الثلاثاء، 15 يوليو 2014

"فورين بوليسي": كل المخططات للقضاء على حماس فشلت بل وزادت من عزلة إسرائيل

في مقال نشرته مجلة "فوري بوليسي" على موقعها الإلكتروني، قال الكاتب "مارك بيري" إن تشكيل حماس حكومة وحدة وطنية جديدة مع حركة فتح التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كان، على ما يبدو، مؤشرا على تهميش الحركة الإسلامية لصالح قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التقليدية.
إذ إن هدف خصوم حماس وأعداؤها كان عزل الحركة خارجيا (حصار السيسي) وإضعافها داخليا بتهيئة الظروف لثورة داخلية ضد حكمها، لكن تبين عكس ذلك. فحماس اليوم قوية، ومن المرجح أن يجعلها الهجوم الإسرائيلي الحالي أقوى.
وفي مقابلة مع مسؤول كبير في فتح هذا الأسبوع، نقل الكاتب عنه قوله: "يزعم الجيش الإسرائيلي أنه قصم ظهر حماس في [مدن الضفة الغربية] الخليل وبيت لحم، ونابلس". وأضاف: "هذه مجرد مزحة، لأن من تعتبرهم إسرائيل تهديدات حقيقية يقبعون في السجن من فترة، فهؤلاء كانوا دائما محل اشتباه..".
وهذا صحيح أيضا بالنسبة لقطاع غزة، حيث لم يتمكن الهجوم الإسرائيلي من المساس بقيادة حماس..
ورأى الكاتب أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يتوقع فيها المراقبون الإسرائيليون والأمريكيون زوال حماس. في الواقع، حاولوا القيام بذلك منذ عام 2006، وفي كل مرة يخيب سعيهم.
عندما عقد الفلسطينيون الانتخابات التشريعية في يناير 2006، كانت وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، واثقة من فوز حركة فتح. لذلك، مولت الولايات المتحدة الحملة الانتخابية لفتح ودعمتها بذوي الخبرة، وكانت تعتقد أن حماس ستخسر الانتخابات وتفقد مصداقيتها، ولكن انهار كل شيء بفوز حماس.
ثم قطعت إسرائيل عن غزة المواد الغذائية الأساسية والسلع التجارية. وكما قال مسؤول إسرائيلي، كانت الفكرة هي "التضييق على الفلسطينيين في غذائهم"، مما يفجر أزمة اقتصادية شديدة تخسر معها حماس مكانتها الشعبية، لكنَ ذلك لم يحدث. لذلك قررت الولايات المتحدة، في عام 2007، دعم ميليشيات فتح لسحق حماس في غزة. لكن الحركة استبقت العملية وحسمت الوضع عسكريا، فكانت فتح هي التي نُحيت عن غزة وليس حماس.
ومن ذلك الحين، شُنت سلسلة من العمليات العسكرية الإسرائيلية، لكنها فشلت على نحو مماثل في تدمير حماس. ولم تؤثر أي عملية في سيطرة حماس على غزة وقدرتها على إطلاق صواريخ على إسرائيل، مما أدى إلى إثارة غضب وسخط بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين من الادعاءات الكاذبة الدائمة بأن حماس على وشك أن تُدمر.
وفي هذا السياق، نقل الكاتب عن مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى يراقب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قوله: "إنه من المستحيل تقريبا قياس مدى قدرة حماس على النجاة من الهجمات الحالية"، "ولكن، يضيف، أود أن أقول إنه بالنظر إلى تاريخها، فإن "إنهاء حماس" احتمال مبالغ فيه .... وقد أظهرت الحركة أنها قادرة على استيعاب الضربات".
ورأى الكاتب أن إسرائيل لم تفضل في القضاء على حماس، وفقط، ولكن سياستها تجاه الفلسطينيين قد استعدت أيضا حليفتها الأكثر أهمية، الولايات المتحدة. فبعد انهيار محاولة وزير الخارجية، جون كيري، للتفاوض على حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ظهر على المسؤولين الأمريكيين علامات التعب من تعقيدات الصراع وانتابتهم حالة من الإحباط تجاه الحكومة الإسرائيلية.
وخلال تسعة أشهر من المفاوضات المتعثرة، كانت بعض محادثات الأمريكيين مع الإسرائيليين، كما اعترف دبلوماسي أميركي رفيع المستوى: "صريحة بشكل غير مريح".
وأكثر المحادثات غير المريحة بين كيري ونتنياهو، وفقا لهذا الدبلوماسي المطلع، كانت في مطلع فبراير الماضي، بعد وصول كيري إلى القدس قادما من اجتماع مع مسؤولين أوروبيين في مؤتمر الأمن في ميونيخ.
وقال هذا الدبلوماسي إن كيري كان يتوقع أن اجتماع ميونيخ سيركز على شرق أوروبا وأزمة أوكرانيا. بدلا من ذلك، واجه المسؤولون الأوروبيون كيري بالحديث عن جهوده للوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين. وأبلغوه أنه إذا لم تكن إسرائيل جادة في عملية السلام، فإن الاتحاد الأوروبي على استعداد لدعم الجهود الرامية لنزع الشرعية ومقاطعتها. وعندما رد كيري بأن الولايات المتحدة ستعارض مثل هذه الجهود، ردوا عليه عاتبين: أوروبا قد نفذ صبرها.
وفقا للدبلوماسي نفسه، عندما وصل كيري إلى القدس يوم 2 فبراير، قال إنه يحمل رسالة قاسية لنتنياهو. في لقاء خاص، قال كيري الساخط لنتنياهو أن "إسرائيل تمر بمأزق في أوروبا"، وأن الأوروبيين "توقفوا عن الاستماع" إلى المشورة الأميركية.
وأجاب نتنياهو بغضب، قائلا: "لن تخضع إسرائيل للابتزاز من أجل التوقيع على اتفاق مع الفلسطينيين" من شأنه أن يعرض أمنها للخطر، "وكان يشير بإصبعه إلى وزير الخارجية"، كما كشف الدبلوماسي، مما أثار غضب كيري، بعدها بساعات، اتهم وزير الاقتصاد الإسرائيلي، نفتالي بينيت، كيري بالتصرف كما لو أنه "الناطق بلسان" القوات المعادية للسامية.
وكان كيري أيضا يتعامل مع القيادة الفلسطينية. وكما قال مسؤول كبير في حركة فتح، كانت بين عباس ومساعديه خلافات عميقة حول الإستراتيجية التفاوضية. وفي حين بدا عباس أكثر انسجاما مع إسرائيل، كان عدد من مساعديه يجادلون بأن حماس تقوي حضورها في الضفة الغربية وقطاع غزة. كلما أكثر عباس من التفاوض، كان يُنظر إليه أنه أكثر ضعفا.
وكانت التوترات العميقة في أعلى هرم قيادة رام الله أكثر وضوحا خلال اللقاء الذي جرى بين كيري وكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، وعباس قبل عدة أشهر من اجتماع فبراير  مع نتنياهو. خلال الاجتماع، وقد بدا على كيري عدم الارتياح، كان عباس يعنف في بعض الأحيان عريقات.
"أصمت"، صاح عباس في وجهه.. "هل يمكنك أن تصمت؟ كل ما تفعله هو الكلام.. أصمت"، ثم توجه عباس إلى كيري قائلا: "لا تستمع له"، وأضاف: "أنت تتفاوض معي".
في أوائل شهر مارس، احتدَ عباس على منتقديه من كبار قادة فتح، وفقا لمسؤول في الحركة على اطلاع بالخفايا. ففي جلسة بمكتب عباس في رام الله هذا العام، عنف عباس واحدا من منتقديه واتهمه بأنه موال لحماس، وصاح في وجهه: "كيف يمكنك أن تدافع عن هؤلاء الناس؟".. "إنهم هم الذين ارتموا في أحضان إيران..".
وعلق مسؤول في فتح على كلام عباس، قائلا إن انتقاده لحماس ارتد عليه: "هذا صحيح، ونحن ارتمينا في أحضان إسرائيل... ولم نحصل على أي شيء ولا شيء".
وبينما كان كيري يتفاوض مع عباس، فإن حماس كانت الحاضر الغائب في غرفة المحادثات، وفقا لهذا المسؤول الكبير بحركة فتح.
حماس هُمشت خلال المفاوضات، ولكن عباس كان قد حذر كيري بأنه سوف يتصالح مع الحركة في حال فشل عملية السلام وسيطلب الانضمام إلى المنظمات الدولية من أجل تعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية أيضا. وبعد انهيار المفاوضات، نفذ عباس وعيده ووقع اتفاقا بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس في ابريل الماضي.
ولكن، وفقا لمسؤول في فتح، طمأن عباس كيري بأن اتفاق المصالحة يراد به "تدمير حماس" من خلال ضمها إلى العملية السياسية ومن ثم هزيمتها في الانتخابات اللاحقة. "أنا أكره حماس"، كما قال عباس لكيري، وفقا للمسؤول نفسه. وأضاف: "لكن لا تقلق، لدي خطة للإطاحة بهم سترى".
حتى الآن، كما قال الكاتب، فإن كل محاولات إسرائيل، طيلة ثماني سنوات، لإجبار حماس على الخضوع والاستسلام لم تفشل، وفقط، ولكن نجحت أيضا في تنامي التشدد في أوساط السكان الفلسطينيين وأفضت إلى نفور أقوى حلفائها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق