الجمعة، 6 ديسمبر 2013
يديعوت: كيف سيستعد الجيش الاسرائيلي للجولة التالية مع ايران بعد تخلي امريكا والسعودية عنه
بقلم: اليكس فيشمان
“الى أين ذهبت اذا كل تلك المليارات الـ 12 التي طلبتموها؟”، سأل رئيس الوزراء قائد سلاح الجو، ولم يكن هو اهود اولمرت الذي كان يسأل منذ أن استقال هذا السؤال تحت كل شجرة ناضرة (ويصر بالمناسبة على مبلغ 10 مليارات شيكل خصوصا). إن الذي سأل هذا السؤال الذي تناول المبلغ الذي تم انفاقه في السنوات الست الاخيرة على الاستعداد الاستخباري والعملياتي للهجوم على ايران كان بنيامين نتنياهو خاصة بعد فوزه في الانتخابات الاخيرة بقليل.
كان ذلك “تباحثا في الوضع″ مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان وقائد سلاح الجو وفريق خبراء في سؤال أين يقف استعداد اسرائيل العسكري لامكانية الهجوم على ايران. وتجري هذه المباحثات منذ سنين بصورة منظمة في حين يعرض الجيش – ولا سيما قائد سلاح الجو – درجة الاستعداد للهجوم والفروق والحاجات. وعرض قائد سلاح الجو أمير ايشل في تلك المباحثة المذكورة، الخطة وبين آخر الامر ايضا بلغة واضحة جدا الثمن الباهظ الذي سيدفعه سلاح الجو في الأساس في هذا الهجوم. ونفد صبر نتنياهو فقال: أنتم تطلبون المال أولا وبعد ذلك تُبينون لي الحدود. وهو لم يستعمل هذه الكلمات حقا لكن الحاضرين في الغرفة فهموا بالضبط غضب رئيس الوزراء على الجيش. وقد جُر ذلك من فترة ولاية رئيس الاركان السابق غابي اشكنازي الذي صد – لا بالحديث فقط – نضج الخطط.
يعرف نتنياهو الخطط بأدق تفاصيلها. وليس من الصدفة أن عين رجل سلاح الجو اللواء يوحنان لوكر أمين سره العسكري. فقد منحه لوكر زيادة فهم لقدرات سلاح الجو على تنفيذ عمليات فعالة في ايران، وهو الى اليوم يؤمن بهذا الخيار. وما كان مستعدا لقبول شك قائدي سلاح الجو الاخيرين عيدو نحوشتان وأمير ايشل اللذين عبرا عن رأيهما كل واحد باسلوبه: أما نحوشتان فأشد انطواءا وأما ايشل فلا ينتقي كلماته.
نبعت خيبة أمل نتنياهو ايضا من حقيقة أن المجلس الوزاري المصغر لم يرفض قط طلبات الجيش ولا سيما سلاح الجو والاستخبارات. فقد طلبوا وأخذوا فكانت خطط تطوير ونفقات وتسلح وقوة بشرية. واحتفل العلماء والصناعات العليا، وارتفع سلاح الجو و”أمان” عدة درجات على نحو لم يحلما به، واشتملت الخطط المفصلة التي نضجت على قدرات طورت في اسرائيل لا مثيل لها في العالم، بل إن بعضها غير معروف في أي مكان حتى ولا عند اصدقائنا.
سيناريوهات وحكايات
كان الرئيس الامريكي في بداية هذه السنة مذعورا خشية أن تهاجم اسرائيل وهدد نتنياهو بصورة شخصية تقريبا ليضبط نفسه. وقد استقبلوا في اسرائيل في تلك الفترة جهدا استخباريا معززا للقوى العظمى ما زال مستمرا حتى اليوم، لجمع كل معلومة وكل أثر وكل شظية الكترومغناطيسية تطلق في الهواء في الشرق الاوسط، ويشارك في هذا الجهد الروس والفرنسيون والامريكيون الذين عززوا اجهزتهم في كل مكان حتى في البحر. وعادت الى البحر المتوسط فجأة “سفن الصيد” الشهيرة بفضل غابات الهوائيات فيها بكميات غير عادية. وكانت الحساسية في ذروتها وشمل ذلك تفجيرات غامضة في سوريا لم ينجح الايرانيون والروس – برغم الفحوص التي أجروها – في أن يزيلوا عنها رداء الغموض.
بعد ذلك أرسلت اسرائيل الى الروس والايرانيين والسوريين لغزا آخر وهو صاروخ “أنكور” أُطلق من طائرة اف 15 وكان يرمي الى أن يكون صاروخا هدفا في اطار تجربة صواريخ حيتس. وكان ذلك اظهار قوة اسرائيلية لاجل الردع يقول: “دير بالك”، يحسن أن تنظروا الى قدراتنا بجدية.
تبين لاسرائيل أن الامريكيين يجرون من وراء ظهرها تفاوضا سريا مع الايرانيين في دول الخليج. وبدأ التراسل بين رئيس مجلس الامن القومي آنذاك يعقوب عميدرور، ومستشار الامن القومي الامريكي في ذلك الوقت توم دونلون. إن الامريكيين لا يكذبون لكنهم لا يقولون الحقيقة كلها لحليفتهم.وكانت اجوبة الاسئلة التي تأتي من اسرائيل تبدأ بـ “سنفحص”. وبعد ذلك، حينما ضغطت اسرائيل أكثر بدأ دونلون يروي قصصا عن “لقاءات اكاديمية” بين ايرانيين و”خبراء” ومبعوثين امريكيين من تلقاء أنفسهم لم تتم بحسب رأي الادارة. ولم تعرف اسرائيل بالاتصالات بين رئيسة وفد الولايات المتحدة الى الامم المتحدة آنذاك سوزان رايس وممثلي ايران هناك، ولم يبلغها الامريكيون ذلك.
لم ينبع ضغط نتنياهو فقط من الاجراءات السياسية التي تم من وراء ظهر اسرائيل لتسويات مع ايران بل من حقيقة أن وزير الدفاع آنذاك اهود باراك ايضا أقنع المحيطين به بأن الزمن ينفد وأن ايران توشك أن تدخل في 2013 “منطقة الحصانة”، وهذا مصطلح يصف وضعا يبلغ فيه السباق بين المهاجم والمدافع نقطة يكون للمدافع ميزة فيها. أي أنه وضع ستخطيء فيه العملية الهجومية الاسرائيلية على ايران هدفها الرئيس ولا تكون مجدية. وثم وضع آخر لـ “منطقة الحصانة” وهو حينما يصبح المفاعل الذري “ساخنا”. وفي هذه الحال قد يسبب ضربه ضررا بيئيا عظيما. وهذا هو السبب الذي جعل اسرائيل تضغط وجعل القوى العظمى الى الايرانيين أن يكفوا تماما عن الاستمرار في بناء المفاعل الذري في أراك.
قال غاري سيمور، الذي كان في الماضي مستشار اوباما في الشؤون الذرية، والذي جاء الى مؤتمر في اسرائيل في هذه الايام، قال في هذا الاسبوع إن الامريكيين آمنوا بأن اسرائيل ستهاجم في 2012. وخشي الامريكيون أن يفضي هذا الهجوم الى تدهور اقليمي يجرهم الى عمل عسكري لا يخدم مصالحهم. ولم يُعقهم ذلك احيانا عن استعمال السوط العسكري الاسرائيلي لتقوية التحالف الدولي والعقوبات على ايران ولاحداث شعور بالخوف عند الايرانيين.
حللوا في الادارة الامريكية دائما قدرات اسرائيل واستعدادها للهجوم على ايران. وعُرضت هناك اربعة سيناريوهات محتملة. الاول: الهجوم على منشأة ذرية واحدة – في أراك أو في بوشهر أو في مكان آخر. ولسلاح الجو الاسرائيلي تجربة ناجحة وقدرات جيدة حتى في هذا المدى لتنفيذ عملية نقطية كهذه. وله ايضا العلم والطائرات والتسليح الصحيح والقدرة الدفاعية التي تُمكن الطيارين من قدرة عالية على البقاء. بيد أن الهجوم على منشأة واحدة في ظروف ايران، كالهجوم على المفاعل الذري في العراق وسوريا، غير ذي موضوع لأن البنية التحتية الذرية الايرانية تشمل نحوا من ثماني منشآت تخصيب كبيرة متصلة باستخراج الوقود الذري، ونحوا من عشرة مختبرات من أنواع مختلفة ومناجم يورانيوم ونحوا من 50 ألف عامل.
إن الحديث عن بنية تحتية قومية لا عن منشأة واحدة. ولاحراز نجاح – حتى بدرجة 70 بالمئة – في القضاء على بنية تحتية من هذا النوع، يحتاج المخطط العسكري الى بناء عملية تدوم اسابيع تشمل هجمات وهجمات مكررة وتشمل سيطرة استخبارية جيدة جدا في الوقت المناسب ومع سلاح خاص يُمكن من القضاء على أهداف في داخل الارض. وهذا هو السيناريو الثاني الذي خططه الامريكيون وهو لا يلائم حجم سلاح الجو الاسرائيلي والجو الدولي. فليس الحديث هنا عن هجوم على مفاعل ذري واحد في العراق أو في سوريا، بل عن أهداف مدافَع عنها جيدا بمنظومات دفاع جوي كثيفة جدا. ويرى الامريكيون أن اسرائيل ليس لها حتى قدرة ادعاء الوصول الى عملية من هذا النوع، هذا الى أنهم يتحدثون طول الوقت عن أعداد كبيرة من المصابين – عند المهاجِم – في هجمات من هذا النوع. وما كان أحد ليدع اسرائيل تقوم بهذا القتال اسابيع طويلة، فوق ايران ايضا.
كان الامريكيون خائفين من السيناريو الثالث أكثر من كل شيء وهو الذي رأوه الأكثر واقعية بالنسبة لقدرات سلاح الجو الاسرائيلي، وهو “هجوم تحريك”. فالحديث عن هجوم على عدد قليل من الأهداف المهمة جدا للنظام الايراني أو للبنية التحتية الذرية يُحرك الازمة نحو حل سياسي تريده اسرائيل. وكان تقدير الوضع الامريكي أن عملية من هذا النوع – حتى قبل أن تحرك مسيرة سياسية – ستوجب على الولايات المتحدة أن تدخل الصورة العسكرية لمنع الايرانيين من انجاز عسكري يجعل التسوية السياسية غير مقبولة ويجعل المشروع الذري الايراني لا عودة عنه. والحديث في هذه الحال – بحسب السيناريو الامريكي – عن عملية عسكرية اسرائيل تستمر اربعة ايام حتى اسبوع وتشمل أمواجا متوالية من الهجمات في العمق. وخطر هجوم التحريك هذا هو أن يتدهور الوضع الى السيناريو الرابع وهو السيناريو الذي يشبه الكابوس عند حلف شمال الاطلسي وهو حرب شاملة لايران تفضي الى احتلال أجزاء منها واسقاط نظام الحكم.
لم تعِد الولايات المتحدة قط اسرائيل بازاء كل واحد من هذه السيناريوهات أن تمنحها “قدما سياسية مُنهية”. بل إن اسرائيل حتى بعد السيناريو الثاني وهو الضرب المحدود لأهداف لنظام الحكم أو لبنى تحتية ايرانية، قد تجد نفسها بعد بضعة ايام من هجوم ناجح على ايران بغير الجزء السياسي الذي كان يفترض أن تحركه الضربة العسكرية. ويصف كبار مسؤولي جهاز الامن في اسرائيل ذلك اليوم بلغة مغسولة بقولهم: لم ينشأ “الجو الاستراتيجي” الصحيح للهجوم، ولهذا لم يحدث ذلك في السنوات الست الاخيرة ولن يحدث ايضا في السنة القريبة في اثناء التفاوض.
الى جانب حكاية الوعد – الذي لم يوجد – بقدم امريكية سياسية مُنهية، نشأت في الشرق الاوسط حكاية اخرى مدنية تقول إن السعودية كانت مستعدة لمساعدة اسرائيل، ويشمل ذلك فتح سماء السعودية لطائرات هجوم اسرائيلية – وهو ما كان يمكن في ظاهر الامر أن يقلل التعلق بالتعاون مع الولايات المتحدة. وتُعرف جهات سياسية في اسرائيل هذه الانباء التي نشرت في الصحف البريطانية خصوصا بأنها “فلكلور اعلامي”.
نقل السعوديون طول جميع الاتصالات غير الرسمية بواسطة طرف ثالث، الى حكومة اسرائيل رسالة واحدة ثابتة وهي: نحن نعارض بكل قوة هجوما اسرائيليا على ايران. فقد أدرك السعوديون الامكانات العسكرية التي تواجه اسرائيل وقدروا – كما بينوا لاسرائيل ايضا – أن الهجوم سيجر المنطقة الى ورطة دامية. وقالوا أنه اذا حدث ضرر جزئي بالبرنامج الذري الايراني ايضا فان الهجوم سيفضي الى انهيار العقوبات وانهيار جبهة الدول الغربية في وجه ايران.
إن الازمة الذرية الايرانية طورت كما يبدو العلاقات بين اسرائيل والسعودية، لكن الهجوم الاسرائيلي على ايران ما كان قط قاسما مشتركا بين الدولتين. تحدثت السعودية واسرائيل عن صد التأثير الايراني الاقليمي، ووقف التآمر الايراني، ووقف نشر السلاح في المنطقة، والحفاظ على استقرار الحكم الاردني وصد الجهاد العالمي. بل إن السعوديين بينوا أنهم سيكونون مستعدين للخروج من الخزانة اذا حدث تقدم ما في التفاوض مع الفلسطينيين أو تناول ايجابي اسرائيلي للمبادرة السعودية المعروفة ايضا بأنها المبادرة العربية لتسوية اقليمية. إن ظهور الرئيس بيرس – ببث حي من القدس – أمام 29 وزير خارجية للدول العربية في أبو ظبي قبل نحو من اسبوعين يمكن أن يكون إظهار نية أول لاخراج العلاقات بين السعودية واسرائيل من الظلام الى النور.
إشارات الى خطط جديدة
إن التوجه الامريكي المصمم الى تسوية سياسية مع الايرانيين يعبر عن شعور الادارة الامريكية بأن ليس لاسرائيل خيار عسكري في مواجهة ايران. وإن التصريحات الغاضبة من الرئيس اوباما ووزير الخارجية الامريكي جون كيري ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الموجهة الى اسرائيل تقول في واقع الامر: كفوا عن التشويش، وكفوا عن التهديد فليس عندكم في الحقيقة سوط حقيقي. فقد نجحت اسرائيل في الردع وفي التأثير ما بقوا في العالم يؤمنون بأن عندها القدرة على الهجوم وارادة الهجوم. وانتهت هذه اللعبة اليوم، فما عادوا يؤمنون بها.
إن التوقيع على الاتفاق في جنيف وضع أمام اسرائيل حقيقتين استراتيجيتين جديدتين جوهريتين. الاولى أن الولايات المتحدة بدأت بعد ثلاثين سنة عداوة حوارا سياسيا مع ايران بغرض تطبيع العلاقات بين الدولتين. والثانية أن استراتيجية السوط الاسرائيلية الحالية فقدت معناها. وسواء أكان تهديد اسرائيلي حقيقي بالهجوم على ايران أو خدعة بُنيت لأجل الردع فقط، فقد انتهى ذلك. ويجب على اسرائيل الآن أن تستعد لهذا الوضع الجديد – في الصعيد العسكري وفي الصعيد السياسي ايضا.
أما في الصعيد السياسي فقد اتُخذ في اسرائيل قرار تقليل الاختلاف مع الولايات المتحدة وارسال رئيس مجلس الامن القومي يوسي كوهين الى الولايات المتحدة ليحاور الامريكيين هناك ولبذل كل ما يستطيع لدفع البرنامج الذري الايراني الى الوراء بقدر المستطاع وللتحقق من أن الشركات الغربية لا تجري للتوقيع على صفقات مع الايرانيين في المستقبل. وتريد اسرائيل الى ذلك أن تؤثر في مجلس النواب الامريكي كي يُهييء رزمة عقوبات اخرى تدخل حيز التنفيذ اذا لم يوجد اتفاق دائم مع ايران يرضيها.
وأما في المجال العسكري فان الاستعداد أكثر تعقيدا. فقد كان يفترض أن يكون الجيش مستعدا في ظاهر الامر حتى التوقيع على اتفاق جنيف لهجوم في كل وقت مع خضوع لقرار المستوى السياسي، وهو ما اقتضى نفقات كبيرة جدا على الاستعداد.
لن يوجد هجوم على ايران في السنة القريبة، ولهذا فان كل الاموال التي تحول للاستعداد يفترض أن تحول الى حاجات اخرى. ويجب على اسرائيل بازاء الظروف الجديدة أن تنشيء قدرة ردعية فعالة لا نظرية لأن الخطط التي تم اعدادها الى الآن فقدت كما يبدو جزءا كبيرا من صلتها بالواقع. فاذا فشلت المحادثات مع ايران فان القدرة العملياتية والردعية سترمي الى صد حصولها على القدرة الذرية. ومن الصحيح الى الآن أن اسرائيل ربحت سنة هادئة في مجال الاستعداد لايران. ويجب عليها في 2015 أن تعود مع قدرات مختلفة يمكن اظهارها لأجل الردع.
تظهر اشارات الى تلك القدرات في خطة العمل المفصلة التي وضعها رئيس هيئة الاركان بني غانتس للجيش الاسرائيلي في العقد القريب. ويتحدث رئيس هيئة الاركان في جملة ما يتحدث عنه عن تطوير قدرات في مجالات المعارك التي لا يشارك فيها بشر على اختلاف أنواعها. وهذه اشياء أصبحت موجودة في المختبرات فيجب أن يوجه المال الى هناك. ويتحدث رئيس هيئة الاركان في فصل آخر عن تقوية القدرة على “العمل في العمق”: في الاوقات العادية وفي الاوقات الطارئة وفي الحرب. ويقرر في نهاية الفقرة الرؤيا للجيش وهي “لا يوجد مكان بعيد جدا”.
يديعوت 6/12/2013
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق