27-6-2009
مطالبة خالد مشعل للرئيس الأميركي بسحب الجنرال كيث دايتون من الضفة الغربية تمثل أكثر من عملية تحول فلسطيني من تلقي الشروط إلى طرح الشروط.. ذلك أنها تمثل شق طريقاً جديداً للتسوية السياسية المرحلية، انطلاقاً من إعتداد وثقة كبيرتين بالنفس، أشار إليهما رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صراحة في خطابه، الذي إنصب أساساً على ضرورة تحويل الأقوال الأميركية إلى أفعال، تبدأ بسحب الجنرال الأميركي من الضفة، وتنتهي بالتحول عن محابات إسرائيل والانحياز الكامل لها إلى فرض حل سياسي يقيم دولة فلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة سنة 1967، عاصمتها القدس، بعد اندحار الاحتلال عنها وتفكيك المستوطنات كافة.
لا يعقل، ولا يصدق أن تكون هناك سياسة اميركية جديدة اتجاه القضية الفلسطينية، فيما تتواصل فصول السياسة الأميركية القديمة التي ينفذها دايتون، لجهة تفكيك ونزع أسلحة أذرع المقاومة الفلسطينية.
ولا يعقل أن يمد اوباما يده لـ «حماس»، فيما تواصل يد دايتون العمل على تفكيك «حماس»، وعموم الأذرع الفلسطينية المقاومة، وتفكيك بناها التحتية..!
أن تكون هناك شروط فلسطينية للحل، والتسوية السياسية، لا يعني البتة وجود سياسة عدمية، كما وصف نايف حواتمة المقاومة الفلسطينية غير المستندة لأفق حل سياسي في وقت مبكر، تزامن مع برنامجه للنقاط العشر الذي قاد القضية الفلسطينية، ليس فقط إلى أخطر مأزق سياسي في تاريخها، بل إلى حالة الانقسام المستمرة منذ عقدين من الزمن.. ذلك أن خطاب مشعل، الذي زاوج بين الاستعداد لتسوية سياسية، ومواصلة المقاومة، استجاب للمطلبين الوحيدين اللذين نقلهما له جيمي كارتر، الرئيس الأميركي الأسبق من الرئيس اوباما، دون انبطاح على البطن، ودون لهاث وراء الرضا الأميركي.
المطلبان اللذان استجاب لهما مشعل باسم حركة «حماس» هما :
المطلب الأول : القبول بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967..(البرنامج الذي يمثل الحد الأدنى لشعبنا، وقبلناه في وثيقة الوفاق الوطني كبرنامج سياسي مشترك لمجمل القوى الفلسطينية، هو: قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعد انسحاب قوات الاحتلال وإزالة جميع المستوطنات منها، وإنجاز حق العودة).
مشعل أراد أن يقول بهذه الصياغة أنه لا يقدم تنازلاً جديداً، بل هو التنازل الذي سبق تقديمه في إطار التوافق الوطني الفلسطيني.
المطلب الثاني : القبول بحل الدولتين، وهو ما يفهم ضمناً من القبول بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967.
ويلمح مشعل هنا إلى أن «المقاومة وسيلة وليست غاية، وهي ليست عمياء، بل ترى التغيرات الجارية. ولكن المقاومة ترى أيضاً أن التغيير على الأرض لا يتم بفعل التمني أو الاستجداء، ولا بفضل من يستكين لواقع الاحتلال أو الظلم، بل بفضل من يقاومه ويناضل ضده، ويقدم التضحيات لتحقيق أهدافه».. مؤكداً بشكل غير مباشر الاستعداد لوقف المقاومة في حالة تلبية مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
ولذلك، فإن الصياغة التي استخدمها لا تتضمن أية امكانية لقبول مطالب جديدة، بل إن مشعل هو الذي لم يكتف بطلب سحب دايتون.
مطالب مشعل لخصها في :
-الأول : عدم الاكتفاء بالتغيير الذي طرأ على لغة خطاب الإدارة الأميركية إزاء القضية الفلسطينية، وتوضيح أن التغيير الذي حدث في لغة الخطاب، غير كاف، ولا يسحر حركة «حماس»، من ناحية، وناتج عن فعل المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان من ناحية أخرى.. ذلك أن «الصمود العنيد لشعوب المنطقة الحية حين قاومت في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان ورفضت المحتلين وإملاءات الغزاة، أحبطت سياسة الإدارة السابقة ومحافظيها القدامى والجدد، وحوّلت مغامراتها في الهيمنة والحروب الاستباقية إلى فشل ذريع وغرق في أوحال المنطقة وأزمات متلاحقة، مما دفع الناخب الأميركي إلى خيار التغيير لحماية مصالحه».
-الثاني : كبح جماح النفوذ الصهيوني في مؤسسة القرار الأميركي.
-الثالث : تخليص السياسة الخارجية الأميركية من أعباء التدخلات الإسرائيلية وأولوياتها المستنزفة والمورِّطة.
-الرابع : إعمار غزة، ورفع الحصار عنها، ورفع الظلم والضغط الأمني عن الضفة.
-الخامس : ترك المصالحة الفلسطينية تأخذ طريقها دون شروط أو تدخلات خارجية.
-السادس : مساعدة الشعب الفلسطيني على التخلص من الاحتلال واستعادة حقوقه، ليقرر مصيره بنفسه ويعيش حراً في وطنه ككل شعوب العالم.
إن مشعل يطالب اميركا بكل ذلك، لأنها خالقة إسرائيل، وموجدتها، وضامنة بقاءها، ولأنها طرف أصيل في الحرب المتواصلة على الشعب الفلسطيني منذ ما قبل قيام الدولة العبرية.
ولأن الثقة منعدمة بأميركا، فإن مشعل يخاطب رئيسها ليس فقط باعتباره ذلك العدو، وإنما أيضاً باعتبار عدم وجود فسحة ثقة به.
يتجلى ذلك في تأكيده «إن موقف إدارة اوباما بالنسبة لنا ما زال تحت الاختبار».. ولفت الأنظار إلى أن لغة الخطاب الجديد لم تحل دون المسارعة الأميركية والأوروبية إلى الترحيب بخطاب نتنياهو واعتباره إيجابياً وخطوة إلى الأمام!!
ويتساءل مشعل «فهل هذا هو المعنى المقصود بالتغيير الذي بشر به الرئيس اوباما في خطاباته..؟ وأين هو التغيير في السياسات..؟ أم أن الأمر ينحصر في حدود تغيير اللغة..؟».
ويجيب مشعل على تساؤلاته بالقول «نحن وإن رحبنا بالتغيير في لغة اوباما، لكننا بكل وضوح لم نتجاوز هذا الحد طالما بقي التغيير في حدود اللغة».. «غالبية قوى شعبنا وجماهيره لا تشتري الأوهام والوعود».. مبينا أنه حتى في إطار اللغة، لم يرتق خطاب اوباما في مخاطبته للفلسطينيين إلى مخاطبته للإسرائيليين. لذا، يؤكد مشعل أن «الشيء الوحيد» الذي يقنع «القوى والجماهير الفلسطينية ومن ورائها الأمة العربية والإسلامية، هو توفر إرادة وجهد اميركي ودولي حقيقي ينصب على إنهاء الاحتلال ورفع الظلم عن شعبنا، وتمكينه من حق تقرير المصير وإنجاز حقوقه الوطنية».
انعدام الثقة بأميركا يتجلى مرة أخرى بقول مشعل «عندما تبادر إدارة اوباما إلى ذلك، فإننا وقوى شعبنا سنكون مستعدين للتعاون معها، ومع أي جهد دولي وإقليمي يصب في هذا المسار».
ثم إن مشعل يرفض مبدأ تقديم أية تنازلات فلسطينية مقابل الإقرار بجزء من حقوقه على أرضه. فها هو يؤكد التمسك بما يلي، واضعا النقاط على الحروف:
-أولاً : رفض الموقف الإسرائيلي الذي عبّر عنه نتنياهو حول الحقوق الفلسطينية جملة وتفصيلاً، خاصة ما تعلق بموضوعات القدس، وحق عودة اللاجئين، والاستيطان، والتطبيع مع العرب، ورؤيته للدولة الفلسطينية وأرضها وحدودها، واشتراطها منزوعة السلاح. فهذه الدولة التي تحدث عنها نتنياهو والمسيطر عليها براً وبحراً وجواً، هي كيان مسخ وسجن كبير للاعتقال والمعاناة، وليست وطناً يصلح لشعب عظيم.
-ثانياً : رفض ما يسمى بيهودية إسرائيل.
-ثالثاً : إن «قضية فلسطين ليست قضية حكم ذاتي وسلطة وعلم ونشيد وأجهزة أمنية وأموال من المانحين. قضية فلسطين هي قضية وطن وهوية وحرية وتاريخ وسيادة على الأرض، وهي كذلك القدس وحق العودة. والأرض عندنا أهم من السلطة، والتحرير قبل الدولة». وفي هذا السياق جاء قبلوه بدولة في حدود 1967..«لذلك فإن البرنامج الذي يمثل الحد الأدنى لشعبنا، وقبلناه في وثيقة الوفاق الوطني كبرنامج سياسي مشترك لمجمل القوى الفلسطينية، هو: قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعد انسحاب قوات الاحتلال وإزالة جميع المستوطنات منها، وإنجاز حق العودة».. مؤكدا «إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجّروا منها عام 1948، هو حق وطني عام، وحق فردي يملكه بشكل شخصي خمسة ملايين لاجئ، ولا يستطيع أي قائد أو مفاوض التفريط فيه أو التنازل عنه».
-رابعاً : التأكيد على «رفضنا القاطع للتوطين والوطن البديل، خاصة في الأردن الشقيق، فالأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين، ولا بديل عن فلسطين إلا فلسطين، مع التأكيد على اعتزازنا بكل أرضنا العربية والإسلامية».
ويلاحظ هنا تعمد مشعل استخدام ذات الكلمات والعبارات التي استخدمها الملك عبد الله الثاني للتعبير عن موقفه من المؤامرات الإسرائيلية على الأردن وفلسطين، عبر مشاريع التوطين والوطن البديل.
-خامساً : التأكيد على «تمسكنا بالمقاومة، خياراً استراتيجياً لتحرير الوطن واستعادة الحقوق».
أي أن «حماس» لن تتنصل من المقاومة وتاريخها المقاوم، ولن تصف المقاومة بالإرهاب، ثم تنبذ الإرهاب، كما فعلت حركة «فتح» ومختلف فصائل منظمة التحرير من قبل.
لقد تم الاتعاظ تماماً من الدرس، الذي لم يتعظ منه اصحابه بعد..!
-ورفض مشعل مبدأ «المقاومة السلمية»، التي رأى أنها «تصلح للنضال من أجل الحقوق المدنية. أما في حالة الاحتلال العسكري المدجج بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية فلا تصلح لمواجهته إلا المقاومة المسلحة»، في رد مباشر على مطالبة اوباما في خطابه على مدرج جامعة القاهرة بوقف المقاومة المسلحة واللجوء إلى المقاومة السلمية..!
-ويجدها مشعل فرصة مواتية للتذكير بأن «الاعتراف الدولي والإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية جرى بفضل مَنْ ناضل وضحى في مسيرة الثورة الفلسطينية وفي الانتفاضة الأولى (في إشارة إلى دور «حماس» في الحصول على هذا الاعتراف)، وليس بفضل من تخلّى عن البندقية واختار طريق المساومة والمفاوضات، وحوّل لعبة التفاوض إلى هدف دائم بصرف النظر عن الثمن والجدوى وما يفعله العدو على الأرض، بل وقبل التعاون مع العدو ضد شعبه!!».
ولذا، فإنه يرفض شروط اللجنة الرباعية الدولية.. ذلك «إنّ هذه الشروط جُرّبت قبل ذلك وفرضت على غيرنا وقبل بها، ومع ذلك لم تنته المشكلة، ولم تتقدم القضية الفلسطينية بل تفاقمت معاناة شعبنا، واستمر الاحتلال والعدوان، وتضاعف الاستيطان، وزاد عدد المعتقلين في سجون الاحتلال.. ثم إنّ هذه الشروط لا نهاية لها، فبعد كل التزام بها من المفاوض الفلسطيني يُطْلَبُ منه شروط جديدة».
وتأكيداً على أن «حماس» اتعظت تماما من أخطاء «فتح» ومنظمة التحرير، يقول مشعل «إنّ اولوية حماس ليست اعتراف الآخرين بها، ولكنْ اعترافهم بحقوق شعبنا وحقه في تقرير المصير»، وذلك في إشارة إلى الاعتراف المتبادل الذي ابرمه ياسر عرفات بين إسرائيل ومنظمة التحرير، حيث اعترف هو بوجود إسرائيل، مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير، دون أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية مقابلة..!
-سادساً : التأكيد على أهمية المصالحة الوطنية، ليس باعتبارها أحد استحقاقات التسوية، وإنما باعتبارها أحد استحقاقات المقاومة.
-سابعاً : عدم استجداء إطلاق الأسرى الفلسطينيين، ما دامت «خيارات المقاومة الفلسطينية مفتوحة لتحرير الأسرى»..مذكرا بأنه «في مثل هذا اليوم الخامس والعشرين من حزيران/يونيو قبل ثلاث سنوات تم أسر الجندي شاليط في وسط المعركة».
مشعل لا يسير على ذات الخطى التي سارتها منظمة التحرير من قبل، لكنه يشق لحركة المقاومة الفلسطينية المتواصلة طريقاً جديداً، يترجم ميزان القوى الحالي، بإقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 دون زيادة أو نقصان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق