السبت، 3 يناير 2009

عن أفق الحرب: عباس يراهن على عودة إلى غزة.. والمعركة البرية لن تكون نزهة

عن صحيفة السفير اللبنانية
كتب محرر الشؤون السياسية:
الإسرائيليون يوشكون على استنفاد بنك أهدافهم، وربما يضيفون أهدافاً مثل بعض روضات الأطفال التابعة لحركة »حماس« أو »الجهاد الإسلامي« في القطاع... أي عنوان يمكن أن يتحول إلى جزء من بنك الأهداف. لن يفاجأ أحد عندما يبادر الإسرائيلي إلى إعادة قصف هدف مثل مقر البرلمان أو إحدى الوزارات أو المقرات الرسمية المدمرة... لكن ما هي النتيجة؟ »القوة الصاروخية للمقاومة الفلسطينية بكل أطيافها لم ولن تتوقف«، يقول أحد القياديين في »حماس«، مشيراً إلى أن الحركة خرجت من صدمة مجزرة تدمير مقر الشرطة، وقد أظهرت وقائع الأيام السبعة الماضية »مدى التماسك السياسي والتنظيمي والعسكري«، حتى أن الإدارة السياسية للمعركة من قبل »حماس« في الداخل والخارج، واكبها قيام إدارة عسكرية مشتركة يحتل فصيلا »حماس« و»الجهاد« الدور الطليعي فيها، إلى جانب »اللجان الشعبية« وفصائل أخرى، أبرزها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديموقراطــية لتحرير فلسطين.
عشية اليوم الثامن لحرب غزة، بدا واضحاً أن إصبع المقاومة على الزند الصاروخي، »ليس رخواً« كما يريد الإسرائيلي... فأنت عندما تضرب صاروخاً، لا تتوقع أن يأتيك صاروخ أو صاروخان بدلاً منه من النظام المصري أو السلطة الفلسطينية، بينما لم يكن الواقع كذلك في لبنان خلال »حرب تموز«، (هنا كانت الحدود الشرقية مفتوحة بالكامل)، ولذلك، تتبع قيادة المقاومة خطة متدرجة في الكمية والنوعية، خاصة أن الإسرائيلي بدا مستعجلاً منذ الساعات الأولى لكي تبادر »حماس« إلى كشف كل أوراقها الصاروخية، لكن تجربة لبنان التموزية، جعلت كشف الأوراق ملك المقاومة وليس على أساس الانفعال، كما تصور البعض فور إعلان استشهاد القيادي التنظيمي البارز الدكتور نزار ريّان الذي أصر على الالتزام بمضمون الفتوى التي أصدرها قبل ثلاث سنوات والقاضية بعدم مغادرة قيادات »حماس« منازلهم، علماً بأن استشهاده جعل قيادة المقاومة تتخذ أوامر باعتقال من لا ينفذ أوامر الإخلاء حتى لا يعطى العدو الإسرائيلي أية جوائز، تماماً كما فعل »حزب الله« خلال »حرب تموز« حيث لم يتمكن الإسرائيلي من استهداف أي من كادراته على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً، مع الفارق الكبير بين »الجبهتين« و»البيئتين« وخبرة كل فصيل أمنياً.
ارتفع سقف الخطاب السياسي وسيرتفع أكثر كلما طالت المعركة وهي مرشحة لأن تطول، مع تقديرات بأن الساعات المقبلة، ربما تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في وتيرة العمليات الميدانية من الجانب الإسرائيلي وفي الرد الصاروخي من جانب المقاومة، وذلك في إطار التمهيد الإسرائيلي لعملية برية صارت شبه محتمة، كما تشير إلى ذلك المعطيات الميدانية التي تراقبها فصائل المقاومة في غزة. ووفق المناخات المتوافرة من الجانب الإسرائيلي، فثمة نقاش يجري في المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب. الجيش يقول إنه في حالة جهوزية كاملة لشن عملية عسكرية برية خاطفة ولكنها ربما تكون مكلفة في ظل تقديرات متضاربة حول ما ينتظر مدرعات العدو من أسلحة ومفاجآت في البر. أما المستوى السياسي الذي يضبط إيقاعه وفق أرقام استطلاعات الرأي الانتخابية، فإنه يريد عملية عسكرية »نظيفة« أو »بأقل كلفة بشرية ممكنة« حتى لا ترتد مفاعيل أي غزو بري سلباً على سمعة و»هيبة« الجيش الإسرائيلي، كما حصل في تموز ٢٠٠٦ في جنوب لبنان. أما المقاومة، فتتصرف على أساس أن المعركة البرية مسألة ساعات وليس أياماً، ولذلك باتت في حالة جهوزية، ولا تريد قيادتها الحديث عما ينتظر الإسرائيليين، لكن المحصلة تبدو واضحة: سيدخل الإسرائيليون بضعة كيلومترات في القطاع. غزوهم لن يكون نزهة. سيقولون إنهم قتلوا العشرات من الإرهابيين (حتى ولو كانوا كلهم نساء وأطفالاً وشيوخاً) و»دمروا مقراتهم« (نظرياً يفترض أن تكون العملية الجوية قد أنجزت هذا »التدمير«!)، ولكن المحصلة أن الصواريخ لن تتوقف وبنية المقاومة ستبقى متماسكة وعندها على الإسرائيلي أن ينزل عن السلم الذي يصر على تأبطه كيفما اتجه، على عكس ما فعل في لبنان، عندما رفع سقف أهداف عمليته العسكرية وكان الحصاد صفراً، بحيث لم يجد يومها ايهود أولمرت سلّماً بدرجات تصل إلى ما رفعه من أهداف، فاضطر للوقوع من فوق إلى تحت ومعه كل سمعة جيشه وهيبته...
أما اليوم، فإن عدم تحديد هدف دقيق للعملية العسكرية، يجعل أولمرت وايهود باراك وتسيبي ليفني قادرين على استخدام السلم من أجل التواضع ولو أنه سيكون مكلفاً كثيراً لإسرائيل وجيشها في المديين المنظور والبعيد، كما ستكون لذلك آثاره الكبيرة على كل خطط وسيناريوهات إسرائيل المتصلة ليس بتأديب »حماس« وإنما أيضاً »حزب الله« وإيران ربطاً بملفها النووي. في كل اللقاءات التي كانت تجمع قيادتا »حزب الله« وحركة »حماس« في الشهور الأخيرة، كان الأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله، يتحدث عن أسابيع حساسة ومفصلية، وهي تلك الممتدة من لحــظة إعــلان فوز أي مرشح للرئاسة الأميركية وحتى لحظة تسلمه السلطة في العشرين من كانون الثاني .٢٠٠٩ وعندما بدأ الهجوم الإسرائيلي، تبين أن الإسرائيلي قد اختار ما افترضها »الحلقة الأضعف« لاعتبارات سياسية (الموقف العربي من »حماس« وطبيعة المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة والاستحقاقات الانتخابية في فلسطين وإسرائيل، فضلاً عن الأبعاد العسكرية والأمنية والجغرافية الخ...)، ولذلك، كانت العين مفتوحة على ما يجري من قبل المستفيدين من غير الإسرائيليين من محاولة إسقاط سلطة »حماس« في غزة. صحيح القول الآن، »أن لا صوت مقاوماً يغرد خارج سرب المعركة« ولكن الوقائع نفسها تنبئ بما جرى من تآمر ضد »حماس«. ولذلك فإن عملية تصفية الحسابات السياسية مؤجلة إلى حين...

لم تكد تمضي ست وثلاثون ساعة على بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي على غزة، حتى كانت القاهرة تعج بالمسؤولين الوافدين على عجل من رام الله وعمان وتل أبيب وواشنطن وإحدى الدول الخليجية. عبّرت هذه الحركة عن نفسها من خلال بعض الفنادق الشهيرة وكذلك بعض السفارات الأجنبية والعربية، بما في ذلك بعض مقرات السفراء.... سيارات رباعية الدفع بزجاج قاتم اللون (fume) تتحرك في اتجاهات محددة. أما »الزنبرك« فهو القيادي الفلسطيني محمد دحلان (المستشار الأمني لأبي مازن رئيس السلطة الفلسطينية)، الذي انتقل من الضفة إلى القاهرة بواسطة طائرة تابعة لشركة »العال« (رحلة يومية إلى العاصمة المصرية)، وبالطريقة نفسها تحرك ٤٠٠ عنصر من عناصر الشرطة الفلسطينية (السلطة) باتجاه الأراضي المصرية وتم وضعهم في حالة تأهب في منطقة العريش في انتظار أمر الانتقال إلى »القطاع« بطريقة من اثنتين، اما بعد الانهيار السريع لسلطة »حماس« في ضوء الضربات الأولى الخاطفة والمدمرة، وإما بعد التوصل إلى اتفاق يؤمن استسلام »حماس« وانتقال »مجموعات دحلان« إلى القطاع في إطار قرار دولي وعربي وبرعاية أمنية مصرية إسرائيلية... لم يكتف دحلان بهذا الدور »المتواضع«. الاجتماعات الأمنية التي عقدت في القاهرة لم تقتصر على ما بعد إنهاء »حماس«. تم تقديم معلومات تفصيلية حول عدد من الأهداف، علماً بأن ما يملكه الإسرائيلي وحده ليس بسيطاً. في المشاورات بين الضباط الذين يمثلون هذه العواصم، كان الاستنتاج واحداً: المسألة مسألة أيام ليس أكثر... غير أن الحسابات الأمنية والمعلوماتية لم تأت مطابقة لحسابات البيدر الميداني في غزة. بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى، أن المقاومة استفادت من تجربة لبنان ولذلك، غابت قيادات الصف الأول عن السمع نهائياً، بينما طلب من الوزراء والنواب الذوبان بين الناس مع إجراءات وقائية محددة. الجزء العسكري من المعركة بدت ترتيباته سرية بالكامل... الإدارة السياسية كانت تتولاها بشكل أساسي القيادة المتواجدة في العاصمة السورية وتحديداً رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل...

وعندما أطل الأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله للمرة الأولى عبر الإعلام وخص الشعب المصري والجيش المصري بجزء من خطابه الداعي إلى فتح معبر رفح، قال له أحد القياديين في »حماس« إن ما قمت به شبيه بما حصل خلال حرب تموز، عندما بادر خالد مشعل إلى الاتصال بالمرشد العام للأخوان المسلمين في مصر مهدي عاكف وقال له إن انتصار المقاومة في لبنان هو انتصار لنا جميعاً ولذلك لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي، ويومها بادرت الاستخبارات المصرية التي تتنصت على عاكف وغيره من قيادات المعارضة إلى تسريب مضمون المكالمة باعتبار أن عاكف يتلقى أوامره من »حماس« وإيران، وبالتالي عليك أن تنتظر أمر عمليات يقضي بشن حملة إعلامية عليك أولاً، ومن ثم حملة سياسية قد تقتضي الطلب من قيادة الجيش ووزير الدفاع أن يعلنوا مبايعتهم للرئيس حسني مبارك من دون مناسبة لإظهار تماسك الوضع في مصر والتزام الجيش بأوامر القيادة السياسية... وهذا ما حصل فعلاً، بينما بعض الوقائع تشي بعكس ذلك... ولو أن هناك من يصر على دعوة »حزب الله« إلى »تكثيف« خطابه المصري »لأنه يؤدي عملياً إلى شد العصب الوطني والقومي لدى الشعب المصري حول النظام الحالي«... أي عكس ما يراد له سياسياً! في الضفة الغربية على سبيل المثال لا الحصر، بادر »أبو مازن« إلى طلب وقف الحملات الإعلامية والسياسية مع »حماس« التي تلقفت الطلب سريعاً، وقالت قيادتها إن خطوة »فتح« ايجابية ولكنها غير كافية. أما المحك، فيتمثل في إقدام سلطة رام الله على إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، كما فعلت »حماس« في غزة مستثنية فقط حالات الفلسطينيين المتعاملين مع الاحتلال وتحديداً المتورطين »في قضايا أمنية خطيرة« كما يقول معنيون في الحركة في الداخل... ولكن لدى التدقيق في مضمون قرار وقف الحملات، تبين أن أهدافه إسرائيلية مئة في المئة، ذلك أن الجانب الإسرائيلي استشعر من خلال دعوة »حماس« إلى انتفاضة فلسطينية معطوفة على تباشير تحركات تتوسع تدريجياً في الضفة، أن هناك من يريد توسيع الجبهة الأمنية مع الإسرائيليين وهو ما ليس بمقدورهم تحمله الآن، ولذلك، جاء طلب استيعاب الوضع في الضفة وعدم ترك الأمور تتفاقم حتى لا يشتت الإسرائيلي قواه، خاصة أنه استنفر جزءاً كبيراً من قواته على الجبهة الشمالية مع »حزب الله« تحسباً لاحتمالات توسع المعركة من جهة، ورداً على معطيات ميدانية أظهرت أن »حزب الله« وضع قواته فعلياً في حالة جهوزية واستنفار في الجنوب اللبناني من جهة ثانية.
يبقى السؤال: ماذا عن الحلول والمخارج والمشاورات السياسية؟ من الواضح أن العرب هربوا من تحمل مسؤولياتهم، عبر الذهاب إلى مجلس الأمن... ولكن عملياً، لم يتبلور حتى الآن، أي مشروع للحل باستثناء المشروع الفرنسي الذي أجهض من الجانب الإسرائيلي، فيما تبرز أفكار من هنا وهناك، أبرزها أفكار الجانب التركي التي تنتظر استنفاد العرب وخاصة المصريين خياراتهم السياسية »الدولية« (هذا ما طلبه وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط من الأتراك). وإذا صح ما يتوقعه الأتراك خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة، فإن العرب لن يجدوا وسيطاً أفضل منهم مع الجانب الإسرائيلي من أجل تحويل الأفكار إلى مشروع متكامل قائم على وقف فوري للنار ضمن مهلة زمنية قصيرة ومحددة وفتح حوار فلسطيني فلسطيني من دون شروط مسبقة وتقديم اقتراحات تتعلق بالمعابر والإشراف عليه (يبدو أن فكرة قوات الفصل الدولية مرفوضة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً لأسباب مختلفة) والالتزام المسبق من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بوقف العمليات العسكرية، بما في ذلك وقف الاغتيالات ضد كوادر حماس وناشطيها في الضفة وليس القطاع وحده، مع ضمانات من جهات دولية للاتفاق. من الواضح أن ثمة سباقاً مع الوقت... الإسرائيلي ومن تواطأ معه عربياً يريدان إنهاء الوضع قبل التاسع من كانون الثاني حتى يتمكن »أبو مازن« ليس من تجديد رئاسته، بل ومد سلطته من الضفة إلى القطاع... وفي المقابل، ثمة من يقول: نحن لسنا مستعجلين الحل، وإذا كان »حزب الله« قد تحمل ثلاثة وثلاثين يوماً من النار التي حولت لبنان إلى أرض محروقة، فإن الفلسطيني »الميت أصلاً« (على حد قول إحدى المسنات الفلسطينيات في جباليا لقناة »الجزيرة«) يريد الحياة والعيش بكرامة بالضد بأولمرت، والكلام للسيدة الفلسطينية نفسها. ماذا يعني ذلك عملياً؟
يقول قيادي بارز في »حماس« إن عامل الوقت مع كل قساوة المعركة اصبح لمصلحتنا »وما بعد التاسع من كانون الثاني ،٢٠٠٩ ليس ما قبله، وأي اتفاق يعقده »أبو مازن« مع اية جهة في العالم بعد انتهاء ولايته الدستورية، »لا يلزمنا كفلسطينيين نهائياً وعلى من يريد أن يعقد أي تسوية أو اتفاق أن يبحث عمن يمثل الحكومة الشرعية الفلسطينية المنبثقة عن انتخابات شرعية مئة في المئة«... أما موضوع معبر رفح والذرائع المصرية القائلة التي تُردد للمضي بقرار إقفاله، فهناك الكثير من الوقائع التي تدحضها، لا بل ثمة محاضر تشي بأن ثمة اتفاقاً عُقد وكانت النسخة المقدمة للفلسطينيين تعني شيئاً بينما المقدمة للإسرائيليين تعني شيئاً معاكساً وذلك بفضل الوسيط... ما غيره... وللبحث صلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق