الجمعة، 17 سبتمبر 2010

ممنوع التخوين! .. عبد الستار قاسم


منذ زمن، بل ومنذ توقيع اتفاقية أوسلو وشعار لا يجوز التخوين يرتفع، والهجمة ضد كل من يتهم آخرين بالخيانة تتسع وتتمدد. وقد حول العديد مسألة الاتهام بالتخوين إلى قضية أخلاقية على اعتبار أن من يصف الآخرين بالتخوين عبارة عن شخص مهووس ومغامر، ولا يعرف احترام الرأي الآخر ولا يحترم مبادئ الدمقراطية والحرية.

وقد تبنى هذا الموقف عدد من المثقفين العرب الموالين للأنظمة العربية والمؤيدين للسياسات الأمريكية في المنطقة والمدافعين عن نهج المفاوضات مع الكيان الصهيوني، وعن اتفاقيات الصلح والسلام والتطبيع. وقد بات واضحا أن هؤلاء الذين تستفزهم مسألة التخوين هم أنفسهم الذين باتوا يقبلون بإسرائيل ويتهاونون بالحقوق الفلسطينية ويتعاونون بطريقة أو بأخرى مع إسرائيل.

العديد من هؤلاء الذين تستفزهم عبارات التخوين كانوا يستسهلون تخوين الآخرين، ولم يكن يردعهم شيء عن وصف الآخرين بالجاسوسية والتعاون مع العدو الصهيوني. هؤلاء أنفسهم لم يكونوا يتقبلون نقدا لا لفتح ولا لمنظمة التحرير ولا لأي شخصية قيادية فلسطينية، ولا لأي نهج أو قرارات فلسطينية. كانوا يفتحون بوابات التخوين بسهولة ضد أي شخص يأتي على ذكر عرفات بنقد أو لسياساته بعدم ارتياح، أو أن ينبس ببنت شفة ضد نهجهم في السياسات الداخلية أو الخارجية. هؤلاء أنفسهم عملوا على تشويه صور آلاف الناس والأشخاص المحترمين لا لسبب إلا لأنهم كانوا يشعرون بالغيرة على فلسطين وشعبها المشتت في كل مكان، أو كانوا ينتقدون سياسات منظمة التحرير وقرارات المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

لم يكن يتردد هؤلاء باتهام من يبتسم ليهودي عن بعد كيلومتر بالخيانة، ولم ينج إطلاقا من تخوينهم من كان يقابل صهاينة سواء كانوا سياسيين أو أساتذة جامعات أو محامين، أو من كان يقيم علاقة مع يهودي لا علاقة له بالسياسة أو الأمن. كان مجرد التفكير بالحكم الذاتي عبارة عن خيانة عظمى، وقد هددت القيادات الفلسطينية مرارا وتكرارا كل من يقبل بالحكم الذاتي، واعتبرته خائنا يستحق القتل، وخونت كل من يفكر بالاعتراف بقرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، وكل من يقبل بقرار مجلس الأمن 242، الخ.

كان من السهل نعت معارضين أو منتقدين بالجواسيس، وكان يتم تعميم النعت على مساحة فلسطين من أجل إخراج الشخص المعني من ملة الوطنيين. وقد استعمل هذا السلاح من أجل إسكات الآخرين وإبقاء الساحة خالية لهم يصولون ويجولون كيفما شاؤوا. وأخذا بعادات وتقاليد لا تكترث بالبحث والتدقيق، كان المجتمع يتجاوب مع الشائعات، ولم يكن يرحم من تثور ضده شبهة، أو تحوم حوله شائعة.

جدلية التخوين ارتدت بقوة ضد الذين كانوا يستعملونها بدون تردد وبدون ضمير، فأخذوا يهاجمونها بقوة على اعتبار أنها نوع من الفساد والإفساد، وأسلوب يؤدي إلى التفسخ الاجتماعي. وهنا أسأل:

هل الذي يوقع اتفاقا مع إسرائيل خائن أم لا؟
هل الذي يعتنرف بإسرائيل خائن أم لا؟
هل التنسيق الأمني مع إسرائيل خيانة أم لا؟
هل التطبيع مع إسرائيل خيانة أم لا؟
هل ملاحقة ما يسمى بالإرهاب والإرهابيين خيانة أم لا؟
هل السعي إلى تفكيك خلايا المقاومة خيانة أم لا؟

أنا أطلب إجابة من أبطال التخوين اذين كانوا قد نصبوا أنفسهم حكاما على وطنية الناس. ما الذي يجعل الآخرين خونة، بينما تبقون أنتم وطنيين تحت كل الظروف والأحوال؟ إذا لم تكن هذه الأعمال خيانة، فماذا نسميها؟ نريد إجابة منكم حول تسميتها، وحول ما يمكن أن نعتبره الآن خيانة. ما هي الخيانة الآن، ومن هو الخائن؟

القضاء الثوري الفلسطيني


أجاب القضاء الثوري لمنظمة التنحرير الفلسطينية على بعض الأسئلة أعلاه. هناك نصوص كثيرة في مجموعة التشريعات الجزائية المنبثقة عن القضاء الثوري الفلسطيني والتي ما زالت في الخدمة حتى الآن، أي ما زال معمولا بها حتى الآن من قبل منظمة التحرير الفلسطينية. وقد سبق للسلطة الفلسطينية أن حاكمت بعض عناصر فتح بعد سيطرة حماس على قطاع غزة بناء على هذه التشريعات. أورد هنا بعض النصوص الواردة تحت عنوان "الجرائم التي تقع على أمن الثورة الخارجي":

مادة 130: يعاقب بالإعدام كل من حمل السلاح على الثورة الفلسطينية أو التحق بأي وجه كان بقوات العدو المسلحة."
وهنا أسأل عن حكم الشخص الذي يحمل السلاح وفقا لاتفاقيتي أوسلو وطابا بترخيص من العدو ووفق قاعدة ملاحقة الإرهاب المنصوص عليها بالاتفاقيتين؟

مادة 131: يعاقب بالإعدام كل من:
أ‌- سعى لدى دولة أو جهة معادية للثورة أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها للقيام بأعمال عدوانية ضد الثورة.
ب‌-سعى لدى دولة أجنبية معادية أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها لمعاونتها في عملياتها الحربية أو للإضرار بالعمليات الحربية للثورة الفلسطينية.

مادة 132: يعاقب بالإعدام كل من دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته على الثورة الفلسطينية.

مادة 133: يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل من دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى العدوان ضد الثورة أو ليوفر الوسائل إلى ذلك وإذا أفضى عمله إلى نتيجة عوقب بالإعدام.

مادة 134: يعاقب بالإعدام كل من أقدم بأية وسيلة كانت على الإضرار بالمنشآت والمصانع والبواخر والمركبات والأدوات والذخائر والأسلحة والمؤن وسبل المواصلات وبصورة عامة أي شيء ذي طابع عسكري أو معد لاستعمال قوات الثورة أو القوات الحليفة.

ماد 136: يعاقب بالإعلام كل من أتلف أو عيب أو عطل عمدا أسلحة أو سفنا أو طائرات أو مهمات أو منشآت أو وسائل أو مواصلات أو مرافق عامة أو ذخائر أو مؤنا أو أدوية أو غير ذلك مما أعد للدفاع عن الثورة أو مما يستعمل في ذلك.
ويعاقب بالإعدام كل من أساء عمدا صنعها أو إصلاحها وكل من أتى عمدا عملا من شأنه أن يجعلها غير صالحة ولو مؤقتا للانتفاع بها فيما أعدت له أو أن ينشأ عنها حادث.

مادة 137: يعاقب بالإعدام كل آمر أو قائد سلم إلى العدو الموقع الموكول إليه دون أن يستنفذ جميع وسائل الدفاع لديه وبدون أن يعمل بكل ما يأمر به الواجب والشرف.

مادة 138: يعاقب بالإعدام كل قائد وحدة مسلحة يسلم في ساحة القتال إذا أدى ذلك إلى وقف القتال أو إذا لم يعمل قبل مخابرة العدو بكل ما يأمر به الواجب والشرف.

مادة 139: يعاقب بالإعدام كل آمر استعمل أية وسيلة إرغام أي قائد أو شخص آخر على أن يهجر أو يسلم بصورة شائنة أي حصن أو مكان أو نقطة أو مخفر مما هو مترتب على ذلك القائد أو الشخص الآخر الدفاع عنه.

مادة 140: يعاقب بالإعدام كل فرد:
أ‌- ألقى سلاحه أو ذخيرته أو عدته بصورة شائنة أمام العدو.
ب‌-تخابر مع العدو أو أعطاه أخبارا بصورة تنطوي على الخيانة أو أرسل إلى العدو راية المهادنة عن خيانة أو جبن.
ت‌-أمد العدو بالأسلحة أو الذخيرة أو المؤن أو آوى أو أجار عدوا ليس بأسير وهو يعلم أمره.
ث‌-قام عن علم منه أثناء وجوده بالخدمة بأي عمل من شأنه أن يعرض للخطر نجاح أية عمليات تقوم بها قوات الثورة أو أية قوات من القوات الحليفة.

هل من الممكن أن نعتبر كل فلسطيني يقوم بأي عمل مشين من الأعمال المنصوص عليها أعلاه خائنا خيانة عظمى؟ من الذي كتب هذه النصوص وما زال يتمسك بها؟ بالتأكيد لست أنا، وليس القرضاوي أو عبد الباري عطوان أو اسماعيل هنية أو حسن نصر الله، وإنما ذلك الذي تشتعل في رأسه النار كلما سمع كلمة خيانة.

البنادق في الضفة.. فلمن تقرع الأجراس في واشنطن؟../ نصري الصايغ


1- إفطار على وقع.. الرصاص

القاعة مجهزة بما يليق من الأطعمة. «الكاشير» فريضة واجبة. الحلال يملأ المائدة الحرام... ذلك أن القيادة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، أفتت بضرورة إقامة حلف «الخبز والملح»، بين شعب الخبز المختار من اليهود المحتلين، وبين شعب الملح الذي يشبه الجرح وأوجاعه.

لم يكن قد اكتمل نصاب الطعام والكلام بعد.. المرافقون «للصائمين الكبار» والمضيفين من ضباط الرتب العالية والأرقام القياسية في القتل، استهولوا ما حدث: لأول مرة، بعد أزمنة القحط النضالي، يتعرض أربعة مستوطنين إسرائيليين لعلمية إطلاق نار... نقل المرافقون الخبر، عبر أوراق صغيرة، دست أمام صحون المفطرين على مائدة الزور. وتوقف المضغ اللذيذ، وحلت محله لذعة المفاجأة: عرب يقتلون يهوداً، فلسطينيون يقتلون إسرائيليين... عليك أن تتصور المشهد. كيف نظر الضباط الإسرائيليون إلى «زملائهم» الفلسطينيين أبناء العم الجنرال دايتون. عليك أن ترى الحقد والغضب والرغبة في الانتقام... ثم عليك أن تنظر إلى «مساكين الضباط الفلسطينيين»، كيف لاذوا بالخجل والندم وباحوا بالاستنكار وطلب المغفرة... عليك أن تقرأ من خلال هذا الإفطار الرمضاني ـ الأسرائيلي، ان ما يجري في واشنطن، وما يحضر له في المفاوضات، يشبه ما يحدث على طاولة الطعام. غير أن المشهد خارج غرفة الوليمة الرمضانية، وغرف المفاوضات، كان ينفتح على أفق آخر: أفق تجديد الأمل بالمقاومة. وما قيل ان العملية جاءت لتضع العصي في دواليب المفاوضات، ليس إلا من نافل الأقوال وسخيفها... عملية المقاومة، أعادت العلاقة بين الإسرائيلي والفلسطيني إلى جوهر المعادلة السليمة، المقاومة في مواجهة الاحتلال، خاصة أنه ثبت بالتكليف الدموي، أن إسرائيل تجتاح فلسطين تهويداً وتقسيماً وتدميراً وتدنيساً، والمفاوض الفلسطيني، ليس من حقه أن يشكو، ولو بصوت منخفض. الرصاص أكثر إنباءً من عباس.

2- أربعة شعوب فلسطينية

ينعون المفاوضات، قبل حصولها، فماذا سيقال بعد تمرين جديد على الفشل؟ ليس مهماً ما سيقوله المفاوض الفلسطيني، فلو طلب الحدود الدنيا، فسيواجه بأنه يطلب المستحيل. وبعد ذلك، ليس في يده أوراق ولا قوة ولا رصاصة واحدة يهدد بها. المفاوض الفلسطيني ذاهب كمهزوم. إذا وقّع خسر، وإذا لم يوقع عوقب، وستكون خسائره في عدم التوقيع وبالاً عليه وعلى شعبه. منذ سنوات وأنا أتابع مجموعة من المفكرين اليهود الذين آمنوا ذات عقود، أن الصهيونية حلمهم الإنساني والقومي والفردي ـ من هؤلاء، المفكر ميرون بنفنستي.

يرى ميرون أن أفق الحلول مسدود: «لا مكان في فلسطين لدولتين ذات سيادتين متساويتين بين الأردن والمتوسط.. عمر الصراع مئة وثلاثون عاماً، على أرض يعتبر الإسرائيلي والفلسطيني أنها له. التقسيم الوحيد الممكن (!) هو تقسيم مفروض بقوة الأقوى. وهذا ما يطمح إليه نتنياهو: تجمعات متجانسة إتنياً متباعدة ومقسمة فوق الجغرافيا، وتعطى اسم دولة. ولكن، هذا التقسيم لا يعود إلا مسخاً لشكل «البانتوستانات» في جنوب أفريقيا، في زمن التمييز العنصري».

وعليه يقول ميرون بنفنستي إن عملية السلام هي عوم فوق الستاتوكو. «لا تقدم حلاً، لكنها تقدم وهماً». من يستطيع أن يعتبر أن إسرائيل اليوم هي في اليوم السابع من حرب الأيام الستة؟ من يمكنه أن يتصور، أن الإسرائيلي يمكن أن يعود إلى الوراء كما لو أن ثلاثة وأربعين عاماً لم تمر على حرب حزيران. من يمكنه أن لا يلتفت إلى عشرات مليارات الدولارات قد أنفقت في الضفة الغربية، من أجل إقامة البنى التحتية للمستوطنات؟ ويضيف بنفنستي: أخشى أن نكون شهوداً على آخر أيام الحركة الوطنية الفلسطينية، انها في حالة النزاع الأخير.

لقد نجحت إسرائيل في تجزئة الشعب الفلسطيني إلى أربع مجموعات: 1ـ فلسطينيو إسرائيل. 2ـ فلسطينيو الضفة الغربية. 3ـ فلسطينيو قطاع غزة. 4ـ فلسطينيو الشتات. وكل مجموعة تخضع لأجندة مختلفة عن الأخرى. وهذا ما يجعل الفلسطينيين يلعبون لعبة إسرائيل. أي ان محمود عباس، عندما يتحدث في واشنطن، فإن نتنياهو ينظر اليه، كمندوب ضعيف، عن الضفة فقط. فهو لا يمثل فلسطينيي غزة أو فلسطينيي «إسرائيل» أو الشتات... هو ليس بصفته ممثلا للشعب الفلسطيني، ولا هو ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولعل نتنياهو يفضل أن يكون شريكه في الحل، سلام فياض. اذ يعتقد هذا الأخير أن باستطاعته إقامة دولة على 60% من الأراضي في الضفة ويرضى بذلك، حيث يصرف جهوده إلى تحسين وضع الفلسطيني، بدل رميه في القليل المستحيل.

3- الفوضي أفضل من السلطة


لم تعد السلطة الفلسطينية حارسة لأبواب فلسطين. هي ملتزمة باتفاقات موقعة، بحراسة الأبواب الإسرائيلية، والإسرائيليين الذين يتنقلون خارج أبوابها أيضا. لذلك، وكان الإفطار لمّا ينتهِ بعد، قامت السلطة، بأوامر عسكرية ـ أمنية مشددة، باعتقال عشوائي لأكثر من 250 ناشطا فلسطينيا. وتم إبلاغ من يعنيهم الأمر، أن التحقيق سيصل إلى خواتيمه. وسيلقى القبض على السيارة والفاعلين، ليطمئن قلب نتنياهو، ويطمئن لسان أبو مازن، ويزول الخوف عن أنظمة العجز العربية.

سلطة هذه وظيفتها، لم تعد تشبه سلطة رئيس بلدية ما، أو مختار ما. هي سلطة تنفذ ما يشترطه العدو... وتحديداً، لالتزام أمنه. والتزام الأمن يعني: ليس نزع السلاح فقط، بل السهر المخابراتي المكثف، على الطريقة العربية، لمنع كل من يمت إلى المقاومة بصلة الزناد. هذه سلطة يليق بها أن تبقى في واشنطن، وأن يصار الى حلها وحل مؤسساتها. وبذلك ينفتح المشهد الفلسطيني على الفوضى. لماذا؟ يقول بنفنستي، إن السلطة من دون أموال الدعم الغربية، تسقط بسهولة. أوروبا وأميركا مصرة على الدعم المالي للسلطة، وذلك لمصلحة إسرائيل، وليس لمصلحة الفلسطينيين. إذ، عندما يتوقف الدعم الغربي، فإن السلطة ستسقط، وسينفجر الوضع في وجه الاحتلال والمستوطنين. إن «شعب الانتفاضتين»، لن ينتفض مرة اخرى، وكثير من شرائحه تعوّل على الدور الاقتصادي والدخول في لعبته، خصوصاً أن الوضع النفسي للفلسطينيين، سليل لسياسة انعدام الأفق. الفلسطيني في الضفة، بات بلا أيديولوجيا. ومن دون أيديولوجيا ينعدم النضال وتتجمد الحركة. الأيديولوجيا الدينية تخبئ خلاياها، ليوم الأمل، الذي انفجر في رام الله...

إذا أسقطت السلطة، فسيتوقف الدعم، وسيخرج الفلسطيني شاهراً عنفه وسلاحه وأمله: لا حياة مع الاحتلال. ويصح عندها، ما كتبه المفكّر أحمد برقاوي (راجع مقالته في الصفحة 18 من هذا العدد) ان كلفة إزالة إسرائيل، أقل من كلفة التفاوض معها، واستطراداً، ان كلفة المقاومة أقل بكثير من كلفة التعامل معها. إن لحظة سقوط السلطة الفلسطينية، ستكون لحظة مصيرية في تاريخ الأمة. وان سقوطها بات ضروريا، لأنها لم تعد قادرة على صد الضرر الإسرائيلي عن الشعب، ولأنها باتت الى جانب إسرائيل، الضرر المضاف... فالحل، ان تحل السلطة نفسها. ولتكن الفوضى البناءة، شريعة المقاومة المسلحة في فلسطين. ولتصبح المواجهة اليومية بين الفلسطيني والإسرائيلي، عسكرياً كان أم مستوطناً، وهكذا يعود الصراع الى أبجديته الأولى: احتلال ومقاومة، وما بينهما لغة يفهمها المحتل.

4- طابع بريد بحاجة إلى دولة

وفق استفتاء أجري في «إسرائيل»، حول حظوظ نجاح المفاوضات، جاءت النتيجة لمصلحة انعدام الحل. واشنطن لا تستطيع قلب المعطيات على الأرض... الأرض غير مؤهلة إلا كي يبنى عليها بحجارتها. نتنياهو يسعى الى البناء بحجارة سلام فياض. إقامة سلام اقتصادي، يمنع الفلسطيني من التفكير بالعنف.. ودون ذلك ما لا يحصى من التفاصيل.فحتى لو قررت إسرائيل منح «الدولة الفلسطينية» العتيدة، فرصة استكمال مؤسساتها وربط الفلسطيني بها، عبر ارتهان مصلحي بها، فإن ظروف النجاح غير متوافرة.

نشرت جريدة «لوموند» تقريراً عن حال البريد في فلسطين، جاء فيه أن ساعي البريد، بات مسروراً، لأنه لم يعد ملزماً بالسير لمسافة 400 كلم كل يوم، للقيام بمهمات نقل البريد. فبعد إلغاء بعض الحواجز، انحسرت المسافة الى 200 كلم يومياً... تقدم مريح! أليس كذلك؟

إن رسالة مرسلة من أوروبا الى الضفة بحاجة الى أربعة أسابيع كي تصل الى هدفها. والرسائل يصار الى الكشف عليها أو كشفها وفتحها، في مراكز البريد الإسرائيلية. أما إذا كانت الرسالة مرسلة من الضفة الى باريس مثلاً، فهي بحاجة الى شهرين، كمعدل وسطي من الزمن. لكن ساعي البريد شديد التعلق بالبريد ويقوم به بعطف وشغف، لأن البريد يحمل اسم فلسطين، ويأسف لأن دولا عربية قد أصدرت طوابع بريدية تحمل رسماً معبراً عن الانتفاضة، وهو ممنوع على إدارة البريد في الضفة. إن هذا الفرح باسم فلسطين، عنوان الأمل المتجدد بفلسطين.

5- وداع بلا قلب

«أنا ابن هذه الأرض. لكن العرب كانوا دوماً في هذه الأرض. وهذه أرض العرب. هم مشهدها. هم السكان الأصليون، ولا أرى نفسي أعيش من دونهم. وفي نظري، فإن أرض إسرائيل من دون العرب أرض عاقر». قول لبنفنستي، يرى فيه أن مستقبل إسرائيل مظلم جداً.يكمل نبوءته: «لن نفلح أبداً في دفعهم الى التنازل عن حق العودة، لن ننجح في إرغامهم على التنازل عن بيت ايل، ولن نتمكن من دفع عرب إسرائيل الى التنازل عن مطالبتهم بحقوقهم الجماعية. فالحل المنطقي ظاهرياً المتمثل بدولتين لشعبين، لم يعد قابلاً للنجاح...

ونموذج دولتين قويتين غير قابل للتطبيق... وحتى لو أقيمت كل أسوار العالم فلن يتم التغلب على حقيقة أن الحوض الجوفي واحد... لا يمكن التغلب على حقيقة أن هذه الأرض لا تحتمل حدوداً في داخلها». «حان وقت الإقرار بأن الثورة الصهيونية انتهت... ان إسرائيل ضحية انتصاراتها وضحية التاريخ الفظيع لفرص ضائعة... أعرف أن الدولة القومية اليهودية لن تبقى هنا، وان دولتين لشعبين لن تقاما». هذه نبوءة تلتقي مع العملية التي دشنت تطلعا الى تصويب المسار الفلسطيني. هذا المسار، يفضي في السياسة، الى الانهيار. أما المسار النضالي، فقد يفضي، ولو بعد انتظار، الى بدء التحسس بالانتصار. ولبنان نموذجاً. لذا، يصح السؤال: لمن تقرع الأجراس في واشنطن؟ لأبو مازن أم للسلام أم لحل الدولتين أم... للمقاومة! "السفير"

أسئلة فلسطينيّة مشروعة../ رشاد أبوشاور




من مزايا الفصائل الفلسطينيّة أنها لا تحتمل النقد، ويضيق صدرها بتوجيه الأسئلة، فهي اعتادت دائما على امتداح حكمتها، والقول في بياناتها - وهي غالبا لا تحتفظ بها، فالذاكرة عندها غير ذات شأن! - مخاطبة الجماهير: أثبتت الوقائع صدق ودقّة تحليلاتنا، ومواقفنا...هم جميعا دقيقون، صادقون، تحليلاتهم صائبة، ومع ذلك فشعبنا، وقضيتنا، من خسارة إلى خسارة !

ولأن الفلسطيني بات يتشكك باستمرار، لأنه لُدغ من الجحور مرارا وتكرارا، فإنه ما عاد يصدّق أي بيان، ولا يعوّل على أي لقاء، رسميا كان أم شبه رسمي، فإنه من الطبيعي أن يطرح أسئلة، رغم عدم إصغاء الفصائل لأسئلته، وإن سمعتها فهي تعرض عنها، وتجيب بعبارات طنانة، مُبتزة، عاطفية.رغم ذلك، لا بد من طرح الأسئلة، والمزيد من الأسئلة، ونحن نرى، ونتابع من جديد استئناف رحلة التيه في دهاليز جلسات التفاوض التي انطلقت من واشنطن.

بعض الأسئلة موجهة إلى أصحاب خيار المفاوضات التي أغرقت القضيّة في لجج مسيرة مدمّرة، مع عدو لن يُغيّر استرايتيجيّته التوسعيّة الاستيطانيّة المندفعة قدما، في حين تنحسر مساحة الأرض الفلسطينيّة بفعل أنياب الجرّافات، واجتياح المستوطنين المحموم لما تبقّى من أرض حول القدس، وداخلها، وبين المدن الفلسطينيّة التي تتحول يوما إثر يوم إلى معازل!.

عاريا يتوجه المفاوض الفلسطيني إلى واشنطن، والتعهّد الصريح من إدارة أوباما، بلسان وزيرة الخارجيّة كلينتون: لن نضغط على أي طرف للتوصل إلى حل، وبلسان نائب الوزيرة: ربما لن يتم التوصل إلى حل في غضون عام، ولكننا نتوقع التوصل إلى إطار.لم يكن مصادفة أنه صنع بأصابعه ما يشبه الأنشوطة، لأن الإطار سيكون حول العنق الفلسطيني المُساق صاغرا إلى كارثة.نتينياهو المستقوي بانحياز إدارة أوباما كلينتون، وضعف العرب واستجدائهم، واستجابة وخنوع المفاوض الفلسطيني الضعيف، وضع في خطابه شرطين حاسمين: اعتراف المفاوض الفلسطيني بالكيان الصهيوني دولة يهودية، والأمن ..فقط!والرئيس عبّاس، استفاض في الحديث عن عملية الخليل، والسيّارة المستأجرة، وبطولة أجهزة الأمن الفلسطينيّة في المطاردة، وتحديد صاحب السيارة ومستأجرها ...تصوروا في خطاب أمام العالم، يفترض أن يركّز على حقوق الشعب الفلسطيني!لم يتوقف ليستغل الفرصة أمام الفضائيات، وملايين البشر المتابعين للخطابات، ليذكّر بأن الاستيطان في الضفّة الغربيّة والقدس، هو سبب( العنف).. أي المقاومة، خشية إغضاب كلينتون و..نتينياهو!

فلسطينيون كثيرون لم يفقدوا إيمانهم بالمقاومة، بل ما زالوا يرون أنها الخيار الصحيح، وهؤلاء يعرفون أن السلطة تلاحق كل حملة السلاح من الفصائل: حماس، والجهاد، وأي طرف، بما في ذلك بقايا كتائب الأقصى التي دمّرت تماما، وشتت رجالها، وأُلحق بعضهم في صفوف أجهزة الأمن - من مقاومين إلى مُطاردين للمقاومين! - واستشهد بعضهم برصاص المستعربين الصهاينة، رغم منحهم ( الحماية) بعد أن تخلّوا عن نشاطاتهم وسلّموا أسلحتهم لأجهزة أمن السلطة!

المفاوضات، مباشرة، أو غير مباشرة، أوصلتنا إلى الخسائر الفادحة، وما الجولة الجديدة في واشنطن سوى استمرار على درب الخسارة، ما دامت الخيار الوحيد!.في اليوم الأوّل للمفاوضات في واشنطن وقعت عملية الخليل - بني نعيم، فشكّلت مفاجأة لكثيرين، وربما صدمة للمفاوض الفلسطيني، والإدارة الأمريكيّة، وفرصة لنتينياهو الذي بدا يتحدث عن سبعة أيتام هم أبناء القتلى الأربعة في تلك العمليّة، وركّز على الأمن، قافزا عن الاستيطان، والدمار الذي يلحق بحياة الفلسطينيين، من القدس إلى كل أنحاء الضفّة الغربيّة المحتلّة عام 67، والتي هي الأرض( الموعودة) لتكون أرض الدولة مع قطاع غزّة المحاصر!إذا كانت المفاوضات فاشلة سلفا، فلماذا القيام بعلمية أو عدّة عمليات لإفشالها؟عدد من أبرز قادة حماس صرّحوا بأن الجولة الجديدة من المفاوضات محكومة بالفشل!

كنت كتبت مرارا وتكرارا أن حماس تستطيع القيام بعمليات في الضفّة، مع معرفتي بشراسة عمليات المطاردة من أجهزة أمن السلطة لـ( مجاهديها)، ولمجاهدي الجهاد، ولكنني كنت على قناعة بأنه رغم كل ما تفعله تلك الأجهزة فإن حماس قادرة على تخطي كل العوائق وتوجيه الضربات لحواجز الاحتلال، ودورياته، ومستوطنيه الذين يعيثون خرابا.. ولكنها تؤجّل نشاطاتها لأسباب تخصها!

إذا كانت حماس ترى بأن المفاوضات ستفشل، وتحكم عليها بالفشل مسبقا، وبالمناسبة هي تلتقي مع آراء كثير من المراقبين والمتابعين، فلسطينيين، وعربا، ودوليين، فلماذا تضع نفسها في موضع المتهم بإفشالها، في حين أن نتينياهو وحكومته التي توصف بالأكثر يمينية وتطرفا كفيلة بإفشالها؟!

الدكتور الزهّار صرّح لل BBC صبيحة الجمعة 3 أيلول الجاري: لماذا نتهم دائما بأننا نتسبب بالفشل، المفاوضات فاشلة، وهي ليست بحاجة لنا لنفشلها.بعض الشخصيات السلطوية تقول بفشل المفاوضات، ولا تتوقع منها خيرا.. فهل هذا للتعمية، والتضليل، اتسهل عملية إبرام اتفاق جديد يدمّر القضيّة ويصفيها نهائيّا؟!من جهة أُخرى فإن عملية الخليل قد ترافقت مع تصريحات ووعيد بإفشال المفاوضات! هذا الارتباك في الخطاب، والتصريحات، يدفعنا للتساؤل: هل هذه العمليات: الخليل، وعمليتا رام الله، مقدمة لاستئناف المقاومة من جديد، كاستراتيجيّة، وليس تكتيكا، أم أن الهدف منها البرهنة على ضعف السلطة، وأن حماس موجودة، وأنها ( الرقم) الذي لا يمكن تجاوزه، ولا بدّ من أخذه بعين الاعتبار؟!

في غزّة عقد مؤتمر صحفي لـ 13 جناحا عسكريّا - يا للرقم 13- مع إننا نحتاج فقط لجناحين للمقاومة: جناح مسلّح، وجناح شعبي جماهيري، بهدف تحرير أرضنا، بمقاومة بكافة الوسائل، وفي مقدمتها الكفاح المسلّح الذي هو حّق مشروع للشعوب المحتلة أراضيها.

أذكّر بأنني كتبت مرارا حول ضرورة أن تتخلّص حماس من عبء السلطة، وتعود للمقاومة، وتبدأ من غزّة بتشكيل قيادة وطنية تدير شؤون القطاع، لتنتقل التجربة من القطاع إلى الضفّة، وتشمل كافة القوى الفلسطينيّة، وتبدأ بالتصدّي للمستوطنين، وجيش الاحتلال، بعد أن فشلت مسيرة( السلام) الموعود، وعاث المستوطنون في القدس والضفة.من جديد،

لا بدّ من التساؤل: هل حماس مستعدّة للتخلّي عن السلطة والهيمنة على القطاع، والعودة للمقاومة، والتخلّي عن مطاردة من يخالفها، ومن يحمل سلاحا لا يخضع لها، وتوجيه الاتهام بأنه سلاح غير شرعي؟!إذا كانت العمليات في الضفّة بداية جادة، وصادقة، واستراتيجيّة، لمقاومة موحدة، تضم جميع المقاومين الفلسطينيين، بقيادة وطنية واحدة، وبأهداف محددة متفق عليها، فإن هذا التحوّل سيحظى بالتقدير، وهذا لن يتحقق مع تنفيذ بضع عمليات متفرقة هنا وهناك، لأهداف محدودة وخّاصة، لا تنقذ القضية وتخرجها من المأزق، ولا تمنح شعبنا الثقة من جديد بفصائل المقاومة.انطلاقة المقاومة من جديد، تستدعي دراسة ما مضى، والاستفادة من كل ما حدث، فهناك منجزات، وهناك خسارات، وليس لأي طرف أن يقرر نيابة عن الجميع، ويجتهد وحده، ويمضي بالقضية وحده، وكأن القضية حكر عليه، والشعب دوره أن يُقاد بعمى، وأن يُخسّر برضى!معركة المقاومة في حال استئنافها فضاؤها حاليا: الضفّة، والقدس، وحول غزّة.القطاع بقيادة سياسيّة، وليست فقط عسكريّة، سيبدأ رحلة الخروج من الحصار...ليس لنا أن نفرض على أهلنا في عمق وطننا، في ال48، أساليب النضال التي يقررونها ويختارونها، فنضالاتنا يفترض أن تتكامل.هذه أفكار، وأسئلة مُضمرة ومعلنة، وهي وأكثر منها تتردد على ألسنة أهلنا، والمهم أن تجد من يصغي بتواضع وصدق، لا باستعلاء، فلا وصاية على شعبنا الذي ما عاد يحتمل مزيدا من الأوصياء!

كوخافي لشعبة الاستخبارات وروسو للجنوب../ معاريف

وضع وزير الدفاع ايهود باراك أمس نهاية للشائعات وحسم ثلاثة تعيينات في هيئة الاركان، الى جانب رئيس الاركان غابي اشكنازي وخليفته اللواء يوآف غالنت. التعيين الابرز هو للعميد افيف كوخافي الذي سيرفع الى رتبة لواء ويعين رئيسا لشعبة الاستخبارات. تعيين اضافي هو لرئيس شعبة العمليات، اللواء تل روسو، قائدا للمنطقة الجنوبية بدلا من غالنت.

وسيحل محل روسو في شعبة العمليات العميد يعقوب اياش، الذي سيرفع هو ايضا الى رتبة لواء.العميد كوخافي يعتبر أحد الضباط الميدانيين البارزين في الجيش الاسرائيلي، والذي اعتبر منذ كان قائدا للواء المظليين كمرشح لمنصب رئيس الاركان. فقد أدى سلسلة من المناصب، بينها قائد فرقة غزة ورئيس دائرة العمليات في شعبة العمليات. ويحظى بتقدير كبير من جانب غالنت. وسيحل محل اللواء عاموس يدلين، الذي حسب التقديرات في جهاز الامن سيتنافس على منصب رئيس الموساد بدلا من مئير دغان الذي يوشك على الاعتزال قريبا. اللواء روسو سيحل في قيادة المنطقة الجنوبية محل غالنت نفسه، الذي سينتقل قريبا الى مكتب في قاعدة معسكر هيئة الاركان ويبدأ الاستعدادات لتسلمه منصب رئيس الاركان. وكان روسو بدأ خدمته في الوحدة المختارة "شلداغ" ورغم انه وصل الى رتبة لواء الا أنه لم يجتز دورة ضباط. فقد قاد في الماضي الوحدة المختارة "مجيلان"، وكذا عمل كقائد لواء الناحل وكقائد فرقة النار. منذ تشرين الاول 2006 وهو يتبوأ منصب رئيس شعبة العمليات في هيئة الاركان. ويعتبر روسو خبيرا في نشاط الوحدات الخاصة، ومن المعقول الافتراض بان الامر سيجد تعبيره في عمليات الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة.

العميد يعقوب اياش بدأ خدمته في سلاح المدرعات وتبوأ سلسلة من المناصب الميدانية، بينها قائد لواء سبعة في اثناء انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان في العام 2000. وشغل منصب رئيس قسم العمليات في هيئة الاركان في عهد الانتفاضة الثانية، وبعد الحرب عين رئيس اركان الذراع البري. بعد حرب لبنان الثانية كان اياش مسؤولا عن بناء القوة للجيش البري. وهو خريج البرنامج الاعتباري للقيادة والاركان في لندن ويعمل منذ أكثر من سنة كرئيس برنامج النجاعة في جهاز الامن بالتعاون مع شركة مكنزي. واياش يلقى التقدير كضابط لامع ذي معرفة عميقة جدا بالساحة الشمالية، مع التشديد على سوريا. ومع ذلك، فان المسألة الاكثر اشكالية، مسألة هوية نائب رئيس الاركان التالي، بقيت مفتوحة، بعد أن اعلن اللواء بيني غينتس عن رغبته الاعتزال من الجيش. والتقى باراك أمس في حديث شخصي مع قائد المنطقة الشمالية غادي ايزنكوت في ختام جولة اجراها في الحدود اللبنانية. وبقدر ما هو معروف، لم يتوصل الطرفان الى تفاهم، وذلك لان ايزنكوت رفض قبل بضعة اسابيع منصب نائب رئيس الاركان تحت اللواء غالنت. وذلك على ما يبدو على خلفية الوثائق المزيفة التي تبين خلالها ان ايزنكوت اطلع عليها ولكنه لم يبلغ وزير الدفاع او يضع اللواء غالنت في الصورة. الاراء في هذه المسألة منقسمة في الجيش الاسرائيلي. ضابط كبير ادعى هذا الاسبوع بان اللواء غالنت اثار من جديد التوتر بين الطرفين، بعد أن اعلن في اجتماع لحركة الكشافة بان "الجندي يعرض الامور بشكل دقيق، في التنفيذ وفي التبليغ. يعمل انطلاقا من الاخوة والتفاني لرفاقه في الخدمة. وفوق كل هذا هناك حاجة الى الاستقامة اذ بدونها كل ما يتبقى عديم القيمة". من جهة اخرى هناك من يدعي بان غالنت وباراك تصرفا بنبل حين عرضا على ايزنكوت منصب نائب رئيس الاركان.
نحوشتان في الصورةالان توجد على جدول الاعمال ثلاث امكانيات: الاولى، وهي الاكثر معقولية، هي أن يرضى ايزنكوت ويقبل بمنصب نائب رئيس الاركان، وذلك بعد أن عين كوخافي رئيسا لشعبة الاستخبارات. في الاحتمالية الاقل يرفض اللواء ايزنكوت العرض مرة اخرى. في هذه الحالة يمكن ان يتنافس على المنصب قائد سلاح الجو الحالي، اللواء عيدو نحوشتان، الذي يعتبر ذا تجربة غنية جدا في مجال الادارة بل ونال الثناء في الماضي على ادائه كرئيس شعبة التخطيط. مثل هذا التعيين كفيل بان يفتح جولة اخرى في هيئة الاركان. مرشح حقيقي آخر هو قائد المنطقة الوسطى السابق، اللواء غادي شماني الذي يعمل اليوم ملحقا عسكريا في الولايات المتحدة.

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

ثـقافة السلام الفلسطينية تدعم المفاوضات .... بقلم/ : نقولا ناصر

في فقرتين من خطابه بواشنطن يوم الأربعاء الماضي الذي دشن إطلاق العودة إلى المفاوضات المباشرة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، أورد الرئيس الأميركي باراك أوباما سببين يدعوانه للتفاؤل بأن "التقدم ممكن" في المفاوضات. ومع أن الباحث عن الفقرتين بالكاد يعثر لهما على أثر في وسائل الإعلام الرئيسية التي لم تورد نص خطابه كاملا، فإن عدم تسليط الأضواء عليهما لا يقلل من أهميتهما كدليل ملموس على جبهة ثالثة مفتوحة، قلما تحظى بما تستحقه من تغطية إعلامية أو ردع وطني، تستهدف غزو العقل الفلسطيني بمفاهيم عن السلام لا علاقة لها بالسلام بقدر علاقتها بالاستسلام للاحتلال كأمر واقع هدفها ترسيخ الاحتلال والاعتراف به و"التعايش السلمي" معه واعتباره "شريكا في السلام"، وهو ما يمكن تلخيصه ب"نشر ثقافة السلام" بهذه المفاهيم في أوساط عرب فلسطين ككاسحة ألغام ثقافية تردف التصفية العسكرية للمقاومة الوطنية، وهذا هو الاحتلال الأخطر.

السبب الأول الذي ذكره أوباما هو أن "الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية تتعاونان فعلا الآن على أساس يومي لزيادة الأمن وتخفيض العنف"، في إشارة إلى التنسيق الأمني ومطاردة المقاومة. والسبب الثاني هو أن "الإسرائيليين والفلسطينيين العاديين ـ أي القادة الدينيون وجماعات المجتمع المدني والأطباء والعلماء ورجال الأعمال والطلاب ـ يجدون طرقا للعمل معا كل يوم. إن جهودهم البطولية على المستوى الشعبي تبين أن التعاون والتقدم ممكنين وينبغي لهذه الجهود أن تكون مصدر إلهام لنا جميعا"، لذلك "فإننا نرى فعلا أساسا لإحراز تقدم".

إن الرسالة التي تبعثها إشادة أوباما ب"الجهود البطولية على المستوى الشعبي" بين أناس "عاديين .. يجدون طرقا للعمل معا كل يوم" هي رسالة مضللة، لأنها توحي بأن هذه "الجهود البطولية" تبذل طوعا بمبادرات ذاتية، لكنها في الحقيقة جهود شاذة ينحت التمويل الأميركي وغير الأميركي لها في الصخر لكي يشق طريقا لها وسط الثقافة الوطنية السائدة المقاومة للاحتلال، لا بل إن هذا التمويل يلجأ إلى وسائل الإكراه والابتزاز واستغلال الحال الاقتصادي المتدهور لفرضها، مثـل الاشتراط الأميركي بوجوب أن تكون مثل هذه الجهود فلسطينية ـ إسرائيلية "مشتركة" للحصول على التمويل أو التوقيع على تعهد ب"نبذ الارهاب" للحصول على التمويل.

غير أن كلا السببين اللذين أوردهما أوباما يؤكد بأن القيادة المفاوضة لمنظمة التحرير صادقة في تكرار تأكيدها على وفائها باستحقاقات السلام، مقدما، ومجانا، ودون المعاملة بالمثل، وقبل أن يتم التوصل إلى أي اتفاق للسلام ما زالت تلهث وراء سرابه دون طائل حتى الآن، ويؤكد كذلك بأن "ثقافة السلام" التي تلتزم بها إنما تصب فقط في خدمة تحييد الأسس الثقافية للمقاومة التي يقرها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الطبيعي والعرف الإنساني وشرع الله.

وتكمن "ثقافة السلام" التي ينشرها مفاوض منظمة التحرير في صلب الأساس الذي يدعو أوباما إلى التفاؤل. فالتطور في "العقيدة الأمنية" لأجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي الذي أشار إليه الناطق باسمها اللواء عدنان الضميري قبل شهرين، دون أن يوضحه، كان عبد الرزاق اليحي وزير الداخلية السابق في حكومة د. سلام فياض قد أوضحه عندما قال إن عقيدة هذه الأجهزة ليس التصادم مع قوات الاحتلال، بحجة التزامات السلطة بموجب الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال، بالرغم من عدم المعاملة بالمثل، وبالتالي فإن التصدي للاجتياحات والاغتيالات ومكافحة التجسس ( كما يحدث في قطاع غزة ) ليس من وظائف هذه الأجهزة، مع أن القانون الأساسي للسلطة، وهو بمثابة دستورها، يحدد وظائفها في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية المجتمع، لتتحول الوظيفة الأساسية لهذه الأجهزة إلى التنسيق مع قوات الاحتلال، ولتتحول هذه القوات إلى شريك في الحفاظ على الأمن والسلام ضد "العدو المشترك" المتمثل في المقاومة الذي تسميها دولة الاحتلال "الإرهاب" وتسميها السلطة أسماء اخرى مثل "الخارجين على القانون والشرعية".

واللافت للنظر أن متوسط أعمار منتسبي المؤسسة الأمنية حاليا يقل عن ثلاثين عاما، كما قال اللواء الضميري، بعد أن أحالت حكومة فياض كل أجيال "الثورة" و"المقاومة" المخضرمة في هذه المؤسسة إلى التقاعد بحجة الإصلاح، مما يعني أن "السلالة الفلسطينية الجديدة" التي تحدث الجنرال الأميركي كيث دايتون عن "إنتاجها" في إطار "ثقافة السلام" إياها أثناء مهمته لدى السلطة الفلسطينية التي استقال منها مؤخرا قد تسلمت المقاليد الأمنية لهذه السلطة فعلا.

ولهذه السلالة الفلسطينية "الأمنية" الجديدة المهجنة أميركيا رديف "مدني" هو السبب الثاني الذي يدعو أوباما للتفاءل.

إن تصريح الرئيس محمود عباس في المناسبة نفسها بأن العلاقة الي يريدها بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين هي علاقة "سلام بينهم، وعيش طبيعي بينهم" وأنه يريد "أن نعيش شركاء وجيران إلى الأبد" هو تصريح ينطوي على مفارقة مفجعة إذا ما وضع في إطار الانفصال إلى الأبد عن الاحتلال الذي كان الهدف الرئيسي للانتفاضة الفلسطينية الأولى في ثمانينات القرن الماضي التي جاءت بمنظمة التحرير إلى الأرض المحتلة في المقام الأول، لكن الأهم في تصريحه أنه يفسر "ثقافة السلام" السائدة في عهده، وهي ثقافة تزرع الهزيمة في العقول وتخلق طابورا خامسا من المتطوعين للتعايش السلمي مع احتلال ما زال يصر بالرغم من ذلك على استخدام لغة القوة، طابورا مهيئا "ثقافيا" للتجنيد الاستخباري المعادي وللتعاون مع الاحتلال ضد مقاوميه اقتداء بقيادته الثقافية والتزاما بثقافة السلام التي ينشرها مفاوض منظمة التحرير أو يغض النظر عن التمويل الأميركي والأوروبي لنشرها.

إن تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية الذي تداولته وسائل الإعلام الفلسطينية على نطاق واسع الأسبوع الماضي عن حملة إعلامية يقودها عباس وكبار مفاوضيه تحت شعار "نحن شركاء، وأنتم ؟" التي تشرف عليها "مبادرة جنيف" في إطار "تحالف السلام الفلسطيني – الإسرائيلي" بقيادة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه بتمويل أميركي قدره مليون شيقل إسرائيلي إنما هو تقرير يكشف فقط قمة جبل جليد لشبكة واسعة من المنظمات المماثلة الأصغر التي أشاد أوباما بـ "جهودها البطولية" في نخر الأساس الثقافي لمقاومة الاحتلال "على المستوى الشعبي" الفلسطيني.وهي شبكة لم تنقطع "مفاوضاتها" يوما، وهي "مفاوضات شعبية" تجري على كل المستويات الدنيا سواء في المؤسسة الأمنية أو في منظمات "فلسطينية – إسرائيلية" للمجتمع المدني تتكاثر كالفطر، حيث يصول ويجول فيها خبراء الحرب النفسية والاستخبارية لدولة الاحتلال بكامل حريتهم في التواصل اليومي مع القطاعات الشابة بخاصة من الشعب الفلسطيني دون أي رقيب أو حسيب، ودون أي إجراء من "السلطة الوطنية" لحظر مثل هذا "التواصل الشعبي" أو لحصر الاتصال والتعاون مع دولة الاحتلال بالمفاوض نفسه أو في الأقل لتحصين من يقعون في أفخاخ مثل هذه "المفاوضات الشعبية" بمفاهيم وطنية مستوحاة من الثوابت الوطنية لشعبهم، لا بل إن هذه "الجهود" التي وصفها أوباما ب"البطولية" تجد كل التشجيع والقدوة في قيادات التفاوض نفسها.

في الثامن عشر من الشهر الماضي لم يفكر شاب فلسطيني من ضحايا ثقافة السلام هذه في "الاطلاع" على معاناة أبناء شعبه في عشرات الكانتونات المحاصرة بالمستعمرات الاستيطانية وجدار الضم والتوسع وقوات الاحتلال في الضفة الغربية، أو معاناة آخر تجمع عربي فلسطيني بجوار المسجد الأقصى في سلوان، أو معاناة أهله في دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها، أو معاناة بعض آخر من أهله المحاصرين في قطاع غزة، أو في غير ذلك من التعبيرات الحية للنكبة الفلسطينية المتواصلة منذ عام 1948، بل فكر في معاناة اليهود في العهد النازي لكي يقود وفدا من 22 شابا وشابة فلسطينية لزيارة متحف "الهولوكوست" المقام على أرض مغتصبة من أهله في القدس المحتلة "للاطلاع" على معاناة أصبحت اليوم جزءا من التاريخ.

وهذه عينة من الرديف "المدني" للسلالة الأمنية الفلسطينية الجديدة التي تعمل على "إنتاجه" شبكة يضمها "منتدى مؤسسات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية" الذي يبحث عن قواسم مشتركة تعطي أولوية، على سبيل المثال، للكفاح النسوي الفلسطيني ـ الإسرائيلي المشترك ضد سيطرة الرجل الذكورية على أية قواسم مشتركة فلسطينية لمقاومة الاحتلال، وتشمل الشبكة "جهودا مشتركة" و"مفاوضات شعبية" متواصلة للتعاون الجامعي والطبي والصحي والبيئي واللغوي والعلمي والثقافي والفني والديني والتعليمي والعائلي ( لمن فقدوا أعزاء في الصراع ) والأبحاث والحوار والتنمية والإبداع وعلم تسوية النزاعات والإعلام والمرأة و"زيتون السلام" بل توجد في هذا المنتدى منظمة باسم "محاربون من أجل السلام" تجمع بين مقاومين وجنود احتلال سابقين، ناهيك عن المدن الصناعية وجيش فلسطيني من رجال الأعمال والوكلاء والموزعين التجاريين لمنتجات دولة الاحتلال.

ومن المفجع وطنيا أن تكون جنين التي تحولت إلى رمز للمقاومة خلال انتفاضة الأقصى، في شمال الضفة الغربية لنهر الأردن، قد تحولت اليوم إلى "قصة نجاح" لثقافة السلام هذه يسوقها أصحابها كمثال ونموذج يحتذى به.

وجميع "المفاوضين الشعبيين" المنخرطين في هذه الجهود مرتبطين مصلحيا ووظيفيا ببقاء الاحتلال واستمراره، وقد افرزت هذه الظاهرة محترفين فلسطينيين في كتابة مشاريع طلبات التمويل أشبه بكتبة الاستدعاءات المنتشرين أمام المحاكم. وجميع منظمات هذه الشبكة ممولة أجنبيا بمساهمة "إسرائيلية" تمويلا لخص المسرحي الفلسطيني إسماعيل الدباغ نتائجه المدمرة عندما قال: "بأمانة .. التمويل حول المسرحيين إلى مرتزقة"، يساهمون بوعي أو دون وعي في هدم أية جسور لبناء الوحدة الوطنية الفلسطينية بينما يقيمون كل الجسور الممكنة مع دولة الاحتلال، ويجدون لهم في ذلك قدوة في قادة التفاوض.

فكبير مفاوضي المنظمة، د. صائب عريقات، عدا عن التمويل الأجنبي المشروط سياسيا لدائرة شؤون المفاوضات التي يرأسها وعن كونه مشاركا في حملة "يوجد شريك فلسطيني" التي تقودها "مبادرة جنيف" منذ سنوات عديدة، مما يتناقض مع معارضته القوية المعلنة في حينه لأي شراكة لحركته "فتح" مع حماس في أي حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، هو أيضا داعم نشيط لحركة "صوت واحد" الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وعضو مجلس إدارة "بذور السلام" التي تنظم مخيمات صيفية مشتركة لفتية فلسطينيين وإسرائيليين وعرب، وقد تخرج ثلاثة من أبنائه من هذه المخيمات، لأنه يؤمن بأن حل الصراع مع دولة الاحتلال ممكن فقط بصنع السلام بين "الشعوب" قبل صنعه بين الحكومات، وعبر التفاوض "فقط" وهي قناعة سبق له القول إنه توصل إليها منذ حصوله على درجة الدكتوراة بمنحة دراسية من كلية دراسات السلام الممولة من وقف لطائفة الكويكرز الأميركية بجامعة برادفورد البريطانية عام 1983.

أهي مصادفة أن عباس وعبد ربه وعريقات هم الفريق الرئيسي المفاوض اليوم في واشنطن بعد أن صفى الاحتلال جسديا كل القيادات الفلسطينية الأخرى، أو نجح مع راعيه الأميركي في إبعاد من بقي حيا منها عن صنع القرار الفلسطيني، من المؤمنين بثقافة سلام مختلفة أساسها العدل تضرب جذورها في رسالة السلام الإسلامية والمسيحية التي يؤمن شعبهم بها ؟ ... ... ..

( كاتب عربي من فلسطين ).

الكارثة المحدقة نجاح المفاوضات لا فشلها.. سمير كرم


ماذا لو نجحت المفاوضات المباشرة الجارية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي؟


لقد سيطر التشاؤم على التصريحات والتعليقات الصادرة حتى الآن بشأن احتمالات نتائج هذه المفاوضات. ولكن الأسس التي تقوم عليها هذه المفاوضات لا تدعو أبدا إلى الاستسلام لهذا التشاؤم الذي غلب حتى على الأميركيين وعلى الإسرائيليين من كثرة ما قابلهم من فشل في مفاوضات سابقة.
الحقيقة أن إجراء هذه المفاوضات هو من المنظورين الأميركي والإسرائيلي انجاز بحد ذاته. فمن كان يتصور أن تتنازل السلطة الفلسطينية عن آخر ما كانت تتمسك به كشرط للدخول في تلك المفاوضات المباشرة؟ من كان يتصور أن تهدي السلطة الفلسطينية هذا التنازل للرئيس الأميركي باراك أوباما بعد كل ما قدمه للإسرائيليين من تأكيدات مقابل الإهانات التي لحقت به وبنائبه جوزيف بايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون... فقط لكي يحصل من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي على موافقة على دخول هذه المفاوضات بشروطه ـ هو بل بشروط وزير خارجيته افيغدور ليبرمان - الذي قبل أن ينحى عن المشاركة في مفاوضات مع الفلسطينيين أيا كانت الشروط مع انه بقي في الوزارة الإسرائيلية؟
ومن كان يتصور أن يقبل اثنان من رؤساء الدول العربية احدهما رئيس مصر وثانيهما ملك الأردن ان يلعبا دور الديكور في افتتاح هذه المفاوضات تأكيداً لمباركة النظم العربية التي تقيم سلاما رسميا مع إسرائيل وتلك التي تترقب الفرصة لتسنح لها للانضمام إليهما؟
ليس من المتصور ولا من المنطقي أن تفشل مفاوضات استطاع فيها احد الطرفين الرئيسيين أن يملي كل شروطه، بالإضافة إلى سيطرته الكاملة على الأرض، بينما قبل الطرف الرئيسي الثاني أن يلقي جانبا بكل ما كان له من شروط حتى اللحظة الأخيرة. إنها فرصة سانحة للطرف الأول قد لا تأتي أبدا مرة أخرى وهي للطرف الثاني لحظة لا بد أن تنتهي باحتفال يستطيع فيه أن ينسب لنفسه نجاحا هو الفشل بعينه.
إن التعاون الأمني الكامل والتفصيلي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بلغ مستوى لم يسبق له مثيل، ليس فقط بين هذين الطرفين، بل بين أي طرفين كانت بينهما حرب في حقبة من التاريخ قديمة أو حديثة. مع ذلك فلا بد من أن نتنبه إلى أن لإسرائيل شروطا مطروحة في المفاوضات المباشرة غير شروط الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح والمنزوعة السيادة... شروطا تتعلق بالتعاون للقضاء على المقاومة بكل فصائلها التي تعارض هذا السلام الاستسلامي.

يخدع نفسه من يظن أن بالإمكان أن تقبل إسرائيل ان تقوم السلطة الفلسطينية بدور الدولة الفلسطينية في حل الدولتين إذا لم تكن تتعهد من البداية بالقضاء على فصائل المقاومة التي تعارض ما يجري من نهب لحقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والسيادة والمياه والأجواء.


إن هذا الاحتمال المرجح بان تنجح المفاوضات المباشرة يشكل احتمالا بنكبة كبيرة ـ ربما أخيرة ـ للشعب الفلسطيني.
لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق لإسرائيل في هذه المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية ما لم تستطع أميركا أن تحققه في المفاوضات لإنهاء حرب فيتنام.. تلك التي انتهت بهزيمة نهائية لا رجعة فيها للقوة العسكرية الأكبر في العالم أمام مقاومة لم تتوقف وعدوان أميركي ظل يتصاعد حتى حينما كانت المفاوضات جارية.
هذا هو درس التاريخ الذي لا ينسى عن أهمية المقاومة المستمرة حتى وان كان الطرف المواجه للمقاومة بكل قوة أميركا العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية.
كان ذلك حينما سيطر على الولايات المتحدة شعور عارم باستحالة تحقيق نصر عسكري على فيتنام. اعترف بذلك الجنرالات والوزراء والمستشارون. واضطرت أميركا لأن تسعى إلى التفاوض. وفي 3 أيار 1968 بدأت المفاوضات في باريس. نعم باريس التي كانت قد تلقت هزيمتها النهائية على يد فيتنام قبل ذلك بنحو 13 عاما. وبعد توقف قصير طقوسي لافتتاح المفاوضات استأنفت أميركا قذف فيتنام (الشمالية آنذاك) بالقنابل على نطاق غير مسبوق وبكثافة فاقت كثافة غارات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. فلقد بدا واضحا لأميركا أن المقاومة في فيتنام (الجنوبية آنذاك) لم ولن تتوقف بسبب المفاوضات.
استمرت مفاوضات باريس واستمر نشاط المقاومة الفيتنامية شمالا وجنوبا. وكان آخر أمل تعلقت به أميركا في فيتنام الحرب والمفاوضات هو أن تنجح خطتها لـ«فتنمة» الحرب أي نقل العبء القتالي إلى أكتاف جيش فيتنام الجنوبية لتتمكن أميركا من مواصلة الانسحاب.
في كانون الثاني 1973 ـ أي بعد 5 سنوات من المفاوضات والحرب على خطين متوازيين وقعت اتفاقية باريس لوقف إطلاق النار وتحقيق الانسحاب الأميركي الكامل.
لم تكن هناك شروط أميركية تفرض قيودا على حركة فيتنام المقاومة ـ شمالية وجنوبية ـ بعد انسحاب أميركا العسكري من الساحة. لهذا فانه في 21 نيسان 1975 استطاعت فيتنام أن تسقط السلطة الموالية للولايات المتحدة في الجنوب. وقعت فيتنام الجنوبية برمتها في أيدي القوات المقاومة ودخلت هذه القوات عاصمة الجنوب في 30 نيسان 1975 وانتهت الحرب وبدأ توحيد فيتنام.
توحدت فيتنام بقوة المقاومة. تحقق الهدف الذي من أجله حاربت فيتنام كلا من فرنسا والولايات المتحدة في حربين متتاليتين لم يفصل بينهما في الحقيقة فاصل زمني، لأن الولايات المتحدة ردت على هزيمة أميركا في حرب الهند الصينية رد من يريد أن يرث الهند الصينية كلها من الإمبراطورية الفرنسية المهزومة.
من كان يمكن أن يتصور أن تخرج الولايات المتحدة من حرب الاستيلاء على الممتلكات الفرنسية بهزيمة أثقل من الهزيمة التي ذاقتها فرنسا؟
لا تكتمل الصورة عن هذا الدرس التاريخي إلا إذا حاولنا أن نعرف كم كان عدد ضحايا فيتنام في الحرب مع أميركا. لقد كان المألوف طوال أيام تلك الحرب التي استغرقت 13 عاما هو إحصاء عدد الجنود الأميركيين القتلى والجرحى والمفقودين وعدد الطائرات الأميركية التي أسقطت، ولم يكن ثمة ذكر للضحايا من الفيتناميين عسكريين كانوا أو مدنيين. لكن أخيرا أذيع تقدير لأعداد ضحايا الحرب على الجانب الفيتنامي بعد نحو أربعين عاما من نهاية الحرب. يفيد هذا التقدير أن فيتنام فقدت نسبة 16 في المئة من سكانها في السنوات بين 1960 و1973.
انسحبت أميركا بالكامل من كل بلدان الهند الصينية تماما كما حدث لفرنسا بعد الهزيمة. وبدا أن أميركا لا تملك إلا التفكير على مدى ثلاثين عاما تالية في أن تتجنب «فيتنام أخرى». ولعل من المناسب هنا أن نذكر أن شعور أميركا كان مريرا إلى حد أنها لم تف بوعد قطعته على نفسها في ختام مفاوضات باريس بأن تدفع تعويضات لفيتنام عما أصابها من دمار. كان هذا كل ما استطاعت أميركا أن تبديه انتقاما من فيتنام.
هل يمكن مقارنة مفاوضات باريس بين فيتنام والولايات المتحدة بالمفاوضات المباشرة الحالية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟ ومن أي زاوية تكون المقارنة؟ أي طرف في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية يمكن اعتباره في الوضع الذي كانت فيه أميركا أو الذي كانت فيه فيتنام؟
لعل الأجدى أن تكون المقارنة بين النتائج والنتائج في الحالتين. وقد يقول قائل ولماذا ونتائج المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية لم تبرز بعد؟ ولكن الحقيقة أن النتائج واضحة من الآن، واضحة في استعداد السلطة الفلسطينية للاستجابة لكل ما يطلب الإسرائيليون والرئيس الأميركي. وهل يمكن أن نتوقع أن تأخذ الإسرائيليين أو الأميركيين شفقة بالجانب الفلسطيني أو ميل إلى مكافأْته على ما يقدم من تنازلات؟
إن كل ما تستطيع السلطة أن تتوقعه تحت عنوان «دولة فلسطينية» هو حكم ذاتي وسط احتلال عسكري إسرائيلي متمكن. هذا أمر يعرفه الفلسطينيون جيدا، يعرفه بشكل خاص أولئك الذين يتطلعون بجدية إلى هدف الدولة الفلسطينية وبسبب جديتهم يعرفون من تجارب المفاوضات السابقة كلها مع الإسرائيليين والأميركيين أن لا آمل في دولة فلسطينية حقيقية مستقلة وذات سيادة وقادرة على الحياة جنبا إلى الجنب مع إسرائيل. يعرفه أولئك الذين كان لديهم أمل أخير بأن يتمسك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشرط أخير للاشتراك في مفاوضات مباشرة، وهو أن توقف إسرائيل فعلياً نشاطها الاستيطاني في الأراضي التي يفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية.
لقد أقدم نتنياهو على دخول المفاوضات المباشرة بعد تلويح متكرر إلى مواقف «المتطرفين من اليمين الإسرائيلي» الذي يمكن أن يطيح بحكومته الائتلافية لما يعرفه من أن المقاومة الفلسطينية موجودة ولها مواقفها واعتراضاتها على الشروط الإسرائيلية، ولما يعرفه عن ضعف محمود عباس وعن تأييد الغالبية الساحقة من الفلسطينيين لمواقف المقاومة وشروطها. لقد دخل نتنياهو المفاوضات في ظل أفضل وضع يمكن لرئيس وزراء إسرائيلي تصوره. دخل المفاوضات بعد أن ضمن أفضل أوضاع التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية خاصة في بؤرتي الخليل وجنين. وقد بدا واضحاً ـ عن غير قصد طبعا- أن نتنياهو لم يكن في وضع يستطيع فيه أن يضحي بمكاسب المفاوضات المباشرة بأن يقطعها بعد الضربة الموجعة التي وجهتها المقاومة إلى إسرائيل في الخليل حيث كان الألم الإسرائيلي مضاعفاً لقتل أربعة من المستوطنين في منطقة تحت سيطرة إسرائيل العسكرية الامنية.
كذلك فقد أقدم نتنياهو ـ وبالمثل عباس ـ على المفاوضات المباشرة واثقا من أن أميركا قد ضمنت وأمّنت السرية لهذه المفاوضات، سواء الجانب المبدئي الذي جرى منها في واشنطن أو الجوانب التي ستجري في مصر (شرم الشيخ) أو في الأردن. إن الأطراف المباشرة وغير المباشرة تعرف أن السرية شرط لجميع المشاركين يصل إلى حدود التقديس. وهذا يلائم نتنياهو بسبب حلفائه ويلائم عباس بسبب المقاومة التي يهمه أن يتم الاتفاق سراً على دوره في محاربتها، ويلائم كلا من مصر والأردن اللتين تدركان أنهما تواجهان معارضة من جماهيرهما التي تعضد المقاومة وترفض المفاوضات. وتعرف سلطة القاهرة وعمان جيدا من واقع تجربتهما أن السلطة الفلسطينية ستجبر على التعهد بما لا يرضي جماهير الفلسطينيين كما أجبرتا في السلام الرسمي مع إسرائيل على قبول أوضاع وشروط في سيناء وفي وادي الأردن لا قبل لهما بالإعلان عنها.
لقد قبل المشاركون المباشرون وغير المباشرين بهذه المفاوضات اقتناعا منهم بأن فشلها ستكون له آثار وخيمة عليهم جميعا. أما نجاحها فإن آثاره الوخيمة ستقع على رؤوس الفلسطينيين وحدهم. في حالة الفشل فإن إسرائيل ستبيح لنفسها حق الحرب في أي اتجاه شاءت. أما في حالة النجاح فإنها ستعد بأن تكون حربها ضد المقاومة ومن يقفون معها.
أما على الجانب الأميركي فيلاحظ أن الحديث كثر في الفترة الأخيرة عما أعلنه الجنرال ديفيد باتريوس عندما كان قائدا للقيادة المركزية الأميركية من أن العداء لأميركا يستفحل في منطقة الصراع العربي- الإسرائيلي وفي العالم الإسلامي بسبب استمرار هذا الصراع. ويتردد أن احد أهم أهداف الرئيس أوباما هو وقف دائرة الكراهية لأميركا عن طريق اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولا ندري من اقنع أوباما بأن مثل هذا الاتفاق غير المتوازن على دولة فلسطينية ناقصة يمكن أن يوقف دورة الكراهية ضد أميركا؟
كما لا ندري من أقنع المشاركين في المفاوضات المباشرة بأن نجاحها أفضل من فشلها؟
هذا نجاح إذا تحقق يكون الفشل أشرف منه، لأنه هزيمة كاملة لأصحاب المصالح الحقيقيين، وهم الفلسطينيون، ونجاح للاحتلال وتأبيد للانقسام. واستعيدوا درس فيتنام."السفير

شعث ابن غزة يريد المصالحة وعريقات لا يعيرها اهتماما ..الاهرام : صراع مكتوم علي رئاسة الوفد الفلسطيني المفاوض

الاهرام المصرية
القاهرة / أشرف أبوالهول‏/ رغم ان مفاوضات السلام الفلسطينية الاسرائيلية بدأت رسميا وفعليا الا أن صراعا مكتوما مازال يدور داخل الجانب الفلسطيني حول الشخص الذي سيتولي رئاسة فريق المفاوضين الفلسطينيين‏ وذلك بعد تدشين المفاوضات في واشنطن في بداية الشهر الحالي بحضور الرئيس الامريكي باراك اوباما والرئيس محمد حسني مبارك والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني علاوة علي الرئيس الفلسطيني محمودعباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو.وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة النقاب عن صراع مكتوم يدور بين اثنين من القادة الفلسطينيين البارزين هما الدكتور صائب عريقات والدكتور نبيل شعث حول من يترأس الوفد في غياب الرئيس محمود عباس الذي لايتوقع ان يترأس بنفسه جميع الجلسات وحتي في حالة وجوده فإنه سيكون في حاجة لشخصية تقود الفريق المعاون لهوحسب المصادر الفلسطينية فإن اعضاء القيادة الفلسطينية منقسمون حول عريقات وشعث حيث ان كليهما عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح وكلاهما له تاريخ طويل في قيادة وفود التفاوض سواء مع الاسرائيليين او الامريكين لكن الدكتور شعث يتفوق في انه كان يترأس ايضا الوفدالفلسطيني في محادثات المصالحة مع حركة حماس والتي استضافتها مصر طوال عام‏.2009‏وبالنسبة لمؤيدي الدكتور عريقات فإنهم يؤكدون انه الاولي بالمنصب لانه يشغل حاليا منصب رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية في حين يؤكد انصار الدكتور شعث ان تاريخه اكبر الا انه سبق ان شغل مناصب وزارية سواء تحت قيادة الرئيس محمود عباس أو الرئيس الراحل ياسر عرفات ومنها منصبا وزير الاعلام ووزير الخارجية‏.‏وتجلي الصراع بين عريقات وشعث علي رئاسة الوفد الفلسطيني في حرب تصريحات وتصريحات مضادة حول الجولة المقبلة من المفاوضات المباشرة والتي ستستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية يومي الثلاثاء والاربعاء القادمين حيث بادر الدكتور شعث بإصدار تصريحات تتعلق بلقاء سري تمهيدي لتلك الجولة‏,‏ ورد عريقات بنفي ماجاء في تصريحات غريمه علي رئاسة الوفد في المفاوضات وعاد شعث للتأكيد علي ان المفاوضات ستشمل جولات معلنة‏,‏ وغير معلنة وهنا حاول عريقات قطع الطريق علي شعث بالقول ان الرئيس محمود عباس هو الذي سيترأس الفريق المفاوض ويقول خبثاء ان المنافسة بين شعث وعريقات تتخذ بعدا اخر غير معلن هو البعد الاقليمي حيث ان انصار شعث يرغبون في رؤيته يترأس فريق التفاوض لانه ينتمي لقطاع غزة وبالتالي يضمنون ان يتم ادراج قضية المصالحة الفلسطينية واعادة التواصل بين الضفة الغربية والقطاع في المفاوضات وهو ماترفضه اسرائيل حتي الآن تبدو وكأنها مستريحة من الانقسام الفلسطيني الحالي ويرون ان هذا الامر قد لايشغل بال الدكتور عريقات كثيرا لانه من ابناء الضفة ويرفض المصالحة مع حماس‏