((فياض قلب المعادلات الفتحاوية رأسا على عقب))
(4-3)
المعادلات التي غيّرها فياض
فياض لم يكن ليسمح بأن يكون قفازا بيد فتح لتنفيذ الأعمال التي لا ترغب فتح بالقيام بها مباشرة،ولهذا لاحظنا أنه في حكومته السابقة التي لم تكن فتح ممثلة فيها بشكل كبير،لم تحدث أحداث على نمط ما جرى في قلقيلية،وكان فياض ممتعضا من النقابات التي تجعل منها فتح سيفا مسلطا على حكومته وعلى إدارته للسلطة،ولهذا امتنع فياض عن الجلوس شخصيا مع بسام زكارنة،وكلف وزيرا محسوبا على فتح هو سعدي الكرنز بهذا الأمر،وتواصل فياض مع العساكر،وأخذ يقيم معهم حفلات الدبكة،وساهم قانون التقاعد للعسكريين،والذي ضمن إبعاد العناصر الفتحاوية ذات النشاط والارتباط التنظيمي القوي عن المؤسسة الأمنية،وضمن بالأموال إخماد كل الأصوات التي حذرت من هذه الخطوة.
كان فياض وما زال يزحف بخطط مدروسة لكي تصبح فتح تابعة له،وليس العكس كما أرادت هي،وهنا أدرك العديد من قادة فتح من مختلف المستويات خطورة المصير المرسوم لحركتهم فتحركوا باتجاه الضغط على أبي مازن كي يحدّ من سيطرة فياض التي تتزايد يوما بعد يوم على السلطة،بل تعدتها إلى مؤسسات المنظمة في الخارج،وباء تحركهم بفشل ذريع،كما تحركوا باتجاه الحوار مع حركة حماس،حيث أنهم رأوا أن شراكة مع حماس،أفضل من شطب كامل لحركتهم وبطريقة ممنهجة على يد فياض،وطبعا لم يكن الأمريكيون بعيدون عما يجري فالمؤسسة الأمنية خاضعة لإشراف الجنرال «كيث دايتون» والذي يصفه إعلام فتح بأنه مجرد«منسق»،والمؤسسات المدنية لها خطط وضعها فياض بمعاونة فرق متخصصة للسيطرة تماما عليها من قبل أنصاره،ومن تركوا فتح وانضموا له طمعا في عطاياه.
والظروف العامة تساعد فياض؛حيث أن الفساد والمحسوبية والشللية والبيروقراطية والترهل وغيرها من المظاهر السيئة التي سادت طوال فترة السيطرة الفتحاوية المطلقة على المؤسسات ،جعل من المقبول،حتى عند أنصار فتح، تقبل أي خطة ،حتى لو كان أحد أهدافها الغير معلنة القضاء على فتح كتنظيم وحركة تحرر،كما حرص فياض على ألا يتلوث بأي قضية فساد مالي،أي أن يوصف بالنزاهة وبراءة الذمة المالية.
ولم يكن فياض ليسمح للحوار بين فتح وحماس أن يكون مهدِّدا له،وهو يسمع باستمرار بأن مصيره مرتبط باتفاق القوتين الكبيرتين،وأن رحيله هو تحصيل حاصل في حال تم توقيع اتفاق بين فتح وحماس،ودعكم من قصص الاستقالات،والزهد في المنصب،والحرص على إنجاح الحوار،فهذا كلام لم يعد صالحا للاستهلاك وبالتعبير الخليجي حكي «خرطي»!
ولا ننسى أن ما يقوم به فياض على أرض الواقع ووضعه خطط مدتها سنوات يدحض فكرة «تسيير الأعمال» والحالة المؤقتة،فما يجري في الضفة الغربية يقول وبكل وضوح عبر كل جزئية بأن الأمور ستطول على منوال الانقسام،وبقاء فياض سنوات في موقعه،رغم الحوار والوساطات،لأنه وبكل بساطة لا يملك أحمد قريع ولا عزام الأحمد حولا ولا قوة ليطالبوا فياض بتقديم بوادر حسن نوايا لإنجاح الحوار،على الأقل حتى اللحظة،ويخلق الله ما لا نعلم!
وبما جرى في قلقيلية فإن الحوار أصبح في مهب الريح،والأهم من ذلك أن ما جرى الحديث عنه حول نية فياض قطع الأموال عن غزة،وهو مرارا تغنى بأن لها نصف الميزانية،هذا الحديث سيكون مطروحا بقوة،وهناك تقبل عند قواعد وحتى كوادر فتح في الضفة لهذا التوجه،وتكرار الحديث عن الأزمة المالية،وتقاعس المانحين عن الدفع،سيجعل من اتخاذ قرار بوقف تحويل أي دولار لقطاع غزة أمرا مرحبا به عند معظم فتح،لا سيما وأن فتح تعتقد بأن هذا الأمر قد يُحدث ثورة شعبية ضد حماس في القطاع ،أما عناصر وكوادر فتح الذين سيتضررون من هذا الأمر،فلن يكون بوسعهم إلا الشتم والبكاء والعويل،ثم إن جزءا من «فتح غزة» يحكم وبنفوذ كبير في الضفة كما يعلم الجميع،وعليه لا يهمهم أمر جمهور فتح في القطاع!
أرأيتم كم غيّر فياض من المعادلات ،وكم استطاع قلب الموازين؟ فقد ضمن أن فتح راغبة أم راغمة ستسير وفق خططه ،وستنفذ تحت أي مبرر ما يراه،وأحداث قلقيلية وما قد يحدث في مناطق أخرى تجعل فتح تغرق أكثر فأكثر،ويجعل الحبل الذي وضعته بيدها حول عنقها يلتف بقوة «قد» لا تتمكن من الفكاك منها!
فياض كان خارج هذه المعادلة،بل تحولت السلطة إلى ما يشبه الوضع في العراق،فنوري المالكي أقوى من جلال الطالباني،ولكن هنا اقتصرت مهمة رئيس السلطة على مسألة التفاوض التي لم تأت بشيء،فيما كان فياض يعلن بلا تردد بأن«نابلس عندي أهم من أنابوليس» وهذا لا يعني بأن فياض يهمل الموضوع السياسي،ولكنه يريد ترتيب الوضع الداخلي قبل موضوع التفاوض،وهو يعلم أن مفاوضات فتح لن تغير شيئا.
المهم أن الجميع يلاحظ بأن فتح لم تعد تتحدث عن مؤسسة الرئاسة،وهناك استسلام لحكومة فياض،وقد يتحجج البعض بأن الأمر مختلف عن حكومة هنية،حيث أن هنية ليس من منظمة التحرير،ولكن حكومة فياض تعلن بوضوح أن برنامجها هو برنامج منظمة التحرير،وأن حكومة فياض هي «حكومة الرئيس»….يا سادة:إذا كان إسماعيل هنية ليس من منظمة التحرير،فهل سلام فياض من منظمة التحرير؟ثم ما هو برنامج منظمة التحرير؟ ونحن نتحدث عن حكومة لم تنل ثقة المجلس التشريعي لتعرض برنامجها ،لنحكم عليه فيما إذا كان برنامج المنظمة أم لا،وهذه سابقة حيث أن عرفات رغم كل ما وصف به من تفرد وأبويّة حرص على نيل أي حكومة يشكلها لثقة المجلس التشريعي،صحيح أن غالبية المجلس كانت من فتح،وأن عرفات كان يلجأ لترتيب إجراءات منح الثقة من وراء الكواليس،ولكنه كان يحرص على إخراج المشهد وفق النظام والقانون،فيما نحن وبحجة الانقسام ،يخترق عندنا القانون.
لقد قلب فياض كل المعادلات،وسواء كانت فتح تحبه أو تكرهه فلا يهمه أمرها البتة،إلا بما يرتبه «هو» لا بما تشتهيه «هي»،وأحدث فياض حالة هرولة لدى محاور فتح نحو المواقع ،على اعتبار أن الوضع هو «جمعة مشمشية» ،وجاءت قلقيلية لتُبرم صفقة حدد فياض ملامحها وتفاصيلها،وهو إذ أعلن أنه «لا يندم» على ما جرى في قلقيلية ،مع عدم وجود أي صوت من فتح يتحدث ولو رياءا بطريقة مختلفة،يرسم صورة المشهد،و ليس مهما وفق فلسفة النظام الجديد لو سقط حتى ألف عنصر من الأجهزة الأمنية في اشتباك واحد،فبهذا يضمن النظام الجديد كراهية أسر وعائلات الضحايا لحماس وبالعكس،فتنتقل الكراهية للعائلات والعشائر ويسود منطق الثأر والحقد ويصبح مبدأ العقلانية غير ذي صلة،كما أن لغة الأرقام هي السائدة،وليس هؤلاء الضحايا في كل الأحوال من «أبناء الذوات» ومن طبقة رأس المال السياسي،وهناك الكثير بحاجة للوظائف!(انتهى الجزء الثالث…يتبع)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سري عبد الفتاح سمور(أبو نصر الدين)
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
الثلاثاء 16 جمادى الآخرة/1430هـ،9/6/2009م
بريد إلكتروني:-
sari_sammour@yahoo.com
s_sammour@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق