وفيما تولت كل من قطر وتركيا الدفع بشروط المقاومة على سلم المحادثات الجارية لوقف إطلاق النار، رمت مصر والسعودية والإمارات بثقلها لإجبار المقاومة على النزول عن هذه الدرجة من المطالب المتعلقة بفتح كل معابر القطاع ورفع الحصار وإقامة ممر بحري والكف عن التدخل في المصالحة الفلسطينية، والأهم من ذلك الإفراج عن الأسرى المحررين في صفقة تبادل جلعاد شاليط في تشرين الثاني 2011 والذين أعاد العدو اعتقالهم في أعقاب قتل المستوطنين الثلاثة في الضفة.
اختلال المعادلة اليوم، باختطاف «حماس» جندياً إسرائيلياً، سيساعد رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، على التوجه إلى المحادثات، حاملاً ورقة ضغط قوية. وبحسب مراقبين، سيرفع مشعل من سقف مطالبه المشروعة، لأن الثمن الذي لم تقبل به إسرائيل في غمرة عدوانها وتمسكها بالمبادرة المصرية للتهدئة، ستضطر إلى دفعه في ضوء انكسار شوكتها بقتل العشرات من الجنود على حدود القطاع.
وفي ضوء ذلك تتمسك «حماس» بموقفها الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث يؤكد عضو المكتب السياسي للحركة محمد نزال، أن حركته ترفض التنازل عن شروطها التي «تعبر عن الحد الأدنى لحقوق الفلسطينيين، وفي مقدمتها رفع كل أشكال الحصار براً وبحراً وجواً، مع وقف كافة أشكال العدوان في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإطلاق سراح محرري صفقة «وفاء الأحرار» الذين أُعيد اعتقالهم». وقال نزال لـ«الأخبار» إن «سقف المطالب طبيعي، والنقاش بداية يجب أن يكون حول رفع العدوان وأسبابه»، مؤكداً أن المحادثات ما زالت في بداياتها واتفاق التهدئة لم يحسم بعد.
وبالتزامن مع الحراك العربي والغربي للتوصل إلى صيغة اتفاق يشمل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تواصل المقاومة إنزال خسائر بشرية كبيرة في قوات الاحتلال، وصلت حتى كتابة هذا التقرير، إلى 25 قتيلاً، وعشرات الجرحى، فضلاً عن تدمير عدد كبير من الآليات وناقلات الجند، بحسب اعتراف العدو.
ويبدو جلياً أن «حماس»، إزاء هذا الدور الفاعل للمقاومة، تزداد تمسكاً بمطالبها، إذ يؤكد نزال أن «طبيعة الأداء في المعركة في المرحلة المقبلة ستحسم مصير اتفاق التهدئة»، وهو ما يحمل إشارة قوية إلى أن «حماس» لا تزال تعول على إيقاع مزيد من الخسائر في صفوف العدو، وربما أسر مزيد من الجنود لإجبار الاحتلال على دفع ثمن باهظ، بالاعتماد على الدور السياسي الذي يلعبه حلفاؤها في المنطقة (قطر وتركيا).
غير أن الحركة أيضاً لا تزال تعول على تشكيل جبهة داخلية وإقليمية مساندة للمقاومة في الميدان، كما يوضح نزال، وذلك بوضع جميع الأطراف، بمن فيهم رئيس السلطة محمود عباس، في صورة المطالب للدفع باتجاه إقرارها من قبل الاحتلال والقبول بها، مستبعداً في الوقت عينه أن يجري البحث في الوقت الراهن في إبرام صفقة تبادل جديدة على ضوء أسر آرون.
ويرى المحلل السياسي، هاني البسوس أن اليد الطولى للمقاومة في الميدان سترغم الاحتلال على تنفيذ شروط الشعب الفلسطيني، مؤكداً في حديث لـ«الأخبار» أن عملية خطف الجندي سيكون لها ما بعدها على الصعيد السياسي، وكذلك الأمني، وستؤثر بشكل كبير في سقف الأهداف التي يمكن أن تحققها المقاومة.
وعلى الصعيد السياسي، أوضح البسوس أن «ما حققته المقاومة على الأرض سيخدم السياسيين في إجبار الاحتلال على تلبية مطالب المقاومة المتعلقة بفك الحصار ورفع العدوان والإفراج عن الأسرى».
وعلى الصعيد الأمني، لفت إلى أن اختطاف الجندي أوقع قوات الاحتلال في حالة تخبط، وهو ما بدا واضحاً من خلال قصف المدنيين والمنشآت العامة، مؤكداً أن الهدف من الاستهداف العشوائي هو الانتقام وإيقاع أكبر كم من الضحايا بهدف تحقيق انتصار وهمي. وتوقع البسوس أن توغل إسرائيل أكثر في دماء الفلسطينيين لمدة أسابيع، من ثم يلحق ذلك «اتفاق تهدئة قد يكون مزدوجاً»، في إشارة إلى احتمال بحث صفقة تبادل جديدة في مقابل الجندي المختطف لدى «كتائب القسام».
في الوقت نفسه، عبر البسوس عن اعتقاده بأن التعويل على الحلفاء العرب أمر مهم جداً في هذا التوقيت، ويدعم فرص التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، ملمحاً إلى الدور البارز الذي تقوده كل من قطر وتركيا بالتباحث مع الأطراف الأخرى، بما فيها إسرائيل لإحراز اتفاق تهدئة.
ورهن البسوس تحسن الوضع السياسي القائم بتطورات الميدان، قائلاً «إن الأهم الآن هو العمليات الميدانية، حيث إن التطورات الميدانية هي التي تتحكم بالوضع السياسي والإقليمي أيضاً، وكلما تصاعدت كانت لها تأثيرات كبيرة». وأكد أنّ من الصعب الآن التنبؤ بالمدى الزمني للحرب، في ضوء استمرار الاحتلال في التوغل وقتل عدد كبير من المدنيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق