الاثنين، 21 يوليو 2014

جديد ميداني يستحق جديداً سياسياً ...طلال عوكل

ما يدور في قطاع غزة، منذ أسبوعين، يقدم مشهداً جديداً مختلفاً، لمجريات عدوانات تعودت إسرائيل شنها على القطاع، لا تجد خلالها، صعوبات حقيقية في تحقيق ما تريد تحقيقه من أهداف.
المقاومة كانت موجودة خلال الحروب السابقة على قطاع غزة، ولكن قدراتها وتكتيكاتها واستعداداتها، تطورت بين عدوان وآخر، وتطورت قدراتها الميدانية إلى حدود فاضت تداعياتها عن العمليات الميدانية.
خلال العدوان الذي شنته إسرائيل في كانون الأول 2008، أوقعت إسرائيل بقرار وبإصرار مسبق، أكثر من ألف وخمسمائة شهيد، وأكثر من خمسة آلاف جريح فضلاً عن عشرات آلاف المنازل التي تضررت كلياً أو جزئياً.
الخسائر في الجانب الإسرائيلي كانت محدودة، ومع ذلك، كان الخطاب الفلسطيني انتصارياً، وكان الانتصار يعني الصمود، ويعني أن العدوان الإسرائيلي لم ينجح في تغيير الأوضاع في القطاع من حيث سيطرة "حماس" على الحكم والحكومة.
خلال عدوان "عامود السحاب" كما تسميه إسرائيل، والذي وقع في نهاية 2012، لاحظ الجميع، تطور قدرات المقاومة، حيث وصلت مديات الصواريخ التي تمتلكها، إلى أطراف القدس، وتل أبيب، وبالتالي نجحت في أن تفرض بعضاً من شروطها على طاولة المفاوضات غير المباشرة التي أدارتها مصر إبان حكم محمد مرسي.
إسرائيل تعودت على خرق الاتفاقيات والمعاهدات، التي توقع عليها، فهي تلتزم فقط، بما يخدم مخططاتها وأهدافها، الأمر الذي يجعل أي اتفاق جديد، فاقد للمصداقية، ما لم تتوفر له ضمانات حقيقية قوية.
تفاهمات 2012، خرقتها إسرائيل منذ اليوم الأول لتوقيعها، وظلت تواصل خرقها، كل الوقت، فيما اكتفت المقاومة، بتسجيل الانتهاكات وإبلاغها للطرف المصري.
ما يقدمه الميدان خلال العدوان الجاري، يفيد بأن المقاومة كان تفضل الصبر، واحتمال ما ينجم عن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، لأنها كانت تعيد بناء نفسها وقدراتها، بعيداً عن الأضواء، والادعاءات.
عدا ذلك، لا يمكن لأحد أن يتجاهل التملص الإسرائيلي من صفقة "وفاء الأحرار" التي بموجبها تم إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليت، مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني. إسرائيل تواصل ملاحقة الأسرى المحررين بالقتل والاغتيال وإعادة الاعتقال والمحاكمة، والملاحقة، والتضييق عليهم وعلى ذويهم.
إذا كانت هذه بعض المؤشرات على السلوك الإسرائيلي، الذي لا يستحق الحد الأدنى من الثقة، فإن المقاومة، تقدم خلال مجابهتها للعدوان الجاري، قائمة طويلة من المفاجآت، التي تربك حسابات إسرائيل وتفرض على غير إسرائيل من الدول الفاعلة، على أن تتعاطى بشكل مختلف مع الشأن الفلسطيني، والفاعلين فيه.
فوجئت إسرائيل، بمدى قوة ومديات الصواريخ، وأعدادها التي تغطي معظم مدن وقرى أرض فلسطين التاريخية، وتربك الحياة اليومية لملايين السكان، الذي يضطرون للنزول إلى الملاجئ، كما تربك الحركة الاقتصادية.
لم تعد الصواريخ الفلسطينية تصنف من حيث كفاءتها ومدياتها على أنها محلية الصنع، كإشارة إلى العشوائية، ومحدودية الأثر والمدى، فالمواطن يشعر أن هذه الصواريخ حقيقية، وتترك بصماتها على الأرض، كما في السياسة. ولم يعد المقاوم الفلسطيني، مكشوفاً على وجه الأرض، يسهل اصطياده، ما يجعل ضباطاً إسرائيليين يشكون من أنهم يقاتلون أشباحاً يخرجون عليهم من حيث لا يحتسبون.
ثمة أكثر من جديد مهم في القائمة، من الضفادع البشرية، إلى طائرات بدون طيار، إلى اختراق الشبكة العنكبوتية الإسرائيلية، وإلى امتلاك القدرة على اختراق الحدود، وانتقال أعداد من المقاتلين خلف خطوط الجيش الإسرائيلي. المهم أن هؤلاء المقاتلين ينجزون الاشتباك ويوقعون خسائر في الجيش الإسرائيلي، ثم يتمكنون في الغالب من العودة سالمين، لكي يعاودوا القتال.
وسائل وتكتيكات المقاومة هذه المرة تختلف عنها في المرات السابقة، الأمر الذي سيترك آثاراً عميقة، على الأزمة الموجودة أصلاً في إسرائيل، سواء على المستوى العسكري أو السياسي.
ستترك نتائج المواجهة الدائرة، آثارها عميقة على الاستراتيجيات الأمنية والسياسية والقتالية الإسرائيلية، خصوصاً، بعد أن تناقصت قدرة الجيش على الردع، وتهشمت صورة الجيش الذي لا يقهر.
ولكن هذا الجديد سيترك آثاره أيضاً على المعادلات السياسية، وعلى أدوار، العديد من القوى الفاعلة، وقد يصل الأمر إلى حد، أن تفكر الولايات المتحدة والدول الغربية، بفتح قنوات واسعة للتواصل مع حركة حماس. ليس سهلاً أن ترفض "حماس" العرض المصري، وما رافقه من نشاطات سياسية يقوم بها الرئيس محمود عباس. ليس سهلاً أن يتأجل موضوع التوصل إلى اتفاق تهدئة، بينما يسقط يومياً العشرات من الشهداء، وثلاثة أضعافهم من الجرحى. ولكن إذا كانت إسرائيل قد استنزفت الحاجة لمواصلة العدوان، بدون أهداف حقيقية، وبالتالي تريد التوصل إلى تهدئة مجانية، فإن المقاومة تشعر بأنها لم تستنفد بعد فرصتها في إظهار قدراتها وجديدها، قبل أن تشعر بالحاجة للتوصل لاتفاق تهدئة، ولأن ما بعد التهدئة ينبغي أن يرسم مشهداً سياسياً غير ما قبلها.
طلال عوكل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق