الثلاثاء، 16 يونيو 2009

العبودية ..... صلاح حميدة

ترتبط العبودية مباشرة بالذل والخضوع، وسعى البشر منذ الخليقة لإخضاع الحيوانات لخدمتهم، وإطاعة أوامرهم، وكان ذلك كله في سبيل تسخيرها في الأعمال وللطعام أيضاً،كما سعى(ولا زال)يسعى لإخضاع الظواهر الطبيعية كالأنهار والرياح وغيرها لصالحه، لكن الإنسان تجاوز تسخيره للحيوانات لخدمته ولطعامه وترفيهه، إلى استخدام وترويض واستعباد أخيه الإنسان.فالحضارات القديمة في مصر والعراق واليونان والرومان والانكا وغيرها، كلها عملت على استخدام واستعباد بني البشر، واستخدمتهم في الزراعة والبناء والأعمال المنزلية، وفي الحروب كمجندين لفتوحاتها ، كما استخدم الرومان العبيد للرفاهية، فكانت قمة الرفاهية عندهم بأن يتقاتل العبدان، فيقتل أحدهما الآخر!.

وحتى في الإنجيل والتوراة، ذكرت العديد من القصص التي تحض على استعباد الآخر، ولم يذكر فيها ما يحض على إطلاق العبد وتحريره، وبقي العبد بمثابة الملك أو الشيء في يد صاحبه في كل الحضارات التي سبقت الإسلام والتي نشأت بعده أيضاً، يقيّد في القيود ويقتل ويعذب ويجدع أنفه كعقاب له، ويفعل به سيده كل ما يريد بلا رادع، وذكر أن من كان يضبط بالسرقة عند بني إسرائيل، كان جزاؤه العبودية، وهذا ما ذكر في القرآن عن قصة يوسف وإخوته.شكل ظهور الإسلام نقطة تحول كبيرة في ظاهرة العبودية، فقد كانت العبودية متأصلة في البنى الاقتصادية والإجتماعية في كل المجتمعات والدول في تلك الفترة، وكان لا بد من التعامل مع هكذا قضية، وحلها جذرياً.أدرك العبيد في ذلك العصر أن الاسلام هو أملهم في التحرر من العبودية، فأقبلوا على الإسلام، وكان من أوائلهم بلال بن رباح، الذي بين ليلة وضحاها انتقل من عبد يجلد في شوارع مكة، إلى سيد يشار له بالبنان بفضل الإسلام.إعتمد الإسلام العديد من الخطوات التي تجفف ظاهرة العبودية من المجتمع الإسلامي، وكان من أهمها نظام المكاتبة الذي يقرر فيه العبد أو سيده أنه يريد أن يتحرر، وبالتالي يدفع لسيده ما دفعه من ثمن له، أو ما صرفه عليه من مال، كما أقر الاسلام للعبد حقوقاً لم يكن ليقرها له أحد، فمن قتل عبده يقتل به، ومن يجدع أنف عبده يجدع أنفه، وكان الشخص ليمر على شخصين يأكلان الطعام، فلا يميز بين العبد وسيده، ولذلك حرص الإسلام على إزالة الحاجز النفسي بين العبد وسيده قبل أن يتحرر من العبودية بالمطلق، فعندما تزول الحواجز بينهما، فالعبد حينها سيشعر بقيمة أن يكون حراً، وكذلك سيده لن يرغب باستعباد من هو أخاه ونظيره في المأكل والملبس والقدر بين الناس، والثواب والعقاب أمام الله.كما أقر الإسلام العديد من الأبواب التي فيها إعتاق للعبد، وضيّق السبل على العبودية، ولذلك كانت تزكية النفس من الخطايا والذنوب، تقترن بإطلاق وإعتاق الرقاب، وتزكية المال تقترن بإعتاق الرقاب، فأحد مصارف الزكاة يكون بشراء العبيد وتحريرهم، وهذه نقطة هامة، قرن بها الإسلام اقتراف الذنب باستعباد الناس، والتزكية من الذنوب تكون بإطلاقهم، ولذلك عندما بادرت الدولة العثمانية عام1830 لحظر الرق والعبودية وتحرير أي عبد في الدولة الاسلامية، قامت الاحتفالات في جميع أنحاء الدولة، ولم تسجل حادثة لمن قاتل حتى يحتفظ بعبد، ولم يسجل أيضاً أن عبداً عاد إلى سيده وقال له أريد أن أبقى عبداً، في حين تسبب تحرير العبيد في الولايات المتحد الامريكية بحرب أهلية، وحتى أن بعض العبيد عادوا لأسيادهم وقالوا نريد أن نبقى عبيداً؟!.

ومن الجدير بالذكر أنه في الدولة الاسلامية فقط، ذكر التاريخ أن دولة من العبيد قامت، ودافعت هذه الدولة عن الإسلام والمسلمين في وجه أعتى هجمة تعرض له الإسلام والمسلمون في التاريخ، واستطاع المماليك أن يدافعوا عن أرض المسلمين وحرروا مناطق واسعة من أرض المسلمين، وعلى رأسها القدس وفلسطين، والسؤال الجوهري هنا، لو كان هؤلاء يشعرون أن الاسلام والمسلمين ودولة الإسلام ظلمتهم، هل كانوا سيدافعون عنهم؟.بالرغم من أن العبيد في العالم تم تحريرهم، وأقرت قوانين تمنع العبودية المباشرة، إلا أن الدول التي أقرت هذه القوانين، سعت لاستعباد الشعوب بطرق أخرى، فعندما تتم العملية بعيداً عن القناعات، وبعيداً عن اعتبارها من الخبائث التي تتطلب التزكية، فالعبودية تتحول لعنصرية واستعمار وقهر واحتلال واضطهاد ومنع للشعوب من أن تقرر مصيرها بنفسها، وتصبح العبودية سرقة بالإجبار لموارد الشعوب، وإجبارها على انتهاج سياسات تخدم الأسياد، وتلبي رغباتهم، حتى ولو مات العبيد جوعاً أو مرضاً أو قتلاً بالسلاح أو حصاراً، فالأسياد هم هم، يبيعون السلاح لمن يعتبرونهم عبيداً، ويدفعونهم لقتل بعضهم بعضاً، فيما يتمتع الأسياد بالمقتلة التي تتم.إذاً العبودية لا زالت موجودة في جوهرها، ولكنها تختلف في التسميات فقط، فرأس الإستعباد في العالم هو ما يعرف بمجلس الأمن الدولي، يقرر ويتم القبول من العبيد لقراراته، ويليه في الترؤس للعبيد باقي المؤسسات الدولية التي يتحكم بها رؤوس الإستعباد في العالم، الذين يتحكمون في رقاب العباد في العالم، ويسعون لتطويعهم لخدمة مصالحهم.


أنواع العبيد

تحدثنا عن الأسياد، والمجرمين الذين يتحكمون في رقاب وأرزاق العباد، ولكن لا بد من تصنيف العبيد أنفسهم، فالعبيد ليسوا صنفاً واحداً، بل عدة أصناف:-

*الصنف الأول:-هو العبد الذي يرفض العبودية، ويعتقد أن أمه ولدته حراً، ولن يقبل أن يتم استعباده، ولذلك فهو ثائر يسعى لتغيير الواقع الذي يعيش، يرفض الخضوع للأسياد، ويقاوم ذلك، ويحرض غيره على الثورة، حتى لو كلفه ذلك حياته، وذكر في التاريخ عن ثورة العبيد التي قامت ضد الرومان، وعن الثورات والتمرد الفردي والجماعي ضد الأسياد، أو من يعتبرون أنفسهم أسياداً أو شعب الله المختار، أو العرق النقي الذي يتميز عن باقي البشر، أو أصحاب الحقيقة المطلقة والرفعة والتميّز الذي يؤهلهم لاستعباد وإذلال الآخرين.ومن الجدير بالذكر أن الظلمة الذين يطلق عليهم( الأسياد)، يطلقون على الثائر على واقع العبودية ب(الآبق) أو الثائر أو الإرهابي أو المخرب، أو المحرض على الفوضى والفلتان، ولذلك فالثائر على العبودية في عرفهم مجرم ومتمرد على الشرعية الدولية، وهو خارق القوانين، ولك فعل يفعله غير شرعي، وكل مال يملكه غير شرعي،ولذلك وجبت محاربته وجعله عبرة لباقي العبيد، لذلك كان مطلوباً أن يتم قتل العبد الآبق الرافض للعبودية بطريقة بشعة جداً، والتمثيل به، وتعذيبه أمام بقية العبيد، حتى يكون لهم عبرة، ويعتقد الكثيرون أن مشهد إلقاء القبض على صدام حسين، وما تلاه من محاكمته الصورية ومشهد إعدامه، كان بهدف تحذير العبيد من حكام العرب بأن من يخرج عن إرادة الأسياد، فسيلاقي مصيراً مشابهاً، مما دفع غيره، للإستسلام وفعل كل ما يريده أسياده من أموال وسلاح وباعهم الوطن وما عليه.هنا نلحظ شدة الحرب على من يحارب العبودية من الذين يحملون فكر الإسلام، لأن الإسلام جعل العبودية لله وحده، والعبودية المطلقة لله، تعني تلقائياً الحرية المطلقة، والترفع عن التعبد لغير الله، إن كان بشراً أو شهوة أو فكرة زائلة، فهؤلاء هم أخطر المحاربين للعبودية الحديثة، ولهذا يعود التحفّز والحرب الغير مسبوقة على هؤلاء، حتى وصلت للآية القرآنية وخطبة المسجد ومناهج التعليم، فضلاً عن الاعتقال والملاحقة والتصفية الجسدية.

* الصنف الثاني:-هو العبد الذي يرفض العبودية، ولكنها لا يسعى لتحرير نفسه منها، وهؤلاء هم غالبية العبيد، وهؤلاء يتوقون للحرية، ويتمنونها، ويكبرون في الثائرين شجاعتهم وتضحياتهم وإقدامهم، ولكنهم يؤثرون السلامة، ولا يريدون التضحية من أجل حريتهم. هؤلاء هم ممن ينتظر دائما ً انقلاب الدول، ويقولون :-(حط راسك بين الروس وقول يا قطّاع الروس) وهؤلاء هم من يقول:-( إذا تغيرت الدول فحط ربابتك ونام)فهؤلاء من ذوي الإيمان الناقص، وهم ينتظرون تضحيات غيرهم، فإذا نجحت، تسلقوا عليها، وإذا فشلت، قالوا ألم نقل لكم)! وهؤلاء قال فيهم الشاعر:

(ولا خير في ود امرىء متلون…..إذا الريح مالت، مال حيث تميل)

وهؤلاء الذين قال عنهم نابليون بونابرت:-(لا تراهن على المتلوّن، فإنه إذا حمي وطيس المعركة، تركك وحيداً في الميدان).

*الصنف الثالث:-العبد الذي يستمرىء العبودية، ويعتقد أنها هي الحياة، وبالتالي يحقد على الحرية، وعلى كل من يريد الحرية أو حتى من يريد أن يحرره، وهذا النوع من العبيد، دائم الشعور بعقدتي النقص والعجز تجاه الأسياد، الذين يعتبرهم قدره المحتوم، ومن واجبه إطاعة أوامرهم، وتنفيذ رغباتهم، بل يجتهد هذا العبد في تحقيق هذه الرغبات، زيادة على ما يطلب منه، وهذا النوع يعتبر من أسوأ أنواع العبيد.

فقد ذكر أن اليمنيين ثاروا ضد الإستعمار(الشكل الحديث للعبودية) البريطاني لبلادهم وعندما عجز الإنجليز عن القضاء على الثورة ضد العبودية والإستعمار، أستقدموا الخيالة الهنود(العبيد) من المستعمرة الهندية، واستطاع عبيد الإستعمار أن يقضوا على ثورة اليمنيين ضد العبودية الحديثة!.

قرأت وأنا طفل قصة العصفور الخائن، الذي يغرد من داخل القفص، حتى يستدرج أقرانه ليقعوا في فخ العبودية لسيده، عبر التصفير والغناء لهم، وهذا ينطبق على العبيد المصفرين والمسبحين بحمد أسيادهم من بني البشر، فلم يعد الترويج للعبودية قصراً على العصا والسيف، ولكن تجاوز ذلك إلى الإعلام بكافة أشكاله، فتجد فضائية متأمرك تروج لتجنيد العرب للعمل في ال المخابرات الأمريكية، التي تذل وتسعبد العرب والمسلمين وتصفيهم، وتأخذهم حيث العذاب وانتهاك الحريات والأعراض والمقدسات.

ووصل حرص أسوأ أنواع العبيد، على جلب الآخرين الثائرين إلى التبعية للسيد، بان أصبحوا يقاتلون لتعبيد الناس لسيدهم، فهذا النوع من العبيد، يعد من أكثر أنواع العبيد حقداً على الحرية والأحرار، وهو عبد لسيده، ومال سيده، والمنصب الذي يضعه فيه سيده، ويعتبر ذلك غاية ما بعدها غاية، ويعتبر أن أي فتات يلقيه إليه سيده، بمثابة الكنز الذي لا يفنى!.

فقد ذكر أن العبيد الذين كان يتاجر بهم البرتغاليون، كانوا إذا اغتصب سيدهم امرأة منهم وحملت، يسمونها (برنسيسة)!! وبهذا لم يكن غريباً احتفاء العبيد الجدد بأسيادهم عندما يطأون أرضهم بطريقة مبالغ فيها، ويفقدون توازنهم إذا ذكر كلمات من لغتهم! أو آية من قرآنهم! وكأنهم أصبحوا بمرتبة أل(برنسيسة)!!.ويعتبر أكثر العبيد تعاسة، هو عبد المال، فقد قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:-( تعس عبد الدينار)، فعبد الدينار قلق مشتت لا يهدأ ولا تجد له قراراً أبداً، فهو متنقل دائماً بين من يدفعون له، ومحتار في تنفيذ ما يريدون منه، وبما أن عبد الدينار واحد أو مجموعة من العبيد الذين يبيعون أنفسهم، فهو أو هم مشتتون دائما بين الدافعين الكثر للدنانير، مما يجلب لهم تعاسة العبودية، وتعاسة تنفيذ أوامر الأسياد.

إذاً العبودية أساساً عبودية النفس والعقل، وليست عبودية الجسد، ولذلك اهتم الإسلام بتحرير الانسان من عبودية النفس، وجعلها الخطوة الأهم للسيد والعبد في سبيل التحرر من عبودية الجسد، لأن عدم التحرر النفسي من هذه الآفة، يخرج الإنسان من عبادة دنيوية إلى أخرى، كما جرى مع بني إسرائيل، فقد خرجوا من عبادة فرعون إلى عبادة العجل، وكما حصل مع من كان يعبد صنما ً من تمر، يأكله عندما يجوع، ثم يذهب لعبادة صنم آخر من خشب أو حجر، وكما حدث في تاريخنا الحديث من تنقل العبيد من عبادة (الذل والخضوع والتبعية) الكتلة الشرقية، والانتقال مباشرة للتعبد بالدولار الغربي بعد انهيار صنمهم الأول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق