السبت، 8 ديسمبر 2012

القدس العربي:مشعل في غزة: زلزال سياسي

ان يزور السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية 'حماس' قطاع غزة للمشاركة في احتفالات الحركة بالذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقها، فهذا حدث تاريخي يجب التوقف عنده بكل تأمل لمعرفة معانيه وارهاصاته الراهنة والمستقبلية معا.

قطاع غزة هو اول ارض فلسطينية تنسحب منها القوات العسكرية الاسرائيلية مرغمة، ومعترفة بالهزيمة امام ضربات حركات المقاومة، ولهذا يتسم هذا القطاع بطابع خاص كونه الحاضنة شبه الوحيدة للمقاومة الفلسطينية وحركاتها التي ما زالت تتمسك بالكفاح المسلح لتحرير الاراضي الفلسطينية المحتلة.

صحيح ان القطاع ما زال محاصرا برا وبحرا وجوا من قبل الاحتلال الاسرائيلي، اي ان صفة التحرير الكامل لا تنطبق عليه، وصحيح ايضا ان اسرائيل تواصل غاراتها عليه بين الحين والآخر مثلما حدث قبل ثلاثة اسابيع كرد على الصواريخ، ولكن الصحيح ايضا ان القوات الاسرائيلية لا تتحكم بحركة الافراد عبر معبر رفح مثلما كان عليه الحال في السابق.

زيارة السيد مشعل تكتسب اهميتها من عدة جوانب رئيسية يمكن تسليط الاضواء عليها من خلال النقاط التالية:

' اولا: ان هذه الزيارة تجسد المصالحة السياسية والشخصية بين جناح السيد مشعل وبعض معارضيه من قيادات حركة حماس داخل القطاع، ولا نكشف سرا ان اعلان السيد مشعل عدم رغبته في الترشح لرئاسة المكتب السياسي للحركة لدورة جديدة ناجم عن الخلاف بينه وبين هذه القيادات، وخاصة السيد محمود الزهار، وكان واضحا ومن خلال حرارة اللقاء بين الرجلين، بل وكل قادة حماس في القطاع ان الجليد قد ذاب، وان المصالحة ربما تكون اكتملت.

' ثانيا: ترتيب البيت الحمساوي الداخلي من خلال هذه الزيارة، وتحقيق المصالحة بين جناحي الحركة، ربما يقود او يعزز المصالحة الفلسطينية الاكبر، اي بين حركتي 'فتح' و'حماس'، ومشاركة وفد كبير من حركة 'فتح' برئاسة السيد زكريا الاغا القائد الفتحاوي المخضرم في مراسم استقبال السيد مشعل في معبر رفح، وكذلك في احتفالات حماس بذكرى انطلاقتها مؤشر مهم على احتمالات حدوث هذه المصالحة بين قطبي المعادلة السياسية الفلسطينية.

' ثالثا: زيارة السيد مشعل جاءت بعد تحقيق حركة حماس انتصارا مهما على العدو الاسرائيلي تجسد من خلال قصف تل ابيب والقدس المحتلة وبئر السبع وباقي البلدات والمستوطنات الاسرائيلية، جنبا الى جنب مع فصائل المقاومة الاخرى وعلى رأسها الجهاد الاسلامي، وهذا الانتصار العسكري يمكن ان يجسد ارضية سياسية للاعتراف بحركة حماس وفتح ابواب التفاوض معها بطرق مباشرة او غير مباشرة حول ترتيبات مستقبلية او حتى تسوية.

' رابعا: السيد مشعل ما كان من الممكن له زيارة القطاع لولا المظلة المصرية والموافقة الاسرائيلية بالتالي، مما يعني ان 'الفيتو' الاسرائيلي عليه، وباقي قادة الحركة قد جرى رفعه اسرائيليا، والتفسير الابرز لهذه الخطوة، ان اسرائيل تريد تثبيت اتفاق التهدئة، وتشجيع حركة 'حماس' على التمسك به، وكبح جماح التنظيمات الاخرى التي تريد مواصلة المقاومة واطلاق الصواريخ، واخيرا تشجيع الجناح المعتدل في الحركة الذي يقوده السيد مشعل على حساب الجناح المتطرف.

' خامسا: تجدد الخطة الاستراتيجية الاسرائيلية التي ترمي الى اعادة قطاع غزة الى الادارة المصرية مجددا، اي عودة الامور الى ما كانت عليه قبل احتلال عام 1967، من خلال تخفيف القبضة الاسرائيلية على القطاع مقابل زيادة مسؤولية مصر واعطائها صلاحيات اكبر في ادارة بعض شؤونه، خاصة ان القطاع بات محكوما بحركة حماس التي تشكل الامتداد الطبيعي لحركة الاخوان المسلمين الحاكمة حاليا في مصر.

السيد مشعل سيستغل هذه الزيارة حتما من اجل الدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية الشاملة التي يؤمن بها ويعمل على تعزيزها، وهذا ما اكده لهذه الصحيفة في اتصال مع رئيس تحريرها، وتأكيده على ان هذه المصالحة تحتل قمة سلم اولوياته المستقبلية، وكشف ايضا ان زيارته المقبلة الى القطاع قد تكون بصحبة الرئيس محمود عباس كتكريس لهذه المصالحة.

زيارة مشعل للقطاع، واعتراف الامم المتحدة بفلسطين كدولة عضو مراقب، وانتصار المقاومة في القطاع اثناء العدوان الاسرائيلي الاخير، ثلاثة عوامل اعادت القضية الفلسطينية الى الخارطة السياسية العالمية مجددا وبقوة، والمهم الان هو البناء على هذه الارضية الصلبة لاستمرار هذا الانجاز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق