الجمعة، 2 يناير 2009

المجازر الإسرائيلية..إسقاط عباس وتعزيز حماس.. صالح النعامي

لا يوجد هناك ثمة شك أن المجازر التي تقوم بها إسرائيل حاليًا ضد الفلسطينيين في غزة تهدف بشكل أساسي إلى تغيير الواقع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته، وليس إلى وَقْفِ إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة، وإجبار حركة حماس على العودة للتهدئة. إسرائيل وسلطة محمود عباس وبعض الأنظمة العربية تقوم بعملية تضليلٍ مُنَظَّمٍ عندما تدعي أن إنهاء المجازر يتوقف على موافقة حركة حماس على عودة العمل باتفاق التهدئة الذي توصلت إليه الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية.

ما تقوم به إسرائيل حاليًا في غزة هو ثمرة اتفاق مسبق تم التوصل إليه بين تل أبيب، وسلطة محمود عباس، وبعض العواصم العربية، والإدارة الأمريكية، واللجنة الرباعية؛ للتخلص من حكم حركة حماس في غزة، على اعتبار أنه عائِقٌ أمام أي فرصة للتوصل لتسوية سياسية وفق الخطوط الإسرائيلية الحمراء.

في إسرائيل وسلطة عباس وعدد من الدول العربية، يُدْرِكُون أنه من المستحيل أنْ يَتِمَّ التوصل لتسويةٍ، في حال ظلت حركة حماس في الحكم، على اعتبار أن الحركة ستحبط هذه التسوية من خلال حقيقة تمثيلها للأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وبالتالي يتوجب إسقاطها، وجلب عباس من جديد على ظهر دبابة إسرائيلية. فبخلاف ما يدعيه وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط، من أنه كان بالإمكان تجنب ما يحدث في غزة لو قبلت حماس بالعرض المصري لتمديد العمل بالتهدئة، فإن مبعوث اللجنة الرباعية، وفي مقابلة هامة جدًّا أجرتها معه صحيفة " هآرتس " الإسرائيلية قبل أسبوعين، وقبل أن تعلن الفصائل الفلسطينية عن رفضها تمديد التهدئة، أَوْضَحَ أنّ حل مشكلة غزة يكمن في تغيير الواقع في قطاع غزة، ومنع حماس من مواصلة السيطرة على القطاع.

بلير أوضح أن الطريق الوحيد لإسقاط حكم حماس يتمثل في استخدام الخيارات العسكرية، بعد أنْ تَبَيَّن بشكل واضح فشل الرهان على الحصار، والضغوط الاقتصادية، والعزلة السياسية، في توفير الظروف للتخلص من حكم حركة حماس، مُنَوِّهًا إلى أن هذه الضغوط آتت نتائج عكسية، وعززت مواقع حماس في القطاع أكثر. وبشكل يتماشى مع تقوم به إسرائيل حاليًا، قال بلير: إن لديه خطةً تقوم على تكثيف العمل العسكري ضد حماس، وفي ذات الوقت تخفيف الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين.

وهذا ما تفعله إسرائيل، فمن ناحيةٍ تقوم بإنزال مئات الأطنان من المتفجرات على رءوس الفلسطينيين في القطاع، وتقتل وتجرح الآلاف، وتدمر المساجد، والمستشفيات، والجامعات، والمرافق العامة، ومن ناحيةٍ ثانيةٍ تقوم بفتح المعابر التجارية، وتسمح بمرور البضائع والمواد والوقود.

ملامح التواطؤ العربي مع إسرائيل في تنفيذها للمجازر ضد الفلسطينيين لم تَعُدْ تحتاج إلى أدلة، فوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني اختارتْ أن تعلن عن الحرب لإسقاط حركة حماس تحديدًا في القاهرة، وبمعية أبو الغيط، وبعد انتهاء اجتماعها مع الرئيس حسني مبارك. ليس هذا فحسب، بل إن السلطة الفلسطينية شاركت في الحملة الدعائية التي تَشُنُّها إسرائيل؛ لتبرير مجازرها ضد الفلسطينيين. فنمر حماد مستشار محمود عباس اعتبر أن حماس تشارك إسرائيل في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين، فضلًا عن أن سلطة عباس أصدرت أمرًا بِمَنْعِ الفلسطينيين من التظاهر والاحتكاك بجيش الاحتلال، حتى لا يتم فَتْحُ جبهة أخرى في الضفة الغربية، فتضطر إسرائيل إلى تخفيف ضغطها العسكري على غزة.

ومن أوضح المؤشرات على التواطؤ، هو رفض عدد من الدول العربية عقد القمة العربية؛ لبحث المجازر التي تُرْتَكَبُ ضد الفلسطينيين في غزة، وكأن مقتل وجرح المئات من الفلسطينيين أمرٌ لا يستدعي عَقْدَ هذه القمة.

إن القادة الصهاينة لم يخطئوا قراءة عدم مسارعة الزعماء العرب للالتئام، فنائب وزير الحرب الصهيوني متان فلنائي أوضح أن عدم مسارعة العرب لعقد القمة جاء من أجل تمكين إسرائيل لاستكمال تحقيق أهداف حملتها العسكرية.

النظام العربي الرسمي حاول التخلص من حكم حركة حماس، عبر محاولة فرض تصور متحيز لحل الانقسام الفلسطيني الداخلي، وقد عبر عن هذا التصور المقترح المصري لحل الانقسام الذي تَمَّ طبخه بالتعاون مع سلطة عباس، وعدد من الدول العربية.

لكن لسوء حظ سلطة عباس والنظام العربي الرسمي وقبلهما إسرائيل، فإن ما تقوم به آلة الحرب الصهيونية حاليًا من مجازر لن يُؤَدِّي إلا لتعزيز حركة حماس، وإعطائها شرعية لوجودها، بل إنه سيمثل مخرجًا من الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها هذه الحركة بعد دخولها معترك الحياة السياسية.

لقد حاولت إسرائيل في العام 1982 طَرْدَ منظمة التحرير من جنوب لبنان، ونجحت في ذلك، لكنها فوجئت عندما سطع نجم حزب الله الذي لا خلاف داخل إسرائيل على أنه يُمَثِّلُ تهديدًا لإسرائيل أضعافَ ما كانت تمثله منظمة التحرير.

ملايين الفلسطينيين، ومئات الملايين من العرب والمسلمين، يدركون أن الحرب المفتوحة على حماس من قِبَلِ إسرائيل تأتي بسبب حالة المقاومة التي تُمَثِّلُها هذه الحركة، وبالتالي فليس من المستهجن أن يرد الفلسطينيون على المجازر بالالتفاف حول الحركة.
بإمكان إسرائيل إعادة احتلال القطاع، وتدمير كل مؤسسات الحكم الموهوم فيها، كما تفعل حاليًا، وبإمكانها الإيغال في استهداف قادة حركة حماس ونشطائها، بالإضافة إلى الآلاف من الفلسطينيين، لكنها بذلك تُؤَجِّجُ فقط نار المقاومة في نفوس الفلسطينيين، وتدفعهم للتحدي والانضمام إلى دائرة العمل المقاومة، وتُسَاعِدُهُم على التمييز بين البرنامج الذي تطرحه حماس، والبرنامج الذي يطرح أهل أوسلو.

إن المقاومة لن تظل حبيسةَ قطاع غزة، فبكل تأكيد ستنتقل إلى الضفة الغربية وفي عمق إسرائيل، فضلًا عن أن المجازر البشعة ستُحَرِّضُ مزيدًا من العرب والمسلمين على الالتحاق بِرَكْبِ المقاومة، فضلًا عن أنها ستُحْرِجُ الأنظمة العربية بشكل كبير، وتُزَعْزِعُ شرعية وجودها.

من ناحية ثانية فإن ما تقوم به إسرائيل حاليًا سيُمَثِّلُ مخرجًا مُشَرِّفًا لحركة حماس من أزمة الخيارات التي كانت عالقةً فيها، بِجَمْعِهَا بين الحكم والمقاومة. فالمجازر الإسرائيلية ستجعل وجهة الحركة نحو المقاومة، والمقاومة فقط، وستَتَحَرَّرُ حماس من الكثير من أعباء الحكم في القطاع بأكثرَ من صيغة. لقد أنهت المجازر الإسرائيلية الجدل الهزلي الذي كان مُحْتَدِمًا بين حركتي فتح وحماس حول الشرعية والانتخابات، وأعادت البوصلة الوطنية للاتجاه الصحيح.

إسرائيل ستعي أنها بهذه المجازر أَسْدَتْ معروفًا لكل من يؤمن بخيار المقاومة حتى زوالها من على وجه الأرض.

المجازر الإسرائيلية ستُسْقِطُ في النهاية عباس، وتُعَزِّزُ حماس!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق