الأحد، 2 فبراير 2014
خداع الصورة والتصور: حماس وحزب الله (2) ...ساري عرابي
لا تهدف هذه المقالة إلى الانتقاص من التاريخ المقاوم لحزب الله، ولكنها تهدف إلى تأكيد الحق في انتقاد حزب الله ككيان غير مقدس حتى وإن مارس المقاومة، إذ أنه لا يمكن لنا أن ندير حوارا معقولا وقابلاً للتبادلية ما كان هناك مقدس بشري مضروب حوله الحمى، كما لا يمكن البحث في المسألة الطائفية دون تناول كل أطرافها بلا استثناء، وإلا فإننا نكون إزاء عملية طائفية خالصة تهدف إلى التغطية على أحد الأطراف الطائفية فعلاً، وما لا يقل عن ذلك أهمية أن ثمة حاجة مبدئية في رفض جعل أي جماعة بشرية معيارا للصواب والخطأ، بحيث تصير الجريمة غاية الصواب والصحة إذ اقترفتها هذه الجماعة، وإلا فإن نتيجة هذا التنصيب لهذا المقدس هو الرضى بالعبودية له أو بوصايته علينا. وأخيرا فإنه لا بد من كشف عملية التضليل التي تتم باستخدام صورة الحزب المقاوم بهدف التغطية على خيارات سياسية أو إسقاط مخالفين سياسيين أو أيديولوجيين.
مثلاً؛ يمكننا رصد موقف فريق من اليسار العربي وبخاصة الفلسطيني، من كل من تدخل حزب الله في سوريا، وانقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، ففي الوقت الذي برر فيه هذا الفريق لحزب الله هذا التدخل الدموي السافر بحجة حماية المقاومة ورد "المؤامرة الكونية بأطرافها الأمريكية والصهيونية والخليجية... الخ، عن قلعة العروبة وعرين المقاومة والممانعة"، فإنه قد أيد انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، رغم توجه هذا الانقلاب مباشرة ومن اللحظة الأولى لحصار قطاع غزة وخنق المقاومة فيها بل والتلويح باحتمال توجيه ضربة لحركة حماس في غزة!
تبدو أسباب هذا الفريق مركبة، في القلب منها تصوير حزب الله كمجسد مطلق ونهائي للمقاومة، حتى أن هذا الفريق من المناصرين عجز عن إدراك تدرج حزب الله في تبرير تدخله، من النفي، إلى التبرير الطائفي (حماية مقام زينب)، إلى حماية المقاومة، وأخيرا الحرب على "التكفريين: الإرهابيين". فمع أن الأسباب التي قدمها حزب الله في بعضها متعارضة، من النفي إلى الإثبات، وإذ يتناغم أخيرا مع الدعاية الأمريكية في الحرب على الإرهاب منسجما مع تحولات إيران الأخيرة، كما أنه قدم أسبابا طائفية واضحة رافقها تعبئة طائفية لجمهوره ما يعزز بالضرورة الصراع الطائفي ويخلق وعيا طائفيا مشوها عماده الترويج لأكذوية المس بمقامات آل البيت، فإن هذا الفريق من المناصرين صدورا عن الإيمان الصادق، أو استغلال واع للصورة لم ير في ذلك كله إلا حماية للمقاومة!
بيد أن اتخاذ حماس مسافة من النظام السوري بعد الثورة السورية، وهيمنة مشاعر الحسد السياسي والحقد الأيديولوجي على اليسار العربي، دفعت هذا الفريق لتأييد السيسي في ذبح الإخوان المسلمين، وغض الطرف عن خنقه للمقاومة في قطاع غزة. فحركة حماس تغادر مربع المقاومة إن اختلفت مع "معيار المقاومة: حزب الله"! حتى لو كان حزب الله بالفعل كافا عن المقاومة، وكانت حماس بالفعل تمارس المقاومة، بل وأكثر من ذلك يتبنى هذا الفريق الذي برر تدخل حزب الله في سوريا دعاية سلطة الانقلاب المصرية التي تتهم حماس بالتدخل في مصر!
وللأسف فإن دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي وعدوانه على المقاومة في غزة؛ لا يقتصر على أنصار الحزب ممن هم خارج مجاله، فبعض الإعلام التابع للحزب أو الذي يدور في فلكه، مرئيا أو مطبوعا، لا يخفي تأييده للانقلاب المدعوم أمريكيا وخليجيا والذي يتجه للقضاء على المقاومة في غزة، حتى مع استمرار بعض الأطراف في الانقلاب في الدعاية التقليدية المعادية للحزب والموروثة من حقبة مبارك.
في الأزمة السورية اعتبر هذا الفريق الدعم القطري والسعودي لطرف في المعارضة السورية دليلاً على سقوط عدالة مطالب الجماهير التي حصدتها آلة النظام الباطشة في شوارع سوريا في أيام الثورة الأولى، وحتى قبل عسكرة الثورة السورية، بينما غض هذا الفريق النظر تماما عن الدور الخليجي السافر في دعم المعارضة المصرية ومن ثم تبني الانقلاب المصري دون مواربة بلا حجاب. فالدور الخليجي في الحالة السورية برهان على عمالة الثورة السورية، بينما ليست له أي دلالة سلبية في الحالة المصرية ما كان المستهدف من ذلك "الإخوان" الذين أيدوا بدورهم الثورة السورية!
وفي نفس السياق تأتي العلاقة بقطر، فحركة حماس لم تعيّر من طرف هذا الفريق بعلاقتها بقطر، إلا بعد تحول العلاقات بين قطر والمحور الذي يقع فيه حزب الله على إثر الثورة السورية. فالعلاقة بقطر وبأي طرف مشروعة طالما منحها حزب الله ومحوره المشروعية، ومشبوهة ما سحب عنها الحزب ومحوره المشروعية، ذلك أن علاقة حماس بقطر لم تكن بأحسن من علاقة حزب الله ومحوره بقطر حتى انفجار الثورة السورية!
الخطورة في هذا المثل واضحة من حيث تغطية المواقف السياسية بستار من المبادئ والمقولات المناهضة للاستعمار، فإقامة قطر لعلاقات دبلوماسية مع دولة العدو الصهيوني، ووجود قاعدة أمريكية فيها، لم يؤثر على استقبال أميرها السابق حمد استقبال الفاتحين في الضاحية الجنوبية لبيروت، بينما الاختلاف حول النظام السوري من بعد الثورة السورية، بمعنى الاختلاف مع اصطفاف حزب الله، سبب كاف كي يتذكر هذا الفريق فجأة القاعدة الأمريكية التي في قطر وعلاقتها بدولة العدو!
ما لا يقل عن ذلك مفارقة، استمرار هذا الفريق من اليسار، وللأسف من بعض الإسلاميين المرتبطين بإيران، في نفي صفة المقاومة عن حماس أو التشكيك باستمرارها على الخط المقاوم، والمسارعة في كل تهدئة بينها وبين العدو إلى التأكيد على خروجها النهائي من مربع المقاومة، بالرغم من أن أي تهدئة بين حماس والعدو الصهيوني لم تبلغ أقصر هدنة بين حزب الله والصهاينة. فآخر مواجهة بين الحزب ودولة العدو كانت قبل أكثر من سبع سنوات، بينما لم يمض على حرب "حجارة السجيل" بين حماس والاحتلال سنتان بعد، فلم يكن لينقضي عجبي حينما قال لي ذات مرة أحد الأصدقاء من محبي حزب الله في نقده لحماس أن هدنتها مع الاحتلال هي أطول هدنة في التاريخ!
إن الحرص على حزب الله كحزب مقاوم، وضرورة مواجهة الحالة الطائفية المتصاعدة، تتطلب منا نقد حزب الله تماما، كما أن أي كيان فاعل في مجالنا العربي والإسلامي خاضع للنقد والتحليل الصريح. وإن التعبير الصادق عن الحرص على المقاومة يتمثل في تخليصها من أسر أي نسق مغلق توضع فيه. فالمقاومة مثال هادي كما أي مثال نبيل نهتدي ونسترشد به ونسعى للاستنارة بضوئه على طريقنا، دون أن نتمكن من امتلاكه نهائيا أو ادعاء تجسيده المطلق أو الحديث باسمه، فبهذا فقط نحرر المقاومة من تحميلها أخطاءنا وأهواءنا ومصالحنا، ونحميها من أن تستخدم غطاء لمشاريعنا الخاصة ومصالحنا الضيقة بمعزل عن مصلحة عموم الأمة، ومن أن تستخدم أداة لتصفية الحساب مع قوى تهتدي وتسترشد بالمقاومة. بمعنى أن هذا النقد ضروري لإحقاق العدالة حينما يفضح المعايير المزدوجة، ولتخليص المقاومة من عملية اغتصاب بشعة ومستمرة، وحمايتها من الجور عليها وعلى الحقيقة باسمها وباسم الحقيقة!
ملاحظة ختامية؛ كنت أود الاكتفاء ببعض ما تعرض له الجزء الأول من هذه المقالة من نقد على صفحتي على الفيسبوك كشاهد على صحة ادعائي، فتلك التعقيبات الناقدة للمقالة تجاوزت تماما عن كل ما هو مكتوب فيها، لمناقشة الكاتب فيما لم يقله أبدا، مشكّلة مفارقة لافتة، إذ أنها أكدت مقالتي من حيث أرادت نقضها، ولكني آثرت أخيرا أن يأتي تمام المقالة كما خطط له تقريبا، وإن كانت تلك الحوارات تصلح للعرض كشواهد في مقالة مستقلة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق