السبت، 14 ديسمبر 2013
عن صفقة الترتيبات الأمنية>>>>علي بدوان
بُعيد ساعات قليلة من انتهاء زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة للأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً في اليوم الرابع من ديسمبر 2013 الجاري، باتت العديد من الملفات المُصاغة في كواليس الدبلوماسية السرية واضحة المعالم، وهي ملفات تحاول الادارة الأميركية تمريرها عبر صفقات جديدة على المسار التفاوضي الفلسطيني «الإسرائيلي» تحت عنوان «الترتيبات الأمنية في اطار عملية التسوية المتوقع ابرامها» بعد عدة شهور من انطلاقتها الأخيرة، في سياق ومنحى منهجي «إسرائيلي - أميركي» للهبوط بسقف قضايا المفاوضات ليصبح كل سقف جديد يجري التفاهم عليه هو مرجعية التعامل مع ما يسمى قضايا الحل النهائي في مسار عملية التسوية المختلة أصلا. وهو أمرٌ يمتد من قضية الأمن التي جرى بحثها والتوصل لورقتها الأخيرة بين «إسرائيل والولايات المتحدة» بمعزل عن الجانب الفلسطيني، وصولاً لإقرار تفاهمات ذات أهمية بالنسبة لباقي عناصر التسوية والمتعلقة باللاجئين والمياه والاقتصاد وغيرها.
اخراج موضوع المستعمرات من التداول
خطة «الترتيبات الأمنية» الأخيرة، كَشَفَتها على الفور مصادر سياسية «إسرائيلية» سربتها لجهات اعلامية صهيونية، وهي خطة ترتيبات أمنية أعدّتها وصاغتها الادارة الأميركية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال (دون الرجوع للطرف الفلسطيني أصلاً) في اطار ما يسمّى «التسوية الدائمة» كتقاطعات تم التوافق عليها من الوجهة الأميركية «نتيجة العمل الدؤوب الذي بذلته طوال الشهور الماضية» على حد تعبير البعض من المتنفذين في تلك الجهات، في تصريحاتهم لبعض الصحف العبرية الصادرة في تل أبيب قبل أيامٍ خلت.
وعند قراءة وتفحص ماتم تسريبه والتدقيق بمضامينه، نلحظ أن هذه الخطة المسماة بـ «الترتيبات الأمنية» تضرّ بمصالح الفلسطينيين وتتجاهل مطالبهم الوطنية العادلة، ولا تخدم الاّ أجندات الاحتلال الذي يُمعن يومياً في حصار الفلسطينيين، وتهجير أعداد اضافية منهم، وسرقة أراضيهم وتهويد مقدساتهم العربية الاسلامية والمسيحية. وهي ترتيبات تمس مسألة حدود العام 1967 أو (خط الهدنة) ليصبح وفق الترتيبات الأمنية المُقدمة والمصاغة أميركياً داخل حدود العام 1948 تحت مسمى تبادل الأراضي أكثر مما يستند خط الحدود (اياه) إلى الاقرار بحدود عام 1967 كمرجعية للحدود وفق منطق التفاوض المستند لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والتي قَبِلَ بها الفلسطينيون بالرغم من الاجحاف الكبير الذي تحمله لهم ولقضيتهم الوطنية وحقوقهم التاريخية.
فالترتيبات الأمنية الأميركية التي تم تسريبها مؤخراً، تدعو بصورة عملية لضم الكتل الاستيطانية التهويدية المقامة فوق أراضي سلسلة الجبال في الضفة الغربية ومحيط القدس الشرقية وداخل أحيائها وتوسيع تلك الكتل بما يضمن الحاق مستعمرات جديدة بها وهو ما قال عنه وزير الخارجية الاميركي جون كيري (في وقت سابق) ضمان بقاء (85 %) من المستعمرات والكتل الاستيطانية المقامة فوق أراضي من الضفة الغربية مع «إسرائيل»، وهذا يعني توسيع المفهوم السابق للتبادل حتى عما طرح في مفاوضات كامب ديفيد 2000 الشهيرة، وهو مايفسر أيضاً التسارع المحموم في عمليات التهويد وعطاءات الاستيطان خلال الشهور الماضية، والسعي «الإسرائيلي» لخلق تكتلات استيطانية وتوسيع عملية الربط بينها بالطرق الالتفافية العريضة، استناداً إلى التفاهمات «الإسرائيلية الأميركية» والتي بانت واضحة وصارخة في وضوحها عبر مشروع الترتيبات الأمنية الأخير.
وبلغة فصيحة وواضحة، ان مشروع ورقة «الترتيبات الأمنية» المُقدمة والمصاغة أميركياً قد أخرج عملياً وفعلياً موضوع المستعمرات المقامة فوق الأراضي المحتلة عام 1967 من التداول ومن اطار عملية التفاوض، وحصرت عملية التفاوض حول الحدود في اطار توسيع نسبة ضم أراضٍ اضافية خارج الكتل الاستيطانية، وذلك في حدود نسبة مئوية تتراوح بين (8 % و14 %) على الأقل من مساحة الضفة الغربية المحتلة عام 1967 عدا مناطق القدس الشرقية وأحياءها الداخلية، بالاضافة إلى السعي لابقاء منطقة الأغوار الفاصلة بين حدود الضفة الغربية والأردن، بقسمها الأكبر وبعض المرتفعات الغربية والقدس وجوارها تحت السيطرة الأمنية «الإسرائيلية» تحت دعاوى مختلفة منها (استئجارها لسنوات طويلة جداً) في اطار الترتيبات الأمنية بحيث لا تؤول فعلياً إلى السيادة الفلسطينية، وبالتالي التنصل من مرجعية قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، والاستناد بدلاً عنها إلى معطيات الأمر الواقع والهبوط بمعالجة مجمل قضايا المفاوضات حتى عما كان مطروحاً منذ مفاوضات كامب ديفيد 2000 والتي رفضها الطرف الفلسطيني بشخص الرئيس الراحل ياسر عرفات وقد دفع حياته ثمناً لموقفه هذا.
مجموعة «مارتن انديك» الصقرية
وبهذا، ان تلك الأفكار أو «الترتيبات الأمنية» وهي الصفقة المُراد تمريرها أميركياً والموافقة عليها «إسرائيلياً» جاءت على حساب مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني بحيث يجري غض النظر الأميركي عن الانتهاكات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية والقدس، وخاصة تلك المتصلة بالنشاطات الاستيطانية مقابل تهدئة الخلاف بين حكومة «إسرائيل» وادارة الرئيس باراك اوباما بشأن اتفاق جنيف الموقع بين إيران ومجموعة (5+1) حول الملف النووي الإيراني. هذه الخطة تضرّ بمصلحة شعبنا الفلسطيني ومقاومته ولا تخدم الاّ أجندات الاحتلال وسياساته.
وبالنتيجة، انّ الادارة الأميركية أثبتت في أكثر من محطة في مسار عملية التسوية المأزومة في المنطقة، عدم نزاهتها في التعامل مع القضية الفلسطينية وانحيازها الفاضح للاحتلال الصهيوني وسياساته، وما هذه الزيارات المتكرّرة لوفود الخارجية الأميركية بما فيها الزيارة الأخيرة للوزير جون كيري، الاّ للضغط على الطرف الفلسطيني المُفاوض دون غيره.
من هنا، ان سلوك الادارة الأميركية وموفديها للمفاوضات وعملية التسوية برئاسة الحالة الصقرية المتصهينة (مارتن انديك) لا يوحي بالثقة والنزاهة على امتداد أشهر المفاوضات التي انقضت منذ نهاية يوليو 2013 الجاري وحتى الآن، بقدر ما يؤكد مدى الانحياز الاميركي وتدني مصداقية التعهدات التي يقدمها الجانب الأميركي للطرف الفلسطيني، الأمر الذي يرفع من درجة القلق لدى الفلسطينيين من محاولات واشنطن استرضاء حكومة نتانياهو وكسب صمتها ولو مؤقتاً على اتفاق (5+1) مع إيران بتنازلات اضافية يقدمها الوزير الاميركي للجانب «الإسرائيلي» على حساب حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني.
وعليه، تبرز في هذا المقام أهمية التوقف الفلسطيني عن المضي في مسلسل التفاوض العبثي الذي لا طائل منه في ظل الاختلال الهائل على طاولة المفاوضات وغياب روافع الاسناد العربية والأممية المشغولة بملفات ما يجري من تعقيدات هائلة في المنطقة العربية عموماً، والشروع في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من خلال تنفيذ بنود ما تمّ التوافق عليه وطنياً بين جميع القوى الفلسطينية دون استثناء والتي تحاورت في القاهرة وتوصلت لمساحات واسعة من الاجماع الوطني الفلسطيني. فاستعادة العافية للجسد الفلسطيني أمرٌ لابد منه لافشال مذكرة التفاهم الأميركية المعنونة بـ «الترتيبات الأمنية».
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق