تم تحديد العلاقات الاقتصادية بين الجانب الفلسطينى والاسرائيلى في اتفاق باريس الاقتصادي الموقع في باريس بتاريخ 29 نيسان 1994م، وسوف نتعرض الآن لأهم المبادئ المسردة في وريقات هذا الاتفاق والمؤثرة بشكل مباشر على الصناعات الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي ومن ضمنها قطاع غزة.
أولاً / المادة الثانية (اللجنة المشتركة):
والتي نصت على تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة تهدف لمتابعة البروتوكول ولتقرر بشأن المشاكل التي قد تظهر من حين لآخر. إن وجود اللجنة الاقتصادية المشتركة أمر في غاية الأهمية إذ تقتصر عملها ونشاطها على دعم وتطوير التعاون الاقتصادي ومناقشة مواضيع يحددها الجانبان وبذلك بتكون بمثابة لجنة تخطيط ومتابعة.
وعادة تكون بين طرفين متكافئين ولكن اللجنة المشتركة المشار إليها وحسب ما ورد في جميع بنود البروتوكول لم يقتصر نشاطها على متابعة البروتوكول بل تعدى ذلك بكثير لدرجة أن إسرائيل ضمنت لنفسها أن تتدخل في العديد من القراءات الاقتصادية للجانب الفلسطيني. فتحدد هذه اللجنة كمية ونوعية ومواصفات السلع المسموح للسلطة استيرادها وأماكن استيرادها، وغيرها من القراءات الاقتصادية التي تخص السلطة بشكل مباشر.
من هنا فقد سلبت إسرائيل من خلال هذه اللجنة استقلالية القرار الاقتصاد الفلسطيني وتمكنت من خلق آلية رقابة دائمة على الجانب الفلسطيني للتحقق من مدى تمسكه وتنفيذه للبرتوكول لشكل حرفي. إن تشكيل هذه اللجنة بالشكل المتفق عليه لم يكن موضوعياً لأنه أعطى إسرائيل الحرية والقدرة على عرقله جميع بنود الاتفاقية ذلك أن تنفيذه سيكون بناءً على قرارات هذه اللجنة. فكان على الجانب الفلسطيني التمسك بحقه باستقلالية القرار الفلسطيني.
ثانياً/ المادة الثالثة (سياسة ضرائب الاستيراد):
لا شك أن قطاع التجارة الخارجية قطاعاً رائداً في أي اقتصاد وخاصة الاقتصاد صغير الحجم مثل الاقتصاد الفلسطيني حيث لا تتوفر القوة الشرائية لاستيعاب جميع الإنتاج كما أنه يفتقر للعديد من مدخلات العملية الإنتاجية مما يعني اعتماده على الأسواق الخارجية لسد النقص في المواد الإنتاجية وبعض السلع النهائية ولتصريف الفائض من الإنتاج المحلي.
ولقد حددت هذه المادة أسس التبادل الاقتصادي والتجاري وقد احتوت على 19 بند فيما يلي ملخص لأهمها كما وردت في النص:
1- سيكون للسلطة الصلاحيات كافة وتتولى جميع المسؤوليات في مجال سياسية وإجراءات الاستيراد والجمارك فيما يخص:
أ- السلع المدرجة في القائمة (1أ) المنتجة محلياً في الأردن ومصر وبلدان عربية أخرى والتي سيتمكن الجانب الفلسطيني من استيرادها بكميات يتفق عليها الطرفين بحدود احتياجات السوق الفلسطيني المحلي.
ب- إن التزام الجانب الفلسطيني –باستخدام المعدلات الإسرائيلية للجمارك وضريبة المشتريات والجبايات والرسوم والأعباء الأخرى السائدة في إسرائيل كحد أدنى على الكميات المستوردة (من السلع الواردة في القوائم (1أ، أ2، ب) التي تزيد عن الحد المسموح به، أو تلك السلع التي لم ترد في هذه القوائم- سيحمل المستهلك الفلسطيني أعباء كثيرة من أجل حماية الصناعة الإسرائيلية، حيث أن إسرائيل تفرض معدلات جمارك مرتفعة على الواردات وخاصة على السلع المعمرة حيث تقدر معدلات الجمارك ب70% من قيمتها الشرائية، مما يترتب عليه ارتفاع كبير في أسعار هذه السلع، وبالتالي سيدفعه المستهلك الفلسطيني سعراً مرتفعاً في تلك السلع، وهذا يساعد على خلق مشاكل ركود اقتصادي مصحوباً بالتضخم مما يؤثر سلباً على مستويات المعيشة للفلسطينيين، وخلق عقبات أمام مسيرة التنمية الاقتصادية.
من ناحية أخرى، أن التزام الجانب الفلسطيني بفررض1 ضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة بنسبة لا تقل عن النسبة المعمول بها عند الجانب الإسرائيلي حرم الاقتصاد والمستهلك الفلسطيني من التمتع بتخفيض أسعار السلع الضرورية، كما حرم الصناعة الفلسطينية من إمكانية الدعم والتشجيع من خلال الضريبة المضافة والتي تعتبر من أهم ركائز سياسة تشجيع القطاع الصناعي.
وفيما يتعلق بالسلع المستوردة من الأردن والدول العربية الأخرى والتي يجب أن تكون منتجة محلياً حيث يجب أن تتوفر شروط لاعتبارها منتجة محلياً منها: أن لا تقل نسبة القيمة المضافة عن 30% من قيمة السلعة التصديرية وهذه النسبة مرتفعة إلى حد ما حيث أن عدداً كبيراً من سلع القائمة (1أ) لا تصل قيمة النسبة المضافة فيها 30% وخاصة السلع الأردنية، وبالتحديد السلع المعمرة والتي يتم استيراد معظم مكوناتها من الخارج، وتجري عملية تجميعها في الأردن وما يضاف إليها بشكل أساسي هو تكلفة الأيدي العاملة والتغليف، وهذه نادراً ما تشكل نسبة 30% من قيمة السلعة.
أما فيما يتعلق باستيراد المحروقات والبنزين بالتحديد فلم يسمح البروتوكول ببيع البنزين للمستهلكين في المناطق بأقل 15% عن السعر الرسمي في إسرائيل خوفاً من تحول جزء كبير من المستهلكين الإسرائيليين لشراء البنزين من المناطق الفلسطينية أو بيعه مباشرة في السوق الإسرائيلية وإن كان لهذا التخوف ما يبرره فقد حققت إسرائيل هدفها عن طريق حرمان المستهلك الفلسطيني من التمتع بأسعار مخفضة لأن أسعار البنزين المستورد من الدول العربية وخاصة الأردن تقل بأكثر من 50% عن سعره في المناطق الفلسطينية.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن السلطة ليست معنية ببيع البنزين لإسرائيل بسعر مخفض وبالتالي دعم الاقتصاد الإسرائيلي لذا كان على الجانب الفلسطيني عدم الالتزام بسعر محدد مقارنة بسعر البنزين الإسرائيلي ولتتخذ إسرائيل ما تراه مناسباً لمنع مواطنيها من شراء البنزين من المناطق الفلسطينية. كما أن البروتوكول حرم السلطة الفلسطينية من إمكانية استخدام التبرعات العينية لأغراض تجارية ففي حالة حصول السلطة على تبرعات عينية لمشتقات النفط بأسعار مخفضة من الدول الخليجية لن تستطيع استخدامه لأغراض تجارية إلا بعد دفع الجمارك وضرائب الاستيراد الأخرى. بالإضافة إلى الشروط المفروضة على مواصفات هذه المشتقات وبيعها بسعر لا يقل عن 15% عن السعر الرسمي في إسرائيل.
لقد أتاح البروتوكول للفلسطينيين حرية استيراد السلع والخدمات الاستهلاكية والإنتاجية مباشرة ودون وساطة إسرائيلية مما سيعطي الفلسطينيين الفرصة للاستفادة من المنافسة في الأسواق العالمية وخاصة عند شراء المعدات الإنتاجية الوفنية المتطورة كما أن المنتج الفلسطيني يمكنه الاستيراد بدون وساطة طرف إسرائيلي كما كان معمولاً به في السابق وهذا سيوفر كثيراً من تكلفة الاستيراد. كما أن المستورد الفلسطيني سيعامل بالمثل مع المستورد الإسرائيلي على نقاط العبور في حيث أنه كانت مضايقات كثيرة للمستورد الفلسطيني بحجة الإجراءات الأمنية حيث كانت البضاعة تتعرض للتفتيش. كما أن البروتوكول أتاح مصدر دخل رئيسي للخزينة الفلسطينية حيث نص على إعادة ضرائب وجبايات الاستيراد للسلطة الفلسطينية على السلع المنتجة في مناطق الحكم الذاتي حتى لو تم استيرادها عن طريق وكلاء إسرائيليين. بالإضافة إلى ذلك سمح البروتوكول للسلطة الفلسطينية إعفاء الفلسطينيين العاديين الذين سيمنحون إقامة دائمة في المناطق من ضرائب الاستيراد على أمتعتهم الشخصية بما فيها المركبات، ولهذه القضية أثر بالغ الأهمية في ضوء العودة المتوقعة للمهاجرين والنازحين وعودة بعض العاملين في دول الخليج.
ثالثاً/ المادة الرابعة (المسائل المالية والنقدية):
لقد عملت إسرائيل ومنذ الأيام الأولى للاحتلال على السيطرة المطلقة على جميع المسائل المالية والنقدية في الضفة والقطاع حيث تم إصدار أمر عسكري ينص على إغلاق جميع فروع البنوك العامة إبان الاحتلال عام 1967م، كما فرض الأمر العسكر الذي بموجبه أصبحت العملة الإسرائيلية عملة رسمية في المناطق المحتلة، كما سمحت سلطة الاحتلال بفتح فروع للبنوك الإسرائيلية في المناطق، وعملت هذه البنوك على تحويل الجزء الأكبر من مدخرات الاقتصاد الفلسطيني لمصلحة الاقتصاد الإسرائيلي. ولقد جاء الاتفاق الاقتصادي ليعطي الفلسطينيين بعض الحقوق المالية والنقدية التي سلبت منه طوال سنوات الاحتلال حيث نص الاتفاق على تشكيل السلطة النقدية الفلسطينية والتي تتمتع بصلاحيات عديدة كتلك التي يقوم بها أي بنك مركزي في الدول المستقلة باستثناء إصدار عملة وطنية. وستتولى سلطة النقد الفلسطينية الإشراف العام على البنوك بما في ذلك ترخيصها وتنظيم كل نشاطاتها وفقاً للاتفاقيات الدولية، كما أنها ستعمل كوكيل مالي ومستشار اقتصادي للسلطة الفلسطينية، وفي المقابل ضمنت إسرائيل بقاء الشيكل متداولاً في مناطق الحكم الذاتي والذي سيؤدي إلى جعل اقتصادها عرضة لتقلبات أسعار صرف الشيكل وعرضة للسياسات المالية الإسرائيلية التي ستؤثر بشكل مباشر على الصناعة بشكل خاص وعلى النشاط الاقتصادي بشكل عام، غير أن قدرة البنك المركزي الإسرائيلي في التأثير على الاقتصاد الفلسطيني ستكون محدودة وذلك لأن عملات أخرى غير الشيكل ستكون متداولة وسينحصر هذا التأثير أكثر في حالة تقليل الاعتماد على العمل في السوق الإسرائيلية وفي حالة تعديل الميزان التجاري بين المناطق وإسرائيل حيث أن تدفق الشيكل للمناطق يأتي بشكل أساسي من عوائد العاملين والمبادلات التجارية. ونلاحظ أنه لا يمكن الاستغناء عن الشيكل في المرحلة الحالية طالما هناك عمال فلسطينيون يعملون في إسرائيل وما دام هناك عجز في الميزان التجاري مع إسرائيل، وفي ظل غياب العملة الفلسطينية الوطنية.
كما أن البروتوكول أتاح لسلطة النقد الفلسطينية استبدال الشواكل الزائدة عن حاجتها إلى عملة أجنبية في البنك المركزي الإسرائيلي حسب أسعار الصرف الرسمية السائدة ولكن كمية الشواكل المسموح بتحويلها محددة مسبقاً، وسمح لسلطة النقد الفلسطينية بتحويل الكمية المحددة مرة واحدة كل شهر بشرط ألا تزيد عن خمس المبلغ نصف السنوي المسموح بتحويله وعلى ذلك فإن سلطة النقد لن تطر إلى تخزين كميات كبيرة من الشواكل وبذلك تستطيع التقليل من الآثار السلبية لتقلبات سعر صرف الشيكل. ولقد نص البروتوكول على تأجيل إصدار عملة وطنية فلسطينية في المرحلة الأولى لعملية السلام، ولقد ذكرت وسائل الإعلام الفلسطينية قبل فترة قصيرة عزم السلطة الفلسطينية إصدار عملة وطنية فلسطينية بعد أن تم الاتفاق على ذلك مع الجانب الإسرائيلي، في حين أجمع العديد من الخبراء على أن إصدار عملة فلسطينية ليس مجرد قرار سياسي، بل يجب أن يعتمد على قاعدة اقتصادية إنتاجية قوية وإلا لأصبحت العملة عبئاً على الاقتصاد الفلسطيني بدلاً من أن تكون ركيزة له.
رابعاً/ المادة الخامسة والسادسة (الضرائب المباشرة وغير المباشرة):
لقد أعطى البروتوكول السلطة الفلسطينية كامل الحرية في تحديد وجباية الضرائب المباشرة مثل ضريبة الدخل ورسوم البلديات وضرائب الملكية وغيرها كما سمح الاتفاق للسلطة الفلسطينية بفرض ضرائب إضافةية على الفلسطينينيين الذي يقومون بنشاط اقتصادي في الجانب الآخر. ولقد عملت إسرائيل في الماضي على جباية الضرائب المباشرة والغير مباشرة وتحويلها إلى الخزينة الإسرائيلية مخالفة بذلك القوانين والأعراف الدولية التي تنص عل ىضرورة إنفاق أموال الضرائب في المناطق التي تجبى منها، وبعد هذا الاتفاق أصبح للسلطة الفلسطينية مصدر رئيسي للدخل لتمويل نفقاتها الجارية والمشاريع الإنمائية.
وأهم ما جاء في هذا البروتوكول أن إسرائيل ستحول 75% من ضريبة الدخل المحصلة من العمال الفلسطينيين الذي يقطنون في منطقة الحكم الذاتي ويعملون في إسرائيل، وكل ضرائب الدخل المحصلة من العمال الفلسطينيين الذين يعملون في المستوطنات الإسرائيلية حيث كانت إسرائيل تحتفظ بجميع المقتطعات الخاصة بهؤلاء العمال قبل هذا الاتفاق.
أما فيما يتعلق بالضرائب غير المباشرة وأهمها ضريبة القيمة المضافة وضرائب الشراء، فقد التزم الجانب الفلسطيني باستخدام نفس مستويات ضريبة الشراء السائدة في إسرائيل، وكما هو معروف فإن ضريبة الشراء مرتفعة جداً في إسرائيل وتهدف بشكل أساسي لدعم وحماية الصناعة المحلية في إسرائيل. لذا فإن المستهلك الفلسطين سيتحمل أعباء حماية الصناعة الإسرائيلية وحرمان السلطة الفلسطينية من إمكانية تخفيض ضريبة الشراء وخاصة على السلع الضرورية والمواد الخام اللازمة للصنناعات المحلية مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها وبالتالي لن تستطيع منافسة السلع الأخرى سواء الإسرائيلية أو المستوردة من الدول الأخرى (أبو ظريفة- 1995م).
كما التزمت السلطة الفلسطينية بفرض ضريبة القيمة المضافة بمعدل لا يقل عن 2% من معدلها في إسرائيل (المعدل الحالي 14%) وهذا أضاف أعباءً أخرى على الصناعة الفلسطينية، كما حرم السلطة الفلسطينية من أهم أدوات دعم وتشجيع القطاع الصناعي الذي عقدت عليه الكثير من الآمال لقدرته على دفع عجلة الاقتصاد، ولقد هدفت إسرائيل من هذا البند إلى حماية صناعاتها وذلك من خلال منع (عمليات إعادة البيع) من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الإسرائيلي، ومرة أخرى نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها على حساب المستهلك والمنتج الفلسطيني.
خامساً/ المادة السابعة (العمل):
لقد شكل الاقتصاد الإٍرائيلي ولسنوات عديدة منفذاً رئيسياً للأيدي العاملة الفلسطينية، ولقد كرست السياسات الإسرائيلية مجهودها على جعل العمالة الفلسطينية معتمدة وتابعة على سوق العمل الإسرائيلي، وهدفت هذه السياسات إلى جعل الفلسطينيين مصدراً للأيدي العاملة الرخيصة وحرمان هؤلاء العمال الفلسطينيين من أية حقوق، كما أن إسرائيل حاربت وبكل الوسائل النقابات العمالية الفلسطينية ومنعت الذين انضموا لهذه النقابات من العمل داخل إسرائيل.
ولقد حدثت إضطرابات كثيرة في أعداد العاملين فيإسرائيل تبعاً للظروف الأمنية التي تفرضها إسرائيل، وأصبح قطاع العمال أكثر القطاعات تضرراً من السياسات الإٍرائيلية المتمثلة في الإغلاق الأمني ومنع الفلسطينيين من التنقل بين أراضي الحكم الذاتي وبقية الأراضي المحتلة من قبلهم، ولقد أبدت إسرائيل تعنتاً ورفضاً قاطعاً لمبدأ حرية انتقال الأيدي العاملة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، هذا بالرغم من أن مادة العمال في نص البروتوكول لم تحدد عدد العمال ولا إجراءات دخولهم إلى إسرائيل، ولم تحدد من يُسمح له بالدخول ومن لا يسمح له بل ترك الأمر مفتوحاً على أن كلا الجانبين سيحاول الحفاظ على اعتيادية حركة العمال بينهما وأن الفلسطينيون سيواصلون العمل في إسرائيل ولكن ليس لهم حرية العمل والحركة كما يرغبون، وهذا الأمر ترك لإسرائيل مطلق الحرية للتصرف فيه كما تشاء وذلك على اعتبار أنها الطرف الأقوى وأن المقصود هو العمل داخل أراضيها (الأراضي الفلسطينية التي احتلتها).
كما أعطى الاتفاق كل جانب الحق في تنظيم توظيف عماله في الجانب الآخر، ولكل جانب الحق في تحديد عدد العمال التابعين للطرف الآخر ويعملون عنده، لقد أعطى هذا البند لإسرائيل أداة قوية تستطيع من خلالها الضغط على السلطة الفلسطينية وابتزازها باستمرار حيث تستطيع إسرائيل منع الفلسطينيين من العمل في الأراضي المحتلة وتحت لائحة طويلة من الأعذار ولقد كان من أهمها طوال الفترة السابقة الإجراءات الأمنية.
ونذكر هنا أهم إنجاز حققته منظمة التحرير الفلسطينية في مجال العمال هو اعتراف إسرائيل بأن الأيدي العاملة الفلسطينية هي أيدي عاملة مهاجرة، لذا تستحق كامل التعوصيضات والحقوق التي يضمنها قانون العمل الإسرائيلي والدولي. وقد اتفق الجانبان على تحويل ما معدلة 75% من مقتطعات العمال الفلسطينيين في إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية.
سادساً/ المادة الثامنة (الزراعة).:
لقد تميزت العلاقات بين إسرائيل والمناطق المحتلة في مجال الزراعة بعدم التكافؤ حيث أصدرت إسرائيل الأمر العسكري الذي منع المنتجات الفلسطينية الزراعية من الدخول إلى إسرائيل إلا بتصريح، وكان الهدف من وراء هذه السياسة حماية المزارع الإسرائيلي من منافسة المزارع الفلسطيني ولضمان حد معين من الربحية للمزارع الإسرائيلي، أما المنتجات الزراعية الإٍرائيلية فكانت تدخل الأسواق في المناطق بحرية مطلقة مما ألحق أضراراً بالغة بالمزارع الفلسطيني لاسيما أن المزارع الإسرائيلي يتمتع بالعديد من أشكال الدعم مما أدى إلى منافسة غير متكافئة في الأسواق المحلية والإسرائيلية والخارجية.
من جهة أخرى شكلت أسواق الدول العربية والإسلامية منفذاً رئيسياً للمنتجات الزراعية الفلسطينية حتى منتصف الثمانينات ولكن تراجعت الصادرات الزراعية إلى هذه الأسواق بشكل كبير نتيجة للتغيرات الاقتصادية الجوهرية التي حدثت في هذه الأسواق حيث فقد المنتج الفلسطيني مزاياه المطلقة والنسبية في أسواق هذه الدول.
لقد أعطى البروتوكول الجانب الفلسطيني حرية إدخال المنتجات الزراعية (اللبنية والحيوانية) للسوق الإسرائيلية، وبذلك فتحت الحدود بين الجانبين مع بعض الاستثناءات. وهكذا يبدو الاتجاه العام هو تحرير التجارة الزراعية مع مراعاة متطلبات الصحة العامة وخلو المنتجات من الأرمض واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لمنع انتقال الأمراض من الجانب الآخر. ويؤخذ على هذا الاتفاق تحديد كميات بعض المنتجات الزراعية المسموح بنقلها من كلا الاتجاهي وهذه السلع هي [الدواجن، البيض، البطاطا، البندورة، الخيار، البطيخ] على أن ترفع الكمية عن هذه السلع مع مرور الوقت، لقد هدفت إسرائيل من وراء هذا البند حماية المزارع الإسرائيلي من المنافسة الفلسطينية حيث أن المزارع الفلسطيني يتمتع بمزايا عديدة أهمها تدني تكلفة الإنتاج مما يؤهله للمنافسة في الأسواق الإسرائيلية، وبذلك حمت إسرائيل مزارعيها على حساب المزارع الفلسطيني، وكان على الجانب الفلسطيني رفض هذه القيود وخاصة أن معظم المدخلات الزراعية المستخدمة في العملية الإنتاجية هي مدخلات إسرائيلية، فلا يعقل أن نشتري معظم المدخلات من إسرائيل وترفض هي السماح للمنتجات الفلسطينية بالدخول إلى أسواقها إلا بكميات محددة في حين دخلت المنتجات الإسرائيلية للأسواق الفلسطينية بدون أية قيود، هذا بالإضافة إلى البند الذي أعطى كل طرف الحق في إيقاف أية شحنة زراعية قادمة من الطرف الآخر لأغراض الفحص الصحي بدون أي تأخير أو التسبب بأضرار للشحنة إلا أننا نلاحظ أن إسرائيل وبحجة الإجراءات الأمنية والصحية قامت بإتلاف العديد من الشحنات الزراعية إما عن طريق التأخر في حجزها للفحص الصحي، أو عن طريق منع دخولها للأسواق الإسرائيلية مما يعني خسارة فادحة للمزارع الفلسطيني الذي خسر بالإضافة إلى بضاعته تكاليف النقل أيضاً، ولقد استخدمت إسرائيل هذه الطريقة مراراً وتكراراً من أجل الضغط على السلطة الفلسطينية لتلبي لها العديد من مطالبها.
كما سمح البروتوكول للفلسطينيين باستيراد المبيدات الحشرية والمنتجات الزراعية من الخارج بشرط أن تستوفي شروط ومعايير [ميثاق وقاية النباتات الدولي] ومنظمات الوقاية الزراعية، ومنظمة البحر المتوسط، وبناءً على هذه المعايير سيحدد خلو البلد من الأمراض وبالتالي الاستيراد منه، إن أهم ما جاء في هذا البند هو إمكانية استيراد المبيدات الحشرية وبعض المدخلات الزراعية مثل البذور مما يترك أثر إيجابي على المزارع الفلسطيني لأن تكلفة الإنتاج ستنخفض بشكل ملحوظ مما يحسن قدرته التنافسية في الأسواق المحلية والأجنبية. كما أن البروتوكول فتح باب التصدير على مصراعيه أمام المنتجات الزراعية الفلسطينية حيث سمح بتصديرها بدون قيود وعلى أساس شهادات المنشأ التي تصدرها السلطة الفلسطينية، ولكن إذا بقيت الأمور على حالها من حيث نوعية الإنتاج الزراعي وتكلفة الإنتاج فلن نستفيد من هذا البند كثيراً لأن المزارع الفلسطيني فقد قدرته التنافسية وخاصة في الأسواق الخارجية وخاصة في أسواق الدول العربية.
سابعاً/ المادة التاسعة (الصناعة):
لقد تحدثت المادة التاسعة في اتفاق باريس الاقتصادي عن الصناعة في سبع بنود شملت العديد من جوانبها، ولقد تحدثت هذه البنود عن حرية تنقل السلع الصناعية بين الجانبين حيث سمحت إسرائيل وبشكل عام بدخول المنتجات الصناعية الفلسطينية إلى أسواقها دون الحاجة إلى تصاريح مسبقة شرط أن يلتزم المنتج الفلسطيني بالمواصفات والتعليمات الصحيحة، إلا أنها منعت دخول المنتجات الدوائية الفلسطينة إلى أسواقها بحجة عدم مطابقتها لمتطلبات الصحة العامة. أما المنتجات الإسرائيلية الصناعية فقد دخلت إلى أسواق الضةف الغربية وقطاع غزة بحرية تامة، وقد شكلت الصادرات الصناعية الفلسطينية إلى إسرائيل نسبة عالية جداً وخاصة في السلع الآتية [الملبوسات، الأحذية، المنتجات الخشبية، صناعة الخيزران، مواد البناء وحجر الرخام ، أما أسواق الدول العربية فقد كانت ولا زالت مغلقة أمام المنتجات الفلسطينية تحت شعار "المقاطعة العربية لإسرائيل" حيث لم يسمح بتصدير السلع الفلسطينية التي تستخدم المدخلات الإسرائيلية (وإن كانت هناك تجارة دولية فيما بين إسرائيل وبعض الدول العربية تجري من الباطن). وقد شكلت الضفة الغربية وقطاع غزة المنفذ الثاني للصادرات الصناعية الإسرائيلية بعد السوق الأمريكي.
لقد جاء البند المتعلق بالصناعة في هذا البروتوكول ليؤكد على حرية تنقل المنتجات الصناعية بدون قيود وفقاً لتشريع كل جانب، كما أعطى السلطة الفلسطينة العديد من وسائل تشجيع الصناعة المحلية مثل تقديم المنح والقروض ومن خلال الضرائب الغير مباشرة ومساعدة البحث والتطوير وغيرها من الوسائل الأخرى.
وبالرغم من إيجابيات هذا البند إلا أنه حرم السلطة لافلسطينية من إمكانية حماية الصناعات المحلية وخاصة الصناعات المبتدئة، فالسماح للسلع الصناعية الإسرائيلية والأجنبية بدخول إلى أراضي السلطة الفلسطينية بدون قيود يخلق أجواء تنافسية غير متكافئة لا سيما وأن الصناعات الفلسطينية صناعات صغيرة الحجم ومتخلفة مقارنة مع الصناعات الإسرائيلية التي تعد الأكثر تقدماً في المنطقة بأسرها وكذلك تمتعها بوفورات الحجم الكبير، الأمر الذي يمكنها من عرض منتجاتها بأسعار لا تستطيع الصناعة الفلسطينة مجاراتها، فكان هذا البند مرة أخرى لصالح الجانب الإسرائيلي على حساب المنتج الفلسطيني، وقد أدى هذا الأمر إلى تركيز الصناعات الفلسطينية على الصناعات المكملة للصناعات الإسرائيلية مثل صناعة الملبوسات... وغيرها.
وبناءاً على ما تقدم كان لابد من فرض بعض القيود على بعض السلع الصناعية الإسرائيلية وخاصة في مجال الصناعات الغذائية ، ومن الجدير بالذكر أن الحماية المطلوبة هي حماية مؤقتة تخفض مع مرور الزمن وتلغى كلياً بعد فترة معينة وذلك من أجل إعطاء الصناعة الفلسطينية الفرصة لتثبيت وجودها ومقدراتها على المنافسة ، فقد كان على المفاوض الفلسطيني استخدام نفس السياسةالإسرائيلية عندما قامت بفرض قيود كمية على دخول بعض المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى إسرائيل من أجل حماية المزارع الإسرائيلي، فمن الواضح هنا أن لم يكن هناك مبدأ المعاملة بالمثل والماساواة بين الطرفين بل فرضت موازين القوى تأثيرها على الجانب الفلسطيني وترك المنتج الفلسطيني أمام تحد كبير ومنافسة غير عادلة مع المنتج الإسرائيلي ، لذا لابد من العمل على تحسين نوعية المنتج وتخفيض تكاليف الإنتاج.
كان هذا تعليقنا على أهم البنود المتعلقة بالصناعة والتي وردت في اتفاق باريس الاقتصادي ، الذي جاء كنتيجة أو كأحد فروع اتفاق غزة أريحا أولاً ضمن إطار عملية السلام الجارية في الشرق الأوسط وتحت المظلة والرعاية الأمريكية ، هذه العملية التي جاءت متمشية تماماً مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية ، وحسب التخطيط المسبق لصانعي القرار لكليهما، إن هذا الاتفاق في حقيقة أمره هو اتفاق تعاقدي بين الحكومة الإسرائيلية صاحبة السيادة على قرارها الساسي والإقتصادي وبين منظمة التحرير الفلسطينية، التي تفتقر إلى أبسط مقومات السيادة في اتخاذ القرار، سواء كان ذلك سياسياً أو اقتصادياً، حيث جاءت عملية السلام كإفراز لهيمنة الأمم المتحدة الأمريكية على المنطقة، وتفردها في أن تكون مصدر الشرعية الدولية، وصاحبة القول الفاصل في كل ما يتعلق بها، ولانحياز الولايات المتحدة الأمريكية تماماً للجانب الإسرائيلي، ومعاداتها الكامل للحقوق الفلسطينية، فقد جاء الاتفاق الاقتصادي في ظل معادلة خاطئة تميل كل الميل لصالح إسرائيل ومن جميع النواحي.
ولذلك فالاتفاق يعتبر بين طرف سيد وطرف آخر تابع ، وقد حدد سقفه التفاوضي سلفاً من المفاوض السياسي، وهو لن يحقق أياً من المطالب الفلسطينية السياسية والاقتصادية الوطنية تحت كل الظروف، ورغم أنه اتفاق تعاقدي يعاد النظر إليه كل سنة أو ستة شهور، إلا أن قواعده الأساسية ستبقى طالما بقيت حالة عدم التوازن والهيمنة والتفرد الأمريكي الداعم لإسرائيل، وطالما بقي الضعف والضياع العربي مخيماً على المنطقة .
سامر أحمد موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق