الجمعة، 6 ديسمبر 2013
حماس تستعد لنقل المعركة البرية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية
تشكل الأنفاق تحدياً نوعياً أمام "إسرائيل" في ميدان المواجهة مع التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة ، كونها خلقت بيئة جديدة للصراع بعيدة عن ميادين القتال الاعتيادية للجيش الإسرائيلي البرية والجوية والبحرية ، وحداثة الخبرة لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية في التعامل معها مما جعلها نقطة ضعف في إستراتيجية الدفاع الإسرائيلية.وتكمن الصعوبة في التعامل مع تحدي الأنفاق في اتساع رقعة انتشارها على طول الحدود بين قطاع غزة و"إسرائيل"، وقلة المعلومات الإستخبارية بشأن أماكن حفرها ومساراتها وأهدافها ، فضلاً عن تأخر المنظومة الأمنية في إيجاد حلول لهذه المعضلة ، وذلك وفقاً لما ذكر الخبير الجيولوجي "يوسي لنغوستكى" عقيد في الاحتياط وعنصر سابق في الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
وأوضح الخبير، أن جميع الحلول التي يعكف الجيش والمنظومة الأمنية على تجنيدها في مجال محاربة الأنفاق بما فيها الاستعانة بخبرات خارجية لن تكون مجدية ، وذلك حسب قوله: "لأنهم بدأوا متأخرين جداً وهم يقومون بذلك بعد أن (هربت الحصون من الإسطبل) كما يقول المثل الشعبي في إسرائيل ، وهناك أنفاق حفرت بالفعل منذ سنوات ولا نعلم عن وجودها وحتى أفضل أجهزة الكشف الجيوفيزيائية لن تستطيع الكشف عنها الان".
"لنغوستكى" بدأ التعامل مع موضوع الأنفاق منذ عام 2005 عندما كانت "إسرائيل" تسيطر على قطاع غزة , وذلك في أعقاب مقتل 14 جندي إسرائيلي في عمليات مختلفة على محور "صلاح الدين" الواقع بين قطاع غزة والحدود المصرية , وقبل عام من أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" من قبل التنظيمات الفلسطينية في القطاع.
ولفت الخبير الإسرائيلي أنه قبل حوالي ثمانية أعوام عندما كان "موشي يعلونِ" يشغل آنذاك منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دعاه لفحص الموضوع، فقال له وللجيش: "أصغوا جيداً , موضوع الأنفاق سيُشغلنا وسيلاحقنا سنوات طويلة إلى الأمام , ولن يتوقف الأمر عند محور صلاح الدين فقط وإنما سينتقل الأمر على طول حدود غلاف غزة وفي لبنان ، وأيضاً ربما علي حدود أخرى , نحن نتحدث عن موضوع مهني جداً".
الأنفاق نقطة ضعف في إستراتيجية الدفاع الإسرائيلية
وأوضح "لنغوسكتي" أن الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية يُقدرون أن حركة حماس حفرت أو في مراحل بناء عشرات الأنفاق من غزة وصولاُ إلى "إسرائيل" , وعملياً يمكن القول في كل ما يتعلق بالأنفاق أن الجيش الإسرائيلي "مازال يتلمس طريقه في الظلام" أو بعبارات مقنعة قل ليس لدى "إسرائيل" أي معلومات أين تُحفر تلك الأنفاق , وإلى أين تؤدي , لقد أصبحت هذه الأنفاق تتحول تدريجياً لنقطة الضعف في الدفاع عن "إسرائيل".
وأكد الخبير الإسرائيلي ، أن عملية الكشف الأخيرة عن النفق بالقرب من كيبوتس "العين الثالثة" والقصف الجوي لنفق أخر في جنوب القطاع يعاظم من هذه الحقيقة فقط , مشيراً أن النفق كان مثيراً للإعجاب ويُدلل على القدرة الهندسية المتطورة لعناصر حماس.
ونقل الخبير عن الناطق السابق باسم الجيش الإسرائيلي "يؤاف مردخاي" قوله أن النفق كان من أكثر الأنفاق المتطورة على الإطلاق التي يكشف عنها الجيش في غزة ، حيث يبلغ طوله كيلو ونصف المتر وبدايته من قرية "عبسان الصغيرة" الواقعة بين خانيونس والجدار الحدودي.
وفتحة الخروج للنفق التي تم الكشف عنها في أحد الحقول الزراعية ليس بعيداً عن كيبوتس "العين الثالثة" فقد كان مبُطن بجدران من الباطون سواء من الجوانب أو من السقف لمنع عمليات إنهيار الأتربة , وكانت فيه عدد من التفريعات , وانقسم إلى اتجاهات مختلفة، أيضاً بني فيها مساحات كبيرة نسبياً خُصصت لتخزين المواد الناسفة بكميات كبيرة , وأيضاً اُكتشف فيه عربات سكة حديدية ووسائل إنارة ومعدات هندسية للحفر، وكانت شهادة جنود الجيش الإسرائيلي الذين دخلوا إلى النفق مقلقة للقدرات الهندسية لعناصر حماس –وفقاً للخبير-.
إستراتيجية المواجهة الجديدة لحركة حماس
وأشار الخبير الجيولوجي الذي يعمل حالياً في القطاع المدني وأحد أكثر الأشخاص إنتقاداً للمنظومة الأمنية الإسرائيلية , بخصوص عجزها في موضوع الكشف عن الأنفاق ، أن للنفق عنصر مفاجأة دراماتيكي.
وقال " لنغوسكتي" إن بناء النفق من غزة في اتجاه المناطق الإسرائيلية مع التفريق بين الأنفاق بين غزة ومصر والتي في الأساس مخصصة للأهداف الإقتصادية ، تدلل على الإستراتيجية الجديدة التي تتبناها حركة حماس في السنوات الأخيرة كجزء من استخلاص العبر من المواجهتين السابقتين مع "إسرائيل" وهي عملية "الرصاص المصبوب" في عام 2010، وعملية "عامود السحاب" في عام 2012.
"الوسط التحت أرضي" هو المصطلح الجديد للأنفاق في اللغة العامية للجيش الإسرائيلي -كما ذكر الخبير- مشيراً أن حماس تبني أنفاق تحت أرضية متطورة وراسخة ومُموه جداً , يمكن من خلالها نقل مقاتلين مع معداتهم وأسلحتهم ، وعملية الحفر تتم بالإعتماد علي الخبرة التي تراكمت داخل غزة ، حيث يعمل فيها مئات العناصر الذين أصبحت لديهم خبرة كافية على مدى 15 عاماً الأخيرة , والذين أقاموا مئات الأنفاق.
وحسب تقديراته، حماس تعمل من خلال معلومات وخبرة جلبتها من الخارج في السنوات التي كان لها علاقات وطيدة مع إيران وحزب الله ، موضحاً أن خبراء من الحركة إجتازوا عمليات تأهيل لدى مهندسين إيرانيين وعناصر من حزب الله متخصصين في مجال التحصين التحت أرضي على غرار "المحميات الطبيعية" التي تم اكتشافها في حرب لبنان الثانية ، وهدف حماس هو إستخدام هذه الأنفاق ومفاجأة "إسرائيل" وخاصة من خلال تنفيذ هجمات عبرها.
حماس تستعد لنقل المعركة البرية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية
وحسب رأيه الأنفاق تشكل تهديد إستراتيجي على "إسرائيل" , وينبغي الأخذ بالحسبان أسوأ السيناريوهات التي تتمثل في قيام عناصر من حماس بالتسلل إلى أحد البلدات بالقرب من الحدود والقيام بخطف العشرات من سكان هذه البلدة وأخذهم إلى غزة إلى أماكن سرية جهزتها مسبقاً ، وحينها ماذا ستفعل إسرائيل؟ هل ستخرج في حرب على غزة وحينها سيقتل عشرات الجنود الإسرائيليين؟ وما الذي سيكون بعد تلك الحرب؟ .
وحول أهداف حفر الأنفاق، قال الخبير: يمكن التقدير أن قسم من هذه الأنفاق التي حفرتها حماس ليست فقط لتنفيذ عمليات أسر، بل أن الحركة تستعد لنقل المعركة البرية القادمة إلى داخل الأراضي الإسرائيلية , هذا بالإضافة طبعاً إلى الحلبة الجوية والتي تستغلها حماس جيداً من خلال إطلاق الصواريخ.
وأردف قائلاً: هناك على الأقل إستخدامين تقوم بهما حماس في هذه الأنفاق , الأول بناء تحصينات تحت أرضية عبارة عن "خنادق"، وأنفاق تواصل واتصال , ومواقع لإطلاق الصواريخ ، تُشابه التحصينات والخنادق التي بناها مهندسي حزب الله على الحدود مع "إسرائيل" إبان حرب 2006، أما الإستخدام الثاني فهو إقامة مخازن ذخيرة وورش تحت الأرض لإنتاج الصواريخ.
وقدر أن قرار قادة الحركة في الإعتماد على "الأنفاق" كميدان في الحرب القادمة هو بالتأكيد قرار منطقي ومفهوم , لان واضعي الإستراتيجية لدى حماس يعرفون أنهم سيجدون صعوبة في القتال أمام الجيش الإسرائيلي في البر والبحر والجو , فهذه الساحات يعاني فيها الفلسطينيين أمام التطور التكنولوجي الذي يمتلكه الجيش الإسرائيلي.
ومقابل المزايا المحدودة جداً التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي في الأنفاق، وهذه الإستراتيجية التي تتبعها حركة حماس خُصصت لتمكين الحركة من تحويل التفوق العسكري للجيش الإسرائيلي فوق الأرض أمام مقاومتها إلى أفضلية وميزة لصالحها تحت الأرض , وهذه الإستراتيجية تتميز بها العصابات المسلحة.
خلافات على إدارة ملف مواجهة الأنفاق داخل وزارة الدفاع
وكشف "لنغوسكتي" أنه أشار على يعلون زمن توليه رئاسة الأركان إقامة مديرية مقلصة تتخصص في متابعة موضوع الأنفاق وتعمل على بلورة خطط طوارئ , ودعاه إلى منح الموضوع أولوية قصوى ، واقترح على الجيش حلول تعتمد في أساسها على المجال (الجيوفيزياء الأرضية).
وقال أن فكرته كانت تتلخص في استخدام أجهزة كشف الزلازل والبحث عن النفط ، لان هؤلاء الأشخاص الذين يحفرون الأنفاق يشغلون معدات حفر تصدر ضجيج يمكن كشفه ، حيث كانت الحلول في متناول اليد وهذه الأجهزة كانت متوفرة منذ عشرات السنوات ، لكنهم لم يستمعوا لي ورغم أنني وافقت على العمل معهم تطوعاً لكنهم لم يلقوا لي بالاً ولماذا أنا لا أعرف؟" -على حد قول الخبير-.
وعاد الخبير وأجاب على تساؤله قائلاً : إن مديرية تطوير البنى التحتية والتكنولوجية والوسائل القتالية في وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي خافوا أن يأخذ أحداً منهم "طفلهم المُدلل" وهي الأنفاق , لأنهم لا يحبون أن ينافسهم أحد ويتصرفون في هذا المجال كشركة إحتكارية، لافتاً إلى أنه قدم ملف ضخم إلى مراقب الدولة في "إسرائيل", حول فشل إدارة المنظومة الأمنية في موضوع الأنفاق.
وذكر أن مراقب الدولة وبمساعدة لواء الأمن بقيادة الجنرال إحتياط "مندي أور" فحص الموضوع، وكتب تقرير شامل حول كيفية اتخاذ القرارات وإدارة المنظومات المختلفة للعملية، ومع ذلك يدور الحديث عن موضوع وحسب متخصصين من اللائق أن يتم فحصة من قبل مراقب الدولة , لكن المشكلة هي أن المسئول اليوم عن لواء الأمن في مكتب مراقب الدولة هو العميد إحتياط "بن هورين" والذي حل مكان الجنرال "مندي أور".
تجدر الإشارة هنا وفقاً للخبير، إلى أن أخ "بن هورين" هو العميد إحتياط "شموئيل كيرن" والذي كان يشغل حتى قبل عدة سنوات رئيس مديرية تطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية، هنا تساءل "لنغوتسكى" هل تريد من "بن هورين" اليوم أن يقوم بالتحقيق في فشل أخوه؟.
ومع ذلك لفت الخبير أن المنظومة الأمنية عادت قبل عامين وتبنت اقتراحه في مواجهة تحدي الأنفاق ، وحسب قوله إعترفت المنظومة الأمنية أن الحلول التي كان قد طرحها عليها في السابق, هي الحلول الوحيدة والمتاحة اليوم، وقد بدأوا بالتعاون المشترك للعمل ضد الأنفاق مع المعهد الجيوفيزيائي.
تصور الجيش الإسرائيلي لتهديد الأنفاق
وحول تصور الجيش لتهديد الأنفاق ، قال الخبير الجيولوجي ، أن هناك عدة أبعاد لهذا التصور منها البعد الإستخباري ، والأمن الجاري ، والتطوير التكنولوجي, وفي البعد الإستخباري الهدف هو الحصول من جميع وسائل جمع المعلومات الإستخبارية سواء من العملاء على الأرض , أو من خلال الصور الجوية , أو أبراج المراقبة , أو التنصت على الهواتف النقالة وشبكات الإتصال اللاسلكي أو الثابت ، عن نوايا وخطط حركة حماس أين تحفر وأين حفرت الأنفاق , وإلى أين تؤدي تلك الإنفاق , وما شابه.
وبخصوص الأمن الجاري ، فهناك الدوريات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على طول الحدود , حيث يقوم الجيش بإطلاع جنوده بأن يكونوا يقظين لكل تغير يحصل على وجه الأرض يُدلل ربما عن حفر نفق أو تواجده تحت الأرض، وإجراء تدريبات للقوات وخاصة الذين يعملون في المراقبة وتحديداً (المراقبات) على طول الحدود أن يكونوا بمثابة "العيون" في العمق , والعمل ليس فقط على مراقبة " غزة "، وإنما مراقبة أيضاً الأراضي الإسرائيلية من خلف الجدار الحدودي.
وفي شق التطوير التكنولوجي، فقد بدأت مديرية تطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية، بتطوير وسائل مختلفة بما في ذلك أجهزة كشف مخصصة للكشف عن الإنفاق , وأول مشروع من هذا النوع أطلق علي اسم (حارس الشاشة) وقد خصص هذا المشروع لتطوير ما يُشبه الجدار التحت أرضي, من خلال زرع ميكروفونات قادرة على إلتقاط الضوضاء والتحذير منها , لكن هذا المشروع فشل رغم أنه تم إستثمار أموال طائلة فيه.
ومن ثم انتقلت إلى مشروع ثاني والمتواجد حالياً في مراحل التطوير واحتمالات نجاحه جيدة يسمى (الرقم القوي) فقد ألقت المديرية المسئولية عن تطويره علي عاتق شركة " ألبيت" وبالتعاون مع شركة "رفائيل"، بالإضافة إلى شركات مدنية وخبراء متخصصين من معهد "التخنيون" في " حيفا" ، والفكرة الأساسية هي تطوير أجهزة كشف زلازل تدمج معها أيضاً عناصر أخرى يتم زرعها في باطن الأرض لإلتقاط الضوضاء.
إسرائيل تستعين بخبراء غربيين لمواجهة الأنفاق
وحسب الخبير تستعين المنظومة الأمنية اليوم للكشف عن الأنفاق أيضاً بخبراء غربيين ولديهم قدرات تكنولوجية خاصة في مجال التقاط الصور عبر الأقمار الصناعية , وضباط إستخبارات كبار كانوا قد زاروا "إسرائيل" في المدة الأخيرة.
ولفت الخبير في هذا الصدد إلى المساعدة التي تقدمها وزارة الدفاع الأمريكية "خاصة سلاح الهندسة الأمريكي" في المدة الأخيرة للجيش المصري لمحاربة الأنفاق بين غزة ومصر ، وتلقي مصر منحة أمريكية بمبلغ 30 مليون دولار لهذا الغرض, مشيراً أن هذا التعاون أثمر عن نتائج, فقد إستطاع الجيش المصري في الأشهر الأخيرة الكشف عن عشرات الأنفاق وقد ملأها بالمياه العادمة.
وأشار مصدر أمني إسرائيلي أن ظاهرة الأنفاق في النهاية هي بمثابة "سيف ذو حدين" وأنت تحت الأرض فأنت في الواقع تحفر "قبرك" بيدك ، أما في البعد التكتيكي فقد تكون هناك معوقات تتسبب في إبطاء عمليات حفر الأنفاق لأن حماس تستخدم ألاف الأطنان من الأسمنت التي قد يعيق الحصار المفروض على غزة إدخالها.
ويرى "لنغوتسكى" صورة الوضع على حدود إسرائيل كالتالي , هناك أبراج مراقبة , ومراقبات , ودوريات متنقلة على طول الحدود , وقصاصي أثر، لكن تحت الأرض نحن مُنكشفين لتسلل عناصر من حماس من خلال هذه الأنفاق, وتذكر الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية متأخراً جداً العمل على إيجاد حلول لهذه المشكلة , وحتى أفضل أجهزة الكشف لن تستطيع الكشف عنها الان.
ومن مكتب مراقب الدولة جاء الرد التالي عن هذه الإدعاءات، "موضوع الأنفاق في بُعده الواسع يتم فحصه الآن في مكتب مراقب الدولة كمرحلة مُسبقة لإحتمال أن يتم عملية إنتقاد لهذا الموضوع , وسيتخذ مراقب الدولة قراراً في الموضوع بالإعتماد على مجُمل الإعتبارات , ومن بينها سلم الأولويات للمواضيع الأمنية التي سيتم فحصها ومراقبتها في المنظومة الأمنية".
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق