الخميس، 11 يونيو 2009
«فزّاعة» الانقلاب الحمساوي في الضفة ....عريب الرنتاوي
يروّج بعض أركان السلطة الفلسطينية لنظرية "الانقلاب الحمساوي في الضفة الغربية"، تارة أولى لتفسير الاعتقالات والاغتيالات التي تطال كوادر حماس وتطاول قياداتها، وتارة ثانية لتبرير الحملة "المكارثية" على مؤسساتها الاجتماعية والمدنية والإغاثية، ودائما لتخويف فتح واستنهاض همم عناصرها وإدامة حالة الاستنفار في أوساطها وأوساط جمهورها ومؤيديها وداعميها، فإلى أي حد تبدو هذه النظرية في محلها، وأين يمر الخط الفاصل بين "التهديد الحقيقي" و"الفزاعة المبرمجة" في خطاب هؤلاء؟.
ببساطة نجيب على هذه الأسئلة والتساؤلات بالقول بأن "الانقلاب الحمساوي في الضفة الغربية" متعذر جدا، حد الاستحالة، لا بسبب يقظة السلطة و"بسالة" أجهزتها الأمنية، ولا بفعل اختلال موازين القوى لصالح فتح، بل لأن الضفة بمجملها ترزح تحت نير الاحتلال وبساطير جنوده ومقصات حواجزه وكثافة الحضور الاحتلالي بكافة أشكاله، الأمر الذي يجعل "مغامرة الانقلاب" عملا أخرقا وصبيانيا، لن يقدم عليه أحد مهما بلغ به الشطط والغرور وانعدام البصر والبصيرة.
ثم أن حماس تدرك أن الضفة الغربية ليست قطاع غزة، فلا أنفاق تهريب يمكن أن تربطها بالخارج، و"خارج الضفة" محاط بدولتين سيدتين، تمتازان بأجهزتهما الأمنية والعسكرية الكفوءة والنشطة، وليست هناك صحاري أو قفار، ولا ممرات تهريب تاريخية، ولا قبائل بدوية مترحلة ولا بحار مفتوحة على "الأجسام الغربية" التي تلقى على شواطئها، ما يعني أن أي مغامرة في الضفة، تكاد ساقطة مسبقا وسلفا.
لسنا نجادل القائلين بنظرية "الانقلاب الحمساوي" في ترَفّع حماس عن الشأن السلطوي، ولا نحن نبرئها من نزعة إنقلابية كامنة في فكرها وممارستها، كما أننا لسنا من المأخوذين بخطاب حماس "الديمقراطي" أو المندهشين بتجربتها في الحكم، على أننا نقرأ بموضوعية واقع الضفة الغربية بشروطه وحدودها، ونرى أن وراء أكمة "الترويج لهذه الفزاعة" ما وراءها، وأن أصحاب هذه النظرية ومروّجيها، إنما يطلقون قنابل دخانية للتغطية على عمليتين اثنتين تجريان على قدم وساق، في طول الضفة وعرضها، على نحو متزامن ومتواز:
الأولى : عملية شطب حماس ثأرا لما حصل في قطاع غزة، وفي إطار الصراع المفتوح، الدامي واللا أخلاقي على السلطة، وهو صراع كالتانغو، لا يندلع ويتواصل إلا بوجود طرفين.
والثانية : عملية ترجمة متسارعة وحثيثة لالتزامات السلطة بموجب الفصل الأول من "خريطة الطريق"، وتنفيذ مخلص لاستحقاقات "التنسيق الأمني" و"تفاهمات دايتون"، وحتى نهاية الشوط.
فهل أفضل والحالة كهذه، من إثارة "فزاعة الانقلاب" في كل مرة تخرج فيها دوريات الأمن الإسرائيلي لتنفيذ اعتقالات أو إغلاق مؤسسات وفاءاً باستحقاقات العمليتين معا؟!.
والأخطر مما حصل حتى الآن، ما يمكن أن يحصل في المستقبل القريب، إذ ليس من المستبعد أبدا، بعد لقاءات أوباما في واشنطن وزيارته للمنطقة وخطابه في القاهرة، أن تشهدا تصعيدا خطيرا على هذا الطريق، وأن تكون "قلقيلية" أول غيث مرحلة الاغتيالات والاعتقالات القادمة، فما جرى هناك، ليس جزءا من الصراع على السلطة فحسب، ولا يمكن إدراجه في هذا السياق وحده، ما جرى هناك، هو ترجمة لالتزامات السلطة بموجب "خريطة الطريق" و"التنسيق الأمني"، وهو قد يستوجب "عرض" معتقلين ومشتبه بهم على شاشات التلفزة للحديث عن "المؤامرة" و"الانقلاب"، فالمسرح يجب أن يعد جيدا لمرحلة قادمة، تبدو أكثر صعوبة خصوصا إن تعذر التوصل إلى اتفاق في حوارات القاهرة، وإن استمرت سياسة عزل حماس وخنقها في القطاع، وإن هبّت رياح أوباما بما تشتهي سفن "الخيار التفاوضي".
ولعل الأمر الذي زاد الطين بلّة، هو قرار حماس الذي صدر مؤخرا وعمّم كما تقول المصادر، على كوادرها ومطارديها في الضفة الغربية بـ"مقاومة الاعتقال"، وهو قرار اتخذ بعد أن توسعت حملات الاعتقال، وضاقت المسافة بين السجن والقبر بالنسبة لقادة حماس الميدانيين، الذين يفقدون حيواتهم في السجون أو فور مغادرتها، وهي حالة تقترب إلى حد كبير من خيار "هدم المعبد" أو "حرق السفن".
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق