الأحد، 28 يونيو 2009

حماس وسؤال ما العمل بعد خطاب دمشق؟ ...عريب الرنتاوي

28-6-2009


ثلاثة رأوا أن خطاب خالد مشعل الأخير في دمشق ، لم يحمل جديداً : الأول ، مكابر يصر على أن يحجب ضوء الشمس بغربال ، حتى وإن أدى ذلك إلى «ليّ عنق الحقائق واللغة والكلمات» ، ودائماً تحت وابل من الشعارات الفوق ثورية ـ جهادية و«الطهرانية».. الثاني ، مناهض لحماس يريد للحركة أن تظل في «جلباب الماضي ونًقَابه» ، فلا تخرج إلى دائرة العمل السياسي بكل حساباته وأدواته وتكتياته ، إن لعداء متأصل للحركة وشعبها ، أو لنزعة استئثارية لا تريد شريكاً أو منافساً أو بديلاً ، لطاقم السلطة في رام الله الذي يكاد يحظى كل فرد من أفراده بلقب «كبير المفاوضين».. والثالث ، قارئ غير مسيس يعجز عن سبر أغوار الكلمات وما ورائها أو خلفها ، فتأخذه كلمة المقاومة على سبيل المثال ، إلى حيث يرغب من دون أن يتأمل فيض الكلمات التي أعقبتها من نوع : «الواعية والمسؤولة» «الوسيلة وليست الهدف» إلى غير ما هناك.

ليس من مصلحة حماس ، وهي تجنح لتبني خطاب جديد ، وبعد مخاضات وضغوط عسيرة ، أن يأتي من يحيط جديد خطابها بسحب كثيفة من الغموض والقراءات الرغائبية ، التي وإن عبّرت عن رأي فريق داخل حماس والمجتمع الفلسطيني عموماً ، إلا أنه فريق «لا أكثري» كما هو واضح ، وأن يبذل كل ما بحوزته من جهد ، لتمييع جديد الحركة وتبديده في بحر من قديمها. فالضرر - إن جاز لنا أن نسمي تحولات حماس ضرراً - وقع ، وعلى الحركة أن تقطف ثمار تكيفاتها وتحولاتها ، من خلال العمل على ضمان اعتراف العالم بها وبحقوق شعبها كما صاغتها في خطاب رئيس مكتبها السياسي بالأمس في دمشق ، وكما صاغها من قبل البرنامج الوطني الفلسطيني ، بل ومن حق الحركة على أصدقائها والمخلصين لقضية شعبها ، أن يلفتوا نظر العالم لهذا التحولات ، وإبرازها في معرض المطالبة بالانفتاح على حماس والاعتراف بها والحوار معها ، بدل أن يعملوا على طمس هذه التكيفات أو التقليل من شأنها.

والحقيقة أن مشعل في خطابه ، ولأول مرة في تاريخ حماس ، يتماهى مع برنامج منظمة التحرير ، برنامج العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، بوصفه برنامج «الحد الأدنى المشترك» وليس «البرنامج المرحلي» ، وبوصفه الأساس لحل القضية الفلسطينية ، حلاً عادلاً ، تبدي حماس على لسان رئيس مكتبها السياسي ، الاستعداد في تسهيله والتجاوب معه ، فتصبح هي بذاتها ، جزءاً من الحل وليس جزءا من المشكلة.
ينطبق الأمر ذاته على وسائل الكفاح وأدواته ، والحديث المسهب عن المقاومة الوسيلة ، والمقاومة المبصرة ، والمقاومة العاقلة ، والرجل هنا يصرح - ولا يلمح فقط - إلى استعداده لقبول استراتيجية تجمع المقاومة بالمفاوضات ، المقاومة الرشيدة والمفاوضات الرشيدة ، وصولا إلى انتزاع هذه الحقوق.

لا نتوقع أن تتلقف أوساط السلطة والمنظمة هذا الالتقاء على البرنامج الوطني وأن تجعل منه مقدمة لاستعادة الوحدة والمصالحة وبناء البيت الفلسطيني من جديد ، أولاً : لأن هذا البرنامج ، برنامج المنظمة ، لم يعد برنامج القوى النافذة في السلطة ، وهي التي أبدت استعداداً متكرراً للتخلي عن كثير من جوانبه ، أو النظر إليها بمنظار «التخلي والتنازل» ، وثانياً ، لأن الإقرار بأن حماس تبنت البرنامج الوطني الفلسطيني سيعني فتح أبواب السلطة والمنظمة على مصاريعها أمام مشاركة حماس ، وهذا سيفضي إلى تغيير معادلة الحكم وموازين القوى داخل مؤسسات الشعب الفلسطيني من الحكومة إلى المنظمة مروراً بالسلطة.
كما أننا لا نتوقع أن تتلقف إسرائيل الإيماءات الإيجابية في خطاب مشعل ، فإسرائيل تريد أن تكرس صورة نمطية عن الفلسطينيين : السلطة الضعيفة ، وحماس الإرهابية ، لتكون النتيجة دائماً «ليس هناك شريك فلسطيني»، واستتباعاً ليست هناك عملية سياسية جادة وجدية لإنهاء الاحتلال.
نأمل أن تعمل حماس (عقلاؤها على الأقل) وهم الكثرة الكاثرة من قياداتها ، على إبراز التحولات والتطورات التي استجدت على خطاب الحركة ورؤيتها ، ومن دون استحياء أو تردد أو خضوع لابتزاز الأصوات العالية ، وأن تتكثف جهودهم وتتظافر مع جهود أصدقائهم ، لاستثمار هذه التحولات والبناء عليها وإطلاق المبادرات على أساسها ، وبصورة تعجل في تكسير أطواق العزلة والحصار ، وتفتح الباب لكسر واقع الانقسام الراهن في العمل الوطني الفلسطيني ، لا من بوابة الحوار فحسب ، ولكن من خلال اعتراف العالم كذلك بوجود لاعب فلسطيني رئيس ما زالت أبواب الملعب موصدة في وجهه ، وقد آن أوان فتحها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق