النقاشات التي دارت على مدى الأيام الثلاثة الماضية كشفت عن اصطفافين رئيسين ، فضل صخر حبش أن ينأى بنفسه عن الانحياز لأي منها ، فكان العضو الوحيد من أعضاء اللجنة المركزية الذي امتنع عن تحديد موقفه من مكان عقد المؤتمر في الداخل أو في الخارج ، وتسبب حياده في تساوي الأصوات.. سبعة مقابل سبعة.
السبعة الذين أيدوا عقد المؤتمر في الداخل هم محمود عبّاس ، أحمد قريع ، عبّاس زكي ، الطيب عبد الرحيم ، عبد الله الإفرنجي ، انتصار الوزير ، ومحمد راتب غنيم الذي حنث بتحالفه مع فاروق القدومي في اللحظة الأخيرة ، ونادي بعقد المؤتمر في الداخل ، وحسم الموقف بذلك لصالح التوافق على التأجيل ، تماماً كما فعل حين صوت لصالح إقرار اتفاق أوسلو سنة 1993 ، فكان صوته هو المرجح للمصادقة على الاتفاق المثير للجدل..!
أما السبعة الذين اصطفوا مع القدومي في رفض عقد المؤتمر في الداخل ، والإصرار على عقده في الخارج فكانوا محمد جهاد ، نصر يوسف ، نبيل شعث ، زكريا الأغا ، سليم الزعنون ، وهاني الحسن الذي فوض القدومي التحدث والتصويت باسمه ، وذلك نظراً لحالته الصحية.
وتغيب عن الاجتماع فقط حكم بلعاوي.
قريع الذي انقلب في اليوم السابق (السبت) من تأييد عقد المؤتمر في الخارج ، إلى تأييد عقده في الداخل ، افتتح الحديث في جلسة الأحد الصباحية ، موضحاً أنه حين طالب بعقد المؤتمر في الداخل ، لم يكن يقصد عقده في الموعد الذي حدده عبّاس في الأول من تموز/يوليو المقبل في بيت لحم.
وقد تجدد النقاش في الجلسة الصباحية ، في ضوء تساوي الأصوات ، وامتناع حبش المريض صحياً عن حسم الموقف في أي الاتجاهين ، مبقياً الحركة في حالة مرضية هي الأخرى.
وقد تركزت النقاشات ، كما طوال الأيام الماضية حول مكان ، وزمان عقد المؤتمر ، ليتم التوافق بين الجميع في نهاية الأمر على عقده في الرابع من آب/أغسطس المقبل في غزة ، ولكن دون الإعلان رسمياً عن المكان والزمان ، في البيان الذي تقرر أن يتولى صياغته الدكتور نبيل شعث ، وصدوره مساء الأحد ، حيث سيكتفي البيان بالقول إنه تقرر تأجيل عقد المؤتمر لحين نجاح الحوار بين حركتي «فتح» و«حماس» الذي قررت القاهرة أن يكون السابع من تموز/يوليو المقبل الحد الأخير لإعلانه.وكان قريع لفت الانتباه في بداية مداخلته صباح الأحد إلى أهمية هذا الموعد بالنسبة لتاريخ عقد المؤتمر ، مفضلاً تأجيل عقده إلى ما بعد نجاح الحوار.
أطرف ما في الأمر أن النكتة التي أطلقها الدكتور زكريا الأغا في اليوم الأول لاجتماعات اللجنة تحولت إلى حقيقة ، ذلك أنه اقترح ضاحكاً خلال كلمته ، أن يتم عقد المؤتمر في غزة ، لضمان مشاركة ممثلي التنظيم في القطاع فيه ، والابتعاد عن انفلونزا الخنازير ، التي أشار إلى انتشارها في بيت لحم ، حيث سبق أن قرر عبّاس عقد المؤتمر.
وتقرر أن تعقد اللجنة المركزية آخر اجتماعات دورتها الحالية في السادسة من مساء الأحد ، كي يقرأ الدكتور شعث صياغته لمشروع البيان ، وتتم الموافقة عليه وإقراره ، وبذا يكون عبّاس الذي أبلغ اللجنة المركزية في اليوم السابق موافقته المسبقة على ما يتفقوا عليه ، قد أجاز قرار تأجيل عقد المؤتمر ، الذي يصعب تصور ، ليس فقط بسبب صعوبة التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل مع حركة «حماس» التي تفرض سيطرتها على القطاع ، وإنما كذلك لأن أعضاء المركزية سيظلون يجدون ذرائع تصلح لتقرير تأجيلات غير متناهية للمؤتمر الذي لا يريدون مواجهة استحقاقاته ، وفي مقدمتها انتخاب لجنة مركزية جديدة ، يصعب عليهم تصور أن تخلو منهم..!
قريع ظل حتى نهاية الجلسة الصباحية يدافع بشدة عن وجهة نظره المطالبة بعقد المؤتمر العام للحركة في الخارج ، ورفض عقده في الداخل ، لكن موقفه انقلب على نفسه خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين انتهاء الجلسة الصباحية في الثانية بعد الظهر ، وبدء الجلسة المسائية في السادسة مساءً ، حيث طالب بعقد المؤتمر في الداخل دون ذكر لأي سبب يقف وراء هذا الانقلاب في موقفه.
هذا الإنقلاب المفاجئ في موقف قريع ، أثار ردود فعل غاضبة من قبل بقية أعضاء اللجنة المركزية ، وخاصة الفريق نصر يوسف ، ويحيى عاشور (حمدان) أمين سر المجلس الثوري.
قال يوسف وعاشور لقريع كيف تغير موقفك هكذا ، وأصرا على عقد المؤتمر في الخارج. وانفعل عبّاس قليلاً ، ثم عاد إلى هدوئه قائلاً «لا علاقة لي.. قرروا ما تشاؤون» ، وغادر مكان الإجتماع في مقر رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني في العاصمة الأردنية ، دون أن يعود في اليوم التالي (الأحد) ، حيث التقى وفداً كويتياً وغادر بعد ذلك إلى رام الله.
حمدان تصدى لعبّاس قائلاً له : لا يجوز أن تغادر. أنت رئيس يجب أن تظل موجوداً حتى يتم الاتفاق ، لكنه لم يأبه لما سمع ، وواصل خروجه.
أسباب انقلاب قريع
ولكن ما الذي قلب موقف قريع على هذا النحو المفاجئ..؟
تجمع الاجتهادات على أنه لا بد أن يكون قد تعرض لضغط ، أو ربما تهديد قوي خلال الساعات الأربع التي قلبت مواقفه رأساً على عقب..!
وتتناول الاجتهادات في هذا الصدد أكثر من احتمال واحد :
كذلك ، فإن قريع يرفض منذ سنة 1982 إبراء ذمته من أموال استثمارات مؤسسة مصانع أسر شهداء فلسطين (صامد) ، التي كان يتولى رئاسة مجلس إدارتها في لبنان ، ولم يودع عائدات هذه الاستثمارات في حسابات حركة «فتح» حتى الآن.
الأهم من ذلك على الصعيد المالي هو أن قريع كان يشرف على استثمارات أخرى لحركة «فتح» تؤكد مصادر مطلة على شيء من تفاصيل الاستثمارات العائدة للحركة أنها تجاوزت الملياري دولار ، لم يصف قريع حتى الآن ذمته منها هي الأخرى..!
وترى المصادر أن التهديد الذي يمكن أن يكون قلب موقف قريع هو التلويح ، ليس فقط بكشف هذه المعلومات ، وإنما التهديد بإحالته إلى القضاء في هذه القضايا..!
وهنالك احتمال ثالث يتم تداوله من قبل كوادر حركية ، تمسك «الحقائق» عن ذكره في الوقت الحالي.
مقابل هذه التهديدات المحتملة ، يلقى قريع تهديدات مماثلة من قبل معارضي عقد المؤتمر في الداخل ، بمن فيهم ضباط أمن سابقون ، تحولوا إلى المعارضة ، يلوحون بنشر وثائق تدين قريع بما لا يخطر له على بال ، كما قال أحدهم لـ «الحقائق» ، وذلك إن لم يعد للإنعدال..!
على كل ، كان قريع أول من طالب من أعضاء اللجنة المركزية بعقد المؤتمر في الداخل ، وظل موقفه وحيداً حتى نهاية اجتماعات اليوم الثاني لدورة انعقاد اللجنة المركزية ، باستثناء موقف متذبذب لانتصار الوزير أرملة الراحل الشهيد خليل الوزير ، التي تساوم بهدف ضمان أن يخلفها ابنها جهاد في عضوية اللجنة المركزية ، كما خلفت هي زوجها بعد استشهاده..!
وأضاف أنه مفروض عقد اجتماعات متعددة للجنة المركزية ، ذلك أنه توجد قرارات عدة لا بد من اتخاذها.
ووجه جهاد نقداً عنيفاً لطريقة إدارة الأمور من قبل عبّاس ، وقال لم يحدث أي تغيير على الأوضاع طوال السنوات التي تولى فيها عبّاس رئاسة السلطة الفلسطينية.
وألقى عبّاس زكي كلمة نالت استحسان جميع الحضور ، وجه فيها انتقادات مفاجئة لرئيس السلطة الفلسطينية ، وقال «إننا نحتاج إلى فترة من الزمن وإصلاح كل شيء قبل عقد المؤتمر ، وهذا (الإصلاح) ما سيطالب به المؤتمر».
كلمة القدومي كانت الأطول ، والأكثر ترتيباً ، وتحديداً للمطلوب ، فضلاً عن أنه حافظ على هدوئه ، دون أن يعطي عبّاس فرصة لاستفزازه.
تكشف المصادر هنا عن أن عبّاس بذل جهداً ملموساً في محاولات حثيثة لاستفزاز القدومي ، بهدف تفشيل اجتماع اللجنة المركزية وتحميله مسؤولية الفشل ، ليتم في ضوء ذلك تمرير جميع القرارات التي يريدها عبّاس دون اعتراض ، في ظل حالة الهرج والمرج التي تسود في هذه الحالة..!
لكن عدم نجاح محاولة استدراج القدومي للانفعال ، هو الذي أثار عبّاس وجعله ينفعل ويوزع الشتائم في اتجاهات غير متوقعة..!
عبّاس يشتم أم نتنياهو
وحين غضب عبّاس ، فوجئ الجميع بمدى الحالة الانفعالية التي اعترته ، وعلى نحو غير مسبوق ، فقد معه السيطرة على نفسه ، وراح يوزع الشتائم في أكثر من اتجاه ، مركزا إياها ، و«من تحت الزنار» ، كما تؤكد المصادر على أم نتنياهو ، وإسرائيل واليهود..! وتبدي المصادر أن عبّاس عبّر بهذه الشتائم عن شديد غضبه من نتائج المفاوضات العبثية التي انخرط فيها ، لعدم تمكنه من الحصول على أي تنازل من إسرائيل طوال السنوات الستة عشرة التي أعقبت أوسلو.
وقال عبّاس إنه لم يعد لدى خزينة السلطة الأموال اللازمة لدفع رواتب الموظفين.
الاتجاه الثاني : التلويح بشكل غير مباشر في هذه المرة إلى احتمال أن يستقيل ، وهو الأمر الذي لم يفعله بشكل مباشر ، خشية أن توافق اللجنة المركزية عليه ، في ظل المعادلة الجديدة المتشكلة داخلها.
قال عبّاس شاكياً حاله «كل الضغوط على راسي.. وضعتم كل الرئاسات على راسي». وسمع صوت جهوري يقول له «انت اللي أخذت كل الرئاسات.. لم نضعها على راسك».
لم يكتف أمين سر اللجنة المركزية بالمطالبة بعقد المؤتمر العام للحركة في الخارج ، لكنه طالب أيضاً بنقل مكان المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي إلى الخارج ، على أن تتم بوجود وسيط دولي ، وذلك في إشارة إلى المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل. وأكد القدومي أن «جميع المؤسسات المركزية لمنظمة التحرير وحركة «فتح» يجب أن تكون في خارج الأرض المحتلة».. منوها إلى أن المرحلة الحالية هي مرحلة تحرير ، وليست مرحلة الدولة ، التي لم تقم بعد. وتساءل قائلاً «وإلا كيف نكون حركة تحرير تعمل في ظل الإحتلال..؟».
ووجه القدومي انتقادات مريرة لـ «عبثية المفاوضات» الجارية الآن ، مضيفاً «حتى لا تكون المفاوضات الجارية مع الحكومة الإسرائيلية مفاوضات بين سلطة الاحتلال وأقلية اثنية تعيش على أرض إسرائيل ، لا بد من أن تجرى المفاوضات خارج الأرض المحتلة ، بوجود الوسيط الدولي المعتمد ، وليس مع مسؤولين إسرائيليين داخل الأرض المحتلة. في هذه الحالة يكون الأمر ، كأن ما يجري هو عمليات تنسيق بين صاحب الأرض (إسرائيل) ، وأقلية اثنية».
وأشار القدومي إلى أن اتفاق أوسلو قرر إقامة حكم ذاتي محدود.
وقلل القدومي من أهمية خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة يوم الرابع من الشهر الجاري ، قائلاً «إن كل ما قاله أوباما هو عبارة عن كلمات هدفت إلى الإشادة بموقف الفلسطينيين ، وتأكيد دعمه لإسرائيل»..!
ولفت القدومي إلى أن أوباما أشار في خطابه إلى ما وصفه بالتشدد والتطرف الفلسطيني ، دون أن يستخدم وصف «الإرهاب» ، كما كانت تفعل الإدارات الأميركية السابقة. ولفت القدومي أيضاً إلى أن الرئيس الأميركي أكد دعمه لإسرائيل ، لكنه أبدى تعاطفه مع الشعب الفلسطيني ، ووصف الفلسطينيين بأنهم يعانون كل يوم من الاحتلال ، ويعيشون تحت الاحتلال مثل العبيد.
وعدد القدومي الملفات الكبيرة التي يريد الرئيس الأميركي الجديد حلها ، ومن بينها الملف النووي الإيراني ، الأزمة الاقتصادية الدولية ، العراق ، أفغانستان ، والصراع العربي الإسرائيلي. وتساءل قائلاً «متى سيتمكن أوباما من حل كل هذه المشاكل..؟».
وختم القدومي كلمته بالتأكيد على ضرورة عقد مجلس وطني فلسطيني جديد ، ينتخب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وانتقد القدومي حصر الحوار الفلسطيني بين حركتي «فتح» و«حماس». وقال «كان تحالفنا مع فصائل منظمة التحرير ناجحاً ، فلم نستمر في حوار ثنائي مع حركة حماس..؟». واعتبر أن ثنائية الحوار تعني «تقاسم السلطة بيننا وبين حماس ، وعزل الآخرين» ، وقال «هذا ما نرفضه».
وعلى هذا انتهت أعمال اليوم الثاني من دورة الانعقاد الحالية للجنة المركزية لحركة «فتح» ، لتستأنف صباح الأحد ، بأمل أن تنتهي في هذا اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق