الجمعة، 3 مايو 2013

مقترح تبادل الأراضي: «وعد بلفوري جديد»


الحديث عن تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والاسرائيليين ليس وليد أمس؛ فقد تم تداوله سابقاً في إطار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. لكن الجديد هذه المرة هو أن إقراره جاء من قبل لجنة المبادرة العربية، التي رأستها قطر، وغابت عنها سوريا، وفي ظل جهود أميركية للوصول إلى تسوية
مالك سمارة, أحمد رجب


رام الله | القاهرة | في العاصمة الأميركية، واشنطن، وفي غياب سوريا، ورئاسة قطر للدورة الحالية، أقرت لجنة مبادرة السلام العربية مبدأ «تبادل الأراضي» مع الاحتلال، كما جاء على لسان رئيس اللجنة، رئيس الحكومة القطري، حمد بن جاسم، تمهيداً لعرض موقف عربي موحد على وزير الخارجية جون كيري، الذي رحّب بالفكرة لاحقاً، واصفاً إياها بأنها «خطوة كبيرة إلى الأمام».
لكن الإعلان العربي لم يُشبع نهم رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو، الذي فضل الصمت على أن «يغامر» بموقف يحسب عليه أنه قبول لحل على أساس حدود 1967. فيما جاء ترحيب السلطة الفلسطينية بالمبادرة متزامناً مع تأكيدها على أنّ التبادل سيكون «بالقيمة والنوع»، وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات: إن «بيان الشيخ حمد يعكس المواقف الفلسطينية القائمة منذ فترة طويلة»، قبل أن يعود ويؤكد لراديو هيئة الإذاعة البريطانية أنّ فكرة تبادل الأراضي لا يمكن تطبيقها قبل موافقة إسرائيل أولاً على مبدأ حل الدولتين على أساس حدود عام 1967، موضحاً أنهم قالوا للإسرائيليين في مفاوضات 2008: «إذا وافقت إسرائيل على مبدأ الدولتين على حدود 67، وتحققت السيادة الكاملة للدولة الفلسطينية، وأرادت إسرائيل تبادلا طفيفاً للأراضي، فلا اعتراض لدينا على ذلك».
وبعدما رحب بالاقتراح القطري، تطرق الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، فقال «نحن معترفون بدولة اسرائيل منذ عام 1993 وتكرر هذا الاعتراف أكثر من مرة، ولم يسألنا أحد عن الاعتراف بيهودية اسرائيل حتى قبل عامين، من وجهة نظرنا يستطيعون أن يسموا أنفسهم ما يريدون».
أما حركة «حماس» فرفضت هذه المبادرة، معبرة عن قلقها العميق إزاءها، مبيّنة أنها كانت «تأمل أن يطالب الوفد الوزاري العربي واشنطن بالضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة». وقال رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، في مقابلة مع قناة «الجزيرة»: «نحن ضد هذه الخطوة، وضد سياسة التنازلات المستمرة، والتفريط بأي شبر من أرض فلسطين».
ولم يتوقف الأمر عند «حماس»، فقد كان ثمة إجماع من قبل الأحزاب الفلسطينية على إدانة هذه الخطوة، حيث وصف القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خالد البطش، هذا القرار بأنه «وعد بلفور عربي لإسرائيل منبثق عن مبادرة السلام التي تقدم بها العرب في قمة بيروت عام 2002»، مضيفاً أن «الجامعة العربية على استعداد هذه المرة ليس فقط للاعتراف المتبادل مع الاحتلال وإقامة علاقات دبلوماسية معه بل وفتح باب التطبيع والنهب للثروات العربية والإسلامية». أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فاعتبرت الموقف بأنه «إيغال في دبلوماسية التسول والتوسل لوزراء الخارجية العرب».
ورغم إعلان الاقتراح من قبل أكثر من مسؤول عربي وأجنبي، فإن مصدراً مسؤولا في الجامعة العربية نفى لـ«الأخبار» تعديل مبادرة السلام العربية. وقال إن «الأمر متروك للأمين العام للجامعة بعد عودته من واشنطن». وأضاف أن «القمة العربية التي عقدت في الدوحة آذار الماضي كلفت الوفد الوزاري العربي بإجراء محادثات مع أميركا والدول الكبرى لدفع عملية السلام»، مشددا على أن «أي تغيير سيطرأ على المبادرة العربية للسلام يستلزم قراراً من القمة العربية».
وفي السياق، انتقد مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى معني بالقضية الفلسطينية، في حديث لـ«الأخبار»، الاقتراح المنسوب للوفد الوزاري العربي، وقال إن هناك رفضاً فلسطينياً وحذراً عربياً إزاء ما تردّد حول هذا الشأن. وقال إن «الاقتراح يتخطى التكليف الذي ذهب به الوفد من القمة العربية في الدوحة إلى واشنطن، ولا يخدم هدف الزيارة بإنهاء الاحتلال، كما أنه يدخل القضية في مساومات كالسابق بلا أي نتائج».
وأوضح المصدر أن «الوفد ذهب بناءً على تكليف القمة العربية بالدوحة لإطلاع الإدارة الأميركية على الحالة الراهنة في عملية السلام والجمود بسبب الاستيطان المستمر وإنكار القيادات الإسرائيلية لحل الدولتين... ذهب لجلب التأييد الأميركي للجانب الفلسطيني وشرح المماطلات والانتهاكات الإسرائيلية، فكانت نتيجة الزيارة مزيدا من الضغط على الجانب الفلسطيني لعدم ملاحقة إسرائيل قضائيا في المحافل الدولية». وتابع أن «الوفد العربي تعهد للإدارة الأميركية بمنع السلطة الفلسطينية من الانضمام لوكالات الامم المتحدة بعد حصولها على صفة دولة غير عضو بالأمم المتحدة، وكذلك تجميد الدعاوي التي كانت تعتزم السلطة رفعها أمام المحكمة الجنائية الدولية».
سوريا التي كانت عضواً في مبادرة السلام العربية لم تكن حاضرة هذه المرّة. حتى الائتلاف الوطني السوري الذي حصل أخيراً على مقعد سوريا في الجامعة العربية لم يكن ممثّلاً. وفي هذا السياق، رأى استاذ العلوم السياسية في جامعة «النجاح»، عبد الستار قاسم، أنّ سوريا هي التي كانت تقف سابقاً في وجه التنازلات العربية، مشيراً إلى أن «الجامعة العربية أصبحت الآن تتخذ القرار الذي تراه مناسباً وفق الإرادة الأميركية».
وبالنسبة لغياب الائتلاف السوري المعارض، أعرب قاسم عن اعتقاده بأن مردّه إلى أنه «لا يملك سلطة اتخاذ القرار، ولا يعبر عن الإرادة الوطنية». وتابع: «المفروض أن يتصدى الائتلاف السوري لهذا القرار بطريقة غير مباشرة، لأن القرار يمس الجولان».
وعن توقيت هذا القرار، رأى المحلل السياسي طلال عوكل، في حديث لـ«الأخبار»، أنّه «يأتي في سياق المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية»، قائلاً إن هذا الموقف يأتي في ظل ظرف عربي صعب، وأن «صعوبته تظهر من خلال كون قطر في واجهة الحالة العربية، وهذا يعكس حالة من التردي العربي. أن تكون قطر في واجهة الدفاع عن الحقوق العربية، فهذا يعني أن الوضع العربي ليس على ما يرام». وقال إن ما ورد في خطاب وزير الخارجية القطري، الشيخ حمد بن جاسم، أهم بكثير من إعلان اللجنة قبولها تبادل الأراضي، وتابع: «المشكلة في المسكوت عنه من قبل الشيخ جاسم، حيث لم يأت على ذكر القدس، أو عودة اللاجئين، وهما البندان اللذان تتضمنهما المبادرة، وكأن المبادرة العربية أصبحت تقتصر على هذا البند».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق