الثلاثاء، 2 يونيو 2009

ضحايا قلقيلية ..هاني المصري

في الوقت الذي تشهد فيه إسرائيل أكبر مناورة عسكرية في تاريخها استعداداً للحرب المقبلة ضد إيران والفلسطينيين والعرب، ولمواجهة الانتفاضات الفلسطينية المحتملة، وفي الوقت الذي تتسارع فيه الإجراءات الاحتلالية لتهويد القدس وعزلها وطرد سكانها، ولاستكمال جدار الفصل العنصري، وتكثيف الاستيطان وهدم المنازل والاعتقالات والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال قائد من "القسام" في الخليل، وتواصل الحصار خصوصا الحصار الخانق على غزة، وقع المحظور واندلع أول اشتباك فلسطيني ــ فلسطيني في قلقيلية المحاصرة بجدار احتلالي عنصري يحيط بها من كل جانب، وكان ضحاياه ستة من الفلسطينيين ثلاثة من أفراد الأمن الفلسطيني، واثنين من كتائب القسام والسادس صاحب البناية.
وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة الرواية التي قدمتها السلطة، والرواية التي قدمتها "حماس"، فما حدث في قلقيلية كان من المتوقع أن يحدث، ويمكن ان يحدث مرة أخرى، إذا استمر الانقسام، في هذا المكان او ذاك وبصورة أكثر فظاعة.فاستمرار الانقسام وتعمقه وتعثر الحوار وتصاعد السباق بين "السلطتين" لإثبات القدرة والجدارة وانتزاع الشرعية، واستمرار حملات الاعتقالات وتصفية البنية التحتية لـ"حماس" في الضفة، ولـ"فتح" في غزة، كان ولابد ان يقود، عاجلا ام آجلا، الى اشتباكات مسلحة. لقد استمر الاشتباك في قلقيلية لعدة ساعات وأدى الى فرض منع تجول جزئي على مدينة فلسطينية.
فعندما تقوم السلطة باعتقالات كيفية وعشوائية، لكل من ينتمي لـ"حماس" وتغلق مؤسسات لمجرد أنها تعتقد أنها تمول "حماس"، فان هذه الإجراءات ستطال بالضرورة عناصر وكوادر "القسام"، المطاردين من قوات الاحتلال وبعضهم مطارد منذ سنوات طويلة. ان هذا الواقع يمكن ان يدفع بقرار من "حماس" او دون قرار الى الاصطدام، وذلك لأن المطلوبين من الاحتلال المعرضين لاعتقال في الحملات التي تنفذها السلطة ضدهم يمكن أن يحاولوا الهرب مهما كلفهم ذلك، لان وقوعهم في قبضة السلطة يمكن ان يكشفهم ويسهل القبض عليهم من قوات الاحتلال وما يؤدي إليه ذلك من بقائهم داخل السجون الاحتلالية لبقية حياتهم.
لقد تكررت الحالات التي يتم القبض فيها من قبل السلطة في الضفة على شخص أطلقت سراحه إسرائيل او العكس بالعكس وهذا وضع يجب أن ينتهي، فالاحتلال عدو الفلسطينيين جميعا، ولا يجب أن نوافق أو نتعايش فيه مع واقع يصبح كل طرف فلسطيني عدواً للآخر بينما الاحتلال يفرك ايديه فرحا وينعم باحتلال هادئ ومريح.

إن وجود أكثر من رواية لما جرى في قلقيلية يجعل الحل بتشكيل لجنة تحقيق وطنية محايدة، لأن التهاون مع ما حدث في قلقيلية والتعامل معه كحادث امني عادي، يعتبر أمرا خطيرا. إن السلطة مطالبة بفرض سيادة القانون وحفظ الأمن والنظام العام، ولكنها وهي تفعل ذلك عليها ان تتذكر ان الضفة والسلطة وفلسطين كلها تحت الاحتلال، وان الاحتلال وإجراءاته بما فيها الاقتحامات اليومية التي تقوم بها قوات الاحتلال لمناطق السلطة ويتخللها اعتقالات ووضع حواجز وأحيانا اغتيالات هو الخطر الأساسي الذي يعرض سيادة القانون والامن والنظام العام باستمرار للانهيار. ومع ذلك لا تفعل السلطة شيئا لمواجهة ذلك. لقد لاحظنا، ويا للمفارقة، حادث الاشتباك الذي وقع منذ أيام قليلة في قلقيلية نفسها بين دورية أمن فلسطينية، وأخرى إسرائيلية وكيف اتفق على معالجتها بزيادة وتائر التنسيق الأمني الفلسطيني ــ الإسرائيلي.
السؤال المركزي، هو كيف نجعل من اشتباك قلقيلية محطة الى مرحلة جديدة تفرض تكثيف العمل والجهود لمنع تكرار مثل هذا الحادث، الذي يؤدي تكراره الى انهيار كل شيء؟ وهذا إن حدث يوجه ضربة قاصمة للقضية الفلسطينية.
إن واقع الاحتلال يعطي للفلسطينيين الحق بالمقاومة، وهذا أمر يجب ألا ينساه أحد، وهذا ما تؤكده شرعية الأمم المتحدة والقانون الدولي، وكافة الشرائع الدينية والدنيوية، وهذا الحق يعطي شرعية للمقاومة والمقاومين بحمل السلاح، سواء كنا الآن في مرحلة مقاومة مسلحة أو في مرحلة تهدئة، مع أنها تهدئة من جانب واحد. وهنا لا ينفع حديث السلطة عن أي سلاح يجب أن يكون مرخصا فهل سترخص سلاح المقاومة؟

وبالتالي ليس من حق السلطة الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال ولا من مصلحتها الوطنية، أن تقوم باحتكار السلاح، شأنها شأن أي سلطة عادية في دولة مستقلة قبل إنهاء الاحتلال وقبل التوقيع وتطبيق معاهدة سلام.. إن السلاح منتشر بكثرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأسباب تتعلق بالوطن ومقاومة الاحتلال، ولأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد وخصوصا للدفاع عن النفس والأخذ بالثأر، فلماذا يتم الخلط بين سلاح الفوضى والفلتان الأمني والثأر وسلاح الجريمة وسلاح المقاومة.

إن من حق السلطة أن تفرض الآن في ظل الانقسام وعدم الاتفاق على استراتيجية واحدة وموحدة للمقاومة أن لا يستخدم سلاح المقاومة أو القيام بأي عمل يمكن أن يعرض الناس للخطر، ولكن ليس من حقها أن تقوم بسحب سلاح المقاومة وملاحقة المقاومين وتفكيك البنية التحتية للمقاومة، هذه العملية، التي بدأت بسحب سلاح كتائب الأقصى، وتتواصل الآن بسحب سلاح بقية الكتائب المسلحة وخصوصا كتائب عز الدين القسام، يجب أن تتوقف، ولا يعني توقفها عودة الفوضى والفلتان الأمني، وإنما يعني الاحتفاظ بالمقاومة وسلاحها لاستخدامها عند الضرورة، ولتوظيفهما دائما لتقوية الموقف الفلسطيني على طاولة المفاوضات.

لا يكفي إلقاء التهم بأن "حماس" تخطط لتنفيذ انقلاب بل يجب تقديم الدلائل والبراهين على ذلك. إن كل من يخطط أو ينفذ أعمالا عسكرية تستهدف السلطة من حق السلطة أن تقاومه وتعتقله وتحاكمه، ولكن بصورة قانونية. إن أكثر من ألفين اعتقلتهم السلطة في الضفة خلال العامين السابقين، منهم المئات لا يزالون وراء القضبان. وهم معتقلون على خلفية سياسية أو تنظيمية رغم انكار السلطة، فاعتقالهم حدث بصورة غير قانونية، ولم يتم تحويلهم للمحاكم، ومن نظرت بأمرهم محكمة العدل العليا صدرت قرارات بالإفراج عنهم، ونفذ بعض هذه القرارات وبعضها الآخر لم ينفذ.

إن فشل المفاوضات، وما يسمى عملية السلام يفرض على الفلسطينيين والعرب الاستعداد والدراسة، وفتح كافة الخيارات والبدائل الأخرى بما فيها وأساسها خيار المقاومة وهذا وحده يمكن أن يجعل إسرائيل تفكر جديا بإنهاء احتلالها للأرض المحتلة عام 1967. أما محاربة المقاومة والتخلي عنها في ظل استمرار إسرائيل بتعميق الاحتلال، فإنه يؤدي الى شيء واحد هو تشجيع إسرائيل على المضي في سياسة فرض الحقائق الاحتلالية على الأرض.

إن وضع الضفة الغربية يختلف عن قطاع غزة. فبالإضافة الى وجود الاحتلال الكامل للضفة خلافاً للقطاع الذي تكتفي إسرائيل بمحاصرته برا وبحرا وجوا، فلا يوجد حدود للضفة مع البحر ولا أنفاق على الحدود على طول نهر الأردن، والضفة لا تزال مستهدفة بالمخططات العدوانية والتوسعية والاستيطانية والعنصرية الإسرائيلية، لذلك لا تستطيع "حماس"، حتى لو أرادت أن تنفذ انقلابا آخر مشابها لما حدث في قطاع غزة لأن إسرائيل ستقف لها بالمرصاد، حتى لو صرح عدد من قادة "حماس" والناطقين باسمها بأن "حماس" قادمة للسيطرة على الضفة.

إذاً وما دمنا قد استبعدنا مسألة الانقلاب، فما الذي يجري في الضفة؟ إن الذي يجري في الضفة خاصة بعد رحيل ياسر عرفات، هو سياسة تنفيذ الالتزامات الفلسطينية، خصوصا الأمنية، من جانب واحد، على أمل أن هذه السياسة يمكن أن تساعد على بقاء السلطة وحصولها على الدعم الإسرائيلي والدولي، وعلى تحقيق إنجازات سياسية. إن هذا هو الهدف الأساسي من الاعتقالات وتفكيك البنية التحتية للمقاومة، ولكن هذه السياسة، طبقت منذ أوائل عام 2005 وحتى الآن، ونفذت بحماس شديد خصوصا بعد تشكيل حكومة سلام فياض الأولى، ولكنها فشلت فشلا ذريعا في تحقيق إنجازات سياسية، ولكنها نجحت في الحفاظ على السلطة. فهل بقاء السلطة هو الهدف. فإسرائيل، سواء خلال حكومة اولمرت السابقة، أو حكومة نتنياهو الحالية، لا تؤمن بالتبادلية في تنفيذ الاتفاقيات وتطبيق الالتزامات، وكلما نفذت السلطة ما عليها، وهي فعلت ذلك بنسبة وصلت الى أكثر من 90%، كما صرح بذلك الرئيس ابو مازن مرارا وتكرارا، تطالبها إسرائيل بالمزيد.

وإذا أخذنا الرد الإسرائيلي على أحداث قلقيلية نجد أنه يتراوح ما بين الترحيب بما جرى، والحذر الى حد المماطلة بالسماح لقوات الأمن لعدة ساعات في المرور على الحواجز الإسرائيلية أثناء الانتقال من بقية مدن الضفة الى قلقيلية، الى اعتباره غير كاف ومطلوب من السلطة المزيد، وأخيرا الى حد الاستنتاج الإسرائيلي أن ما حدث في قلقيلية يثبت مرة أخرى عدم وجود شريك فلسطيني لإسرائيل.

إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، أكثر من أية حكومة إسرائيلية سابقة، غير جاهزة للسلام وتعطي الأولوية لتطبيق الخيارات والبدائل الإسرائيلية، الى حد أنها تعطي جهدا أساسيا لإيجاد بدائل عن الدولة الفلسطينية حتى لو وصل الأمر الى محاولة إحياء خيارات ماتت منذ زمن طويل، مثل الوطن البديل والخيار الأردني، وهي تنظر للحل عبر ترتيبات إقليمية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية والاسلامية، أما الفلسطينيون فما عليهم سوى تنفيذ ما تريده إسرائيل. فالفلسطينيون بالنسبة للائتلاف الحاكم في إسرائيل يجب عدم منحهم شيئا لأنهم منقسمون الى جناح معتدل، ولكنه ضعيف لا يمكن الركون عليه، ويمكن أن يحرج إسرائيل، وجناح متطرف إرهابي يجب محاربته، ولكن مع ضمان الحفاظ على استمرار الانقسام الذي يوفر مزايا هائلة لإسرائيل لا يمكن أن تفرط بها بأي حال من الأحوال.

إن السلطة ما كان لها أن تفعل ما فعلت في الضفة، وآخر فصوله ما حدث في قلقيلية، لولا الانقسام والانقلاب في غزة الذي يعطيها الذريعة للقيام بكل ما يمكن لحماية نفسها. وما دام هذا الانقسام مستمرا، وما دام الحوار متعثرا، فإننا يجب ألا نستبعد حدوث أحداث مشابهة، ولربما أسوأ مما حدث بكثير. لذا الرد على حادثة قلقيلية يجب أن يكون التمسك بالحوار وإعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وليس التهديد بتعليق الحوار. فوقف الحوار لا يوقف الاعتقالات ويفتح الأبواب لكل أنواع التدهور الداخلي.

وسواء كان حادث قلقيلية مدبرا أو حدث بالصدفة، فإن تداعياته كبيرة جدا، خصوصا على الحوار الوطني الشامل، لذا يجب محاصرته ومنعه من الانتقال الى مناطق أخرى، فلا يمكن وقف الحوار والعودة الى العداء والقطيعة والتحريض لأن ذلك سيقود، عاجلا أم آجلا، الى الاقتتال والى تحويل الانقسام المؤقت الى انفصال دائم.
إن الأخطر من كل ما سبق، أن استمرار الانقسام سيؤدي الى تسابق أكبر بين "السلطتين" لكسب ود الاحتلال والحصول على الاعتراف منه لكي يعتمد هذه السلطة أو تلك كشريك فلسطيني، للتوصل الى توقيع اتفاق أقصى حدوده "دولة" على البقايا، او قيام "دولة" على البقايا ذات حدود مؤقتة دون توقيع اتفاق، دولة ترتبط بهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل أو "دولتان" على البقايا، واحدة في ما تبقى من الضفة، والأخرى في القطاع، وكلاهما تحت رحمة إسرائيل وتتسابقان لكسب ودها.

يكفي أن نعرف أن شهداء قلقيلية بمعظمهم مطاردون أو كانوا مطاردين من قوات الاحتلال حتى نوقف هذا التدمير الذاتي الجنوني!! وبدلا من توجيه كل الطاقات والأسلحة ضد الاحتلال يستمر طغيان الصراع على السلطة الواقعة تحت الاحتلال، كما يستمر إعطاء الأولوية للمشاريع الفردية والفئوية والفصائلية!! الله يكون في عون الفلسطينيين على قياداتهم قبل أعدائهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق