الثلاثاء، 30 يونيو 2009

إيران تخيف العرب بقوتها.. وضعفها....سامي كليب

ماذا لو صعد مواطنون عرب في دولة عربية وراحوا يهتفون من على السطوح «الله أكبر»؟ ماذا لو نزل الطلاب إلى الشوارع وتحدوا الرئيس أو الملك أو الأمير وطالبوا بسقوط أو موت «الدكتاتور»؟ ما الذي سيمنع ذلك بعد اليوم؟ لا شك أن النظام الإيراني ممثلاً بعلي خامنئي وأحمدي نجاد، قد أصيب بهزة كبيرة، وأنه سيكون من الصعب جداً، لا بل من المستحيل استعادة ما كان عليه من قدرة على الصمود داخلياً وخارجياً. ولكن إيران خرجت أقوى مما كانت عليه، أثبت هذا الشعب الحيوي أنه هو القدرة النووية الحقيقية بين شعوب المنطقة كافة، وأن قوته تكمن بذاته وليس ببرنامجه النووي. هذا هو «التمدد الشيعي» الذي يخيف الدول العربية المجاورة أو البعيدة، وليس أي تمدد آخر. وما حصل في شوارع طهران والمدن الإيرانية الأخرى، زرع بذوراً كثيرة في عقول المشاهدين العرب، وزرع أيضاً حيلاً كثيرة لتفادي المنع والقمع، أوليست وسائل الإنترنت و«يوتيوب» وصور الهواتف النقالة، كافية لنقل الواقع الى الــعالم بسرعة هائلة وسهولة كبيرة؟.
كانت إيران عبر تاريخها متأثرة قليلا ومؤثرة كثيراً بمحيطها العربي والإسلامي، وكان شاه إيران لا يتردد في القول لمسؤول عربي كبير كوزير النفط السعودي السابق احمد زكي اليماني «إني استطيع أن اجتاح دول الخليج جميعا بربع ساعة». ولكنها عرفت طيلة تاريخها الحديث أيضاً ان تمارس الدبلوماسية بإتقان كبير، أكان مع جوارها العربي او العالم. تعرف متى تتقدم وكيف تتراجع. والمثال النووي كاف للدلالة على ذلك. ربما هذا الاستعلاء يعود خصوصاً إلى عهد كان فيه الشاه أقرب المقربين إلى الولايات المتحدة. ويكفي ان نقرأ كتاب مذكرات وزير البلاط الايراني الراحل أسعد علم، لنفهم كيف كان الاميركيون والبريطانيون يعاملون إيران بحيث تقترح عليها لندن احتلال الجزر الإماراتية في مقابل ضمان بعض المصالح، أو يستقبل الرئيس الأميــركي ريتــشارد نيكسون شاه إيران لمدة سـاعة وربع الســاعة في خلال جنازة ايزنهاور «بينـما يستـقبل كل رؤساء العالم الآخرين لمدة خمس او 10 دقائق، وبيـنما الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بقي المسكين ينتظر في الخارج»، وفق علم. كانت إيران آنذاك «شرطي الخليج»، فجاءت الثورة الاسلامية لتنذر بأهم من مجرد «شرطي»، فكلف الغرب بعض العرب وفي مقدمهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بتقويض الثورة قبل نضجها. خرجت ايران أقوى، وتم تدمير النظام العراقي على أيدي من دعموه، وعادت ايران تقلق دول الخليج، وتحتل مكان العرب في دعم المقاومة ضد «عدوهم؟» التاريخي اسرائيل.
رفع عدد لا بأس به من قادة العرب الصوت عالياً، منذرين بـ«الخطر الايراني» او «التمدد الشيعي» او «الهجوم الفارسي» او «الاجتياح الصفوي»، ولكنهم ربما فوجئوا بأن الشعب الايراني ليس كشعوبهم، فهو تحرك لإسقاط الشاه وسقط، وتحرك لتنصيب آية الله الخميني، ونصبه، وها هو اليوم يتحرك لتغيير طبيعة النظام، وسيغيرها. لن يعود النظام الإيراني بعد التظاهرات الشعبية العارمة، كما كان قبلها، ولكنه قد يصبح أكثر تشدداً فلا يفيد القادة العرب بشيء، او يصبح أكثر ميلا للانفتاح على الغرب وأميركا، ولن يفيد العرب بالكثير، ففي الحالتين ستبقى ايران الدولة الأكثر قدرة على التأثير في المنطقة. طالما بقي العرب من دون استراتيجية حقيقية تميل صوب تعاون حقيقي مع ايران بدلا من التخويف منها، او بدلا من ان ينصبوا انفسهم بيادق للتخويف من الخطر الايراني لمصلحة اسرائيل او أميركا، فإن الخطر الوحيد الذي قد يواجهه بعضهم، هو ان يخرج الشعب يوما على السطوح، ليقلد الشعب الايراني، ويهتف عاليا: «الله أكبر».

السفير

أبو نواس في رام الله ....بقلم: د. فايز أبو شمالة

سئل أبو نواس: كيف ستخلص نفسك من هذا الوعد؟ وكان أبو نواس قد ألزم نفسه أمام الخليفة هارون الرشيد بأن يعلم الجمل القراءة والكتابة في غضون عامين مقابل عشرة آلاف دينار، فقال أبو نواس: حتى موعد تعلم الجمل القراءة والكتابة توجد ثلاثة احتمالات: الأول: أن يموت الخليفة، ويكون الوعد قد انتهى، والثاني: أن أموت أنا، والثالث: أن يموت الجمل؛ وبالتالي يسقط الشرط. وما بين غمضة عين وانتباهها جاء الموعد، ولم يمت أي من الثلاثة. فقال أبو نواس لزوجته: اصرخي، وقولي للناس: إنني قد متُّ، ومرري جنازتي من أمام قصر الخليفة. وحصل أن اجتمعت كل بغداد خلف الجنازة التي وقفت أمام القصر، وهذا ما أثار دهشة الخليفة الذي سأل عن الشخصية الهامة التي حركت بموتها بغداد. فقيل له: إنه أبو نواس. فبعد أن نجح في تعليم الجمل القراءة والكتابة في الموعد المحدد، وحفّظه كل الدروس، تفاجأ صباح اليوم بالجمل وقد نسي كل العلوم، فانهار المعلم أبو نواس، ومات.

تأثر هارون الرشيد، وقال: والله لو جاءني مع بعض رجال بغداد لعفوت عنه. عندئذ استند أبو نواس من النعش، وقال للخليفة: لقد جئت إليك بكل رجال بغداد.

قد تكون هذه النادرة عن أبي نواس غير صحيحة، ولكنني استحضرتها وأنا أستمع إلى خطاب السيد سلام فياض في جامعة القدس، وهو يحدد عامين لقيام الدولة الفلسطينية، ويصر على عامين، في نفس الوقت الذي يحارب فيه المقاومة المسلحة، ويتنكر لها، ولم يذكرها في خطابه، ولم يحض على شتم مستوطن، أو رفع البندقية في وجه الجيش الإسرائيلي، ولو سأل عاقل السيد سلام فياض رئيس الوزراء غير الدستوري عن شكل هذه الدولة الفلسطينية التي ستقوم بعد عامين في ظل حكومة "نتان ياهو"! أو كيف ستقوم الدولة الفلسطينية بعد عامين؟ وما هي المعطيات الداخلية الفلسطينية، أو الدولية التي تهيئ لقيام دولة فلسطينية؟ لما عثر على جواب!. ولاسيما أن اتفاقيات أوسلو المكتوبة، والموثقة أمام شهود على مستوى العالم قد حددت سنة 1999 موعداً لقيام الدولة الفلسطينية، ومع ذلك لم تقم، وبنفس المستوى العالمي قد حددت خارطة الطريق نهاية عام 2005 موعداً لقيام دولة فلسطينية. ولم تقم وحدد السيد بوش الابن، واتفاقية أنابولس نهاية سنة 2008 موعداً قطعياً لقيام الدولة الفلسطينية!. فأين هي؟

وهل أمسى السيد "فياض" مقتنعاً بفشل سياسته، وأنه لن يكون موجوداً بعد عامين، ولن يسأله أحد؟ أم أن الدولة العبرية بالتعاون مع كتائب "دايتون" ستكمل سيطرتها على أراضي الضفة الغربية، ولن يظل فلسطيني ليسأل: أين الدولة المأمولة؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها من موافقة على شروط "نتان ياهو" لقيام الدولة الفلسطينية الممسوخة؟.

سيمارس الشعب الفلسطيني حرفة التكاثر حتى شهر يونية سنة 2011، ليرى الدولة!.

لا قداسة لبشر ..يا سيد احمد خاتمي !!! ....وفاء إسماعيل

* إيران تسلح نفسها وتبنى قوتها العسكرية .. هذا حقها المشروع سواء قبل الغرب أو لم يقبل فكل دولة من حقها تحصين نفسها ، وتأمين حدودها ، وقد أيدناها في ذلك !!!!

* إيران تسعى لامتلاك برنامجا نوويا وتسعى لدخول النادي النووي لتصبح دولة عظمى ، تتعامل بندية وتلعب مع الكبار ..فلما لا ؟ وقد أثبتت التجارب والإحداث أن الكبار هم أصحاب القرار ، وهم أصحاب السطوة والنفوذ ، وان الكبار يتراجعون أمام الدول التي تملك قوة ردع عسكرية ، وكوريا الشمالية نموذجا يحتذي به ..فمازالت" بيونج يانج "تجرى التجارب على صواريخها بعيدة المدى وتتحدى اكبر وأعظم قوة في العالم ألا وهى أمريكا ، رغم أن القوات الأمريكية المتواجدة في "سيول " عاصمة كوريا الجنوبية وعلى بعد بضعة كيلو مترات لم تستطع إطلاق صاروخ واحد مضاد لصواريخ "بيونج يانج " فكان الدرس المستفاد أن السلاح هو اكبر رادع للعدوان ولولا أسلحة كوريا الشمالية لكانت القوات الأمريكية تسرح وتمرح اليوم على أعتاب "بيونج يانج " بحجة إزاحة نظام ديكتاتوري كما فعلوا مع صدام حسين في العراق ، من حق كل دولة أن تؤمن نفسها وحدودها في زمن انتهاك القوانين الدولية وما يسمى بالشرعية ، بات كل شيء مباح ، الكذب مباح ، التزوير مباح ، وحتى المؤامرات مباحة ، فلما لا تكون إيران التلميذ النجيب الذي تعلم الدرس وقرأ الواقع قراءة جيدة ، وتصرف على أساسه ؟ !!

* إيران تسعى لبناء أنبوب غاز ونفط وخط حديدي من إيران (حقول الأحواز) عبر العراق إلى سورية فشواطئ البحر المتوسط، في القريب العاجل سيختزل المسافة من أوربا إلى آسيا من 16,129 كم إلى 6,245 كلم، والزمن بـ 10-12 يوماً ، قلنا وما الضرر في ذلك ؟ مادام العرب مازالوا يستثمرون أموالهم في فضائيات (كله يدلع نفسه ) وبما إننا في زمن البيزنس والاستثمار فدع إيران تستثمر أموالها بما يخدم مصالحها ومن حكم في ماله ما ظلم !!!!

* إيران دولة إسلامية وعضو في منظمة المؤتمر الاسلامى ( بيت المسلمين الهش ) قولنا يا أهلا وسهلا بها دولة شقيقة ، لها كل الحقوق مادامت تحترم جيرانها العرب ، وترعى حقوقهم ، ورحبنا بها كشعوب ، قلنا إنها دولة جارة تربطنا بها علاقات تاريخية وحسن جوار !! ولكن في حال يخرج علينا من يدعى أن الجزر الثلاث الإماراتية هي جزر إيرانية ، وفى حال من يدعى أن البحرين إيرانية ، وفى حال من يدعى أن الخليج العربي خليج فارسي .. فهذا ما ليس لها حق فيه مهما كانت المبررات ، فعروبة كلا من الجزر الثلاث والبحرين لا يختلف عليها احد لأنها حق ، وتاريخ ، ولا يدعى ذلك إلا من أراد لهذه المنطقة اشتعالا بالفتنة والصراع !!

* إيران دولة إقليمية جزء لا يتجزأ من عالمنا الاسلامى ولكنها ليست فوق النقد ولا هي بعيدة عن المحاسبة ، ولا لها صفة القداسة ، ومن يتصور أن الشعوب التي دعمتها في صراعها مع الغرب قد تتغاضى عما ترتكبه من جرائم بحق العراقيين فهو واهم ، ومن يتصور أن ثمن دعمها لحماس وحزب الله هو دماء العراقيين فهو واهم ، ومن يتصور إننا ننكر جريمة تزوير إرادة الشعب الايرانى ونخالف ضمائرنا فهو واهم ، ومن يتخيل إننا سنصفق للحرس الثوري الذي تصدى بعنف وقسوة لشباب وفتيات ثاروا على سلب حق من حقوقهم أيضا هو واهم !!! نحن مع إيران حينما تنتزغ حقا من حقوقها المشروعة ، ولكننا أيضا ضدها إذا حاولت أن تسلب شعبها حقا من حقوقه المشروعة ، وضدها لو حاولت سلب أراض الغير ، أو حاولت الهيمنة والتوسع خارج نطاق حدودها وضد جريمة التزوير فكيف لنا أن نحترم أشخاص قبلوا اعتلاء عروشهم بالغش والتزوير ، هذا من جانب ،أما على الجانب الأخر هو ذلك الذي يخص السيد " احمد خاتمي " خطيب جمعة طهران، عضو هيئة الرئاسة في مجلس خبراء القيادة الذي صرح ( "أن الولي الفقيه "المرشد الأعلى علي خامنئي" هو نائب إمام الزمان "الإمام المهدي المنتظر"، وان مخالفة الولي الفقيه تعني مخالفة الإمام ومخالفة الإمام تعني الإشراك بالله"، في إشارة إلى التظاهرات التي اجتاحت شوارع طهران احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية العاشرة. )

* اعتقد أن السيد احمد خاتمي بتصريحه هذا تجاوز كل حدود العقل والمنطق ، وأعادنا بتصريحه هذا إلى العصور الوسطى الظلامية ، حينما كان البابا له صفة القداسة ، و منصبه كان اعلي سلطة دينية ورغم ذلك استأثر بكل السلطات السياسية ، كان رجل معصوم من الخطأ منزه بموجب قرارات (الإرادة البابوية ) خاصة في عهد البابا جريجورى السابع الذي تميز عهده بصراعه على السلطة والنفوذ مع الإمبراطور هنري الرابع انتهى هذا الصراع بخسارة كليهما بعد فترة شد وجذب وصلت إلى حد قيام الحروب بينهما .. تلك الفترة كانت من أهم العوامل التي دفعت المفكرين في أوربا إلى القيام بثوراتهم الدينية ضد الكنيسة وإظهار مفاسدها وأطماعها وانحطاطها.. والمقارنة هنا بين البابا وبين ولاية الفقيه ليست للحط من شأن رجال الدين في إيران .. فانا لا املك الحق في الحط من شأن اى مسلم مهما اختلفنا معه في المذهب أو الطائفة .. ولكنى أركز على "صفة القداسة " التي يحتكرها رجال الدين في اى مكان ، سواء في إيران أو خارجها .. فالقداسة لله وحده والعصمة له وصفة السمو والجلالة لايملك اى مخلوق مهما علا شأنه أن يصبغها على نفسه أو على غيره من البشر ..وهذا ما يجب أن نعيه جميعا أن كنا حقا مؤمنين بالله ورسوله ، ونعود لتصريح السيد احمد خاتمي الذي وصف "المرشد الأعلى علي خامنئي" بأنه نائب إمام الزمان "الإمام المهدي المنتظر" ونسأله وهل الإمام المهدي المنتظر هو الذي قام بتعين خامئنى نائبا عنه ؟ أم انه فوضكم انتم يارجال الدين بتعيينه ؟ وإذا كان الإمام خامئنى أمامنا نراه بأعيننا بشر من لحم ودم ، أليس كل بشر خطاء وغير معصوم ؟ فمن أين أتى بالعصمة ؟ وما اعتبره في تصريح السيد احمد خاتمي نوع من الاستخفاف بعقول الناس ( وحقه علينا أن ننتقده ونعبر عن اعتراضنا على تصريحه هذا ) هو قوله أن مخالفة الولي الفقيه تعني مخالفة الإمام ومخالفة الإمام تعني الإشراك بالله"، اى أن مخالفة خامئنى تعنى الشرك بالله والعياذ بالله .. وهنا ساوى خاتمي بين حق الله في طاعته وعدم الإشراك به ، وبين حق الإمام على خامئنى في الطاعة .. فهل يتساوى العبد والرب في الإسلام أو في اى ديانة أخرى ؟ تصريح كهذا لا يعتبر موجه للشعب الايرانى فقط ولا يعتبر شأن ايرانى داخلي .. بل نعتبره أمر يخص كل المسلمين في العالم ، هذا لو اعتبرنا أن الإمام المهدي المنتظر والسيد نائبه هما إماما كل المسلمين . ورغم وصف سماحة المرشد الأعلى للمهدي المنتظر الذي لا ادري لماذا ننتظره ؟ ولماذا نرجئ حل كل مشاكلنا لحين قدومه ؟ ولماذا نقف متفرجين ، متواكلين لحين قدومه مع أن رب العالمين أمرنا بالعمل والحركة وصد العدوان والظلم ، ولم يأمرنا بالسلبية والاتكالية لحين ظهور حضرة الإمام المنتظر ، ولم يأمرنا بتقديس الأئمة ولا برفع مكانتهم لترقى إلى مرتبة الخالق كما وصفه سماحة المرشد الأعلى (على خامئنى ) في قوله : ( أن للإمام مقاما محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون . وإن من ضرورات مذهبنا أن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ) حاشا لله أن ترفع مقامات الأئمة وتتساوى بمقام الأنبياء والرسل ..وحاشا لله أن تتساوى طاعة الإمام بطاعة الخالق ..وحاشا لله أن نفقد عقولنا التي من الله بها علينا من اجل بشر وألا نخضعها لطاعة الله !!
* إن الانتخابات الإيرانية الأخيرة كان يجب إن تكون في إطار سياسي بحت مادامت إيران ارتضت لنفسها أن تكون دولة ديمقراطية ..وان يترك الأمر للشعب الايرانى أن يحدد خياراته بدون اى وصاية من احد ، وكان يجب على المرشد الأعلى أن يكون حياديا مادام يمثل اعلي سلطة دينية وكما ينص دستوركم الموقر ، ولكن بانحيازه لاحمدى نجاد وتسرعه في الإعلان عن فوزه قبل إتمام عملية الفرز سمح للشكوك أن تتسرب في نفوس الملايين ، واثأر بفعلته تلك حفيظة الشارع الايرانى وغضبه ، خاصة عندما سمح لحرسه الثوري للتصدي بعنف وقسوة للمتظاهرين ، فكيف يكون هنا حضرة المرشد معصوم من الخطأ ؟ وكيف تكون مخالفته نوع من الشرك بالله كما ادعى السيد احمد خاتمي ؟

* يا سيد احمد خاتمي يا خطيب الجمعة في طهران خاطبوا الناس بالعقل والمنطق حتى نصدق أقوالكم ، واعترفوا أمام شعبكم بأنه ليس هناك قداسة لبشر ولا عصمة لأحد ، فكلنا عبيد الله خطاؤن ، نحن مع إيران في الحق ، والعدل .. وضدها حينما تغتصب حق ليس من حقها حتى لو كان بضعة الآلاف من الأصوات ، بل ضدها حتى لو زوروا صوتا واحدا ..فالمبادئ لا تتجزأ ..هكذا علمنا ديننا الحنيف ، وعلمنا أن مخالفة الحاكم في أمر اخطأ فيه لايعد شركا بالله بل هو أمر واجب النفاذ ، محاولة تصحيح الخطأ والرجوع إلى الحق فضيلة أخلاقية ، أما التمسك بالباطل لا يعنى أن تسمح لنفسك باتهام المخالفين له بأنهم اشركوا بالله ..وأعوذ بالله من هذه التهمة !!
وفاء إسماعيل

الاثنين، 29 يونيو 2009

جلسة حوارية مع البرفسور د أسعد ابو خليل

انا هنا سوف اتحدث في مؤتمر أكاديمي وليس في مؤتمر سياسي خلافا لما كان احد الاشخاص يذيع من واشنطن
عن جورج حبش : التقيت بالكثيرين قبله وبعده ولم يهزني لقاء لا قبله ولا بعده
عندما كنت في لبنان قبل كم سنة سألني مناضل آخر وهو شفيق الحوت : لماذا لم ننتصر؟
الدعاية الصهيونية عبر العقود حاولت دائماً بذكاء شديد أن تبالغ من قوتها وان تبالغ من ضعفنا
القرار الفلسطيني لم يستقل حقاً وانما كان مرتهناً للأنظمة النفطية
بالرغم من مرور اكثر من قرن على هذا الصراع لم يهن عزم الشعب الفلسطيني
صار المناضل من اجل تحرير فلسطين هو المتطفل وصار المتعاون هو الأصيل
ادوارد سعيد قال لي : أراني يوماً بعد يوم اقترب منكم انتم جماعة تحرير كل فلسطين
مسألة التطبيع مع العدو ليست مقولة شعبية ، طبعاً الأنظمة العربية تفاوض على التطبيع
الانظمة العربية اليوم جهاراً تتبنى المنطق الصهيوني
كنا نشكو في السابق اننا نحول الهزيمة الى نصر ، الآن نعيش في زمن نحول فيه النصر الى هزيمة




بدعوة من الهيئة الادارية للجالية الفلسطينية في النرويج ، وباعداد من موقع الصفصاف الاخباري العربي النرويجي تمت دعوة البرفسور أسعد أبوخليل المحاضر في كلية العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا الأمريكية لجلسة حوار في البيت الفلسطيني في اوسلو. حيث أدار الندوة مدير موقع الصفصاف نضال حمد ، بحضور مجموعة من المهتمين الفلسطينيين والعرب. تحدث خلالها أبو خليل عن تجربته مع الثورة الفلسطينية ، وعن الوضع السياسي عامة. فتطرق لكثير من الأمور الهامة .. نقوم هنا بنشر وقائع الجلسة في جزئين ، الأول حديث د أبو خليل والثاني الأسئلة والأجوبة.. بدأ د أبو خليل محاضرته بالقول :

انا هنا سوف اتحدث في مؤتمر أكاديمي وليس في مؤتمر سياسي خلافا لما كان احد الاشخاص يذيع من واشنطن.

لم يكن لي أن أتنصل من الدعوة هنا خاصة ان الاسم البيت الفلسطيني يعني لي الكثير ، انا جئت الى هنا (أوسلو) بدعوة من دار نشر نرويجية تقيم مؤتمراً أكاديمياً وهو نشاط يرتبط بوزارة الخارجية ... مؤتمر يتعلق بالشرق الأوسط بشكل عام ،مع ان اوسلو في العنوان، انا هنا سوف اتحدث في مؤتمر أكاديمي وليس في مؤتمر سياسي خلافا لما كان احد الاشخاص يذيع من واشنطن. مؤتمر اكاديمي كل واحد يتحدث عن موضوع ، انا أريد أن احكي عن السياسة الخارجية السعودية اتجاه القضية الفلسطينية. أما بالوقت الذي متاح لي هنا معكم ، سوف احكي نصف الوقت والنصف الباقي ندخل في حوار.

اللقاء مع جورج حبش : دائما أقول وقلت في رثائي له انني التقيت بالكثيرين قبله وبعده ولم يهزني لقاء لا قبله ولا بعده ..

اول شيء كشخص ولد في لبنان وترعرع هناك انا مدين للشعب الفلسطيني بكثير من نموي الفكري والذهني ، لانني اعتبر أنه لم يكن لي ان اتعرف لما تعرفت له من أفكار ثورية ومن تعاطف مع الفقراء والمساكين ، القضايا التي كان ولايزال لبنان غائبا عنها الى حد كبير جداً.حتى في اوساط المقاومة الحالية في لبنان بدنا نحكي بصراحة حزب الله ،ما في تناصر لموضوع الفقراء والمسحوقين . يعني أنا بتجربتي بالقضية الفلسطينية في لبنان ،كان في نضال واهتمام مزدوج من ناحية في الصراع ضد اسرائيل ومن ناحية الصراع من أجل نصرة الفقراء اينما كانوا، طبعا اعتز بهذه التجربة.. واعتز أكثر انه تسنى لي وفي سن مبكرة ان ألتقي من دون اي مبالغة واحداً من عظماء القرن العشرين وهو الدكتور جورج حبش ، وكان له أكبر التأثير علي وعلى نفسي. ودائما أقول وقلت في رثائي له انني التقيت بالكثيرين قبله وبعده ولم يهزني لقاء لا قبله ولا بعده .. كان شخصا مميزا بالفعل. مميز على صعيد الممارسة وعلى الصعيد الشخصي. من النادر ان تتعرف على شخص وكلما تقترب منه تزداد اعجابا به ، عادة العكس... بتجربتي أنا عادة في كثير من الناس الي بتعرفهم عندما تقترب منهم اكثر من مرة تكتشف اشياء (تنفر) وانا دائما أقول... في رفيق كان مساعد للحكيم لسنوات طويلة التقيته مؤخراً في عاصمة غربية وتحدثنا في الموضوع ، وقلت له انك عشت كل هذه السنوات مع الحكيم : ما شفت ولا شغلة سيئة فيه ، ازعجتك؟ اقسم انه لم يكن هناك اي جانب سلبي ...مع انني دفعته كي يتصارح معي.

عندما كنت في لبنان قبل كم سنة سألني مناضل آخر وهو شفيق الحوت : لماذا لم ننتصر ؟

ساحكي بشكل عام..عندما كنت في لبنان قبل كم سنة سألني مناضل آخر وهو شفيق الحوت : لماذا لم ننتصر ؟ بايجاز شديد سأقول الجوانب السلبية والايجابية في القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر . هناك لا شك جوانب سلبية .. نحن جزء من جيل الاحباط وجيل الهزائم يعني تاريخنا شخصي ، وانا اتذكر تاريخي الشخصي فأُعلم على مسيرتي الشخصية عبر الجرائم الاسرائيلية ، غزو ، عدوان و قصف ، هزيمة 1967 مع انني كنت ابن 7 سنوات ، لكنها افسدت علي وعلى بعض منكم الذين هم اصغر مني سناً. حرب82 قاسية جدا للذي كان في لبنان آنذاك ، للذي رأى مثلاً الأعلام البيضاء في منطقة جنوب لبنان ، على السطوح ، كان في استفهام للتعامل والتعاطي مع العدو الاسرائيلي ، والكثير من أدعياء المقاومة في لبنان اليوم ، مثلاً في حركة أمل، كانوا هم النافذين ، أنا في بلدة القليلة (من بيت ابوخليل) كنت اسمع بخلافات باوساط حركة امل ، كانوا في عهد سعد حداد يهددوا بعضهم بجيش الدفاع ، ما يسموا الجيش الاسرائيلي بل جيش الدفاع ،يقول للآخر أنا سأحضر لك جيش الدفاع.

الدعاية الصهيونية عبر العقود حاولت دائماً بذكاء شديد أن تبالغ من قوتها وان تبالغ من ضعفنا

-الجوانب السلبية : 1-هناك احباط .. والاحباط خطير.. الصهيونية والدعاية الصهيونية دائما تعول على الاحباط .والدعاية الصهيونية عبر العقود حاولت دائماً بذكاء شديد أن تبالغ من قوتها وان تبالغ من ضعفنا. حتى لا يستقيم لنا عمل دؤوب في مواجهة الصهيونية. وقد كتبت عن الموضوع باللغة العربية. هناك كتاب صدر لمفكر صهيوني امريكي (بولاك) ولم يترجم عن الاساليب والاداء العسكري للجيوش العربية في مواجهة اسرائيل، وخلاصة الكتاب خلافاً لما يشاع انه لم نكن على المستوى المتدني الذي اشيع لنا من قبل اسرائيل لاحباطنا ،ومن قبل الانظمة العربية لتسويغ عجزها وعدم نيتها لمواجهة اسرائيل. نجد في الكتاب انه عندما اتيح للمقاتل العربي ان يقاتل حتى في الجيوش التعيسة التي عندنا (تعيسة القيادة ) قاتلت. ويخلص الكتاب بخلاصة يقول فيها : المشكلة كانت في القيادة السياسية، في عدم السماح لروح المبادرة .. مثلاً أنا عندي تلاميذ بيكونوا بالجيش الأمريكي ، بالمارينز بيدربوهم ،ان اذا كنتم اثنين واحد منكما قائد ... تصوروا التدريب؟ العالم العربي بتعرفوا انتم... ايام الثورة الفلسطينية ياسر عرفات لو في مكتب لفتح في صور بدو يشتري براد كان يصرّ أنه هو الذي يوقع. يعني ممنوع وعلى طريقة الانظمة العربية ، ممنوع السماح لروح المبادرة عند الفرد.
انا لما شاهدت حرب تموز 2006 هذه الشجاعة والبسالة في قتال الاسرائيلي - كنت مؤخراً في واشنطن في عشاء مع صديق لي كان مناضل قديم في حركة فتح ولازال جسمه يحمل آثار الجروح من مواجهات مع اسرائيل - قلت له : طيب نحن كنا عايشين الوضع ، الم يكن بالامكان . يعني في 82 كم كنا نعرف اشخاص بواسل في فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية وكل الفصائل ، الذين كانوا يقدروا انهم يواجهوا اسرائيل بغير الطريقة التي تمت المواجهة فيها ، لكن القيادة السياسية لم تكن تسمح بذلك. الدعاية الصهيونية كانت ان الاحباط عبر المبالغة في قوة العدو لدرجة ان يقال .. انا اتذكر دائما كم الاحباط قادر أن يؤثر على تغيير الناس ، كنا نعاني من اشخاص كنا نعرفهم ، والآن كنا بسيرة واحد منهم عندكم في اوسلو . ان المناضل السابق صار بوق للسعودية وفي منهم باوسلو ولندن وكل العواصم والمدن. السبب جزء منه ارتزاق وتكسب وجزء آخر فيه احباط . أنا أتذكر مرة كان في واشنطن صادق جلال العظم الذي شخصياً أنا نشأت على كتاباته النقدية ، خبرني احدهم انه سوف يتحدث امام اللوبي الصهيوني سنة 1993 ،فكتبت له وسألته هذل هذا معقول ؟ أجابني نعم .. قلت له كيف انت معقول تعمل هيك؟ قلت له انت المزايد الأكبر ، أنت الذي زايدت على الجميع كنت تتهم خصومك بكذا وكذا.. أخيراً قال لي يا أسعد : انهزمنا ...انا دائما اذكر هذه المحادثة. وطبعاً صار مشاذة بيني وبينه وعاد هو وألغى الكلمة التي كان سيلقيها.الأمر الذي اريد قوله ان جو الاحباط المدعوم صهيونياً ومن الانظمة العربية تلاقى هذا الاحباط المقصود بهدف تيئيس الشعب.

القرار الفلسطيني لم يستقل حقاً وانما كان مرتهناً للأنظمة النفطية و ياسر عرفات وانور السادات هما اللذان وضعا لبنات التسويات المنفردة

2-الأمر الآخر السلبي انه تحت شعار سيء جداً وهو استقلالية القرار الفلسطيني الذي كان ياسر عرفات دائما يكرره يعني هذا مثل كلام حق يراد به باطل ، وحتىكلام باطل انا برأيي ، استقلالية القرار الفلسطيني فماذا حدث؟ تحت سياسات عرفات .. الذي حدث ان القرار الفلسطيني لم يستقل حقاً وانما كان مرتهناً للأنظمة النفطية. الآن في وثائق تنشر من وزارة الخارجية الامريكية نكتشف اليوم الحد الذي كان فيه الملك فيصل ، تصوروا حتى في اوائل السبعينات لما كان الملك فيصل يحكي بالجهاد وقتها كان النظام السعودي يضغط فيه ويُسيير القرار في حركة فتح. الآن في وثائق لم نعرف الكثير عنها. تحت شعار استقلالية القرار الفلسطيني بينما لم يحصل على هذه الاستقلالية في الوقت الذي ادى هذا القرار الى شوفينية النظام الفلسطيني .. طيب انا ابن ال49 عاماً كنا في جو في لبنان في السبعينات مثلاً كان يتقاطر الى لبنان من كل الدول العربية للمساهمة في تحرير فلسطين ، كان المخيم التدريبي يضم ابناء وبنات من كل الدول. يعني مسألة انه هذا امر فلسطيني وهذا أمر عربي لم يكن موجودا ، فالذي حدث بهذه الشوفينية ، بهذا الشعار انه صار يشعر العربي وكأنه متطفل على موضوع النضال الفلسطيني. وطبعاً تكرس هذا الأمر بصورة كبيرة في المفاوضات التي تمت في هذه المدينة (أوسلو)..المفاوضات السيئة الذكر التي أدت الى أوسلو والتي تمت من دون اي مشاورة واي موافقة . في الوقت الذي كان النضال الفلسطيني عبر العقود على اساس انه حتى التسوويين كانوا يحكوا بالتسوية الشاملة فياسر عرفات وانور السادات هما اللذان وضعا لبنات التسويات المنفردة التي سمحت سمحت للتفريط بالحقوق العربية كاملة وجزئية.

صار المناضل من اجل تحرير فلسطين هو المتطفل وصار المتعاون هو الأصيل

3-الجانب السلبي الثالث أنه للمرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني ، النضال الفلسطيني دائما مثل اي حركة تحرير ومثل أي حركة نضال ضد الاحتلال كان في متعاملين ومتعاملات ، دائما بكل الحركات بالجزائر وفيتنام بكل الثورات ، بفلسطين حتى بالمرحلة الأولى يعني بالثلاثينات مثل رغدي النشاشيبي ، بالسنوات اللاحقة مصطفى دودين بالسبعينات و محمد علي الجعبري.. كان في متعاملين ومتعاملات مع الاحتلال. وهناك كتاب صدر لكاتب نسيت اسمه الأول كوهين صدر له ترجمة عربية بعنوان جيش من الظلال ، يتحدث فيه عن تاريخ الاستعانة الصهيونية بمتعاملين تحت ظروف مختلفة . طيب الأمر الجديد أنه صار عندنا نظام متعاملين ومتعاونين هذا أمر جديد.
في السابق كان المتعاملين مع الاحتلال مثل الجعبري ودودين يعملون ذلك بالخفاء وفي خجل شديد وكان العار يلاحقهم اينما ذهبوا . طيب الآن صار في عندنا نظام يتلقى الدعم العربي والغربي والدولي وغير منتخب ، او ذات صلاحية مثل المدعو أبو مازن في يناير .. هذا النظام يتلقى دعم عسكري وسياسي من كل العالم ، ويتكلم باسم الفلسطينيين، فصار المناضل من اجل تحرير فلسطين هو المتطفل وصار المتعاون هو الأصيل. يعني هذه مسألة صعبة جداً في الوقت الحاضر في طبيعة التعاطي بمسالة الصراع ضد اسرائيل.

الانظمة العربية اليوم جهاراً تتبنى المنطق الصهيوني

4-الجانب السلبي الرابع : نقول أنه لم نعش في مرحلة كانت فيها الأنظمة العربية متنصلة الى هذه الدرجة من أي دعم للقضية الفلسطينية. على العكس باتت مجاهرة بتبنيها للصهيونية ، الصهيونية العربية كانت دائما سمة في ثقافتنا السياسية في العالم العربي ، الصهيونية العربية ليست ظاهرة جديدة. النظام الاردني بني على اساس نظام عربي تبنى العقيدة الصهيونية. الكيان اللبناني بني على اساس نفس اقامة كيان رديف يتبنى عقيدة الوطن المسيحي كتوأم للحركة الصهيونية ، وتحت هذا الاطار وقعت البطريركة المارونية في عام 1946 وثيقة سرية تحالفية بين الحركة الصهيونية والبطريكية المارونية. الانظمة العربية اليوم جهاراً تتبنى المنطق الصهيوني و الحلف السعودي العربي الصهيوني لم يعد خافياً على الاطلاق.
المسألة واضحة مثلاً تفتح جريدة الشرق الأوسط - قبل قليل وقبل حضورنا هنا كنا مع زميلة قادمة من فلسطين قدمت لنا جريدة الايام الفلسطينية - تفتح الجريدة فترى صفحة كاملة ترجمة لكتابات من الصهاينة في الغرب زليس الصهاينة في اسرائيل. هذه التعليقات في الجريدة وفي تعليق عن الانتخابات في لبنان من صهيوني في لبنان. هذا الجو .. أنا اذكر عندما انور السادات قام بماقام به ، أذكر عندما دخلت الى مبنى في الجامعة الأمريكية في بيروت ، ولا اعرف إذا كان في أحد منكم يذكره ، كان في ملصق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كبير، رجل يشير بأصبعه للجمهور ويقول : السادات يخون الوطن أنت مطالب بالرد.. وقتذاك كنا نقول السادات هو الاستثناء ، اليوم على العكس هذه السياسة العربية الرسمية ، هذه هي عقيدة ما يسمى بمبادرة السلام العربية التي هي من افكار الصهيوني توماس فريدمان. هذا جانب طبعا سلبي.

المؤسف اننا كنا نشكو في الستينات والسبعينات اننا نحول الهزيمة الى نصر ، الآن نعيش في زمن نحول فيه النصر الى هزيمة

5-الجانب الخامس السلبي: ان الثورة الفلسطينية كان لها مواقع يعني ماكان جورج حبش يسميه هانوي عربية ، محاولة انشاء هانوي عربية.. مثل قاعدة للثورة تنطلق منها في عملية تحرير فلسطين ، الآن هناك تضييق مش بس على امكانية الثورة الفلسطينية تضييق على خناق الشعب الفلسطيني نفسه. من الخليج الى لبنان الى سوريا .. الى كل مكان آخر ..

وحتى لا أسترسل في الجوانب السلبية سأستدرك لأشير الى بعض النقاط الايجابية.التي تجعل مني شخص عاش طيلة حياته مواكباً القضية الفلسطينية تجعل منه شخصاً أكثر تفاؤلاً من قبل . هذه هي المفارقة ..انه بالرغم من حالات الهزيمة والاحباط التي عشناها في حياتنا في خمسين سنة ولكن هناك ايجابيات. وانا كنت دائماً متيقن من أن اسرائيل الى زوال ولا ازال ،وكنت متيقن انه لن تقوم قائمة للعالم العربي بوجود لدولة اسرائيل على اي بقعة من فلسطين شبراً كانت ام أكبر . ولكن لم اكن أحلم في يوم من الأيام بان اتشوق الى امكانية رؤية تحرير فلسطين في حياتي. 1-ما حدث في 2006 بالغ الدلالة على أكثر من صعيد والتغيير الاستراتيجي اصاب العدو بالذعر. صحيح ان الميزان الاستراتيجي بمقياس تعداد الطائرات والدبابات يعني الى تدني لان اسرائيل تتسلح والأنظمة العربية ممنوع عليها ان تتسلح إلا ضد شعوبها.إذا اردتم اجهزة مكافحة الشغب وغيره موجود ، مثل ما يجري في جيش دايتون في فلسطين، يعني مكافحة ضد الشعب الفلسطيني ، كما يجري في لبنان ، اسلحة في مواجة الشغب وغيره. لكن ان تحدث مواجهة بين العدو وبين مقاومين الى ان نعيش في عهد نقرأ في الصحف الاسرائيلية ان المقاتل الاسرائيلي يخاف من المقاتل العربي ، هذا أمر جديد وامر بالغ الدلالة ويؤثر على طبيعة المواجهات المقبلة. يعني لو كان الاعلام العربي على غير ما هو عليه من سيطرة سعودية صهيونية لكنا استخلصنا من الدروس الكثير. المؤسف اننا كنا نشكو في الستينات والسبعينات اننا نحول الهزيمة الى نصر ، الآن نعيش في زمن نحول فيه النصر الى هزيمة. و
ذلك لأن النصر لا يتوافق مع المخطط العربي الصهيوني الامريكي..يريدون منا ان لا نثق بانفسنا وبقدرتنا على مواجهة وهزيمة اسرائيل. حتى ما حدث في غزة ، طبعا هناك فارق كبير ، وهناك تمرس في المقاومة في لبنان ، اكثر بكثير من تجربة حماس لا شك في ذلك ، لكن ما حدث في غزة ، هو خلاف لما كان يجري في السابق ، حيث لم تكن تستمر عمليات العدو سوى لأكثر من ساعات او ايام معدودة . وما حدث في غزة بالرغم من القصف والوحشية لم يجرؤ العدو على القتال المباشر وعلى الدخول. هذا امر بالغ الدلالة ، هذا تغيير استراتيجي.

نجاح يسجل للمقاومة الحالية لانهم استطاعوا ان يحموا انفسهم من الاختراقات الصهيونية المعتادة

2-الأمر الثاني انه يسجل للمقاومة الحالية خلافاً لتجربة مقاومة عاصرتها انا في لبنان في السبعينات والثمانينات ان العدو لا يعرف الكثير عن المقاومين الحاليين. هذا نجاح يسجل للمقاومة الحالية لانهم استطاعوا ان يحموا انفسهم من الاختراقات الصهيونية المعتادة . كان هناك مسؤول فلسطيني يقول عن حركة فتح وطبعاً انا لدي الكثير من الرفاق الذين ناضلوا في حركة فتح ، يعني ما عم نشمل كل الحركة بس كان هناك واحد فتحاوي يقول ان حركة فتح هي مجموعة من المتعاملين والزعران والخونة، ولكن هناك بعض الوطنيين فيما بينهم . بما معناه أنه كانت الحركات الفلسطينية مخترقة الى حد كبير. من اجهزة استخباراتية مختلفة عربية وعالمية ، بطريقة من الطرق المقاومة الحالية استطاعت أن تحمي نفسها من هذه الخروقات ، تعلموا من تجربة الثورة السائبة في الستينات والسبعينات التي عاشرناها. كانت الأخطاء جسيمة ولكن كان هناك من يراقب ويستخلص الدروس والعبر. وهذا الأمر بالغ الأهمية.

بالرغم من مرور اكثر من قرن على هذا الصراع لم يهن عزم الشعب الفلسطيني

3-الأمر الثالث وهو أهم .. أنه بالرغم من مرور اكثر من قرن على هذا الصراع لم يهن عزم الشعب الفلسطيني ، وهذا يسجل (ومش شعرياً عم نحكي ) ، انه لم يكن هذا العدو يتوقع انه بعد مرور قرن حتى مع الهزيمة والاحتلال انه لايزال المطلب هو ، هو بتحرير فلسطين.. حتى النظام المتعامل لايزال يتحدث بانه موضوع تحقيق دولة فلسطينية على 22% من ارض فلسطين الأصلية. لكن هذا الامر لم يكن في حسبانهم . لو عدتم الى كتاب وضعه ثيدور هرتسل قبل سنتين من موته في عام 1902 وهو كتاب غير معروف لأنه نحن نعرف كتابه " دولة اليهود" وليس "الدولة اليهودية" ، هذه ترجمة خاطئة لعنوان الكتاب في الالمانية بالمناسبة ، الكتاب أصلاً اسمه "دولة اليهود" لان ثيدور هرتسل لم يكن يقصد الدولة في فلسطين المحتلة اليوم. حتى هناك قسم في الكتاب يتحدث فيه الارجنتين أم فلسطين. ولكن بعد نشر كتابه في 1896 عقد المؤتمر الصهيوني الأول في 1897 وعندما جال في اوساط الجاليات اليهودية في اوروبا لم يكونوا اليهود المتدينين ليقبلوا بان يحضر المؤتمر ما لم يتم حسم الهدف بأن يكون فلسطين وليس مكان آخر. ولهذا حوروا فيما بعد ، بعد موته بسنوات من عنوان الكتاب.. وليست هناك ترجمات بالعربية تحمل اسم الدولة اليهودية. هذا خطأ عنوان الكتاب دولة اليهود ، التشديد كان على الدولة وليس على يهودية الدولة كما اراد الصهيانة فيما بعد ليسوغوا الاستيلاء على فلسطين. في كتابه الثاني بعنوان "الأرض الجديدة القدمة". هرتسل كان يتوقع انه بعد سنوات من اقامة الدولة اليهودية على ارض فلسطين ان الشعب الفلسطيني سينسى الأمر. وهل هي المفارقة الكبيرة بتاريخ الصهيونية والتي افادتنا ولم تفدهم انهم راهنوا على زوال نار الشوق الفلسطيني الى الارض ولم يكن ليتوقعوا ان الشعب الفلسطيني حتى الذي او التي لم تطأ قدماها أرض فلسطين تناضل وتحلم بالعودة الى فلسطين وهذا أمر لم يكن في حسبانهم.

في الجامعات الأمريكية أقول لهم في امريكا أنتم لستم في طليعة العالم،انتم في مؤخرة هذا العالم

4-الجانب الآخر الايجابي ان الراي العام العالمي تغير وانا دائماً أقولها في الجامعات الأمريكية أقول لهم في امريكا أنتم لستم في طليعة العالم. انتم في مؤخرة هذا العالم .. كل عام في الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي غير مجلس الأمن الخاضع للضغوطات الأمريكية يكون هناك تصويت على امور قضية فلسطين كل عام.في الجمعية العامة ، ما هي طبيعة التصويت تكون عادة العالم كله في جانب وفي الجانب الآخر الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وماركيريزيا ومارشيال ايلاند ، دول صغيرة تحت امرة الولايات المتحدة. الرأي العام العالمي تغير حتى على امتداد العقدين الماضيين . من كان يتوقع الرأي العام مثلا في دول كانت مشهورة بالصهيونية مثل هولندا والدنمارك والسويد والنرويج ، فرنسا حتى المانيا ، كانت الدولة الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية من أعتى مناصري الصهيونية. الرأي العام أصبح أكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني اكثر من اسرائيل باستثناء الولايات المتحدة. في العقد الماضي كذلك روسيا تغيرت التعاطف مع اسرائيل ازداد هناك. وللأسف ليس هناك من عمل مناهض واسباب التغيير في روسيا تعود الى طبيعة القتال وزيادة العنصرية ضد الاسلام بسبب ما حدث في الشيشان. ولكن بصورة عامة هناك تغيير مهم ذو دلالات

مسألة التطبيع مع العدو ليست مقولة شعبية ، طبعاً الأنظمة العربية تفاوض على التطبيع

الأمر الرابع وهو مهم أيضاً أن مسألة التطبيع مع العدو ليست مقولة شعبية ، طبعاً الأنظمة العربية تفاوض على التطبيع والملك السعودي فيما كُتب له من كلام يعد العدو بانهم سيعطيهم تطبيع شامل وكامل مقابل ما يعطونه جزء من فلسطين العزيزة. لكن من يظن ان الملك السعودي يستطيع ان يسيطر على عقول الجالسين والجالسات هنا ... هل في واردهم انهم سيفرضوا التطبيع ، أنور السادات لم يستطع ان يفرض التطبيع في مصر. او الهاشميين في الاردن أو حتى في لبنان بعد الاجتياح في عام 1982 عندما تبوأ الكتائبي الاسرائيلي بشير الجميل السيء الذكر واخوه من بعده التنصيب من قبل الجيش الاسرائيلي. لم يستمر العلم الاسرائيلي والذي ارتفع على مكتب تنسيق في " الضبية" في لبنان ، لعار لبنان .. لم يستمر هذا الأمر إلا بضعة اشهر واضطرت الحكومة اللبنانية آنذاك العودة عن التوقيع والغاء اتفاقية 17 ايار بين لبنان واسرائيل..

من منا يتوقع ان دحلان ، أبو مازن أو صائب عريقات يستطيعون ان يفرضوا تسوية مهينة مثل تسوية الدولتين على شعب فلسطين

سأكمل حتى افتح المجال قبل ان ننهي.. انا اجدني (ربما مسألة السن) ازداد تحرقا لمسألة تحرير فلسطين يعني حتى انني عندما يأتي الخبر في المرة الأولى أسأل ماذا سنفعل؟ في حرب تموز 2006 اسرائيل بدت على حقيقتها اكثر ضعفاً مما نظن مهما كانت ترسانتها هائلة ، ترسانة النظام العنصري في جنوب افريقيا كانت مماثلة للترسانة والقوة الاسرائيلية وماذا حدث؟ هناك متغيرات شديدة الثقة بالنفس عند من يقاوم اسرائيل ، ازدادت الى درجة لم نألفها من قبل ،التسليم العالمي بمسألة شعب فلسطين وقضية فلسطين مسألة جديدة. من يتصور انه في عام 1969 غولدامائير قالت لصحيفة بريطانية لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني.. في عام 1967 قرارا 242 لم ترد كلمة فلسطيني مرة واحدة في هذا القرار. الآن حتى في اسوأ القرارات والمؤتمرات لا يفكر احدهم أن يتجاوز او يتنافى كلمة فلسطيني . يعني حتى اعداؤنا مثل جورج بوش او اوباما او غيرهم يضطرون الى التسليم بما هو بديهي عندنا مثل وجود شعب فلسطيني وارض فلسطين . ولهذا انا اعتقد ان الحتمية التاريخية بان اسرائيل الى زوال ، لا يمكن لها ان تستمر . انا أعتقد وانا طبعاً لست من أنصار الدولتين،فأنا منذ كنت .. منذ حداثتي مع تحرير كل فلسطين من النهر الى البحر. لكن من الواضح ان اسرائيل ليس هناك فقط ما يسمى بالخطر الديموغرافي وهي كلمة عنصرية ولكن قدرة اسرائيل على فرض ارادتها بالقوة على الشعب الفلسطيني تتضائل .. و المجتمع الدولي حتى في أسوأ تجلياته يعترف اليوم في حق الشعب الفلسطيني، حتى وإن اختلفنا معه في تجليات وطبيعة هذا الاعتراف بهذا الحق.
لهذا انا اقول كان يمكن لاسرائيل ان تصل الى تسوية في السبعينات أو الثمانينات ربما مع ياسر عرفات الى حل دولتين ولكن حتى هذا الحل الغير مقبول بالنسبة لي وبالنسبة للكثيرين من الفلسطينيين ، ولكن ياسر عرفات كان له القدرة للأسف أقول أن يفرض هذه التسوية الجائرة على شعب فلسطين . الفرصة أتت مرة واحدة وذهبت لا اعتقد أن هذه الفرصة ستأتي .. من منا يتوقع ان دحلان ، أبو مازن أو صائب عريقات انهم يستطيعون ان يفرضوا تسوية مهينة مثل تسوية الدولتين على شعب فلسطين؟.. هذه التجربة لن تعود ولهذا على العكس من ذلك انني ارى اصوات تزداد اقتناعا بان لا عدل إلا بحل الدولة الواحدة ، تحرير كل فلسطين ..

ادوارد سعيد قال لي : أراني يوماً بعد يوم اقترب منكم انتم جماعة تحرير كل فلسطين

هناك لدى اشخاص عاصرتهم رأيت كيف تغيرت آراءهم.. انابداية وصولي الى امريكا في عام 1983 كنت دائما اختلف مع ادوارد سعيد.. حتى في ندوات عربية لِما كنت أتنسم منه من آراء تسووية ولكن اذكر انه في التسعينات بدأ يتغير.. أذكر أنني رأيته مرة كنت أناظر مراسلة صحيفة بنيويورك تايمز في نيويورك وبعد المناظرة كنا نمشي سوية وقال لي : أراني يوماً بعد يوم اقترب منكم انتم جماعة تحرير كل فلسطين. ونذكر انه في اخر سنوات حياته كان ضد حل الدولتين وكان ضد اوسلو.هناك الكثير من الاشخاص الذين تعرفون واعرفهم تغيروا وباتجاه ضد حل الدولتين.باتجاه تحرير كل فلسطين .. وسأختم باستشهاد للفيلسوفة المفكرة الصهيونية اليهودية " حنا اريد " المعروفة في عام 1951 وهي كانت لاجئة من المانيا وعملت على مساعدة اللاجئين اليهود في اوروبا آنذاك ، وكانت صهيونية وتؤيد الحركة الصهيونية ولكنها كانت تستطلع الثقة بالقوة و العنف من قبل الحركة الصهيونية ضد شعب فلسطين. كتبت مقالة غير معروفة ولم تترجم للعربية للاسف في عام 1951 قالت فيها أنه من المؤسف ان الحركة الصهيونية تقوم على مبدأ أن اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب هي لغة القوة. ونحن لانزال نسمع هذه المقولة من قبل الصهاينة والاستشراق و قالها جورج بوش و فؤاد عجمي وغيره من الصهاينة في امريكا. قالت هي في عام 1951 انظر الى ما حدث في ارض فلسطين ، يعني آنذاك في الخمسين سنة الأولى من الصراع ، قالت : "على العكس الخلاصة الوحيدة على ما نرى ان اللغة الوحيدة التي لا يفهمها العرب هي لغة القوة". ومن الواضح ان الشعب الفلسطيني لم يفهم لغة القوة ولم تستطع اسرائيل رغم ما استعملت من قوة لا يمكن ان تكون اكثر قوة مما استعملته واكثر عنفاً وبالرغم من ذلك لم يتحقق لها ما ارادت من قتل رغبة التحرير عند شعب فلسطين وشكرا لاستماعكم.

يتبع قريباً الجزء الثاني من الجلسة

عن موقع الصفصاف
http://www.safsaf.org/06-09/nidal/assad-abo-khalil-oslo.htm


الأحد، 28 يونيو 2009

إيران وشجون أخرى: الصورة من زاوية المواطنة ..عزمي بشارة

(أ)
تختلف منطلقات أوساط جيل إيرانى وتوقه إلى حياة ينحسر فيها تدخل الدين (رجال الدين والدولة باسم الدين) فى حياتهم وقراراتهم كمواطنين عن حسابات التيار الإصلاحى السياسية الداخلية والخارجية.
ويسود تفاوت أكبر بين منطلقاتهما وحسابات المحافظين من الشق، الذى تضرر من فترة حكم نجاد، وبات يختلف مع طريقه فى السياسة الداخلية والخارجية.
قد تختلف مصالحهم داخليا، رغم أنها تلتقى حاليا ضد نجاد، ولصالح إضعاف دور المرشد. ولكن حساباتهم جميعا تلتقى خارجيا فى رؤية وطنية لمصلحة إيران كدولة وحساباتها كدولة. وهى دولة تجاوز نضجها فى نظرهم ما يسمى بمبادئ الثورة الإسلامية. ودعم القضايا العربية غير قائم فى حساباتهم، خاصة إذا تعارض هذا الدعم مع السعى لكسر الحصار على إيران. وهم يقفون منه موقفا يتفاوت بين الأداتية والتحفظ والعداء.
عادة تنسجم النزعة لتعزيز مفهوم المواطنة وواقعها حقوقا وواجبات مع تعزيز مفهوم الدولة الوطنية وحدودها وواقعها وهويتها.
يخطئ من يعتقد أن التوق إلى تعزيز حقوق المواطنة هو نضال الأغنياء، حتى لو أخذنا بعين الاعتبار أن قواعد الاحتجاج تنشأ بين أبناء الطبقات الوسطى.
فى الدول الاشتراكية سابقا اتخذ تعزيز المواطنة وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية شكل ارتداد ضد الدور المدفوع (أو المبرَّر فقط) بالأيديولوجيا خارج الحدود الوطنية. ومن هنا الردة لصالح الصهيونية وضد قوى التحرر الوطنى فى العالم، فى فلسطين وغيرها فى دول المعسكر الاشتراكى سابقا. لقد أوهمتهم حكومات الحزب الواحد أن معاناتهم الاقتصادية ومستوى معيشتهم المتردى ليس ناجما عن جمود قوى الإنتاج والبيروقراطية وانعدام الديناميكية فى الإنتاج والتوزيع والعرض والطلب، بل بسبب دعمها للشعوب خارجها. فظهر التردى الاقتصادى، وكأنه تضحية مفروضة من أجل الغير (كما تبرر بعض الدول العربية حاليا كل سيئاتها). وارتبطت حركات التحرر فى أذهان تلك الشعوب بالـ«نومنكلاتورا» والبيروقراطية الفاسدة وانعدام الديمقراطية وغيره.
وهذا ما سوف يحصل فى إيران، على مستوى أوساط واسعة من الرأى العام ضد القضايا العربية، إذا لم تجد الدولة التوزان المناسب بين المواطنة ومهام الدولة داخليا وخارجيا.. نقول هذا مؤكدين ما كتبناه سابقا أن مؤسسات الدولة والرابط المذهبى تشكل عائقا كبيرا أمام تطور كهذا فى إيران. ولكن حال تمأسس الثورة يصبح العائق الرئيس أمام أصولييها هو تطلعات وحقوق المواطن وتوقعاته من الدولة، ودخول هذه التوقعات والحاجات حلبة الصراع السياسى بين القوى المتصارعة على الحكم.
(ب)
الفجوة بين السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية وأهدافها فى إيران من جهة ومسألة المواطنة فى إيران أو فى بلادهم ذاتها من جهة أخرى هى أكبر من الموصوفة أعلاه. فالهدف الأمريكى والأوروبى هو حاليا وقف برنامج إيران النووى، والتعاون الإيرانى الكامل فى لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان. أما داخليا، فحال رفع العقوبات والحصار كتحصيل حاصل لتغير السياسات فسوف يتضح أن الاقتصاد والمجتمع الإيرانى قابل للانسجام فى السوق العالمية، أكثر حتى من دول محيطة به. وأن نمط الحياة سوف يتغير نتيجة لذلك على الأقل بالاتجاه الذى يحلم به أبناء الطبقات الوسطى، وأن الغرب لن يأبه كثيرا لمسألة الحقوق المدنية والسياسية، التى سوف تبقى معركة الإيرانيين وحدهم.
واللعبة الحالية الجارية بين ادعاء الرغبة بالحوار مع البلد لإقناعه بلجم مشروعه النووى وبين التآمر عليه داخليا وخارجيا هى لعبة الدول المعروفة، لا جديد فيها. يريدون إضعافه فى المفاوضات، ولن يغضبوا إذا ضعف دوره عموما أو حتى سقط بالمناسبة. ولكن الأعقل فى المؤسسة الأمريكية الحاكمة يعلمون أن إيران سوف تجتاز الأزمة. ولذلك يريدون التوقف قبل تطور رد فعل إيرانى على التدخل الحالى يتجسد بالتصلب فى المفاوضات، والتسبب بأوجاع رأس لأمريكا فى ملفات أخرى معقدة أصبح لإيران دور فيها.
ولابد من التذكير أن من «المتعاطفين» مع الاحتجاج فى إيران من دعوا لقصف إيران. لم يكن لديهم مانع من قصف نفس هؤلاء المتظاهرين وعائلاتهم من طائرات لن تميز بين الإصلاحى والمحافظ. يتظاهرون بالتأثر لصورة فتاة سقطت مدماة برصاص قمع المظاهرات، ولكنهم قتلوا الملايين فى العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان. وما زالوا حتى هذه اللحظة يدعون لقصف إيران، أى لقتل الآلاف مثلها فى طهران نفسها. جون ماكين أنشد عمليا وعلى الملأ «اقصفوا، أقصفوا، اقصفوا إيران» أثناء حملته الانتخابية. كما شارك فى حملة الدعوة لقصف إيران كل من جون بولتون، والسناتور المعروف ومرشح الرئاسة السابق جوزيف ليبرمان. ولنذكر أيضا إن عمدة نيويورك السابق جوليانى حين كان مرشحا للرئاسة فضَّل أن تتم الضربة بالسلاح التقليدى، ولكنه لم يستثن إمكانية استخدام سلاح نووى فى ضرب إيران (موقع سى.إن.إن. 5 حزيران 2007). كم فتاة بجنيز وبجلباب، بشادور وبدون شادور، كان هذه التافه على استعداد أن يقتل؟
الخبر الأكثر أهمية فى هذه الأثناء هو دخول دنيس روس (إياه) للبيت الأبيض مستشارا لهذه الشئون بعد أن عينته كلينتون مسئول الملف فى الخارجية. وهو الذى عمل طوال الحملة الانتخابية الرئاسية من قبل اللوبى الإسرائيلى لإقناع حملتى أوباما وماكين للتوقيع على بيان تعهّد بمنع إيران من وصول درجة التمكن من إنتاج سلاح نووى فى حالة الفوز بالرئاسة. وقد وقّّع مركزا الحملتين فى حينه فعلا على بيان كهذا. وبعدما نشرت جميع الأجهزة الأمنية الأمريكية فى تقريرها NIE National Intelligence Estimate للعام 2007 باسم 16جهازا أمنيا واستخباراتيا أمريكيا (والذى حاول تشينى، نائب الرئيس فى حينه، منع نشره) استنتاجها أنه ليس لدى إيران خطط لإنتاج سلاح نووى، كتب المذكور مقالا (بعد ثمانية أشهر من صدور التقرير) فى «وول ستريت جورنال» تحت عنوان «كل إنسان يجب أن يقلق بشأن إيران». إنه نفس دينس روس الذى يعلن صراحة أنه يؤمن بتصعيد العقوبات إلى درجة إقفال الممرات المائية أمام صادرات إيران من النفط، ثم الانتقال إلى قصف شامل يشل قدرة إيران على إنتاج أى تكنولوجيا ويعيدها عقودا إلى الوراء. إنه نفس دنيس روس الذى بدأ الحملة على ياسر عرفات بعد أوسلو مباشرة، وعرقل إعادة الجولان كاملا فى مفاوضات جنيف، وُعيِّن من قبل الوكالة اليهودية رئيس للجنة لفحص العلاقة بين إسرائيل ويهود الشتات.. هذا الرجل الآن سيكون قريبا من أذن أوباما فى الشأن الإيرانى. هذا خبر!
---نعرف جميعا بلدا عربيا كبيرا تحالف مع الغرب وانفتح اقتصاديا وعقد صلحا مع إسرائيل، وتغير نمط الحياة فيه فعلا، وازدادت الهوة بين الغنى والفقير، وتوسعت الحريات أيضا بالمناسبة. ولكن الغرب تابع عملية تزييف الانتخابات فيه كأنها «فُرجَة» لا أكثر. وأقصد هنا جميع عناصر التزييف الممكنة: رفع نسبة التصويت اصطناعيا، وتزييف النتائج، واستخدام العنف. ونشرت صور ضرب المرشحين والمصوتين بالهراوات، يوم الانتخابات وقبله وبين جولتى الانتخابات. وأذكر صورة تحدٍ لناشط من الحزب الحاكم وهو يدخل مئات الأصوات إلى الصندوق فى غرفة وحده غير آبه.
-لا داعى طبعا للتعليق على إعجاب نتنياهو بشجاعة المتظاهرين فى طهران. ولكن حين تصبح «إيكونومست» الرصينة والقليلة الانفعال والمثابرة فى دعمها حسابات رأس المال الباردة واللبرلة والخصخصة غير آبهة بآلام الناس عاطفية دون سابق إنذار فيجب أن نستنفر. فى عددها الأخير( 20ــ26 حزيران) تكتب وتغص بالدموع عن متظاهر لم يخرج من فمه بالانجليزية سوى كلمة «فريدوم»، حرية. إذ لا شىء يثير القلق أكثر من شاعرية الـ«ايكونومست» المفاجئة. ففى عددها هذا تتحدث عن تزوير لا بد أنه وقع، لأن فوز موسوى كان متوقعا. وجدت نفسى أراجع عددها السابق الذى أغلق عشية الانتخابات، فلا أجد ولا حتى خبر، ناهيك بمقال يذكر الانتخابات بإيران. ذهلت من هذا التدهور. فإذا كان فوز الإصلاحيين متوقعا كما تدعى بعد الانتخابات، هل أهملت مجلة جدية كهذه موضوع «الفوز المتوقع» برمته فى ظرف مركزية وإيران والخليج فى الاقتصاد والأمن والسياسة بالنسبة للغرب؟.. لا. ما كانت لتفوت أمرا كهذا.
أما مجلة «تايم» فتفرد صفحات لوصف الجوانب الإنسانية فى حسين موسوى. فجأة تتكتشف لها، وللقارئ طبعا، مواهبه كرسام ومهندس، وأن له منزلا وعائلة. وليس لأحمدى نجاد حديقة ومواهب وعائلة، ليس فى الـ«تايم» طبعا. علينا أن نتذكر أن موسوى هو رئيس حكومة سابق، وكان متهما من قبل الأمريكان بكل عناصر «الظلامية» فى قاموسهم، وبالوقوف وراء «الإرهاب» ضدهم فى لبنان ومناطق أخرى فى الثمانينيات.
نفس الإعلام الغربى بيَّض صفحة ياسر عرفات إلى درجة جائزة نوبل للسلام حين لزم، وحين لم يتابع بالاتجاه الذى يريدون عادوا لتشويه صورته وقتله سياسيا وحتى التمهيد لقتله جسديا. ويمكننا أن نتخيل نفس المسار لو فاز موسوى. ماذا لو توقف اندفاعه السياسى بالانفتاح على الغرب عند حد معين، كيف كانت نفس الصحافة ستخرج صوره من ماضيه الآخر «الإرهابى»؟
الحماس لـ«تويتر»، وفى «تويتر» ليس أفضل حالا. لدينا هنا ماكنة إعلامية كانت قبل الأحداث فى إيران تساوى 250 مليون دولار، وتجذب فى العام استثمارات تقدر بـ20 إلى 30 مليون دولار فى فترة ركود اقتصادى ( كل هذا دون خطة اقتصادية معروفة، ودون دعاية تجارية واحدة)! والتقاطع الفردى فى سيرة نفس الشباب بين عضوية فى إدارتها وإدارة فيس بوك، وبين تقديم الاستشارة رسميا للخارجية الأمريكية فى كيفية استخدام «الإعلام البديل» فى تعزيز سياستها فى الشرق الأوسط يجب أن تلفت النظر على الأقل. وطبعا بعض الأخوة المتحمسين بحق للإمكانات التى يتيحها «الإعلام البديل» و«الإعلام الاجتماعى» يتحمسون لكل جديد، فكم بالحرى حين يتقاطع الهاتف النقال أو المحمول مع الإنترنت؟!
ولكن هنالك فرقا بين مدونة لشاب أو مثقف تقدمى يبذل فيه جهدا فى جمع معلومات وبلورة رأى للوصول إلى القراء متحديا الإعلام الممأسس من جهة، وشبكة ممولة لا يعرف من يشارك فيها من جهة أخرى. تخاطب المشاركون حول إيران بالإنجليزية، ولم يمكن التثبت من منهم من إيران فعلا ومن يدعى ذلك. ونُشِرَت جملٌ قصيرة وشعارات، منها ما هو صحيح، ولكن نشر معه كم من الإشاعات دون تبيين المصدر وصحته، وتناقلوا الصور والأفلام وغيرها دون أى فحص لدقتها ولتاريخ تصويرها الفعلى. شارك إيرانيون بأعداد قليلة، وشارك إسرائيليون وأمريكيون بأعداد أكبر، ومنهم من ادعى أنه إيرانى (وهذا مثبت). وبالمجمل جرت ثورة عنكبوتية نيابة عن الإيرانيين بين فنجان كابوتشينو وآخر فى منازل نبراسكا وأوكلاهوما. ولوضع الأمور فى سياقها نذكِّر، أن ثلث الإيرانيين فقط يرتبط بالإنترنت، وأنه إذا كان فى كندا المربوطة كلها بالشبكة 78% لم يسمعوا بـ«تويتر»، فكم من الإيرانيين سمع؟..
لقد قرَّعت جماعات من الشباب الفاقد للمعلومات ولآليات فحصها الإعلام الرسمى على تجاهله الاحتجاجات الإيرانية، وأجبرته على إعادة النظر. هذا صحيح. ولكن هذا لم يجعلهم مصدرا أفضل للمعلومات.. من ينشر ويعلك (وباختصار يوَتوِت من وَتْوَتَة، وبالإنجليزية «تويت» و«ر» ــ تويت») أخبارا وأكاذيب، ويجتر إضافة لذلك دناءات إسرائيلية من نوع «شوهد مجندون من حزب الله وحماس يقمعون المتظاهرين فى طهران»، على نفس الموجة التى نعرفها «الحرس الثورى الإيرانى يحارب فى غزة ولبنان«، لا يشكِّلُ إعلاما بديلا، ولا اجتماعيا. بل يجتر ويعمم نفس القاذورات على فئات لم تكن معرَّضة لها من الشباب الذين لا يتابعون الإعلام الممأسس. إنهم يعرضونهم لنفس الأكاذيب برقابة أقل طبعا، ولكن أيضا بدرجة مسئولية وفحص أقل. قد تعمم الشبكة مقالة ممتازة وموثقة لمدون مغمور، وقد تعمم الجهل والهستيريا مثل أى «ميديا». وبعض المواقع العربية والغربية هى مجمعات نفايات.
ليس هؤلاء نموذجا للمواطن الأمريكى المهتم بما يجرى. ونحن نجد على المدونات الكثير من المواطنين الأمريكيين الحريصين على حقوق الإنسان وعلى دور أمريكا، بمقالات موثقة ومعدة جديا عما يجرى فى إيران تنتقد إيران، ولكنها تنتقد أكثر دور بلادهم فيها. امتحان المواطنة المدنية الأمريكية ليس فى الشبكات الممأسسة، حيث دخلت المؤسسة الأمريكية الحاكمة ومالها، كما دخل الإسرائيليون بقوة. بل فى مئات الملايين من المواطنين الأمريكيين والأوروبيين الذين يعيشون حياتهم يوميا يمارسون حقوقا غير متاحة فى بلادنا، ونعم يقعون ضحية تدخل المشهد الإعلامى فى تصميم رأيهم عن الدنيا، ولكن بعضهم يدافع عن حيزه الخاص ضد هذا الولوج إليه من قبل الإعلام، وبعضهم يساهم فى الحيز العام فى الدفاع عن الحقوق المدنية وعن جسد الإنسان وروحه وعن البيئة وعن المساواة ضد الشركات الكبرى، التى لا تعرف لها غير الربح.. وبعضهم يدافع أيضا عن الشعوب الأخرى ضد عدوانية بلاده.. هنا المواطنة قائمة فعلا وتمارس.
(ج)
إذا كانت إيران الدولة الوطنية المنظمة والعاتية فعلا من ناحية التمركز الإدارى والمؤسسات الحاكمة وغيرها تتعرض لمثل هذه الهجمة الإعلامية فتصمد وتحمى نفسها، فما علينا أن نتخيل أثر ما تتعرض له أمة دون دول مثل الأمة العربية. كل شىء عند العرب يصرخ بغياب الأمة والمواطن بنفس الدرجة.. وأن تغييبهما لا ينتج دولة بل ينتج سلطة ورعية، وقبيلة وعشيرة وطائفة وأسرا حاكمة وزعامات وأتباع. وما زال الكاتب أو القائل يناقَشُ فى أصله وفصله وهويته ومذهبة ومذهب أهله، وليس فى مضمون قوله.
فى غياب المواطن والأمة والدولة ليس العرب معرَّضين فقط لحملات إعلامية بل يذروهم أى نسيم إعلامى كأنه إعصار. فتتفاوت الردود بين اجترار ما يقال فى الغرب من «نيويورك تايمز» وحتى «تويتر»، وتسويق أى إشاعة إسرائيلية ترغب إسرائيل بنشرها بترجمتها إلى العربية وبثها فى كل مكان من جهة، وردود الفعل العصبية الرافضة لأى معلومة، ناهيك برأى، دون فحص أو تمحيص من جهة أخرى.

حماس وسؤال ما العمل بعد خطاب دمشق؟ ...عريب الرنتاوي

28-6-2009


ثلاثة رأوا أن خطاب خالد مشعل الأخير في دمشق ، لم يحمل جديداً : الأول ، مكابر يصر على أن يحجب ضوء الشمس بغربال ، حتى وإن أدى ذلك إلى «ليّ عنق الحقائق واللغة والكلمات» ، ودائماً تحت وابل من الشعارات الفوق ثورية ـ جهادية و«الطهرانية».. الثاني ، مناهض لحماس يريد للحركة أن تظل في «جلباب الماضي ونًقَابه» ، فلا تخرج إلى دائرة العمل السياسي بكل حساباته وأدواته وتكتياته ، إن لعداء متأصل للحركة وشعبها ، أو لنزعة استئثارية لا تريد شريكاً أو منافساً أو بديلاً ، لطاقم السلطة في رام الله الذي يكاد يحظى كل فرد من أفراده بلقب «كبير المفاوضين».. والثالث ، قارئ غير مسيس يعجز عن سبر أغوار الكلمات وما ورائها أو خلفها ، فتأخذه كلمة المقاومة على سبيل المثال ، إلى حيث يرغب من دون أن يتأمل فيض الكلمات التي أعقبتها من نوع : «الواعية والمسؤولة» «الوسيلة وليست الهدف» إلى غير ما هناك.

ليس من مصلحة حماس ، وهي تجنح لتبني خطاب جديد ، وبعد مخاضات وضغوط عسيرة ، أن يأتي من يحيط جديد خطابها بسحب كثيفة من الغموض والقراءات الرغائبية ، التي وإن عبّرت عن رأي فريق داخل حماس والمجتمع الفلسطيني عموماً ، إلا أنه فريق «لا أكثري» كما هو واضح ، وأن يبذل كل ما بحوزته من جهد ، لتمييع جديد الحركة وتبديده في بحر من قديمها. فالضرر - إن جاز لنا أن نسمي تحولات حماس ضرراً - وقع ، وعلى الحركة أن تقطف ثمار تكيفاتها وتحولاتها ، من خلال العمل على ضمان اعتراف العالم بها وبحقوق شعبها كما صاغتها في خطاب رئيس مكتبها السياسي بالأمس في دمشق ، وكما صاغها من قبل البرنامج الوطني الفلسطيني ، بل ومن حق الحركة على أصدقائها والمخلصين لقضية شعبها ، أن يلفتوا نظر العالم لهذا التحولات ، وإبرازها في معرض المطالبة بالانفتاح على حماس والاعتراف بها والحوار معها ، بدل أن يعملوا على طمس هذه التكيفات أو التقليل من شأنها.

والحقيقة أن مشعل في خطابه ، ولأول مرة في تاريخ حماس ، يتماهى مع برنامج منظمة التحرير ، برنامج العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، بوصفه برنامج «الحد الأدنى المشترك» وليس «البرنامج المرحلي» ، وبوصفه الأساس لحل القضية الفلسطينية ، حلاً عادلاً ، تبدي حماس على لسان رئيس مكتبها السياسي ، الاستعداد في تسهيله والتجاوب معه ، فتصبح هي بذاتها ، جزءاً من الحل وليس جزءا من المشكلة.
ينطبق الأمر ذاته على وسائل الكفاح وأدواته ، والحديث المسهب عن المقاومة الوسيلة ، والمقاومة المبصرة ، والمقاومة العاقلة ، والرجل هنا يصرح - ولا يلمح فقط - إلى استعداده لقبول استراتيجية تجمع المقاومة بالمفاوضات ، المقاومة الرشيدة والمفاوضات الرشيدة ، وصولا إلى انتزاع هذه الحقوق.

لا نتوقع أن تتلقف أوساط السلطة والمنظمة هذا الالتقاء على البرنامج الوطني وأن تجعل منه مقدمة لاستعادة الوحدة والمصالحة وبناء البيت الفلسطيني من جديد ، أولاً : لأن هذا البرنامج ، برنامج المنظمة ، لم يعد برنامج القوى النافذة في السلطة ، وهي التي أبدت استعداداً متكرراً للتخلي عن كثير من جوانبه ، أو النظر إليها بمنظار «التخلي والتنازل» ، وثانياً ، لأن الإقرار بأن حماس تبنت البرنامج الوطني الفلسطيني سيعني فتح أبواب السلطة والمنظمة على مصاريعها أمام مشاركة حماس ، وهذا سيفضي إلى تغيير معادلة الحكم وموازين القوى داخل مؤسسات الشعب الفلسطيني من الحكومة إلى المنظمة مروراً بالسلطة.
كما أننا لا نتوقع أن تتلقف إسرائيل الإيماءات الإيجابية في خطاب مشعل ، فإسرائيل تريد أن تكرس صورة نمطية عن الفلسطينيين : السلطة الضعيفة ، وحماس الإرهابية ، لتكون النتيجة دائماً «ليس هناك شريك فلسطيني»، واستتباعاً ليست هناك عملية سياسية جادة وجدية لإنهاء الاحتلال.
نأمل أن تعمل حماس (عقلاؤها على الأقل) وهم الكثرة الكاثرة من قياداتها ، على إبراز التحولات والتطورات التي استجدت على خطاب الحركة ورؤيتها ، ومن دون استحياء أو تردد أو خضوع لابتزاز الأصوات العالية ، وأن تتكثف جهودهم وتتظافر مع جهود أصدقائهم ، لاستثمار هذه التحولات والبناء عليها وإطلاق المبادرات على أساسها ، وبصورة تعجل في تكسير أطواق العزلة والحصار ، وتفتح الباب لكسر واقع الانقسام الراهن في العمل الوطني الفلسطيني ، لا من بوابة الحوار فحسب ، ولكن من خلال اعتراف العالم كذلك بوجود لاعب فلسطيني رئيس ما زالت أبواب الملعب موصدة في وجهه ، وقد آن أوان فتحها.

مشعل ينتقل بالفلسطينيين من تقبل الشروط إلى فرضها ...شاكر الجوهري

27-6-2009


مطالبة خالد مشعل للرئيس الأميركي بسحب الجنرال كيث دايتون من الضفة الغربية تمثل أكثر من عملية تحول فلسطيني من تلقي الشروط إلى طرح الشروط.. ذلك أنها تمثل شق طريقاً جديداً للتسوية السياسية المرحلية، انطلاقاً من إعتداد وثقة كبيرتين بالنفس، أشار إليهما رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صراحة في خطابه، الذي إنصب أساساً على ضرورة تحويل الأقوال الأميركية إلى أفعال، تبدأ بسحب الجنرال الأميركي من الضفة، وتنتهي بالتحول عن محابات إسرائيل والانحياز الكامل لها إلى فرض حل سياسي يقيم دولة فلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة سنة 1967، عاصمتها القدس، بعد اندحار الاحتلال عنها وتفكيك المستوطنات كافة.
لا يعقل، ولا يصدق أن تكون هناك سياسة اميركية جديدة اتجاه القضية الفلسطينية، فيما تتواصل فصول السياسة الأميركية القديمة التي ينفذها دايتون، لجهة تفكيك ونزع أسلحة أذرع المقاومة الفلسطينية.
ولا يعقل أن يمد اوباما يده لـ «حماس»، فيما تواصل يد دايتون العمل على تفكيك «حماس»، وعموم الأذرع الفلسطينية المقاومة، وتفكيك بناها التحتية..!
أن تكون هناك شروط فلسطينية للحل، والتسوية السياسية، لا يعني البتة وجود سياسة عدمية، كما وصف نايف حواتمة المقاومة الفلسطينية غير المستندة لأفق حل سياسي في وقت مبكر، تزامن مع برنامجه للنقاط العشر الذي قاد القضية الفلسطينية، ليس فقط إلى أخطر مأزق سياسي في تاريخها، بل إلى حالة الانقسام المستمرة منذ عقدين من الزمن.. ذلك أن خطاب مشعل، الذي زاوج بين الاستعداد لتسوية سياسية، ومواصلة المقاومة، استجاب للمطلبين الوحيدين اللذين نقلهما له جيمي كارتر، الرئيس الأميركي الأسبق من الرئيس اوباما، دون انبطاح على البطن، ودون لهاث وراء الرضا الأميركي.
المطلبان اللذان استجاب لهما مشعل باسم حركة «حماس» هما :
المطلب الأول : القبول بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967..(البرنامج الذي يمثل الحد الأدنى لشعبنا، وقبلناه في وثيقة الوفاق الوطني كبرنامج سياسي مشترك لمجمل القوى الفلسطينية، هو: قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعد انسحاب قوات الاحتلال وإزالة جميع المستوطنات منها، وإنجاز حق العودة).
مشعل أراد أن يقول بهذه الصياغة أنه لا يقدم تنازلاً جديداً، بل هو التنازل الذي سبق تقديمه في إطار التوافق الوطني الفلسطيني.
المطلب الثاني : القبول بحل الدولتين، وهو ما يفهم ضمناً من القبول بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967.
ويلمح مشعل هنا إلى أن «المقاومة وسيلة وليست غاية، وهي ليست عمياء، بل ترى التغيرات الجارية. ولكن المقاومة ترى أيضاً أن التغيير على الأرض لا يتم بفعل التمني أو الاستجداء، ولا بفضل من يستكين لواقع الاحتلال أو الظلم، بل بفضل من يقاومه ويناضل ضده، ويقدم التضحيات لتحقيق أهدافه».. مؤكداً بشكل غير مباشر الاستعداد لوقف المقاومة في حالة تلبية مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
ولذلك، فإن الصياغة التي استخدمها لا تتضمن أية امكانية لقبول مطالب جديدة، بل إن مشعل هو الذي لم يكتف بطلب سحب دايتون.
مطالب مشعل لخصها في :
-الأول : عدم الاكتفاء بالتغيير الذي طرأ على لغة خطاب الإدارة الأميركية إزاء القضية الفلسطينية، وتوضيح أن التغيير الذي حدث في لغة الخطاب، غير كاف، ولا يسحر حركة «حماس»، من ناحية، وناتج عن فعل المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان من ناحية أخرى.. ذلك أن «الصمود العنيد لشعوب المنطقة الحية حين قاومت في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان ورفضت المحتلين وإملاءات الغزاة، أحبطت سياسة الإدارة السابقة ومحافظيها القدامى والجدد، وحوّلت مغامراتها في الهيمنة والحروب الاستباقية إلى فشل ذريع وغرق في أوحال المنطقة وأزمات متلاحقة، مما دفع الناخب الأميركي إلى خيار التغيير لحماية مصالحه».
-الثاني : كبح جماح النفوذ الصهيوني في مؤسسة القرار الأميركي.
-الثالث : تخليص السياسة الخارجية الأميركية من أعباء التدخلات الإسرائيلية وأولوياتها المستنزفة والمورِّطة.
-الرابع : إعمار غزة، ورفع الحصار عنها، ورفع الظلم والضغط الأمني عن الضفة.
-الخامس : ترك المصالحة الفلسطينية تأخذ طريقها دون شروط أو تدخلات خارجية.
-السادس : مساعدة الشعب الفلسطيني على التخلص من الاحتلال واستعادة حقوقه، ليقرر مصيره بنفسه ويعيش حراً في وطنه ككل شعوب العالم.
إن مشعل يطالب اميركا بكل ذلك، لأنها خالقة إسرائيل، وموجدتها، وضامنة بقاءها، ولأنها طرف أصيل في الحرب المتواصلة على الشعب الفلسطيني منذ ما قبل قيام الدولة العبرية.
ولأن الثقة منعدمة بأميركا، فإن مشعل يخاطب رئيسها ليس فقط باعتباره ذلك العدو، وإنما أيضاً باعتبار عدم وجود فسحة ثقة به.
يتجلى ذلك في تأكيده «إن موقف إدارة اوباما بالنسبة لنا ما زال تحت الاختبار».. ولفت الأنظار إلى أن لغة الخطاب الجديد لم تحل دون المسارعة الأميركية والأوروبية إلى الترحيب بخطاب نتنياهو واعتباره إيجابياً وخطوة إلى الأمام!!
ويتساءل مشعل «فهل هذا هو المعنى المقصود بالتغيير الذي بشر به الرئيس اوباما في خطاباته..؟ وأين هو التغيير في السياسات..؟ أم أن الأمر ينحصر في حدود تغيير اللغة..؟».
ويجيب مشعل على تساؤلاته بالقول «نحن وإن رحبنا بالتغيير في لغة اوباما، لكننا بكل وضوح لم نتجاوز هذا الحد طالما بقي التغيير في حدود اللغة».. «غالبية قوى شعبنا وجماهيره لا تشتري الأوهام والوعود».. مبينا أنه حتى في إطار اللغة، لم يرتق خطاب اوباما في مخاطبته للفلسطينيين إلى مخاطبته للإسرائيليين. لذا، يؤكد مشعل أن «الشيء الوحيد» الذي يقنع «القوى والجماهير الفلسطينية ومن ورائها الأمة العربية والإسلامية، هو توفر إرادة وجهد اميركي ودولي حقيقي ينصب على إنهاء الاحتلال ورفع الظلم عن شعبنا، وتمكينه من حق تقرير المصير وإنجاز حقوقه الوطنية».
انعدام الثقة بأميركا يتجلى مرة أخرى بقول مشعل «عندما تبادر إدارة اوباما إلى ذلك، فإننا وقوى شعبنا سنكون مستعدين للتعاون معها، ومع أي جهد دولي وإقليمي يصب في هذا المسار».
ثم إن مشعل يرفض مبدأ تقديم أية تنازلات فلسطينية مقابل الإقرار بجزء من حقوقه على أرضه. فها هو يؤكد التمسك بما يلي، واضعا النقاط على الحروف:
-أولاً : رفض الموقف الإسرائيلي الذي عبّر عنه نتنياهو حول الحقوق الفلسطينية جملة وتفصيلاً، خاصة ما تعلق بموضوعات القدس، وحق عودة اللاجئين، والاستيطان، والتطبيع مع العرب، ورؤيته للدولة الفلسطينية وأرضها وحدودها، واشتراطها منزوعة السلاح. فهذه الدولة التي تحدث عنها نتنياهو والمسيطر عليها براً وبحراً وجواً، هي كيان مسخ وسجن كبير للاعتقال والمعاناة، وليست وطناً يصلح لشعب عظيم.
-ثانياً : رفض ما يسمى بيهودية إسرائيل.
-ثالثاً : إن «قضية فلسطين ليست قضية حكم ذاتي وسلطة وعلم ونشيد وأجهزة أمنية وأموال من المانحين. قضية فلسطين هي قضية وطن وهوية وحرية وتاريخ وسيادة على الأرض، وهي كذلك القدس وحق العودة. والأرض عندنا أهم من السلطة، والتحرير قبل الدولة». وفي هذا السياق جاء قبلوه بدولة في حدود 1967..«لذلك فإن البرنامج الذي يمثل الحد الأدنى لشعبنا، وقبلناه في وثيقة الوفاق الوطني كبرنامج سياسي مشترك لمجمل القوى الفلسطينية، هو: قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعد انسحاب قوات الاحتلال وإزالة جميع المستوطنات منها، وإنجاز حق العودة».. مؤكدا «إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجّروا منها عام 1948، هو حق وطني عام، وحق فردي يملكه بشكل شخصي خمسة ملايين لاجئ، ولا يستطيع أي قائد أو مفاوض التفريط فيه أو التنازل عنه».
-رابعاً : التأكيد على «رفضنا القاطع للتوطين والوطن البديل، خاصة في الأردن الشقيق، فالأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين، ولا بديل عن فلسطين إلا فلسطين، مع التأكيد على اعتزازنا بكل أرضنا العربية والإسلامية».
ويلاحظ هنا تعمد مشعل استخدام ذات الكلمات والعبارات التي استخدمها الملك عبد الله الثاني للتعبير عن موقفه من المؤامرات الإسرائيلية على الأردن وفلسطين، عبر مشاريع التوطين والوطن البديل.
-خامساً : التأكيد على «تمسكنا بالمقاومة، خياراً استراتيجياً لتحرير الوطن واستعادة الحقوق».
أي أن «حماس» لن تتنصل من المقاومة وتاريخها المقاوم، ولن تصف المقاومة بالإرهاب، ثم تنبذ الإرهاب، كما فعلت حركة «فتح» ومختلف فصائل منظمة التحرير من قبل.
لقد تم الاتعاظ تماماً من الدرس، الذي لم يتعظ منه اصحابه بعد..!

-ورفض مشعل مبدأ «المقاومة السلمية»، التي رأى أنها «تصلح للنضال من أجل الحقوق المدنية. أما في حالة الاحتلال العسكري المدجج بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية فلا تصلح لمواجهته إلا المقاومة المسلحة»، في رد مباشر على مطالبة اوباما في خطابه على مدرج جامعة القاهرة بوقف المقاومة المسلحة واللجوء إلى المقاومة السلمية..!

-ويجدها مشعل فرصة مواتية للتذكير بأن «الاعتراف الدولي والإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية جرى بفضل مَنْ ناضل وضحى في مسيرة الثورة الفلسطينية وفي الانتفاضة الأولى (في إشارة إلى دور «حماس» في الحصول على هذا الاعتراف)، وليس بفضل من تخلّى عن البندقية واختار طريق المساومة والمفاوضات، وحوّل لعبة التفاوض إلى هدف دائم بصرف النظر عن الثمن والجدوى وما يفعله العدو على الأرض، بل وقبل التعاون مع العدو ضد شعبه!!».
ولذا، فإنه يرفض شروط اللجنة الرباعية الدولية.. ذلك «إنّ هذه الشروط جُرّبت قبل ذلك وفرضت على غيرنا وقبل بها، ومع ذلك لم تنته المشكلة، ولم تتقدم القضية الفلسطينية بل تفاقمت معاناة شعبنا، واستمر الاحتلال والعدوان، وتضاعف الاستيطان، وزاد عدد المعتقلين في سجون الاحتلال.. ثم إنّ هذه الشروط لا نهاية لها، فبعد كل التزام بها من المفاوض الفلسطيني يُطْلَبُ منه شروط جديدة».
وتأكيداً على أن «حماس» اتعظت تماما من أخطاء «فتح» ومنظمة التحرير، يقول مشعل «إنّ اولوية حماس ليست اعتراف الآخرين بها، ولكنْ اعترافهم بحقوق شعبنا وحقه في تقرير المصير»، وذلك في إشارة إلى الاعتراف المتبادل الذي ابرمه ياسر عرفات بين إسرائيل ومنظمة التحرير، حيث اعترف هو بوجود إسرائيل، مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير، دون أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية مقابلة..!
-سادساً : التأكيد على أهمية المصالحة الوطنية، ليس باعتبارها أحد استحقاقات التسوية، وإنما باعتبارها أحد استحقاقات المقاومة.
-سابعاً : عدم استجداء إطلاق الأسرى الفلسطينيين، ما دامت «خيارات المقاومة الفلسطينية مفتوحة لتحرير الأسرى»..مذكرا بأنه «في مثل هذا اليوم الخامس والعشرين من حزيران/يونيو قبل ثلاث سنوات تم أسر الجندي شاليط في وسط المعركة».
مشعل لا يسير على ذات الخطى التي سارتها منظمة التحرير من قبل، لكنه يشق لحركة المقاومة الفلسطينية المتواصلة طريقاً جديداً، يترجم ميزان القوى الحالي، بإقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 دون زيادة أو نقصان.

سبع معارك لإنشاء «السلطة الفلسطينية الثانية» ....بلال الحسن


تعيش الأوساط الفلسطينية جو ترقب وانتظار، لما سيسفر عنه الحوار الفلسطيني الشامل الذي ترعاه القاهرة، والذي تبدأ اليوم (28/6/2009) جولته الأخيرة، والتي ستتوج بلقاء ختامي يوم 7/7/2009، تعلن فيه وثيقة الاتفاق النهائي، حول الصيغة الجديدة لإدارة الوضع في قطاع غزة بعد حالة انقسام استمرت ثلاث سنوات.
إلا أن أوساطا فلسطينية وثيقة الاطلاع، ووثيقة الصلة بالفصائل ومواقفها وأوضاعها الداخلية، ترى أن هذا الاتفاق، وأن هذا الجو المتفائل، قد يصمد لفترة قصيرة، ولكنه لا يملك وسائل البقاء لفترة طويلة، وربما يتمخض عن صراع داخلي آخر جديد، يكون أعنف من السابق.
يقوم الاتفاق الجديد حسب المعلومات المتوفرة على الأسس التالية :
أولاَ : تشكيل هيئة وطنية لإدارة شؤون قطاع غزة، تتكون من 27 عضوا، وتتكون كما يلي: 12 من حماس، 10 من فتح، وعضو واحد لكل من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب والصاعقة، وامتنعت حركة الجهاد عن المشاركة.
ثانياَ : تكون صلة الهيئة مباشرة مع الرئيس محمود عباس، وتعمل تحت إشرافه.
ثالثاَ : تتولى حكومة سلام فياض في رام الله، مسؤولية الشؤون الإدارية والمالية والصلة مع الهيئات الدولية المتعلقة بقطاع غزة.
رابعاَ : تشرف الهيئة الوطنية على إعادة الإعمار في قطاع غزة.
خامساَ : يتم فتح معبر رفح البري، ويتم تشغيله حسب اتفاق عام 2005، بوجود حرس الرئاسة، مع حضور إداري لحركة حماس.
سادساَ : تتشكل هيئة خبرات أمنية، بمشاركة عربية، لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
سابعاَ : تجري الانتخابات المقبلة على أساس القائمة النسبية (75% من النتائج)، وقوائم الدوائر بنسبة (25% من النتائج)، وتكون نسبة الحسم للقوائم 4%. ويعني هذا الاتفاق من جملة ما يعني، أن حكومة حماس في غزة انتهى دورها. هذا الاتفاق، سواء قيض له أن ينجح أو يفشل، هو حصيلة معركة سياسية خاضها الرئيس الفلسطيني عباس ضد حركة حماس، وبمساندة عربية ودولية. وهي واحدة من سبع معارك سياسية خاضها عباس بكثافة وفي وقت متزامن، ولا يزال يخوضها من أجل بلورة صورة جديدة للوضع السياسي الفلسطيني.
لقد تبلورت السلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو (1993)، وبعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 1994، ونشأ بعدها ما يمكن أن نسميه (السلطة الفلسطينية الأولى)، حيث كانت حركة فتح هي المسيطرة، وكانت أيضا بمثابة الحزب الحاكم. وتحت راية (السلطة الفلسطينية الأولى)، تم استحداث منصب رئيس الوزراء، ثم جرت انتخابات رئاسية جديدة بعد غياب الرئيس ياسر عرفات (عام 2005)، وأصبح محمود عباس هو الرئيس الفلسطيني الجديد. وكان يفترض أن تكون فترة رئاسته امتدادا وتكميلا لـ (السلطة الفلسطينية الأولى)، إلا أن الوقائع على الأرض أثبتت أن رئاسة محمود عباس كانت بداية لقيام (السلطة الفلسطينية الثانية). ليس بسبب نجاح حركة حماس بالانتخابات التشريعية، وليس بسبب الصراع الذي نشب في قطاع غزة وأدى إلى فرض سيطرتها على القطاع، بل بسبب مجموعة من السياسات مارستها الرئاسة الفلسطينية، وهي التي بلورت ملامح (السلطة الفلسطينية الثانية).
ما هي ملامح السياسات التي ميزت عهد الرئيس محمود عباس؟ يمكن أن نعدد عناوين هذه السياسات كما يلي :
أولاً : خاض أبو مازن حربا أمنية ضد التنظيمات المقاتلة للاحتلال، ومنها تنظيم حركة فتح (كتائب الأقصى)، فحجب عنها التمويل، ثم أصدر مرسوما يقضي بأن كل من يحمل سلاحا غير سلاح أجهزة الأمن، هو شخص خارج على القانون. ثم بدأ حملة مصادمات واعتقالات مع كل من رفض تنفيذ هذا الأمر.
ثانياً : خاض حربا ضد قيادة حركة فتح (اللجنة المركزية) لأنها لم تتجاوب مع سياساته. فهمش هذه القيادة، ولم يعد يشركها في مناقشة السياسات والقرارات، وأبعد عناصرها عن الإسهام في السلطة أو في الوزارات. وبلغت معركته مع القيادة ذروتها عند الاختلاف حول مكان وزمان عقد مؤتمر حركة فتح السادس، فرفضت هذه القيادة موقف عباس المصر على عقد المؤتمر في الضفة الغربية وفي شهر آب القادم. وسبق ذلك تعطيل عمل القيادة، بعد اختلافها حول رئاسة حركة فتح، ومن يحق له دعوة القيادة للاجتماع، ومن يحق له ترؤس جلساتها، عباس رئيس الحركة أم فاروق القدومي أمين السر؟
ثالثاً : خاض أبو مازن حربا ضد اللجنة التحضيرية المخولة الإعداد لعقد مؤتمر فتح السادس (العضوية، الوثائق، المكان، الترتيبات الإدارية.. الخ)، وكان يرأس هذه اللجنة محمد غنيم أبو ماهر، وهو أيضا مفوض التعبئة والتنظيم في الحركة. وارتأت هذه اللجنة دائما ضرورة عقد مؤتمر فتح في الخارج لكي يمكن حضور جميع الأعضاء. ولكن اللجنة، وبعد عمل طويل، فوجئت بقرار من عباس يعلن انتهاء مهمتها، ثم فوجئت باجتماع بكوادر فتح ينعقد في مقر الرئاسة برام الله، ويتخذ قرارا بحل اللجنة، وبتحديد مكان وزمان عقد المؤتمر في الداخل. وهو الأمر الذي رفضته اللجنة، وواصلت عملها من دون الرئيس عباس.
رابعاً : ثم خاض الرئيس عباس حربا ضد المجلس الثوري لحركة فتح، وفيه أعضاء من الداخل والخارج، لكي يناقش ويدعم قرار عقد المؤتمر في الداخل، فاحتج على ذلك أمين سر المجلس يحيى عاشور، فرفض دعوة المجلس للانعقاد، وسافر إلى الخارج. فتم تجاوزه، والإيعاز لنائبه لتوجيه الدعوة باسمه، فتم ذلك، وانعقدت جلسة لمن حضر من أعضاء المجلس الثوري المقيمين في الداخل فقط، ولكن لم يتوفر فيها النصاب اللازم وهو الثلثان، فانفضت الجلسة دون بحث أو قرار. ثم عقدت الجلسة الثانية في اليوم التالي مباشرة بنصاب النصف زائد واحد، واتخذت قرارا مؤيدا لقرار الرئيس عباس. وهو أمر يعني أن حدة الخلاف الداخلي ستتسع على صعيد القيادات، ثم على صعيد أعضاء المجلس الذين يرفضون فكرة عقد المؤتمر في ظل الاحتلال.
خامساً : وخاض الرئيس عباس حربا ضد الكتلة البرلمانية لحركة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني، فأقام حاجزا بينها وبين تشكيل الحكومة الفلسطينية. فبادرت الكتلة إلى انتقاد حكومة سلام فياض ومنجزاتها، واعتبرت أنها تعمل بتعمد لإقصاء حركة فتح عن السلطة، ودعت إلى إقالة الحكومة، وإلى أن يتم التشاور مع حركة فتح عند تشكيل حكومة جديدة. وعندما تشكلت حكومة جديدة برئاسة فياض للمرة الثانية، تواجد بداخلها أعضاء من فتح، ولكن الكتلة البرلمانية برئاسة عزام الأحمد أعلنت أنها لم تتم استشارتها بأي أمر يتعلق بالحكومة، ودعت أعضاء فتح المتواجدين فيها إلى الاستقالة.
سادساً : خاض الرئيس عباس ولا يزال يخوض، حربا ضد حركة حماس في الضفة الغربية، حيث تقوم أجهزة الأمن التابعة لحكومة فياض، بحملة اعتقالات متواصلة ومتكررة لكوادر حركة حماس، وبتهمة اقتناء سلاح، أو بتهمة أنها تشكل خطرا على الأمن، وأحيانا بتهمة التحضير للقيام بانقلاب على السلطة. وقد لعبت هذه الاعتقالات دورا في تعطيل حوارات القاهرة، حتى أن الرئيس عباس أصدر أوامر بالإفراج عن عدد من كوادر حماس المعتقلين، ولكن حركة حماس تتهم بأن الإفراج يتم عن عدد من الأشخاص، ثم يتم اعتقال عدد أكبر في اليوم التالي.
سابعاً : بدأت السلطة الفلسطينية في خوض معركة جديدة ضد رئيس المجلس الوطني الخارج لتوه من سجون الاحتلال، وهو الدكتور عزيز دويك، ومنعته عند خروجه من السجن من دخول مبنى المجلس، حيث أعلن عن نيته عقد مؤتمر صحافي للحديث عن الوضع السياسي. وبعد منعه هذا أعلن أنه ينوي دعوة المجلس التشريعي للانعقاد وبحث كيفية الخروج من مشكلة الانقسام القائم، ولكن رئاسة كتلة فتح في المجلس قالت إنه لا يحق لرئيس المجلس التشريعي دعوته للانعقاد، وأن هذه الدعوة هي من حق الرئيس عباس، الذي يجب أن يدعو إلى دورة عادية، ثم تنعقد الجلسة برئاسة رئيس السن، ثم تتم الدعوة لانتخاب رئيس جديد للمجلس (!!!).
وبهذا تكون الرئاسة الفلسطينية في معركة مستديمة مع أجهزة قيادية عديدة في حركة فتح. ومع حركة حماس ذات الأغلبية (الأسيرة) في المجلس التشريعي. ومع رئيس المجلس التشريعي، والذي تنكر عليه كتلة فتح رئاسته للمجلس، بينما اعتقلته إسرائيل وحاكمته وسجنته بسبب ذلك.
وبهذا تكون الرئاسة الفلسطينية قد قررت التعاون مع جزء من حركة فتح هو تنظيمها في الداخل فقط، وتجاهل كامل جسم حركة فتح في البلاد العربية والعالم.
وبهذا تكون الرئاسة الفلسطينية قد قررت إلغاء مبدأ التعاون مع حركة حماس، أغلبية كانت أو أقلية، مع وجود أنباء تقول إن الرئيس جيمي كارتر أبلغ حركة حماس عند زيارته لها في غزة، أن عليها أن تقبل شروطا معينة، وإلا فإن أحدا لن يتعامل معها، حتى بعد المصالحة في القاهرة، وقد لا يسمح لها حتى بالمشاركة في الانتخابات حسب قوله.
وبهذا يكون قد نشأ تحالف جديد بين السلطة الفلسطينية وبين سلام فياض وحكومته وأجهزته الأمنية.
وبهذا يكون عهد (السلطة الفلسطينية الثانية) قد بدأ.

بانتظار إقران أقول مشعل بالأفعال...شاكر الجوهري

26-6-2009

يصعب على غير الحاقدين، أن لا يعجبوا ويصفقوا من الأعماق للمواقف والسياسات التي عبر عنها خطاب خالد مشعل، وقد جعل مستمعيه من العرب والمسلمين، وفي المقدمة منهم الفلسطينيون أهل القضية، يستشعرون بواطن العزة والكرامة في وجدانهم، التي لطالما عمل محمود عباس على محوها من الذاكرة الجمعية الفلسطينية، عبر التشكيك بجدوى مقاومة الإحتلال، بل وتجريمها..!

إن هذه المواقف والسياسات يجب أن تفرض وحدة وطنية فلسطينية من طراز جديد، تضم كل المؤمنين بحق شعبهم في المقاومة والحرية والحياة، بمواجهة معسكر الأعداء الذي لا يقتصر فقط على اميركا واسرائيل وحلفاء اميركا واسرائيل من غير العرب والفلسطينيين..! وفي المقدمة من بين أطراف هذه الوحدة، توجد مقاعد تنتظر أن يجلس عليها شرفاء حركة "فتح"، وفي المقدمة منهم فاروق القدومي، أمين سر اللجنة المركزية للحركة.


المواقف والسياسات التي عبّر عنها مشعل لا تمثل فقط مواقف وسياسات حركة "حماس"، بل هي تمثل مواقف وسياسات كل شرفاء الشعب الفلسطيني، وقواه المقاومة.. وهذه المواقف والسياسات هي تحديدا ما يقف وراء الإنقلاب الذي نفذه عباس ضد نتائج العملية الديمقراطية الفلسطينية، ممثلة في نتائج الإنتخابات التشريعية الفلسطينية، كما ضد تاريخ وبرنامج وأهداف وثوابت حركة "فتح".


هذه الحقيقة يتوجب ترجمتها إلى أفعال، وبرامج عمل مشتركة بين كل شرفاء الشعب الفلسطيني.


وإذا كان مشعل يرفض حالة الإنتظار السلبي التي يمارسها عباس والنظام العربي في غالبيته، فإنه لأوجب أن يكف مشعل والقدومي عن ممارسة ذات حالة الإنتظار السلبي لعباس ومن لف لفه، عله ينصلح حاله.


ما ترفضان أن يواصله عباس في التعامل مع العدو الإسرائيلي، عليكما أن ترفضا ممارسته في التعامل مع عملاء الإحتلال الإسرائيلي..!


لقد تأخر الفعل السياسي لقوى المقاومة الفلسطينية أكثر مما يجب، وظل في حالة انتظار مرفوضة، يأتي خطاب مشعل الخميس ليشكل برنامج عمل وتحرك لها، يجب أن يضاف له ضرورة المبادرة إلى عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني مجددا، ليفعّل القرارات الآجلة التي اختمرت في ضمير اعضائه، فيقرر تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد، بواسطة الإنتخاب حيثما أمكن، وبالتوافق حيث لا يمكن، ويخرج الشعب الفلسطيني من حالة التوهان، التي يعاني منها بسبب التردد القاتل.


ضرورة الفرز لا تمليها الظروف فقط على حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، وشرفاء "فتح".. بل تمليها على وجه الخصوص على الجبهة الشعبية، التي لا يجوز أن تظل مواقفها معلقة بدفاتر حسابات ومخصصات وموازنات السلطة الفلسطينية..!
ونخصص الجبهة الشعبية بالإسم، وكذلك حزب الشعب الفلسطيني، ونستثني سواهما من فصائل منظمة التحرير التي لا تزال معلقة بالدفاتر المحاسبية للسلطة، أو ثبت انحرافها على نحو لا يدعو لأي تفاؤل بإمكانية إصلاح اوضاعها، ونخص بالذكر
الجبهة الديمقراطية، وتفرعاتها التي انقلبت على كل المواقف والشعارات، بل والأيديولوجيا التي كانت بررت بها انشقاقها عن الجبهة الشعبية في شباط/فبراير 1969.. وما ينطبق على الجبهة الشعبية، ينطبق بذات القدر، أو أكثر على تفرعاتها ممثلة في ياسر عبد ربه و (فدا).
لقد أثبت الزمن، كما بعض المواقف الصائبة والمرحب بها لحزب الشعب، أن اكذوبة اليسار الجديد لم تكن غير محض مؤامرة مبكرة على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
منظمة التحرير الفلسطينية مختطفة، كما هي حركة "فتح" مختطفة، كما هي الإرادة السياسية للجبهة الشعبية مختطفة. وهذه لحظة تاريخية ثانية مواتية لإتمام الفرز، وبلورته على قاعدة نضالية تتاح خلال ستة أشهر، يتوجب عدم التفريط بها كما تم التفريط بالفرصة الأولى ممثلة في الإصطفاف الخياني المشين الذي جمع سلطة عباس مع قوات العدوان الإسرائيلي على غزة.

إن استمرار رفع شعار الوحدة الوطنية بين المقاومة وأعداء المقاومة من عملاء المحتل الإسرائيلي، أمر غير مفهوم أو مبرر، خاصة بعد أن شرح مشعل حقيقة التناقض في البرامج والمواقف التي تمثلها في الساحة الفلسطينية.
هنالك من يريد مواصلة تقديم التنازلات، والخضوع للشروط والإملاءات الإسرائيلية، ونزع كل أوراق القوة من أيدي أبناء الشعب الفلسطيني، ويرفض الإستفادة، أو حتى التفكير في امكانية الإستفادة من أية فرص تتاح، وهنالك من يصر على أن يحدث التغيير في الموقفين الأميركي والإسرائيلي وليس في الموقف الفلسطيني.


لقد مثل العدوان الإسرائيلي على غزة المسنود من سلطة اوسلو، فرصة تاريخية مناسبة للفرز، تم تفويتها بمبررات من قبيل الحرص على الوحدة الوطنية في مواجهة العدو، وضرورة تهيئة مناخات مواتية من أجل إعادة إعمار القطاع المدمر، عبر عدم تقديم ذرائع للإبقاء على معبر رفح مغلقا في وجه مواد البناء والتعمير، وبأمل حقن الدم الفلسطيني من أن يسفك بالأيدي الفلسطينية.


فما الذي حدث..؟

تم تفويت الفرصة، ولم يتم استعادة الوحدة الوطنية بسبب الإختلاف على البرنامج السياسي لهذه الوحدة، وظلت كل المعابر مغلقة في وجه مواد البناء وإعادة الإعمار، وها هو الدم الفلسطيني يتواصل سفكه بأيدي أجهزة وميليشيات سلطة دايتون.

الفرصة الراهنة يتوجب عدم تفويتها..

وهي فرصة تفوق سابقتها جدوى وأهمية..

فإلى جانب كل الفعال المشينة التي ارتكبتها سلطة عباس ـ دايتون، فإنها قادت الشعب الفلسطيني إلى قناعة أكيدة في أنها هي المسؤولة عن عدم استعادة الوحدة الفلسطينية بسبب تخندقها في الخندق الأميركي ـ الإسرائيلي، ومواصلتها سفك دماء الشعب الفلسطيني، واعتقال واختطاف خيرة أبناء الشعب..

والأهم من كل هذا وذاك، هو:

أولا: عدم حصولها على أي شيئ من اسرائيل والراعي الأميركي للعدو الإسرائيلي.

ثانيا: استشعار الشعب الفلسطيني، والرأي العام العربي والإسلامي، حالة الضعف والعجز الأميركية التي فرضت اللغة الجديدة التي استخدمها اوباما في خطاب القاهرة، للتعبير عن ذات السياسات الإمبريالية القديمة.

لقد وظف مشعل حالة الضعف الأميركية من أجل فرض شروط فلسطينية على الولايات المتحدة الأميركية، معلنا انتهاء زمن إملاء الشروط الأميركية والإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، لكن هذه الخطوة يجب أن تتبعها الخطوة الأهم.. خطوة توحيد كل قوى المقاومة، على قاعدة برنامج سياسي واحد، وقاعدة تنظيمية مشتركة.

لا يكفي الصراخ صبح مساء بأن اللجنة التنفيذية، وكل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت فاقدة للشرعية.

إلى جانب الصراخ، يجب العمل على إعادة بناء منظمة التحرير، على قاعدة برنامجها المقاوم، وكل الثوابت الوطنية الفلسطينية.

لقد استمدت منظمة التحرير شرعيتها من تأييد الشعب الفلسطيني، والمؤتمرات والمجالس الوطنية الفلسطينية، ومن ثم حصلت على اعتراف المجتمع الدولي، بما قرره الشعب الفلسطيني، وفعله المقاوم.

يقول مشعل بملء الفم، وهو مصيب، أن التحول الراهن في الموقف الأميركي، وإن كان يقتصر على استخدام اللغة، يعود للفعل المقاوم في فلسطين، ولبنان، والعراق، وأفغانستان.

ونحن نضيف مذكرين، أن اسرائيل واميركا ترفضان توقيع اتفاق تسوية سياسية مع عباس لأنه ضعيف لا يستطيع فرض الإتفاق على قوى المقاومة الفلسطينية، ولذلك تم تكليف الجنرال دايتون بنزع أسلحة المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية.

وشعورا، بالإخفاق، جاء التغيير في لغة التعبير التي استخدمها اوباما..!

وهب أن دايتون يسير على طريق النجاح في تطبيق خطته في الضفة الغربية، فإن هناك حقيقتان اخريان لا تستطيع الإدارة الأميركية تجاهلهما، ويجب أن لا تغمض المقاومة الفلسطينية اعينها عنهما:

الحقيقة الأولى: اختلاف الوضع في غزة عنه في الضفة، حيث يد المقاومة هي العليا في القطاع.

الحقيقة الثانية: حجم الخسائر الأميركية في العراق وافغانستان، وحجم الخطر الداهم الذي يتهدد المصالح الأميركية في باكستان، وهو من أهم ما يقف وراء لغة اوباما الجديدة.

هاتان الحقيقتان تفرضان المسارعة إلى البدء في بناء جبهة مقاومة متحدة تضم المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان، ودولتا الممانعة في سوريا وإيران.

جبهة اقليمية متحدة لا يدخلها أي مندس مثل نايف حواتمة، الذي كان أول من طرح هذه الفكرة في ذروة حملته على حركة "حماس" بسبب علاقتها الوطيدة مع ايران.

مهمة هذه الجبهة رص الصفوف المقاومة على قاعدة برامجية واحدة، تخلو من المندسين الذين يبحثون عن المال، ولو عن طريق بيع اسرار هذه الجبهة لكل من يدفع..!!

مثل هذه الجبهة ـ فلسطينيا ـ يعوّل عليها أن تكون مركز استقطاب لكل شرفاء "فتح" الذين قد لا يتمكنوا من الإلتحاق بها بداية لأسباب معيشية نقدرها، ولكنها بالتأكيد هي الخندق الذي ستظل ترنوا إليه أبصار كل شرفاء الشعب الفلسطيني حتى ينضموا إليه، ويلتحقوا به.

أي تأجيل أو تأخير من قبل القدومي للإنضام الفعلي للصف الفلسطيني المقاوم غير مفهوم أو مبرر أو مقبول بعد الآن.

وكل تأجيل من قبل "حماس" للعمل مع شرفاء "فتح" على قاعدة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، هو أيضا غير مفهوم أو مبرر أو مقبول بعد الآن


مرة أخرى نحيي المواقف والسياسات التي عبر عنها خالد مشعل، وننتظر إقران الأقوال بالأفعال.


الخميس، 25 يونيو 2009

لماذا حزب الله فقط وليس حماس أيضاً؟ ....عريب الرنتاوي


في الثالث عشر من حزيران الجاري ، اجتمع في بيروت الممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية خافيير سولانا بالنائب اللبناني عن حزب الله حسين الحاج حسن ، في خطوة هي الأولى من نوعها على هذا المستوى وعلنا ، بين مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي وأحد قادة حزب الله.

وفي الثامن عشر من الشهر ذاته ، أي بعد مرور أقل من أسبوع على اجتماع سولانا - الحاج حسن ، اجتمعت سفيرة المملكة المتحدة في لبنان فرانسيس ماري غاي مع رئيس كتلة حزب الله في البرلمان النائب محمد رعد ، وهو الحدث الأول من نوعه منذ أن قررت بريطانيا مباشرة الاتصالات السياسية مع حزب الله.
وقبل سولانا وغاي ، كانت أبواب الدبلوماسية الفرنسية تنفتح على مصاريعها لمندوبي حزب الله وممثليه إلى حوارات سان كلو ، وكانت الاتصالات الفرنسية مع حزب الله أكثر من أن تعد وتحصى.

لماذا تحاور أوروبا حزب الله ، وتمتنع أمريكا عن فعل ذلك؟.

لماذا تحاور أوروبا حزب الله ولا تفعل شيئا مماثلا مع حركة حماس ، مع أن الحزب والحركة ينتميان إلى مدرسة «الإسلام السياسي المقاوم» ذاتها ، برغم اختلافاتهما المذهبية ، وبرغم أن كلا الفصيلين حملا السلاح وما زالا يحملانه في مواجهة إسرائيل.
أوروبا أكثر تخففا من الولايات المتحدة من ثقل اللوبي اليهودي وجماعات الضغط الموالية لإسرائيل ، وأوروبا اعتادت أن تقوم بدور «تجسيري» للفجوات التي تباعد الغرب عن بعض خصومه السياسيين ، وهي لعبت وتلعب دور «البلدوزر» و«الدوبلير» ، البلدوزر الذي يمهد الطريق للدبلوماسية الأمريكية المثقلة بالحسابات والتحسبات ، و«الدوبلير» بلغة السينما هو الممثل البديل الذي يقوم بالأدوار نيابة عن الممثلة الأصيل طيلة فترة انشغاله أو عدم اعتنائه بتصوير لقطات محددة.

لكنّ لأوروبا مع ذلك حدودا لا تخرج عنها دبلوماسيتها إلا نادرا ، وغالبا بالتنسيق مع واشنطن ، وبما لا يغضب إسرائيل إلى الحد الذي يفضي إلى تأزيم في العلاقات ، فأوروبا التي تنفتح على حزب الله ، ما زالت تصر على شروطها الثلاثة (شروط الرباعية) للحوار والاتصال مع حركة حماس ، مع أن الأول يرفض هذه الشروط بصورة أشد حزما ووضوحا من حماس ، فهو الرائد في استخدام العنف (المقاومة) ، وهو «المبشر» بزوال إسرائيل والمنافح الأول ضد التطبيع معها والاعتراف بوجودها ، وهو الأكثر تحريضا وسخرية وإدانة للاتفاقيات العربية الإسرائيلية السابقة ، وليس للاتفاقيات الفلسطينية - الإسرائيلية فحسب.

أوروبا تعرف ذلك بلا شك ، ولكنها تميز بين حركة حماس وحزب الله ، تقاطع الأولى وتنفتح على الأخير ، برغم أن كثير من الدبلوماسيين الأوروبيين الكبار الذين حاورهم كاتب هذه السطور ، قرأوا مواقف حماس وممارساتها على النحو التالي:

القبول بالهدنة طويلة الأمد (10 - 15 عاماً) يعادل نبذ العنف (الشرط الأول) ، القبول بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران يعادل الاعتراف بإسرائيل على أراضي 48 (الشرط الثاني) ، احترام الاتفاقيات المسبقة وقبول المشاركة في مخرجاتها (السلطة الفلسطينية) يعادل الالتزام بها (الشرط الثالث).

لماذا إذن ، ترفض أوروبا الحوار مع حركة حماس ، الأكثر اعتدالا بحسابات الإسلام السياسي وتصنيفاته من حزب الله ، والأقل ارتباطا منه بإيران ، والأكثر ميلا من الحزب للتكيف مع مقتضيات المشاركة في عمليتين سياسيتين متوازيتين: عملية السلام ، وعملية المشاركة في الانتخابات والسلطة. ؟

الجواب ببساطة يعود للابتزاز الإسرائيلي ، فإسرائيل لا تخوض صراعا مع حزب الله على الأرض اللبنانية اللهم إلا إذا أخذنا على محمل الجد حكاية الغجر والمزارع والتلال ، في حين أن حربها مع حماس تدور حول «يهودا والسامرة وأورشليم القدس» ، وهنا تبدو حماس بكل المعايير الإسرائيلية العدو الأشد خطرا الذي لا يتعين التسامح مع إي اتصال معه أو انفتاح عليه ، الأمر الذي يفسر تلكؤ أوروبا وازدواجية معاييرها ، ويدفع على الاعتقاد بأن إدارة أوباما ستحتاج إلى وقت أطول - ربما - للانفتاح على حماس والاتصال بها ، رغم إشارات أوباما الإيجابية في خطاب القاهرة ، إسرائيل تقاطع حماس ، وتتشدد في فرض مقاطعة الآخرين لها ، لأنها ببساطة لا تريد شريكا فلسطينيا في عملية السلام ، بل ولا تريد هذه العملية برمتها ، وطالما أن عباس ضعيف في مواجهة الإرهاب ، وحماس هي الإرهاب بعينه ، فمعنى ذلك أنه ليست هناك عملية سلام ولا دولة فلسطينية ، ليست هناك لا رؤية ولا مبادرة ولا خريطة.. هنا الوردة فلنرقص هنا.

الثلاثاء، 23 يونيو 2009

الحرية ل سري سمور ...د. عبدالستار قاسم


تم استدعاء سري سمور من قبل أحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتاريخ 20/6/2009، ولم يعد لغاية نشر هذا البيان. سري كاتب فلسطيني يبلغ من العمر 35، وهو ابن لشهيد فلسطيني. لم تنشر السلطة الفلسطينية سبب اعتقالها له، لكنه من المتوقع أن يكون الاعتقال على خلفية مقال كتبه حول أحداث قلقيلية الدموية، والذي وضع فيه جدلية تقول بأن السلطة كانت معنية بالأحداث لكي ترفع من وتيرة الخوف من حماس لدى حركة فتح، فتتوحد الحركة خلف حكومة فياض. قال سري بأن بعبع حماس (ما أسماه حماس فوبيا) يستعمل من قبل السلطة الفلسطينية من أجل تمرير سياساتها بتأييد من فتح.
إذا كانت السلطة غير سعيدة بهذا المقال، فبإمكانها أن تطلب من منظريها أن يفندوا المقال وينتقدوه بالشدة التي يرونها مناسبة، أما اللجوء إلى الاعتقال فهو أسلوب الضعفاء. إن مثل هذه الأعمال تزيد الشقة في الداخل الفلسطيني وترفع من مستوى البغضاء والكراهية.
من حق سري أن يقف معه الناس وبخاصة الكتاب وأصحاب الفكر والثقافة، لكن للأسف يبدو أن الشارع الفلسطيني بلا حراك إلى حد كبير. وعلى أية حال، إذا استمرت السلطة بمثل هذه الإجراءات التعسفية فإنها ستضخ حياة في هذا الشارع.

أوباما : التغيير الذي يتوقف عند حدود الموقف الإسرائيلي .....بلال الحسن


برز نتنياهو في خطابه الذي رد فيه على خطاب الرئيس الأميركي في جامعة القاهرة، بالصورة الكريهة نفسها التي عرفها عنه العرب. ولذلك نستطيع أن نقول إنه لم تكن هناك مفاجأة عربية، لا بالخطاب ولا بمضمونه. ولكن مفاجأة العرب جاءت من واشنطن، ومن البيت الأبيض بالذات، حين أبدى الرئيس أوباما ترحيبه بخطاب نتنياهو، معتبرا أن الخطاب يمثل خطوة إلى الأمام.
نبدأ بالحديث عن خطاب نتنياهو، لا لنفصله ولا لنحلله، فقد شاع الخطاب وعمت أفكاره، ولقي من الاستهجان والاستنكار الشيء الكثير، وتم الإعلان عن موقف عربي رسمي ضده من خلال الموقف الذي أعلنه الرئيس حسني مبارك. وما نريد قوله هنا حول خطاب نتنياهو، إنه ليس خطاب رجل واحد، بل هو خطاب جميع رؤساء إسرائيل. فكلهم عملوا حسب الأهداف والمواقف التي أعلنها نتنياهو بشأن الفلسطينيين. الفارق الوحيد أنهم كانوا كلهم كذابين وأن نتنياهو هو الصادق الوحيد بينهم، الصادق الوحيد الذي يقول إن الإسرائيليين يريدون الاستيلاء على الضفة الغربية من خلال الاستيطان، والصادق الوحيد الذي يقول إن الفلسطينيين لا يريدون دولة فلسطينية «مستقلة»، والصادق الوحيد الذي يعترف أن الإسرائيليين لا يريدون حلا متفاوضا عليه بل حلا مفروضا على الفلسطينيين رسم نتنياهو شروطه وتفاصيله في خطابه. كل رؤساء وزارات إسرائيل السابقين، عملوا وتصرفوا وتفاوضوا حسب هذه البنود التي أعلنها نتنياهو. ولكنهم اختلفوا عنه بأمر واحد، هو أنهم كانوا يسايرون واشنطن، يسايرون سياستها المعلنة، ويقولون إنهم يوافقون على إنشاء دولة فلسطينية، ومن خلال التفاوض، ثم يرسمون على الأرض كل الوقائع التي تجعل تحقيق ذلك أمرا مستحيلا.
ومن يستغرب وصف الأمور بهذه الطريقة، عليه أن يستذكر ولو قليلا، شريط التفاوض الفلسطيني مع إيهود أولمرت، ومع آرييل شارون، ومع إيهود باراك. ماذا فعل كل هؤلاء؟ من أفشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 سوى إيهود باراك؟ من دمر الضفة الغربية ودمر أجهزة السلطة الفلسطينية، وأمر ببناء الجدار الفاصل غير آرييل شارون؟ من كثف الاستيطان وضاعفه مرات ومرات غير إيهود أولمرت؟ إن ما طالب به نتنياهو في خطابه هو ما مارسه كل هؤلاء أثناء حكمهم.
أما الجديد في مسيرة نتنياهو، فهو أنها تأتي في لحظة سياسية يتكاثف فيها تطور المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، ونحو اليمين المتطرف الذي ينطوي على سمات عنصرية بالغة الوضوح. إن ظواهر هذا التطور موجودة وبارزة منذ زمن، ولكنها تتكثف من مرحلة إلى مرحلة، ومن انتخابات نيابية إلى انتخابات نيابية جديدة. ومن يدرس بنية الكنيست الإسرائيلي الأخير، يجد أن نسبة الأحزاب اليمينية المتطرفة فيه قد أصبحت هي اللون الغالب. إن هذا التطور في بنية المجتمع هو الأمر الخطير في إسرائيل، وهو ما يجب أن يلفت الأنظار أكثر من خطاب نتنياهو، فحين يتطور المجتمع بهذه الوجهة، فإن الوضع يتجاوز نوايا هذا الزعيم أو ذاك، ويصبح نهجا مؤهلا لأن يفرض نفسه. وبخاصة حين يتضح أن يمينية وعنصرية الأحزاب الإسرائيلية، تجد لنفسها تطبيقات عملية تسير في اتجاهين متناقضين، الأول: رفض البحث في حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة من حيث المبدأ، والثاني: التفكير الجديد بضرورة تهجير من بقي متواجدا من الفلسطينيين فوق أرض وطنهم (مليون ونصف مليون فلسطيني). لقد أصبحت الأحزاب الداعية لهذا التوجه متواجدة داخل الكنيست، وأصبح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان من المبشرين علنا بضرورة هذا التوجه.
إن مجتمعا إسرائيليا يتطور بمجمله نحو اليمين، ونحو اليمين المتطرف، ليس مسألة سياسية أو أخلاقية فقط، بل هو أمر ينذر بصدامات وحروب مقبلة. وهذه هي الرسالة الاستراتيجية العميقة التي ينطوي عليها خطاب نتنياهو، فلهذه المسيرة السياسية المتضامنة مع هذا النوع من المسيرة الاجتماعية، نتيجة حتمية واحدة هي الحرب، الحرب في الداخل (الترانسفير)، والحرب خارج الحدود بين الدول. ومن واجب ومسؤوليات الحاكم العربي وقد سمع خطاب نتنياهو وقرأه أن يدرك ذلك، وأن يبدأ بتهيئة بلده لمواجهة حالة الحرب هذه.
بعد خطاب نتنياهو لا بد من وقفة عند رد الفعل الأميركي على الخطاب. لقد رحب الرئيس الأميركي بالخطاب واعتبره خطوة إيجابية إلى الأمام لأنه ذكر كلمة (الدولة الفلسطينية). قفز عن كل ما ورد في الخطاب من شروط ومطالب، وتمسك بكلمة (الدولة الفلسطينية).
لقد جاء موقف أوباما هذا، بعد حملته الكبيرة التي رفعت شعار «التغيير» على مستوى أميركا وعلى مستوى العالم. وجاء موقف أوباما هذا بعد خطابه «الإسلامي» في جامعة القاهرة، داعيا الفلسطينيين والمسلمين والعرب إلى علاقة من نوع جديد، ولقيت مواقف أوباما هذه ترحيبا وتفاؤلا في أوساط الفلسطينيين والعرب والمسلمين. ولكن ترحيب أوباما بخطاب نتنياهو، والقفز عن كل مضمونه من أجل التمسك بكلمة واحدة فقط، أثار دهشة شاملة، إن لم نقل استغرابا شاملا، إن لم نقل انزعاجا شاملا. وهذه الدهشة، وهذا الاستغراب، وهذا الانزعاج، ليس مسألة نفسية فقط، بل هي نوع من التساؤل حول مدى جدية أوباما بشعار التغيير الذي رفعه. وهو نوع من التساؤل حول مدى جدية أوباما في التبشير بسياسة أميركية جديدة في التعامل مع إسرائيل، ومع تسويفها الدائم الذي خرب كل محاولات التسوية السياسية في كل المراحل السابقة.
لقد كانت أميركا في السنوات السابقة كلها، شريكة مع إسرائيل في كل عمليات التسويف والخداع عبر المفاوضات. كانت تقبل من إسرائيل موافقة لفظية على مواقفها ونقضا واقعيا وعمليا لها. وكانت تقدم لها بعد ذلك التغطية السياسية اللازمة، بدءا من مجلس الأمن حيث كان الفيتو الأميركي جاهزا دائما لدعم إسرائيل وحمايتها من الغضب العالمي، وانتهاء بالمفاوضات السياسية، حيث كانت واشنطن تدعم إسرائيل في تثبيت قواعد التفاوض التي تريدها، وهي قواعد للتفاوض تتلخص برفض الاحتكام للقانون الدولي أو للشرعية الدولية. (أراض متنازع عليها وليست أراضي محتلة - القرار 242 مطروح للتفاوض حوله وليس لتطبيقه.. إلخ).
وحين جاء أوباما بدعوته للتغيير، وشدد على موقفه بضرورة وقف الاستيطان، تفاءل الفلسطينيون خيرا. أما حين أعلن ترحيبه بخطاب نتنياهو الذي لم يتضمن قبولا بوقف الاستيطان، فقد تحول التفاؤل إلى تشاؤم، والتشاؤم في الصراع العربي ــ الإسرائيلي يعني أن حالة المقاومة، وأن حالة الحرب، ستعود إلى سابق عهدها.
بعض المحللين الأميركيين يقولون إن على العرب أن لا ينزعجوا من شروط نتنياهو، فهي شروط للتفاوض، ولكن هذا الرأي مرفوض، فالمفاوضات السابقة كلها، بدأت وفشلت، بسبب هذا المنهج، لأنه منهج للتفاوض حسب موازين القوى بين الفلسطينيين وبين الجيش المحتل، حيث الغلبة دائما لجيش الاحتلال المهيمن. فإما أن تقبل شروطه وإما أن تفشل المفاوضات، ولذلك نمت الحاجة إلى موقف أميركي يضع مرجعية جديدة للمفاوضات، مرجعية القانون الدولي والشرعية الدولية. وهذا ما تفاءل الفلسطينيون والعرب بأن الأمور سائرة إليه، ولذلك فإن مفاجأتهم كانت كبيرة حين سارع أوباما إلى امتداح خطاب نتنياهو والترحيب به. لقد فهم الجميع من ذلك أن أمور التفاوض ستبقى على حالها. ومعنى هذا أن لا تغيير في الموقف الأميركي من الموضوع الفلسطيني.

مرة أخرى .. قسماً لن تفلحوا....( اعتقالالكاتب سري سمور ) ....بقلم: د.ابراهيم حمامي

ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقد باتت عصابات أوسلو في الضفة الغربية في حالة هستيرية غير مسبوقة، تخاف من الإمام والأستاذ والطالب والسيدة والطفل والجماد، تخاف من الشجر والحجر، تخاف حتى من ظلها، كيف لا وهي من أمعنت في الاجرام والقتل والاختطاف، حتى أصبحت الكلمة عندهم أشد وقعاً من الحسام المهند.

اليوم وصلني وبشكل خاص خبر مؤسف يفيد باختطاف الكاتب الفلسطيني سري سمور من قبل جهاز الاستخبارات الفلسطينية – نقول الفلسطينية مجازاً – على خلفية كتاباته وآرائه والتي كان آخرها دراسة شاملة بعنوان " قلقيلية أخمدت قلاقل فتح" وهي الدراسة التي جاءت علمية تحليلية بعيدة عن أي تهجم أو انحياز لطرف دون آخر، لكنها على ما يبدو استفزت من "على رأسه بطحة"، فقرر التعامل مع السيد سري سمور بالأسلوب والطريقة الوحيدة التي يجيدها هؤلاء، الاختطاف والقمع والترهيب، وربما توجيه اتهامات جنائية كما فعلوا مع البروفيسور قاسم قبل أسابيع.

لقد تجاوز مجرمو رام الله كل الحدود، ولم يعد يردعهم أخلاق أو ضمير أو خطوط حمراء ولا صفراء، المساجد تدنس حرماتها، السيدات يعتقلن للضغط على أقاربهن، الحرم الجامعي يقتحم ويقتل فيه الطلبة بدم بارد، أعضاء التشريعي تُخرق حصانتهم ويوقفون وتنتهك مكاتبهم، أعضاء المجالس البلدية المنتخبون يختطفون، أساتذة الجامعات يفرّغ لهم جهلة للتعامل معهم، الصحفيون يهانون ويعتدى عليهم، وغيرها من الجرائم التي يندي لها الجبين.

سري سمور لم يتجاوز الحدود المرسومة من قبل مجرمي وعصابات وميليشيات رام الله، يكتب وينشر في اطار المسموح به، يتحسس مواضع قلمه، هذه هي الحقيقية لأغلب من يعيشون في ظل ديمقراطية عبّاس – فياض ونعيمها، ومع ذلك لم يسلم من الاختطاف لأنه تجرأ وحلل وبحث واستنتج، أي أنه استخدم عقله الذي أنعم الله به عليه ، وهو ما كان كافياً لاختطافه لمن ألغى عقله واحساسه وضميره وآدميته، والذي تحول إلى مخلوق تابع مأمور خانع خاضع اسمه "الفلسطيني الجديد"، أي الفلسطيني "القذر" العميل للمحتل، الضارب بيده، الناطق باسمه، المحتمي به، المستقوي بجيشه.

ما يحز في النفس هو الاستمرار في أكذوبة الحوار الفاشل حتى وان تم التوقيع على اتفاقية أو اتفاقيات في القاهرة أو غيرها، لا مصداقية لمن يعلن اطلاق سراح المعتقلين سياسياً بينما في الواقع يعتقل العشرات، لا أمان لمن يجلس ويحاور في القاهرة ليعود إلى الضفة لممارسة جرائمه، لا سلطة ولا نفود لمن يكذب كما يتنفس، ونقولها آسفين أن الاستمرار في هذا الحوار العقيم هو ما يعطي المظلة المطلوبة لهؤلاء للاستمرار بل والتمادي في جرائمهم وفظائعهم.

سري سمور هو مثال ونموذج لرفض الآخر، ولسياسات الترهيب والتعذيب والتنكيل، سري لا بواكي له في الضفة الغربية، لا ندري إلى أين سيقوده اجرام عصابات القتل في الضفة، وبالتأكيد لن نسمع مؤسسة حقوقية أو صحفية أو نقابية هناك تتحدث عنه وعن حريته، لأن هذه المؤسسات وبكل أسف هي الديكور وشاهد الزور على الجرائم القذرة التي ترتكب هناك.

في 27/04/2005 كتبت تحت عنوان "قسماً لن تفلحوا" وحول محاولات تكميم الأفواه، وكان فيما كتبت ما يلي: " لم يساورني شك ولو للحظة أن ما جرى كان سيجري، فالمتتبع لمسيرة أوسلو ورموزها يعلم علم اليقين أن هذا ما يجيدونه ولا شيء غيره، لأنه ولهذا السبب تحديداً خُلِّقت سلطة أوسلو، ولهذا الغرض سُمح لرموزها دخول فلسطين ليعيثوا فساداً وإفساداً، وليمارسوا دورهم المنوط بهم من حراسة وتشريع للإحتلال تحت شعار الوطنية، ليتطور لاحقاً فتصبح اللاوطنية "مصلحة عليا للشعب الفلسطيني" دون خجل أو حياء أو مواربة" ... ولسري أعيد ما كتبته ذلك اليوم لأقول:

" فأذكره ونفسي بقوله تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، فامض على بركة الله، فما تقوم به يبعث فينا قوة وطاقة وأملاً ومثالاً يحتذى به، فأنت في الداخل تحت سمع وبصر وسطوة وجبروت أجهزة القمع، تقول ما تقول، وتتعرض لما تتعرض، دون كلل أوملل أو وجل أو خوف، فكيف بنا ؟ هل نسكت؟ هل نخاف؟هل نساوم؟ قسماً لن نفعل حتى وان سقطنا الواحد تلو الآخر في سبيل ما نؤمن به، وقسماً لن نسمح لهم بارهابنا حتى لو اجتمعت معهم قوى الأرض، وليتهم يدركون تلك الحقيقة فيكفوا عن تهديداتهم الرخيصة ومحاولاتهم البائسة.

تحية لكل صوت شريف حرِ أبي، وعهداً أن تبقى الكلمة والقلم والصوت والريشة سيفاً مسلطاً على رقاب رموز وأزلام الفساد والإفساد مهما طال الزمن، ومهما اشتدت الهجمة، وما على هؤلاء النكرات ممن يتحركون في الظلام إلا أن يراجعوا التاريخ ليتبوأوا مكانهم في مزابله".

ولكل شيطان أخرس قبل أن يسمع ويرى ثم يخنس ويسكت عن الحق، العار والشنار عليكم يا من تدعون الحياد، العار والشنار لكم يا من تتفرجون وتشهدون وتقبلون، انظروا في المرآة لتعرفوا من المجرم الحقيقي الذي سمح لحثالات الشعب وأراذله أن تتغول وتتفرعن.

قسماً لن يفلحوا مهما فعلوا، قسماً لن ينتصر الجهل والقمع والارهاب على العقل والفكر والمنطق، والأيام بيننا أيها الجبناء العملاء.

لا نامت أعين الجبناء!

الاثنين، 22 يونيو 2009

هل انتهت الأزمة الاقتصاديــة العالمية؟ .....سلامة كيلة

هل يمكننا أن نقول إن الأزمة الاقتصادية قد انتهت بعد عديد الترليونات من الدولارات التي قُدِّمت للبنوك ولبعض الشركات؟
بدا أن وصفة ضخ ترليونات الدولارات الذي قررته قمة العشرين في لندن حلاً للأزمة التي عصفت بالاقتصاد الرأسمالي، قد نجحت، بحيث تحسّنت أسواق الأسهم لبعض الوقت. لكن هل لاحت في الأفق بوادر نهاية الأزمة؟
ربما كان سوء فهم طبيعة الأزمة مدخلاً للاعتقاد بأن ضخ الأموال سيفضي إلى تجاوزها، حيث بدت وكأنها أزمة إفلاسات بنوك نتيجة نقص السيولة. ورغم أننا نتابع يومياً الأخبار عن إفلاس بعض الشركات، أو التسريح المتزايد للعمال من شركات ضخمة، أو اندماج بعض الشركات، إلا أن تراجع الحديث عن أزمة البنوك أوحى بأن الأزمة قد انتهت، أو هي على مشارف النهاية، وأن الأمور بالتالي ستسير طبيعية، وإنْ ببطء، ولمدة زمنية قد تطول، كما أشار باراك أوباما مراراً.لكن، إذا درسنا طبيعة الأزمة من زاوية أخرى، فسنلمس أنها ما زالت في بدايتها، على عكس ما يوحي الإعلام.
لقد كان الحل السريع الذي قامت به كل الدول الرأسمالية هو ضخ الأموال للبنوك انطلاقاً من «نقص السيولة» الذي يمكن أن يؤثر على مجمل الاقتصاد. وكانت البنوك قد شهدت خسارات نتيجة الإقراض المتزايد، الذي فاق كل تصور، إضافة إلى انهيار أسواق الأسهم بعدما تضخمت الأسعار بطريقة غير عقلانية في اقتصاد طبيعي. وإذا كان المدينون لم يعد باستطاعتهم السداد، فقد ورثت البنوك أصولاً هي أقل من قيمة القروض بكثير، الأمر الذي أفضى إلى خسارات فادحة أدت إلى «نقص السيولة». وعوّضت الحكومات الرأسمالية هذه الخسارات لدى معظم البنوك.
وهنا يبدو أن وضعها قد استقر.في المقابل، أدت الخسارات في أسواق الأسهم إلى إفلاس قطاع كبير من المستثمرين المتوسطين والصغار، كما أن العجز عن دفع القروض قد أفضى إلى إفلاس قطاعات كبيرة من مالكين صغار، أو من محدودي الدخل الذين حاولوا دخول التوظيف في الأسهم أو اقترضوا من أجل شراء بيت. وهو الأمر الذي عنى أن نسبة كبيرة ممن كانت لديهم مقدرة على شراء السلع المختلفة قد تراجعت مقدرتهم، وباتوا بحاجة إلى إعانة. كما أن الأزمة قد دفعت بالشركات إلى تسريح أعداد متزايدة من العمال، وهو الأمر الذي أفقدهم المقدرة الاستهلاكية.هنا نلحظ أن الأزمة المالية بدأت تؤثر على «الاقتصاد الحقيقي»، حيث تراجعت مستويات المعيشة، وتراجعت المقدرة على الاستهلاك. وهذا الأمر سيقود إلى انتقال الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي أكثر مما نشاهد اليوم، حيث إن أزمة الشركات القائمة الآن، هي نتاج توظيف هذه الشركات فائض استثماراتها في أسواق الأسهم والعقار، وبالتالي فقد انعكس انهيار أسواق المال مباشرة عليها. لكنها في المرحلة المقبلة، ستتأثر أكثر بفعل تراجع المقدرة الشرائية لدى قطاعات كبيرة من العمال والفئات الوسطى. ولا شك في أن المتابع لما يعلن عن خسائر الشركات المنتجة، يعرف المآل الذي سوف تتصاعد فيه الأزمة.
كان يمكن أن تُدعم الفئات تلك للحفاظ على مقدرتها الشرائية، التي تقود حتماً إلى استقرار الاقتصاد الحقيقي، أي ذاك المتعلق بالاقتصاد المنتج أساساً. لكن ذلك يعني خسائر هائلة للطغم المالية المهيمنة، التي هي ذاتها توظف في المضاربات وتمتلك الشركات المنتجة، حيث إن الفائض المالي لديها هو أكبر مما يستوعبه التوظيف في الاقتصاد الحقيقي. وربما كانت هنا المفارقة التي تحتاج إلى بحث لمعرفة طبيعة الأزمة، وعمقها، وبالتالي مآلها.
إنّ الأساس الذي بات يولّد الأزمات المستمرة في الرأسمالية، هو أن الفائض المالي (وأنا هنا لا أطلق عليه تعبيراً رأسمالياً لأنه بات خارج العملية الإنتاجية كلها) بات أضخم من أن يستوعبه الاقتصاد الحقيقي. فقد أُشبعت قطاعات الاقتصاد المختلفة (الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات) بما يجعل أي توظيف إضافي فيها تدميراً لمجمل الاقتصاد. ولقد لمسنا كيف أن التنافس بين الشركات كان يضعها في أزمة، ويفضي إلى إفلاسها، وبالتالي تحقق الاندماجات التي هي نتيجة أزمة المنافسة وميل الأقوى إلى ابتلاع الأضعف. وربما كان مثال أزمة شركات السيارات هو الأوضح، رغم أن المسألة تتعلق بكل الاقتصاد الرأسمالي الحقيقي، الصناعي والزراعي والخدماتي والبنكي أيضاً. لهذا فليس من الممكن ضخ رساميل جديدة في هذه القطاعات.ولكن، أين يذهب المال المتراكم إذاً؟
المشكلة أنه ليس من الممكن أن يخزّن هذا المال في البنوك لأنه أصلاً موظف فيها، وبالتالي فإن البنك مضطر إلى دفع فائدة ما. لهذا أصبح يبحث عن مجالات للتوظيف خارج الاقتصاد الحقيقي، وهو ما فرض ضخ أموال إلى السوق أكبر من قدرته الاستيعابية، ممّا قاد إلى تضخم الأسعار في قطاعات عديدة، منها العقارات وأسواق الأسهم. وما من شك في أن التضخم يقود إلى العجز عن السداد، وبالتالي الإفلاس.هذه صيرورة باتت مستمرة في الرأسمالية، حيث ما دام هناك ربح، هناك تراكم مالي، لكنه بات لا يجد مجالاً للتوظيف سوى المضاربة. لكن المشكلة تكمن في أن ذلك يؤثر مباشرة على الاقتصاد الحقيقي، ويؤدي إلى أزمات عميقة. فقد أفضى هذا الوضع إلى تضخم شديد في قيم العقارات والشركات جعلها عشرات أضعاف قيمها الحقيقية. كما أن هذا التضخم أوجد كتلة نقدية دولارية أضخم بكثير من كل الإنتاج العالمي، وبالتالي باتت تمثّل عبئاً على الاقتصاد الحقيقي.كيف ستحلّ هذه المشكلات؟ ربما عبر انهيارات وأزمات مستمرة، حيث ليس من الممكن للاقتصاد الحقيقي أن يستمر في وضع تجثم عليه فيه فقاعة مالية لا تفعل سوى المضاربة، وقد باتت أضخم من الاقتصاد الحقيقي ذاته.
* كاتب عربي