بعد عام على عملية عمود السحاب، الهدوء على الحُدود مع غزة مستمرّ. ووفقًا ليوسي كوبرفاسر، المدير العامّ لوزارة الشؤون الاستراتيجية، فإنّ ثلاثة عوامل أسهمت في الحفاظ على التهدئة: أوّلًا، نجحت إسرائيل في الحفاظ على الردع أمام حماس. حتّى بداية العمليّة، اعتقدت حماس خطأً أنّ إسرائيل ستمتنع عن الردّ على نشاطاتها، ولكنّ كفة موازين القوى الآن تميل لصالح إسرائيل بوضوح. "نجحنا في ترميم قوة الردع أمام حماس. نجحنا في إبلاغ المنظمات الإرهابية في قطاع غزة رسالةً مفادها أننا قادرون على إلحاق الأذى بها، ولن نجلس مكتوفي الأيدي"، قال كوبرفاسر.
ثانيًا، يظنّ كوبرفاسر أنّ إسرائيل نجحت في قراءة الخارطة الإقليمية واستغلال ذلك لصالحِها. فحتى خلال العمليّة، لعبت مصر مرسي دورًا مهمًّا في تهدئة الوضع في غزة. والآن، بعد انتقال السلطة، فإنّ مصلحة مصر في الهدوء أضحت أكبر. "يبذل المصريون اليوم جهودًا دؤوبةً أكثر في إحباط نقل وسائل قتاليّة إلى قطاع غزة، لأنّ من الواضح اليوم أنّ الحفاظ على الهدوء هو مصلحة معظم العناصر الإقليمية"، يوضح كوبرفاسر.
وتتجلى مصلحة مصر في الحفاظ على الهدوء والاستقرار، على سبيل المثال، في عدد الأنفاق التي دمّرها المصريون في آخر سنة، والتي تناهز الـ 500، وفقًا لكوبرفاسر. بالتباين، بقيت العلاقات بين حماس والإخوان المسلمين وثيقة، ويُفترَض في مصر أنّ ثمة تعاونًا وثيقًا بين الجانبَين.
أمّا العنصر الثالث الذي ساهم في تثبيت الهدوء، وفقًا لكوبرفاسر، فهو الإمكانية التي أعطتها إسرائيل لحماس للتفاخُر بإنجازاتها عقب انتهاء العمليّة: توسيع مساحات الصّيد في غزة، والسماح للفلّاحين بالعمل في الأراضي في المناطق المجاورة للجدار الحدوديّ. يقول: "أردنا أن يتمكن الجانب الآخر أيضًا من القول: "أحرزنا شيئًا"، أن يكون لديهم حافز للحفاظ على التهدئة".
وفقًا لكوبرفاسر، فإنّ وضع حماس أكثر تعقيدًا ممّا كان عليه قبل عام، نتيجةً لالتزامها عدم التصعيد مجدّدًا ضدّ إسرائيل. قاد هذا الالتزامُ حماس إلى ما يدعوه كوبرفاسر "أزمة هويّة" في مواجهة التنظيمات الأخرى العاملة في القطاع. أمّا العامل الآخر الذي يجعل حياة حماس أصعب فهو التطورات التي حدثت في السنة الماضية في الشرق الأوسط: "فقدوا سوريا، تغيّرت علاقاتهم مع إيران، وقبل كل شيء - فقدوا مصر". حسب تعبيره، أثّرت التغييرات السياسية في الشرق الأوسط بقوة في وضع حماس، مضيّقةً الهامش أمامها: "الأمر الوحيد الباقي لهم هو حُكم غزة، وهم لا يريدون أن يعرّضوا ذلك للخطر حاليًّا".
مع ذلك، يحذّر كوبرفاسر من أنه لا مكان للتفاؤل الإسرائيلي المفرط بشأن حماس: "لا تزال حماس تنظيمًا إرهابيًّا. إنها ملتزمة بإبادة دولة إسرائيل وبالأعمال الإرهابية. علينا مواصلة فتح عينَينا يوميًّا على ضوء ما يحدث في قطاع غزة".
وفق كوبرفاسر، طرأت تغيّرات أخرى في قطاع غزة نفسه منذ انتهاء العمليّة قبل سنة. تتعاظم مساعي تسلّح حماس، خاصةً على ضوء التغيّرات الاستراتيجيّة الحاصلة في مصر: "إنهم يواصلون التسلُّح. صحيح أنهم يواجهون صعوبات كبيرة في نقل أسلحة جاهزة إلى داخل القطاع، لكنّ مساعيهم لتصنيع سلاح محليًّا تتزايد. يُمنع الازدراء بهذه القُدرات". إلى جانب ذلك، تركّز حماس جهودها على حفر أنفاق، كما كُشف الأسبوع الماضي. "يدلّ حجم هذه المساعي في حفر أنفاق لتنفيذ عمليات إرهابية استراتيجية على أنّ حماس لا تجلس بهدوء. يظهر ذلك أنّ تنفيذ عمليات إرهابية يحتلّ مكانة متقدمة على سلّم أولويات حماس". ومن المؤشرات الأخرى على زيادة القوة الاستراتيجية لحماس حيازتها صواريخ من طراز M-75 يبلغ مداها 70 كيلومترًا. مع ذلك، ورغم مساعي التسليح، يعتقد كوبرفاسر أنّ حماس لم تستعِد مخزونها من السلاح الذي فقدته في القِتال.
أمّا النزعة الأخرى التي كانت واضحة العام الماضي فهي تعاظُم قوة التنظيمات الجهادية وتمركُزها في غزة. فوفق كوبرفاسر، تعمل تنظيمات جهادية راديكالية أخرى على محور غزة - سيناء، ما يرفع منسوب القلق، سواء الإسرائيلي أو المصري.
حسب الظاهر، تبدو سيطرة حماس على السكّان ثابتة. لكن وراء الكواليس، تصبح مؤشرات الاهتياج محسوسة أكثر فأكثر. "لا تُتوقّع حاليًّا حركة "تمرُّد" في غزة مماثلة لحركة "تمرُّد" المصريّة. ستقمع حماس بذلك دون شفقة". وأضاف كوبرفاسر: "لكنّ السكّان الآن ليسوا راضين أبدًا عمّا يجري". على ضوء ذلك، تحاول حماس التأكيد للسكّان أنها ما زالت ملتزمة بخطّها الأيديولوجي، وتزيد نشاطاتها التحريضيّة. رغم الاحتكاك المتزايد بين حماس والمواطنين الغزّيين، لا يظنّ كوبرفاسر أنّ سيطرة حماس في خطر حاليًّا. ورغم الصعوبات الكبيرة التي يعيشها المواطنون في غزة فيما يتعلق بنقص موادّ البناء، الكهرباء، والغذاء، تختار حماس استثمار مواردها في البنى التحتية الإرهابية الاستراتيجية دون قُيود.
على خلفيّة ما يجري في سوريا ودعم نظام بشّار الأسد، ظلّت العلاقات بين حماس وإيران جيدة، ولكن ليس كما كانت. فقيادة الحركة في الخارج لا تزال ملتزمة بالشأن السوري، خلافًا للناشطين في القطاع المعنيّين بتحسين العلاقات مع إيران لضمان تدفّق الأموال. لكن وفقًا لكوبرفاسر، لا يُتوقّع أن تؤثر التغييرات السياسية في إيران على العلاقات بين إيران وحماس. "دعم الإرهاب في شتى أنحاء العالم هو بين يدَي الحرس الثوري. وهو لم يتغيّر إطلاقًا، ويواصل العمل بنفس الحماس والالتزام اللذَين تميّز بهما في الماضي. يمكن للقيادة السياسية أن تقول ما تشاء - لكنها ليست ذات تأثير من جهة فيلق القُدس. يمنح خامنئي فيلق القُدس حريّة حركة، فهو القائد، ومن هذه الناحية لا تغييرَ".
حسب قوله، لا يؤثّر وصول حسن روحاني إلى السلطة في رعاية إيران للإرهاب. "هل يعجب هذا روحاني؟ لا يبدو لي أنّ كل هذا يهمه، فهو يريد أن يبتسم العالم له". بشكل عامّ، ينصح كوبرفاسر بعدم تعليق آمال كبيرة على إيران: "ثمة فارق بين الخطاب العذب والساحر لإيران وبين ما تفكّر فيه. فهم لا يزالون يريدون تطوير سلاح نووي، يريدون التأثير في الشؤون الداخلية للدُّوَل، ويريدون دعم الإرهاب ضدّ إسرائيل - طريقة التفكير عينها".
نقلا عن "المصدر"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق