الجمعة، 7 ديسمبر 2012

لحظة انتصار مرسي الحقيقية<<<<ياسر أبو هلالة

عندما أسقط جورج بوش وتوني بلير أعتى نظامين قمعيين، إسلاميا وقوميا، في أفغانستان والعراق، كان المتظاهرون في أميركا وبريطانيا يهتفون ضدهما وضد الحرب. ولم يُقل لهم إن البلاد تخوض حرب دفاع عن نفسها ولا يحق لكم التظاهر. وعندما خاضت دولة العدو حروبها ضدنا وانتصرت علينا، لم تعطل الكنيست؛ بل ظل يعمل مثله مثل "الموساد" وسلاح الجو. فالدول تقاد بالمؤسسات المدنية لا العسكرية، وليس بمزاج الشارع. إن الحاكم يأخذ تفويضا بالقيادة لمدة محددة، لا يحق لطرف تقويضه إلا في موعد الانتخابات أو الاستفتاء. هذا الصندوق هو الآلية السحرية التي اكتشفها البشر لحسم خلافاتهم، ولا توجد وسيلة أفضل منه حتى الآن.



قيل قديما: "نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام، هذا إن عدل"؛ فالمفروض أن نصف الشعب المصري ضد محمد مرسي لأنه حاكم مسؤول عنهم. ولنبتعد عن لعبة الأرقام، وكم صوّت له، وكم صوت ضده؛ فالمسألة تحسم بفارق صوت واحد.



الصراع في مصر على من يحكم وليس بماذا يحكم. في اللجنة التأسيسية للدستور، بحسب ما كشف الدكتور جمال جبريل أستاذ القانون الدستوري، ومرشح حزب الوفد للجنة، كان الصراع على مدة الرئاسة لا غير، إذ أرادوا إعادة الانتخابات بعد إقرار الدستور، وعندما فشلوا انسحبوا. ومشروع الدستور المصري الحالي أفضل دستور عربي من حيث المضمون وطريقة العمل، وللمرة الأولى تشكل لجنة منتخبة تأخذ ستة أشهر لكتابة الدستور، وتفتح نقاشات شارك فيها مليون على الإنترنت. هل يوجد دستور في العالم كتب بهذه الطريقة؟



كذبة الأسلمة والأخونة لا تنطلي على الشعب المصري، ولا يجرؤ سياسي مصري على المس بالإسلام. لاحظوا أنهم كلهم، من أحمد شفيق إلى حمدين صباحي يذهبون للعمرة بعد النتائج. وعبدالناصر عندما حكم استولى على الأزهر، ولم يغلقه كما فعل الحبيب بورقيبة مع الزيتونة. وكان شيخ الأزهر مستقلا فأصبح في عهد عبدالناصر تابعا للرئاسة. وحقوق الأقباط هضمت في عهد عبدالناصر وليس في عهد الملكية أو مرسي. وللمرة الأولى دخل الأقباط الرئاسة في عهد مرسي.

لا تحسبوه شرا، فالمسيرات الكبرى التي واجهها مرسي عبرت عن طيف معارض واسع، لها جذور عميقة محليا (الأقباط، والناصريون، والليبراليون، والفلول والدولة العميقة)، ولها امتداد دولي وإقليمي. وقد جوبهت بديمقراطية، وللمرة الأولى يشهد قصر الاتحادية هذه التظاهرات التي تحميها الشرطة. في المقابل، استفزت تلك الحشود حشودا أخرى صنفت في الإعلام الغربي بأنها الأكبر في تاريخ البشرية. وتلك الملايين لم تكن إخوانا وسلفيين وإسلاميين، بل هي أوسع من ذلك كثيرا، وسوادها هم من يريدون أن يعطوا مرسي فرصة الحكم.



هنا نجح مرسي عندما لم يقمع مخالفيه ووصفهم بالأحباب. والملايين التي خرجت دعما له، لم تستجب لإعلام صفيق ممول رسميا من فلول الحزب الوطني، بل وإعلام الدولة الذي يقف ضده أيضا. ويعلم الشعب المصري أين كان خصوم مرسي عندما كان هو وقادة الإخوان في السجون.



إن الإخوان، وعلى رأسهم مرسي، ترسم صورتهم في وجدان المصريين سنوات الجمر في سجون الطغاة، وشهداء علقوا على أعواد المشانق وسفكت دماؤهم في أرض فلسطين والقنال وميدان التحرير. ومن يستمع للخطاب الناصري اليوم يتخيل أن سيد قطب أعدم عبدالناصر، وأن صباحي أمضى زهرة شبابه في سجون المرشد! إن نجاح مرسي ليس في سماحه بالتظاهر فقط، بل في النجاح في بناء جسور مع المتظاهرين، فليسوا كلهم فلولا ودولة عميقة. وهي ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة، والمهم أن يحاول ولو لم ينجح.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق