا عموما.

في ظني أن إسرائيل تبالغ عن قصد وغرض، في تصوير الحضور الإيراني في أفريقيا والبحر الأحمر، ولقد علمت من مراجع أوروبية ذات صلة، بأن ما يقال عن قواعد إيرانية في أيرتريا مبالغ به، وأن إسرائيل ما زالت تحتفظ لنفسها بقواعد في أفريقيا، ومن ضمنها إيرتريا.

الخلاصة تقول، لإيران وجود في أفريقيا والبحر الأحمر، بيد أن إسرائيل معنية بتضخيمه والحديث عن "خطر إيراني" هناك، والهدف "بناء قضية" ضد إيران، ظاهرها التمدد والتغلغل وتهريب السلاح، وباطنها البرنامج النووي الإيراني، وهي مسرحية تبدو واشنطن على دراية بمن كتبها ووضع السيناريو والحوار لها، ولهذا حذر جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، من مخاطر "التهور الإسرائيلي" واحتمالات قيام تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وكذلك فعل الجنرال بترايوس من قبل.

ولا شك أن واشنطن تعرف ما في جعبة نتنياهو وحكومته، وأنها تابعت الاجتماعات الثلاثة التي عقدها الرجل منذ تشكيل حكومته للمستويين الأمني والعسكري للاطلاع على خطط الضربة العسكرية لإيران، حيث خرج بمفاجأة من النوع السار على حد قوله، ألا وهي أن تل أبيب أصبحت جاهزة لتنفيذ الضربة العسكرية لإيران عملياتيا، وأن جهوزيتها هذه لا ينقصها سوى القرار السياسي، الذي يحتاج بدوره إلى تهئية وتحضير، وهذا ما تقوم به آلة الدعاية الإسرائيلية اليوم، من البحر الأحمر والسودان وميناء عصب، وانتهاء بلبنان وغزة وشاحنات السلاح وخلايا إيران النائمة واليقظة في المنطقة.

أما نحن كعرب، فغائبون تماما عن الصورة، فقدنا إيرتريا من قبل، والأرجح أننا سنفقد الصومال وجيبوتي وجزر القمر من بعد، والبحر الأحمر الذي طالما عُدَّ بحيرة عربية، يبدو العرب اليوم، الطرف الأضعف في تقرير مستقبله ومصائره، وجارتنا الإقليمية (القارة السوداء) التي طالما كانت مجالا حيويا لنا، تتحول إلى ساحة لاصطراع قوى إقليمية ودولية، ليس من بينها قوة عربية واحدة، لكأنه كتب علينا أن نكون "شهود زور" هذا العصر، وفي مختلف الأزمات والملفات.

المكتئبون .... عيسى قراقع

أشار مؤخرا تقرير أممي صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الى أن 80 % من الشباب الفلسطيني يشعر بالبؤس والاكتئاب وان أكثر من 54 % منهم لا يشعر بالأمان والاستقرار.وسبق أن وصفت التقارير والأبحاث التنموية المجتمع الفلسطيني بأنه مجتمع فتي، حيث أن نسبة الشباب عالية جدا، وقد وضعت برامجا وخططا لاستغلال هذه الثروة البشرية من الشباب في مجالات التنمية والمشاركة على أساس أن تطوير المجتمع يتم من خلال دعم الشباب وبناء مستقبل واعد لهم.وبرغم كثافة الندوات و ورشات العمل والبرامج التي قامت بها مؤسسات أهلية ورسمية لإزالة البؤس والقلق من نفوس الشباب الفلسطيني وتوفير الفرص لهم، فإن نسبة هذا البؤس لا زالت عالية وعدد المهاجرين يرتفع، وكذلك فإن نسبة البطالة في صفوف الشباب كبيرة حيث وصلت إل 35 % في الضفة و51 % في قطاع غزة.إن هذا المسح الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي له مؤشرات اجتماعية ونفسية وسياسية مختلفة، وفي هذا الصدد تذكرت ما قاله وزير الصحة الدكتور فتحي أبو مغلي بأن مليون فلسطيني كل عام يراجعون العيادات النفسية.المجتمع الفلسطيني أصبح مجتمعا مشوها، واعتقد انه لا يوجد مجتمع في العالم تعرض للتدمير الذاتي الاجتماعي والنفسي كما جرى للشعب الفلسطيني بفعل الاحتلال والصراع الذي طال أمده وامتد و تعمق حتى تحول الى شعب غير عادي.ولم تنجح كل الوسائل الإجرائية والشكلية في إنقاذ الشعب الفلسطيني من أعراض الاحتلال سواء الحل الاقتصادي أو الحل الديمقراطي لأنها لم توفر الحرية والاستقلال لهذا الشعب كي يعيش بكرامة كغيره من شعوب البشر.من الطبيعي أن تكون نسبة اليأس والبؤس عاليتين في وسط الشباب الفلسطيني عندما تتمحور الحياة الفلسطينية في مسيرة كلها جنازات ومشاهد دماء ومجازر واعتقالات بالعشرات وتنكيل واعتداءات أمام الحواجز العسكرية الكثيرة.ومن الطبيعي أن يكون المشهد اليومي قاسيا في ظل الحصار والإغلاق وانعدام فرص العمل والقدرة على مواصلة التعليم في ظل استعمار استيطاني متسارع يأكل الأرض والطبيعة والبيئة ويبتلع الشجر والماء والفصول الأربعة.نحن مكتئبون لأننا نفتقد الى الحرية، ولأن العالم لم يعط مساحة لأنسانية وحقوق الشعب الفلسطيني كي يثبت جدارته ويبني حياته الطبيعية على أرضه بسبب غياب العدالة.نحن مكتئبون لأن كل الأخبار والأنباء التي تتعلق بنا مأساوية ، وما يجري حولنا وفي حاراتنا و في بيوتنا ذو رائحة مفجعة تسبب التوتر وتطلق كل أسئلة الخوف والقلق من غد لا يعرف أحد كيف يكون.نحن مكتئبون عندما يعلن مركز الإحصاء الفلسطيني عن أكثر من 4000 وحدة استيطانية تم إنشاؤها بعد مؤتمر انابولس وانه تم هدم أكثر من 90 منزلا وتدمير 8 آلاف شجرة.لم تستطع اللجنة الرباعية أن تحسن شروط حياة الفلسطينيين في معازلهم المغلقة، ولم تستطع أن تكبح جماح المجازر الدموية في قطاع غزة، وتوقف سفك الدماء بحق النساء والأطفال في تلك الحرب الخالية من الرحمة.نحن مكتئبون لأن أسرانا دخلوا موسوعة جينيس العالمية بعد أن بلغ عدد الذين تجاوزوا ربع قرن في الاعتقال 23 أسيرا، وينطفئون كل عام و يزدحمون في ليل الزنازين في انتظار قمر السلام.نحن مكتئبون جدا أمام الانقسام السياسي الجغرافي بين الضفة وغزة الذي تحول الى أمر واقع وأصبحت المصالح الحزبية والمذهبية على حساب الوحدة الوطنية والتحرر من الاحتلال.نحن مكتئبون بعد أن قرأنا التقرير الأسود للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الذي يقول بأن نظامنا السياسي يتجه نحو النظام البوليسي نتيجة انتهاكات كثيرة للحريات وحقوق الإنسان وتقصير في الأداء الإداري والقضائي.نحن مكتئبون لأننا الشعب الوحيد المحتل الذي رفع شعار التعايش والسلام كخيار استراتيجي ليرد علينا الشعب الإسرائيلي بحكومة متطرفة لا تؤمن بالسلام ولا تعترف بحقوقنا السياسية المشروعة.نحن مكتئبون عندما قرأنا استطلاع مؤسسة( فافو) التي وجدت أن شعبية المجتمع الدولي والقيادات الوطنية منخفضة، حيث فقد الفلسطينيون ثقتهم في مقدرة المجتمع الدولي على المساهمة في الوصول الى سلام قادر على إنهاء الصراع لأن إسرائيل دولة فوق الشرعية والقانون.الاكتئاب حالة سياسية مركبة ومنهج مدروس يقود الى إيصال الشعب الفلسطيني الى تقبل الواقع الراهن والتعايش مع القمع و الاحتلال والتكيّف مع عذاباته ومعاناته اليومية حتى يصل الى مرحلة الاستسلام.تقول حركة التاريخ عندما يغيب العلاج وتتشوش الرؤيا فإن البؤساء والمكتئبين والمعذبين سوف يثورون على أنفسهم وعلى غيرهم ويشعلون النار في كل مكان. المكتئبون سيهتفون مع محمود درويش:
لا نريد أن نكون أبطالا أكثر
ولا نريد أن نكون ضحايا أكثر
نريد أن نكون بشرا عاديين