كشف صحيفة "السفير" اللبنانية عن أن حركة "حماس" توسطت لتوطيد العلاقة بين طهران وأنقرة، وتم عقد لقاءات عديدة بعيدا عن الإعلام، وشكلت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان الى طهران أحد عناوينها..
وجاء في التقرير المنشور اليوم الاثنين: تحافظ العلاقة بين «حزب الله» و«حماس» في لبنان اليوم، على ثوابتها، برغم تأثرها، بشكل أو بآخر، بالأحداث السورية التي دفعت كلاً من الطرفين الى اصطفاف سياسي وطائفي حاد في الأزمة.
تحتفظ الحركة لنفسها بهامش يعود الى طبيعة الساحة اللبنانية، وعدم مجاراة «حماس» الحملة على الحزب التي تتّخذ طابعاً مذهبياً، وهي التي تدرك أكثر من غيرها أن الحزب تعاطى مع القضية الفلسطينية ببعد وطني انطلاقاً من فكرة المقاومة.
والحال ان هذا الأمر يأتي لمصلحة الطرفين، في الوقت الذي ينظر فيه الحزب الى المشهد العام في المنطقة بارتياح أكثر من السابق.
بالنسبة الى الحزب، فإن العلاقة مع «حماس» تأتي في ظل رؤية المقاومة الشاملة لما يحدث في المنطقة، ويرى أن من الواجب أن يعي الجميع حجم المؤامرة المحدقة بلبنان. ويعتبر الحزب أن الهدف كان منذ البدء، وخاصة في سوريا قبل نيف وثلاثة أعوام، هو إسقاط المقاومة في المنطقة، وصولا الى تصفية القضية الفلسطينية عبر إغراق المنطقة في صراع مذهبي.
قتال فلسطيني لـ«حزب الله»؟
يقرّ مسؤول الملف الفلسطيني في الحزب، حسن حب الله، بأن صورة «حزب الله» اليوم لدى شرائح في العالمين العربي والإسلامي، ليست كما هي قبل اندلاع الأحداث السورية، وهي لا يمكن مقارنتها بالشعبية الكبيرة للحزب بعيد عدوان تموز العام 2006، على سبيل المثال.
على أن ما أقلق الحزب كثيرا في الفترة الماضية، «كان انتقال الصراع والقتال المذهبي في المنطقة، الى الساحة اللبنانية. وكان ثمة من يعمل على قاعدة استدراج الحزب الى ذلك المستنقع، مستفيدا مما يحصل في سوريا، مشوّهاً صورة المقاومة».
ويلفت حب الله الانتباه الى أن «الأحداث في الأشهر الماضية أثبتت هذا القلق، وكان من حسن حظ البلاد أن تخلصت من ظاهرة الأسير، ومن ثم جرى تطويق الأحداث في التبانة، حيث عملت ماكينة إعلامية على الترويج بوجود الحزب في جبل محسن، وحتى رفعه السلاح بوجه أهل السنة! الأمر نفسه جرى في عرسال، وكان من حسن حظ البلاد أيضا أن جرى تحييدها دوليا وإقليميا، فكان التوافق الداخلي الذي تم بموجبه توحيد الجهود لوأد فتنة من شأنها توريط الجميع في لبنان».
من جهتها، تشير أوساط مطلعة، الى شعور بعض الجهات الإقليمية بأن لا أمل بإحداث نوع من التوازن مع «حزب الله» في لبنان، سوى باستدراج العامل الفلسطيني بوجهه، وهو أمر ظهر في فترات متعددة في المرحلة الماضية. ويلفت هؤلاء النظر الى ما حملته أحداث عبرا من دلائل، اذ جرت محاولة لتوريط الشباب الفلسطيني في المعارك، كما حدثت حالة تعبئة في المخيمات، تمظهر جزء منها في تعمير عين الحلوة بموازاة قتال الشيح أحمد الأسير الجيش اللبناني العام الماضي.
والحال أن هذه المحاولات، حسب الأوساط، لا تزال مستمرة حتى اليوم، وقد تم بالفعل استجلاب شباب فلسطيني قاتل في سوريا، الى لبنان، لقتال الحزب.
وقد قوبل هذا الأمر بخطة موازية لدى الفصائل الفلسطينية لإفشال هذا المخطط، واتُّخذ قرار صارم لكي تنأى المخيمات بنفسها عن أي صراع لبناني داخلي، ما أفشل هذا الاستدراج.
يقول حب الله تعليقا على العلاقة مع الفصائل الفلسطينية، إنها «حافظت على إيجابيتها، برغم التباين في بعض الملفات، إذ ان الفلسطينيين يعرفون حقيقة الحزب والتزامه بقضيتهم».
ثمة اطمئنان لدى الحزب لواقع المخيمات عامة ولوعي الفلسطينيين للمخطط له من قبل بعض الدوائر، من دون أن يعني ذلك عدم توافر بعض العناصر التي من الممكن لها ان تنفذ من بعض الثغرات لمحاولة هز الاستقرار الحالي.
وثمة سعي فلسطيني - لبناني، في الفترة الحالية، لتشكيل قوة أمنية، بالتعاون مع الدولة اللبنانية، للتنسيق في الوضع الداخلي للمخيمات ومحاصرة العناصر التي تريد العبث بالأمن اللبناني. ويؤكد مسؤول «حماس» في لبنان علي بركة، ان الفلسطينيين يعون أيضا حجم المؤامرة والمخطط الجاري لتوطينهم في لبنان وزجهم في الصراع اللبناني الداخلي.
قدمت «حماس» مبادرة باسم الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان وتعزيز العلاقات مع اللبنانيين. وتهدف المبادرة الى المحافظة على المخيمات وتحييدها، العمل على منع الفتنة المذهبية والاقتتال الفلسطيني اللبناني أو الفلسطيني الفلسطيني، حماية الهوية الفلسطينية عبر التمسك بحق العودة ورفض التوطين، دعم وحدة لبنان وأمنه واستقراره ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده من خلال إقرار حقوقه المدنية والإنسانية والاجتماعية.
يندد الفلسطينيون بوصمهم بالإرهاب المدان من قبلهم بأشكاله كافة. وهم، إذ يرفضون أن تكون المخيمات منطلقا للمساس بأمن لبنان وإيواء عناصر مطلوبة فيها، يناشدون الآخرين نزع الذرائع التي تؤثر سلبا على أمن المخيمات، ويطالبون بوقف التحريض المذهبي والطائفي والإعلامي.
ويلفت حب الله الانتباه الى جهد كبير تبذله الفصائل الفلسطينية لمحاصرة أي عمل إرهابي قد ينطلق من المخيمات، وهو أمر ما كانت لتنجح به لولا الغطاء الشعبي الفلسطيني في لبنان لذلك، مشيرا الى ان علاقة الحزب قد توطدت مع الفصائل، حتى ان العلاقة مع حركة «فتح»، المعروفة تاريخيا باهتزازها، قد تحسنت كثيرا اليوم، وهو أمر يبدو معطوفا على موقف «فتح» البالغ الأهمية في رفض فتنة المخيمات في لبنان، وخاصة موقفها المتقدم في سوريا.
العلاقة المتجددة بين «حزب الله» و«فتح» في لبنان لا تزعج «حماس»، التي تشاورت، كما باقي الفصائل، مع «حزب الله» في الوثيقة التي أعلنتها الحركة وقدمتها الى الدولة اللبنانية.
إيران ـ «حماس»
تشير «حماس» الى أن «حزب الله» لا يبدو مهتماً بما اقترحته في مبادرتها، مع ان ذلك يعد خريطة طريق لتفادي أية فتنة.
ويلفت مسؤولو الحركة النظر الى عتبهم، بسبب المسافة التي يرون ان الحزب يحتفظ لنفسه بها عنهم. ويقول هؤلاء إن الحزب يتصرف وكأنه غير معني بما يحصل من أحداث في المخيمات، ويعطون أحداث مخيم المية ومية مثالا، «إذ لم نسمع حتى بالتضامن الكلامي بعد مجزرة ذهب ضحيتها نحو عشرة أشخاص..».
بالنسبة الى الحزب، فإنه يحتفظ بمقاربة شاملة لواقع المؤامرة على المنطقة، ويعتب بدوره على «حماس» التي «لم تفهمنا»، لكنه يؤكد أن العلاقة معها، وخاصة في لبنان، استراتيجية. ويؤكد حب الله أن ثمة اشتراكا في الثوابت بين التنظيمين.
والحال أن العلاقة بين «حماس» و«حزب الله» قد عاشت ارتدادات المشهد السوري. يسمي الطرفان ذلك «تراجعا» في العلاقات، التي، برغم عمق الخلاف السوري، لم تنقطع، مثلما أنها لم تنقطع أيضا بين إيران و«حماس».
أعاد اغتيال القيادي في «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لـ«حماس»، أحمد الجعبري، أواخر العام 2012 في غزة، الحياة الى علاقة محكومة بالتحالف، فضخّت طهران دعماً كبيراً للحركة لمواجهة العدوان الاسرائيلي على غزة.
منذ ذلك الحين، استعادت العلاقة روحها وعقدت لقاءات عديدة، واستقبلت طهران وفوداً من «حماس»، على قاعدة استراتيجية العلاقة، وتحييد الخلاف حول سوريا على أساس ان الأولوية اليوم وغدا ستكون للمقاومة.
ويستشف من خلال اللقاءات مع مسؤولي «حماس» ذلك الإحراج في موقفهم حول الأزمة السورية. وهم، وإن كانوا لا يزالون يدافعون عن صوابية رأيهم في بداية الأحداث السورية، والذي صنف، عمليا، وقوفا الى جانب الانتفاضة على النظام السوري، إلا أنهم اليوم يعون حجم المؤامرة على سوريا. وقد أعلنت «حماس» رفضها أي عدوان خارجي على سوريا وتقول إنها تؤيد الحل السلمي للأزمة والحوار، ما يعني، من جهة ثانية، التسليم برؤية النظام السوري ومحاولة جس النبض لإعادة الحرارة الى العلاقة معه.
لا بل ان «حماس» ذهبت أبعد من ذلك، وعلم انها عقدت لقاءات أيضا مع قياديين مركزيين إيرانيين خارج إيران، وفي أكثر من بلد، في إطار حوار شامل على قاعدة ترميم العلاقة وتحييد الملف السوري وصولا الى إيجاد حلف عربي إسلامي جديد عنوانه دعم القضية الفلسطينية في ظل المحاولات الأميركية الإسرائيلية لتصفيتها.
توسطت الحركة لتوطيد العلاقة بين طهران وأنقرة، وعقدت لقاءات عديدة بعيدا عن الإعلام، شكلت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الى طهران أحد عناوينها. لكن مسؤولي الحركة يستدركون أن لا نية لإنشاء محور يجمع البلدين يكون موجهاً الى محور آخر، بل هو حلف لإعادة لمّ الشمل والخروج «من حالة الاستنزاف التي تعيشها الامة».
يأتي ذلك في ظل رؤية «حماس» الثابتة لإيران ولدورها الإستراتيجي في دعم القضية الفلسطينية، والذي لا يمكن تجاوزه وتجاهله، برغم الانتقادت التي تتعرض لها تلك العلاقة من بعض الأوساط. ويسأل أحد قياديي الحركة على هذا الصعيد: لماذا نرفض الدعم الإيراني؟ وهل قدم الآخرون سوى الدعم الكلامي لنا؟ هم المقصرون، فما ذنب إيران التي لم تقطع الدعم لـ«حماس» وللفصائل وللحكومة في غزة؟
على ان ثمة الكثير الذي يجب عمله لترميم سوء التفاهم الماضي بين رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، والقيادة الإيرانية، بسبب اصطفاف «حماس» بوجه الأسد خلال الأحداث السورية. وكان من اللافت للنظر على هذا الصعيد، ان مشعل قد طلب بالفعل زيارة طهران. وكان الرد بأن إيران ترحب به برغم الأجواء الأخيرة، لكن الأخير عاد وغيّر رأيه وعرض أن يقوم نائبه موسى أبو مرزوق بالزيارة بدلا عنه، الأمر الذي قوبل برفض إيراني، فرد مشعل بأنه سيطرح الموضوع على المكتب السياسي للحركة.
بعد فترة وجيزة، عرضت «حماس» من جديد زيارة مشعل بشرطين: لقاء السيد علي خامنئي، وان تعود المساعدات الإيرانية للحركة كما كانت قبل بدء الأحداث السورية، علما ان هذه المساعدات لم تتوقف يوما.
عندها كرر المسؤولون الإيرانيون ترحيبهم بمشعل، لكنهم استغربوا وضع الشروط من قبل من يريد زيارتهم، مذكرين بأن مواقف الحركة لم تكن منصفة بحق إيران، وبرغم ذلك «اهلا وسهلا بكم، لكن من دون شروط تتعلق ببرنامج الزيارة أو مجريات العلاقة الثنائية».
اليوم باتت زيارة مشعل في ملعب الحركة، التي باتت المسؤولية عليها كبيرة لإعادة شهر العسل الماضي مع القيادة الإيرانية.