جاءت عملية اطلاق النار على سيارة يستقلها مستوطنون اسرائيليون على طريق قرب الخليل في جنوب الضفة الغربية المحتلة التي قتل فيها مستوطن واصيب اثنان آخران بجروح بمثابة جرس انذار لما يمكن ان يكون عليه الوضع في حال انهارت مفاوضات السلام الحالية واستمرت الحكومة الاسرائيلية في عملياتها الاستيطانية.
عمليات القتل كانت دائما في اتجاه واحد، اي برصاص الاسرائيليين والضحايا من الفلسطينيين العزل، ويبدو واضحا من خلال عملية الهجوم المفاجئة هذه ان المشهد في الضفة الغربية المحتلة يقف على ابواب التغيير الكامل مما يؤدي ببدء مرحلة جديدة مختلفة.
قبل اسبوعين اقتحمت وحدة عسكرية اسرائيلية مدججة بالمدرعات والاسلحة الثقيلة مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين وقتلت ناشطا بدم بارد،
واكمل قناصة هذه المجزرة باغتيال اثنين من رفاقه حملوا جثمانه الى ذويه تمهيدا لدفنه، وكان الشهداء الثلاثة يجسدون الوحدة الوطنية الفلسطينية في ابهى صورها، وابلغ معانيها، حيث تعانقت جثامينهم الثلاثة التي جرى لفها باعلام “فتح” و”حماس″ و”الجهاد الاسلامي” في الجنازة المهيبة التي اقيمت لهم، ولم يحدث لها مثيل منذ انتهاء الانتفاضة الثانية.
الاراضي الفلسطينية المحتلة تشهد حالة احتقان غير مسبوقة هذه الايام بسبب عمليات الاذلال المتواصلة التي يتعرض لها الفلسطينيون على ايدي القوات الاسرائيلية ومجموعات المستوطنين المدججين بالسلاح، وانهيار حل الدولتين، ورفض الافراج عن الدفعة الرابعة من الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
ان تبارك حركتا حماس والجهاد الاسلامي هذه العملية الهجومية، وتشيدان بها، وتعتبرانها “رد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال والمستوطنين ضد اهلنا في الضفة وغزة واستباحة المستوطنين لباحة المسجد الاقصى” فهذا يعني ان الحركتين بصدد استئناف المقاومة المسلحة الامر الذي سيشكل تحديا مباشرا ليس فقط لاسرائيل وانما للسلطة الفلسطينية وقواتها الامنية ايضا.
***
زائيف الكين نائب وزير الخارجية الاسرائيلي تباهى في حديث صحافي ادلى به لصحيفة اسرائيلية قبل اسبوع بان الضفة الغربية اكثر مناطق الشرق الاوسط استقرارا وهدوءا، وربما سيدرك، بعد وصول انباء هذا الهجوم، انه تسرع في موقفه هذا، لان هذا الهدوء الذي تحدث عنه ربما يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة.
الهدوء لا يمكن ان يستمر الى الابد في ظل السياسات الاستفزازية الحالية، والاستغلال البشع لضعف الفلسطينيين، والسلطة على وجه الخصوص، ومواصلة اعمال القتل والاغتيال، وفرض الحصار الاقتصادي والانساني الخانق، واذلال ثلاثة ملايين انسان امام المعابر الاسرائيلية وتصعيد سياسات وممارسات التمييز العنصري.
بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل بدأ في تنفيذ تهديداته بفرض عقوبات على سلطة الرئيس عباس واصدار قرارا بتجميد اموال الضرائب المستحقة لهذه السلطة والمقتطعة من الضرائب (مقدارها مئة مليون دولار شهريا)، الامر الذي يعني ان هذه السلطة تواجه الافلاس وخطر الانهيار، ولا نعتقد ان الشعب الفلسطيني سيذرف الدموع او يتأسف عليها، باستثناء بعض المستفيدين منها، وهم قلة على اي حال.
انهيار السلطة يعني ان تقوم السلطات الاسرائيلية باعادة احتلال كل الاماكن الخاضعة لحكمها الذاتي المزور، وعودة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل توقيع اتفاقات اوسلو، مما يعني ان تتحمل هذه السلطات مسؤولية ادارة هذه الاماكن، وتغطية النفقات المترتبة على ذلك من ماء وكهرباء وامن وخدمات بلدية، وهذا ما يتمناه معظم الفلسطينيين تحت الاحتلال.
التهديدات اليمينية الاسرائيلية بضم الضفة الغربية قد تصب في مصلحة الفلسطينيين في الانتقال من حل الدولتين الى حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، مما سيجعل النضال الفلسطيني ينصب على المطالبة بالحقوق المدنية والمساواة والحق في الانتخاب البرلماني والبلدي، مما سيعني نهاية اسرائيل كدولة معظم سكانها من اليهود.
لن تجد اسرائيل التعاطف الذي كانت تتمتع به في السابق من قبل دول غربية، فعندما يقف جون كيري وزير الخارجية الامريكي امام الكونغرس ويتهمها علنا بافشال مفاوضات السلام، وعندما تتعاظم عمليات المقاطعة الاكاديمية والاقتصادية لها في اوروبا وامريكا، فان الصورة تبدو غير وردية بالنسبة الى قادتها، والمنظرين لاستيطانها واستخدام القبضة الحديدة ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال وقتل العملية السلمية.
***
الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيدين هذا الهجوم على المستوطنيين حتما، مثلما ادان كل الهجمات السابقة المماثلة، ولكن هذا لن يحميه من غضب الاسرائيليين وسيزيد من غضب الفلسطينيين عليه وعلى سلطته في الوقت نفسه.
التنسيق الامني سقط، بل يجب ان يسقط في ظل فشل عملية السلام، والسلطة التي يرأسها عباس اصبحت عنوانا لحماية المستوطنيين من خلال قمع الفلسطينيين ومباركة التعاون مع الاجهزة الامنية الاسرائيلية لاغتيال او اعتقال المقاومين للاحتلال.
عندما يتجرأ المستوطنون الاسرائيليون على اقتحام المسجد الاقصى، واقامة كنيس يهودي في باحته، واستفزاز مليار ونصف المليار مسلم في العالم باسره، فماذا تتوقع الحكومة الاسرائيلية؟ قذف المستوطنين بالورود والرياحين.
كل المؤشرات تفيد بان الانفجار الذي استغرب الكثيرون عدم حدوثه في الاراضي المحتلة طوال السنوات الماضية بات وشيكا، والعملية الفدائية الاخيرة في الخليل قد تكون عود الثقاب او المفجر لاشعاله.
نبشر زائيف الكين ورئيسه ليبرمان بان الهدوء الذي يحلمون باستمراره وصل نقطة النهاية، وان تسونامي الانتفاضة الثالثة بات وشيكا، وان مرحلة الاذلال التي تمتعوا بها، ومارسوها بطريقة سادية ضد الفلسطينيين الصابرين العزل قد اسدل الستار عليها.
عبد الباري عطوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق