لأن الاستسلام ثمنه أقسى وأفدح من المقاومة والصمود، وهذا ليس كلاما نظريا عاطفيا، بل هو رأي مبني على الأرقام والمعلومات، فما تخسره اليوم غزة من ضحايا، على بشاعته، لا يزيد عن خسارتها هي وكل فلسطين في حال الاستسلام، إذ ستصبح يد الكيان الصهيوني وطياراته ومدافعه واغتيالاته ومعتقلاته مطلقة تماما للعبث بالحياة اليومية للفسطيني دون رادع.
لسنا هنا في وارد التعامل مع الضحايا من شهداء وجرحى ومشردين على أنهم مجرد أرقام، فوراء كل ضحية قصة مؤلمة، وعائلة مكلومة، وعذابات لا تقدر بثمن، وذكريات لا يمكن أن تنسى، ولكن هذا العذابات المركزة في أيام العدوان الإسرائيلي هي أولا واخيرا نتيجة للاحتلال الصهيوني وليس ثمنا للمقاومة، والأهم من هذا أن الإحصائيات تقول أن الفلسطينيين يقدمون أعدادا كبيرة من الضحايا في حال استسلمت المقاومة واستمر الاحتلال بدون ثمن.
ولعل العودة إلى تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حول العام 2013 تعطي صورة أوضح عن الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون نتيجة شعور الاحتلال بأن يده مطلقة، وهو ثمن باهظ يتمثل بأعداد كبيرة من الشهداء والمعتقلين وتجريف الأراضي وإغلاق المعابر وقطع الموارد الحياتية الرئيسية من ماء وكهرباء، إضافة لحالات التعذيب الممنهج بشكل يومي، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة الذي يتكبدها الفلسطينيون نتيجة لتحكم الاحتلال بالمعابر وبكل مكونات الاقتصاد الفلسطيني.
صحيح أن أعداد الضحايا تبدو مركزة أكثر خلال أيام العدوان، ولكن المقاومة قد تؤدي إلى وقف هذا النزيف إلى حد كبير، وإن كان مؤقتا، مع الإشارة إلى أن العام 2013 شهد تراجعا في أعداد الضحايا عن العام الذي سبقه، والفضل يعود في ذلك إلى التهدئة التي وقعت في أعقاب العدوان الإسرائيلي في نوفمبر 2012.
لماذا يجب أن لا تستسلم غزة؟
لأن المقصود من هذه الحرب الإسرائيلية كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وتراجع الإحساس العربي القومي بالمعنى الحقيقي للصراع، وهو صراع بين شعب خاضع للاحتلال وقوة محتلة غاشمة، ولذلك تسعى "إسرائيل" وحافاؤها العرب –ونقولها بدون تحفظ- إلى إنهاء مشروع المقاومة، مع أنه المشروع الوحيد المنطقي والعقلاني في معادلة الصراع بين الشعوب المحتلة وقوى الاحتلال.
فإذا كانت إسرائيل ومن ورائها "الصهاينة العرب" يحاولون إنهاء الصراع دون حل حقيقي ومقبول، فإن المقاومة هي الحل الوحيد للرد على هذه المحاولات التي تجافي منطق التاريخ، ومنطق الشعوب، ومنطق الحسابات والأرقام أيضا، إذ أن المقاومة بكل أنواعها هي الوحيدة الكفيلة بجعل الاحتلال الإسرائيلي له ثمن، بعد أن بات هذا الاحتلال يطلق عليه في العالم وصف "احتلال الخمس نجوم" بفعل السياسات الخاطئة للقيادة الفلسطينية المتمثلة بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية (هل لا يزال أحد يتذكرها؟!).
لماذا يجب أن لا تستسلم غزة؟
لأن الطرف الوحيد المخول بالطلب من المقاومة أن تتوقف هو الشعب الفلسطيني، وخصوصا أولئك الصامدين في أراضيهم وبيوتهم في غزة والضفة الغربية، وهم الطرف الوحيد الذي يعاني بشكل يومي من الاحتلال من دمه وعرقه وبؤس حياته اليومية وذل الخضوع للعدوان الذي يدخل إلى كل التفاصيل الفلسطينية، وبالتالي هو الوحيد من يقرر إن كان يريد دفع ثمن المقاومة أو ثمن الاحتلال بدون مقاومة، ففي كلا الحالتين هناك ثمن، ومن يقرر طريقة الدفع هم من "يحاسبون" عليه، وليس أولئك الجالسين في بيوتهم بأمان بعيدا عن ذل الاحتلال ومممارساته، وليس أولئك العرب المتصهينيين الذين باتوا لا يخجلون من إعلان بذاءاتهم بعبرية فصيحة على وسائل الإعلام.
وحتى يتم تشكيل قيادة موحدة للشعب الفلسطيني وفق برنامج وطني متفق عليه ومصوت عليه من قبل الشعب الفلسطيني، فإن المقاومة تمتلك حق الرد على جرائم الاحتلال.
لماذا يجب أن لا تستسلم غزة؟
لأنها باختصار تقاتل نيابة عن كل الإنسانية، وليس فقط عن العرب والمسلمين، ولأنها المنطقة الضيقة من هذا العالم التي يتكثف فيها الحق بأبهى صوره وأنصع معانيه، مقابل الظلم بأبشع صوره وأعتى جبروته.
لهذا يجب أن لا تستسلم غزة، وهي لن تستسلم سواء وافق نحن أم لم نوافق، وسواء رضي المتصهينون الذين تكاثروا كالذباب على خارطة الوطن العربي أو لم يرضوا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق