ليلةَ السبت الماضي كان هناك سببٌ وجيهٌ يدعو قادةَ المؤسسة الأمنية في إسرائيل إلى الشعور بالارتياح الشديد، فقد تَمَّتْ تصفية السمان أخيرًا، لكن على أيدي قوى الأمن التابعة لحكومة سلام فياض!
وقد امتدح الجيش الإسرائيلي ما أسماه " الإنجاز العظيم " لأجهزة أمن السلطة؛ حيث نَقَلَتِ الإذاعة الإسرائيلية باللغة العِبْرِيّة الأحد الماضي عن مصدر عسكري كبير قولَهُ أن السمان كان مسئولًا عن عمليات " رهيبة " ضد إسرائيل. واعتبر المصدر أنّ تصفية السمان تحديدًا من قِبَلِ أجهزة أمن السلطة تكتسب أهميةً خاصة "؛ لأنه يعكس الشوط الكبير الذي قطَعَتْه السلطة في القيام بدورها الأمني بالتنسيق مع إسرائيل "، على حد تعبيره. ولم يَفُتِ المصدر التذكيرُ مجددًّا بأن السمان كان مطلوبًا للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وحاول الجيش الإسرائيلي قَتْلَهُ أو اعتقالَهُ عدة مرات، وفَشِل في ذلك. وإن كانت كل " شهادات حسن السلوك والتقدير " الإسرائيلية هذه لا تكفي، فإنّ نائب وزير الحرب الإسرائيلي الجنرال متان فلنائي لم يَسْتَبْعِد أن يقوم الجيش الإسرائيلي بتقليص قُوَّاتِه في الضفة الغربية بشكلٍ كبيرٍ في ظل الدلائل الكثيرة التي تُؤَكِّدُ أن قوى الأمن التابعةَ لحكومة سلام فياض تقوم بدورٍ هائِلٍ في مواجهة " الحركات الإرهابية " الفلسطينية. وأضاف فلنائي في مُدَاخَلَةٍ أمام الكنيست الاثنين الماضي قائلًا: " حتى في أكثر أحلامنا وَرْدِيَّةً، لم نكن نتوقَّعُ أن يأتي اليوم الذي يقوم الفلسطينيون أنفُسُهم بتصفية العناصر التي تُهَدِّدُ الأمن الإسرائيلي "، على حَدِّ تعبيره.
المديح والإطراء الإسرائيلي جعل قادةَ السلطة يخرجون عن طورهم، وأخذوا " يتفاخرون " بما ارتكبوه من جريمةٍ نكراء، فهذا هو حسين الشيخ خليل المسئول عن التنسيق والارتباط مع إسرائيل، يتباهَى في حديثٍ مع الإذاعة الإسرائيلية الرسمية الأحَدَ الماضي بـ " الإنجاز الكبير " المتمثِّلِ في تصفية السمان، قائلًا أن تصفيته " جاءتْ؛ لأنه كان يمثل تهديدًا للاتفاقيات والتفاهمات التي توصَّلَتْ إليها السلطة مع إسرائيل، مُتَوَعِّدًا بمصيرٍ مُمَاثِلٍ لكل فلسطينيٍّ يُشَكِّلُ تهديدًا لإسرائيل؛ حيث قال بالحرف الواحد: "مَنْ يُهَدِّدُ الأمن ومَنْ يخرق ويَخْرُجُ عن القانون سيَتِمُّ ملاحقته إما بالاعتقال أو التصفية ".
إن شعورًا بالذهول ينتابُ المرءَ وهو يشاهد ويسمع ويلاحظ ما تقوم به أجهزة أمن فياض في الضفة الغربية من دورٍ خيانِيٍّ صِرْفٍ، دون أيّ قدرٍ من الخَجَلِ أو حتى محاولةِ التمويه، وبشكلٍ منفصلٍ عن أي قيمةٍ وطنية. فعندما يَدَّعِي فياض وأركانُ حكومته أن تصفية السمان تأتي ضمن الوفاء بالتزاماتهم الأمنية تجاه الكيان الصهيوني، وخدمةً " للمصلحة الوطنية "، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من المصلحة الوطنية تقديم رءوس المقاومة للكيان الصهيوني الذي يُوَاصِلُ الاستيطانَ والتهويدَ والتَّوَسُّعَ، هل من المصلحةِ الوطنيةِ مكافأةُ نتنياهو على رَفْضِهِ الاعترافَ بالحقوق الوطنية الفلسطينية؟؟ أيُّ وطنية تلك التي تَدْفَعُ فياض لتصفيةِ المقاومين في الوقت الذي يسقط فيه أبناء الشعب الفلسطيني قتلى وجرحى برصاص سوائب المستوطنين!!
أليس الأجدر بفياض أن يرسل قواتِه لِمَنْعِ المستوطنين من التنكيل بالفلسطينيين في قرى نابلس، وحَرْقِ محاصيلهم، وجَعْلِهَا مَشَاعًا لقطعان الخنازير التي يقوم المستوطنون بِجَلْبِهَا؛ لتعيثَ فسادًا بحماية الجيش الإسرائيلي؟! أيُّ مسوغ لهذه الجريمة التي تُرْتَكَبُ في الوقت الذي تُؤَكِّدُ فيه المخابرات الإسرائيلية أن المتطرفين اليهود يُخَطِّطُون وبوتيرةٍ عاليةٍ للمَسِّ بالمسجد الأقصى.
إن فياض يعي في قرارةِ نَفْسِهِ أن ما يقوم به لا يَخْدُمُ إلا الأجندةَ الصهيونيةَ في نُسْخَتِهَا الأكثرِ تَطَرُّفًا وتشددًا، لكنه منطق " الناطور " ليس إلا. لكن لو افترضنا جدلًا أن فياض يُؤْمِنُ بما يقول، فإننا ننصحه بأن يستمع لما تقوله شخصيةٌ صهيونيةٌ ذات تجربة عميقة، وهو رئيس حركة ميريتس الأسبق؛( يوسي ساريد، الذي شَغَلَ منصبَ وزير التعليم في السابق، والذي عَلَّقَ في حديثٍ مع إذاعة الجيش الإسرائيلي صباح الاثنين الماضي على عمليَّةِ تصفيةِ السمان، حيث قال ساريد بالحرف الواحد: " حتى لو قام فياض وعباس بتقديم رءوس جميع قادة حماس والجهاد الإسلامي على طَبَقٍ من فضة لنتنياهو، فلن يَحْصُلَا إلا على السراب "، على حد تعبيره!
إن كان المرء لا يتوقع من فياض غير هذا السلوك، فإنه مما لا يمكن قَبُوله وتفَهُّمُه هو ردودُ بعض قادة الفصائل الذين استحكم فيهم النفاق والازدواجية، والذين كل ما يعنيهم العوائدُ المالية التي يحصلون عليها من عباس وسلطته. فالكثير من أبواق النفاق فيما يُسَمَّى زورًا " باليسار الفلسطيني " ربطوا عملية تصفية السمان بالانقسام الداخلي، وهذا الزَّعْمُ يعادل الجريمة ذاتَهَا، وكأنه لو لم يحدث الانقسامُ لما أقدمتْ حكومة فياض على هذه الجريمة، مع أنهم يعون أن حكومة فياض تعكُفُ على تطبيقِ أجندةٍ محددةٍ، وليس ضِمْنَ هذه الأجندة تحقيقُ تَوَافُقٍ وطني فلسطيني.
كان الأجدر بفياض أن يعتبر بما جرى لأنطوان لحد؛ زعيم عصابة العملاء في جنوب لبنان، الذي خَدَم إسرائيلَ لأكثر من 30 عامًا، وها هو يقول مُؤَخَّرًا أنه يندم على كل لحظة خدم فيها هذا الكيان " الذي يرمي بالمتعاونين معه في حاويات القمامة "، على حد تعبيره. على ما يبدو فإن فياض لن يَعْتَبِرَ؛ لأنه النسخة الفلسطينية الْمُشَوَّهة للحَدِّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق