الجمعة، 19 ديسمبر 2008
نهاية التهدئة...هل نحن أمام تفاهمات نيسان فلسطينية؟
كتب الاستاذ سري سمور :
نهاية التهدئة...هل نحن أمام تفاهمات نيسان فلسطينية؟
حين ينشر هذا المقال تكون التهدئة رسميا قد انتهت،علما بأنها انتهت فعليا منذ مدة...الوضع دقيق للغاية ،مع أن كل مجريات وأحداث القضية الفلسطينية منذ المؤتمر الصهيوني في بازل قبل حوالي 111 سنة كانت وما زالت في منتهى الدقة والحساسية والصعوبة في نفس الوقت،ومسألة التهدئة وانتهائها لا تخرج عن هذا السياق؟
يريدون تهدئة مجانية ومهينة
الكيان العبري على أبواب انتخابات،واستطلاعات الرأي عندهم ،وهي بالتأكيد –ومن واقع التجربة- أكثر دقة وواقعية من نظيرتها عندنا،كلها تشير إلى صعود اليمين المتطرف ،وفي أجواء الانتخابات تكثر المزايدات الحزبية عندهم ويكون وقود هذه المزايدات هو الدم الفلسطيني كما نعلم!
باراك خلال التهدئة التي امتدت نحو ستة أشهر اتبع سياسة الهدوء مقابل الهدوء،وأصبحت سياسة إغلاق المعابر وتشديد الحصار وإعادة سكان قطاع غزة إلى حياة ما قبل اختراع التيار الكهربائي والغاز ،بل لوحظ أنه حتى قبل وجود التهدئة لم يكن هناك إغلاق طويل للمعابر بذريعة إلقاء الصواريخ والقذائف بعكس ما جرى في فترة التهدئة،وقبل ذلك خرق التهدئة الدموي باغتيال العديد من المواطنين والمقاومين،ومؤخرا كثرت تهديدات الكيان العبري بعملية عسكرية في غزة تستهدف تحرير الجندي الأسير جلعاد شاليط حيا أو ميتا،وتهديدات تسيبي لفني بإنهاء حكم حركة حماس في غزة،وآخر التهديدات نشرت في صحيفة معاريف باغتيال قادة بارزين من المستويين العسكري والسياسي في حركة حماس بتحريض من دول عربية!
وبناء على ما سبق فإن الاحتلال وفصائل المقاومة أمام استحقاق أو مرحلة جديدة؛فليس من المنطقي ولا من المعقول أو المقبول ألا تشمل التهدئة الضفة الغربية التي يعيث فيها الاحتلال بجيشه وقطعان مستوطنيه فسادا وتخريبا وإذلالا للناس،وليست تهدئة مربحة تلك التي يستمر فيها حصار قطاع غزة ،ففكرة التهدئة المجانية المهينة يجب أن ترفض بقوة من المقاومة مهما كان الثمن.
والتهدئة المنتهية لم تدفع مصر التي كانت طرفا في إبرام الاتفاق حولها لفتح معبر رفح،وبغض النظر عن الحجج التي ساقتها الحكومة المصرية ،فإن النتيجة هي أن مليون ونصف المليون فلسطيني بحاجة إلى الغذاء والدواء والماء والكهرباء وغاز الطهي،وبينهم مرضى يريدون الوصول لمشافي تعالجهم،و طلبة يريدون إتمام دراستهم،وحجاج حرموا من تأدية فريضتهم...
ولكن ماذا لدى المقاومة؟
أمام هذه المعطيات السلبية جدا لواقع التهدئة المنتهية ما الذي يمكن لفصائل المقاومة أن تفعله؟سؤال صعب،وأيضا من الصعب القبول بصيغة «هدوء مقابل هدوء» التي يريدها باراك ،ودعونا نلقي نظرة على أوراق المقاومة ونحاول استقراء ما يمكن أن تقوم به في الميدان ،مع الإشارة بأن المقاومة حاليا تنحصر فقط في قطاع غزة ،نظرا لوضعها الصعب والحرج في الضفة الغربية كما سأتحدث لاحقا...
المقاومة في قطاع غزة: يمكن للمقاومة في القطاع أن تقصف أسديروت وما بعد ما بعد أسديروت بصواريخها ،ورغم أن الصواريخ الفلسطينية وقذائف الهاون متواضعة نسبيا ،إلا أنها ستحطم وتنهي حالة الأمن التي سادت في هذه المناطق طوال الشهور الماضية،كما يمكن للمقاومة مهاجمة نقاط التماس والشروع في اشتباكات متفرقة مع جيش الاحتلال.
ردة الفعل المتوقعة
إزاء هذه التطورات المتوقعة سيقوم الاحتلال بالتأكيد بتصعيد إجراءاته العدوانية؛فالحصار سيشتد أكثر من اشتداده الحالي،وسيسقط شهداء من المقاومين ومن المدنيين ،وقد يستأنف الاحتلال سياسة الاغتيالات التي قد تشمل قادة سياسيين،ويهدد الاحتلال حركة حماس بكونها القوة الأكبر والأهم في القطاع بضربات موجعة تستهدف قياداتها ومؤسساتها.
أما هل يصل الحال إلى قيامهم بتنفيذ عملية عسكرية واسعة؟هناك من يرى أن الحكومة الحالية في فترة انتقالية ،وبأن إدارة بوش المنصرفة وإدارة أوباما الجديدة لن تعطيا ضوءا أخضرا لمثل هكذا عملية...ولكن على المقاومة دائما توقع أسوأ السيناريوهات والاستعداد لأصعب الاحتمالات دائما،كما أنه في التقييم العام فإن باراك، ولو في سبيل الحصول على مقاعد أكثر لحزبه المتهاوي،قد يدفع باتجاه هكذا عملية ،كما يجب ألا ننسى أن الاحتلال يستغل حالة الانقسام الفلسطيني والسكوت العربي الرسمي الذي يكاد يبلغ حدّ التواطؤ، وهي عوامل قد تغري لفني الطامحة لوراثة غولدا مائير ،وأولمرت الساعي للتملص من اتهامه بالفساد ،إلى العدوان الواسع على غزة ،حتى ولو لم يكن شاملا ،ومما يقوي طمعهم أن الضفة الغربية باتت في وضع لم يسبق له مثيل منذ احتلالها عام 1967....
الضفة الغربية...وضع سيىء
في الضفة الغربية وضع المقاومة لا يسر صديقا،فالتنسيق الأمني بشهادة المعنيين لم يسبق له مثيل منذ بدء تنفيذ اتفاق أوسلو ،والاحتلال على مستوى الجيش والمخابرات وجه ضربات مؤلمة وقاصمة للمقاومة،وإن لم تكن قاضية، وهي ضربات شملت أذرع كافة الفصائل،مع مسألة «العفو المشروط» التي تسببت في نشر حالة من الإحباط بين من كان ينظر للمقاومين كمثل أعلى،خاصة جيل الشباب الصغار.
وللصراحة والحقيقة فإن الفصيل الذي يمكنه تحريك المقاومة في الضفة الغربية حاليا هو حركة فتح ،نظرا لأنها الأقل تضررا من الاحتلال-نسبيا- وما زالت لديها بنية تنظيمية تستطيع من خلالها القيام بعملية تعبوية لدعم المقاومة...ولكن وكما نعلم أن حركة فتح انقلبت أولوياتها وبات همها وشغلها الشاغل محاربة حركة حماس واستئصالها من الضفة الغربية،علما بأن كتائب شهداء الأقصى في قطاع غزة ما زالت موجودة بل وتطلق صواريخ وتشارك حماس والجهاد والشعبية اجتماعات بحث وضع التهدئة،ويفترض بالعقلاء في فتح أن يتفكروا في ما آل إليه وضع حركتهم ذات التاريخ النضالي العريق ،ففتح في الضفة الآن كالتالي:-
1) تم احتواؤها لصالح المال السياسي ،وبات كوادرها أدوات لرؤوس الأموال الاحتكارية وتم إرضاء البعض بسيارات فارهة ومواقع هنا وهناك،بينما حركتهم تنقرض وهم يحسبونها في أحسن أحوالها ،أو هكذا يقولون!
2) تم حل الأذرع العسكرية للحركة،وتخويف عناصر الحركة من أن استمرار وجود تيار مقاوم معناه سيطرة حماس على الضفة الغربية،وبات العديد من العناصر يخضعون «للعفو المشروط» وهو ما يسهل على الاحتلال اقتناص من شاء منهم وقتما يشاء دون رد فعل يذكر،كما حدث مؤخرا في نابلس.
3) انهمكت الحركة في حرب ضروس ضد حتى مجرد وجود ،ولو رمزي، لحركة حماس عبر الأجهزة الأمنية التي تديرها،وعبر شتم حماس في الجلسات الخاصة والمنابر الإعلامية المختلفة،واعتبار حماس هي العدو،والإيحاء بأن الخلاص من حماس سيرفع فتح إلى الدرجات العلى،بل وصل الحال إلى حد التمني بأن تجتاح إسرائيل القطاع لتعيده إلى «الشرعية»! والنتيجة أن حماس تضررت كثيرا بسبب هذه الحملات،ولكن الاحتلال لم يقدم شيئا،ولن يقدم شيئا،وتحولت حركة فتح إلى أداة عبر أجهزة أمنية ومدنية لتنفيذ سياسات وأجندات،أدع العقلاء في فتح أن يفكروا إلى أين ستقود حركتهم وقضيتهم!
4) هناك حالة من «الانفلاش» والأنانية والفردية وطغيان التفكير الاستهلاكي والعزوف عن الاهتمام بالشأن العام وحتى الشأن التنظيمي إلا من منظور المصالح الشخصية والمكاسب الفردية الضيقة.
كل هذا مع استمرار الاحتلال بحملات الاعتقال اليومية،واستعار خطط تهويد القدس،وبناء الجدار...ولا نغفل أن الناس في الضفة منهكين والوضع الاقتصادي صعب ،وحاليا تعتمد الدورة الاقتصادية في الضفة على الرواتب والمساعدات الدولية المشروطة ،وهناك دعاية نشطة بأن تدفق الأموال سيتوقف إذا استؤنفت المقاومة.
هذا الوضع يغري الاحتلال بكافة مستوياته وأحزاب كيانه بالتفرد بغزة،وما حدث مؤخرا في مدينة الخليل وغيرها من قبل المستوطنين وعدم الرد على فلتانهم ولو برصاصة واحدة دفع الجنرال الأمريكي «دايتون» إلى كيل المديح لما حققه من «إعادة صياغة» لقوى الأمن التابعة للسلطة في الضفة الغربية،وتبين أن المقاومة لم تتراجع فقط على المستوى العملياتي الميداني ،بل على مستوى الاستعداد النفسي والمعنوي،وهنا علينا ألا نعوّل كثيرا على انفجار في الضفة إذا كثف الاحتلال عدوانه على غزة،فقط يمكن أن تخرج بعض التظاهرات والمسيرات المتفرقة هنا وهناك،والتي عادة يغلب عليها الكلام العاطفي غير المدعم بأفعال ميدانية حقيقية،ولا أريد بث الإحباط باستبعاد كامل لتفاعل الضفة مع ما قد يجري في غزة،ولكن الاحتمال الأقوى هو حالة اللاتفاعل والسلبية ...إلا إذا حدثت مفاجآت لم تكن في الحسبان!
تفاهمات «نيسان» بنسخة فلسطينية
بعيد عملية «عناقيد الغضب» التي حاول بيريس من خلالها تثبيت وضعه السياسي(نيسان 1996م) والتي ارتكب فيها مجزرة «قانا 1» ،تمكن حزب الله من تحقيق اختراق هام،وهو ما عرف بتفاهمات نيسان التي أصبح من حق حزب الله بموجبها قصف التجمعات الاستيطانية شمال فلسطين فيما لو قام جيش الاحتلال أو جيش لحد بالاعتداء على المدنيين اللبنانيين ،وجدير بالذكر أن روسيا لعبت دورا محوريا في التوصل إلى تلك التفاهمات ...والآن هل يمكن التوصل لتفاهمات مشابهة في الحالة الفلسطينية؟وهل يمكن لمصر التي رعت التهدئة الأخيرة أن تحقق مثل هذه النتيجة؟الجواب:لا،ولأسباب عدة،ولكن هذا يجب أن يدفع المقاومة إلى إيجاد شركاء لمصر بعد الاتفاق والتفاهم معها،حيث أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال دور مصر ،فمصر كونها الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة يجب أن يكون لها دور ،مع ضرورة خروج مصر من عقدة الخوف من حماس بسبب امتدادها الإخواني ؛فحماس حركة فلسطينية مهمة لا يمكن تجاهلها،ومن غير المنطقي ابتزازها عبر الحصار والإحراج السياسي ،وعبر التصريحات الاستفزازية لوزير الخارجية المصري،والحملة الإعلامية الرسمية الموجهة ضد حماس في مصر .
يجب أن تكون تركيا وروسيا وقطر أطرافا شريكة لمصر في صياغة تفاهمات جديدة،وعلى المقاومة أن تسعى لذلك منذ اللحظة،وهذه التفاهمات يجب أن تشمل فتح معبر رفح وبقية المعابر ،وضمان عدم إغلاقها كلما سقطت قذيفة أو صاروخ ،وألا يكون المدنيون من سكان القطاع عرضة لانتقام واعتداء جيش الاحتلال ...هذا يبدو خياليا أو مستحيلا ولا يمكن للاحتلال المعروف باستعلائه وغطرسته واستقوائه بما ذكرت سابقا من عوامل ضعف عربية وفلسطينية وتواطؤ دولي أن يقبل ولو بجزء مما ذكرت...ولكن هذا الاحتلال سيضطر راغما للقبول بهذه التفاهمات وأكثر منها لو تلقى ضربات مؤلمة من المقاومة تحمل له رسائل قاسية وواضحة بأنه من الصعب أن يملي عليها معادلته ،وأن فكرة القضاء على المقاومة فكرة غبية وفاشلة،وأن الهدوء وتوفير متطلبات العيش الكريم لأهالي القطاع والضفة تساوي الهدوء في أسديروت وعسقلان والمجدل،وليس العكس،مثلما يريد ويسعى باراك...المقاومة منذ اللحظة أمام امتحان صعب فهي أمام معادلة:أكون أو لا أكون ،ومن الضروري أن تسعى للنجاح في هذا الامتحان في المرحلة المقبلة...ولا يبكين أحد على انهيار التهدئة لأن الله سبحانه وتعالى قال:-
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ }الأنفال7
وهذا خير كلام أختم به هذا المقال.
سري عبد الفتاح سمور
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
الجمعة 21 ذي الحجة 1429هـ - 19/12/2008م
بريد إلكتروني:-
sari_sammour@yahoo.com
_sammour@hotmail.com
sari_sammour@maktoob.com
نهاية التهدئة...هل نحن أمام تفاهمات نيسان فلسطينية؟
حين ينشر هذا المقال تكون التهدئة رسميا قد انتهت،علما بأنها انتهت فعليا منذ مدة...الوضع دقيق للغاية ،مع أن كل مجريات وأحداث القضية الفلسطينية منذ المؤتمر الصهيوني في بازل قبل حوالي 111 سنة كانت وما زالت في منتهى الدقة والحساسية والصعوبة في نفس الوقت،ومسألة التهدئة وانتهائها لا تخرج عن هذا السياق؟
يريدون تهدئة مجانية ومهينة
الكيان العبري على أبواب انتخابات،واستطلاعات الرأي عندهم ،وهي بالتأكيد –ومن واقع التجربة- أكثر دقة وواقعية من نظيرتها عندنا،كلها تشير إلى صعود اليمين المتطرف ،وفي أجواء الانتخابات تكثر المزايدات الحزبية عندهم ويكون وقود هذه المزايدات هو الدم الفلسطيني كما نعلم!
باراك خلال التهدئة التي امتدت نحو ستة أشهر اتبع سياسة الهدوء مقابل الهدوء،وأصبحت سياسة إغلاق المعابر وتشديد الحصار وإعادة سكان قطاع غزة إلى حياة ما قبل اختراع التيار الكهربائي والغاز ،بل لوحظ أنه حتى قبل وجود التهدئة لم يكن هناك إغلاق طويل للمعابر بذريعة إلقاء الصواريخ والقذائف بعكس ما جرى في فترة التهدئة،وقبل ذلك خرق التهدئة الدموي باغتيال العديد من المواطنين والمقاومين،ومؤخرا كثرت تهديدات الكيان العبري بعملية عسكرية في غزة تستهدف تحرير الجندي الأسير جلعاد شاليط حيا أو ميتا،وتهديدات تسيبي لفني بإنهاء حكم حركة حماس في غزة،وآخر التهديدات نشرت في صحيفة معاريف باغتيال قادة بارزين من المستويين العسكري والسياسي في حركة حماس بتحريض من دول عربية!
وبناء على ما سبق فإن الاحتلال وفصائل المقاومة أمام استحقاق أو مرحلة جديدة؛فليس من المنطقي ولا من المعقول أو المقبول ألا تشمل التهدئة الضفة الغربية التي يعيث فيها الاحتلال بجيشه وقطعان مستوطنيه فسادا وتخريبا وإذلالا للناس،وليست تهدئة مربحة تلك التي يستمر فيها حصار قطاع غزة ،ففكرة التهدئة المجانية المهينة يجب أن ترفض بقوة من المقاومة مهما كان الثمن.
والتهدئة المنتهية لم تدفع مصر التي كانت طرفا في إبرام الاتفاق حولها لفتح معبر رفح،وبغض النظر عن الحجج التي ساقتها الحكومة المصرية ،فإن النتيجة هي أن مليون ونصف المليون فلسطيني بحاجة إلى الغذاء والدواء والماء والكهرباء وغاز الطهي،وبينهم مرضى يريدون الوصول لمشافي تعالجهم،و طلبة يريدون إتمام دراستهم،وحجاج حرموا من تأدية فريضتهم...
ولكن ماذا لدى المقاومة؟
أمام هذه المعطيات السلبية جدا لواقع التهدئة المنتهية ما الذي يمكن لفصائل المقاومة أن تفعله؟سؤال صعب،وأيضا من الصعب القبول بصيغة «هدوء مقابل هدوء» التي يريدها باراك ،ودعونا نلقي نظرة على أوراق المقاومة ونحاول استقراء ما يمكن أن تقوم به في الميدان ،مع الإشارة بأن المقاومة حاليا تنحصر فقط في قطاع غزة ،نظرا لوضعها الصعب والحرج في الضفة الغربية كما سأتحدث لاحقا...
المقاومة في قطاع غزة: يمكن للمقاومة في القطاع أن تقصف أسديروت وما بعد ما بعد أسديروت بصواريخها ،ورغم أن الصواريخ الفلسطينية وقذائف الهاون متواضعة نسبيا ،إلا أنها ستحطم وتنهي حالة الأمن التي سادت في هذه المناطق طوال الشهور الماضية،كما يمكن للمقاومة مهاجمة نقاط التماس والشروع في اشتباكات متفرقة مع جيش الاحتلال.
ردة الفعل المتوقعة
إزاء هذه التطورات المتوقعة سيقوم الاحتلال بالتأكيد بتصعيد إجراءاته العدوانية؛فالحصار سيشتد أكثر من اشتداده الحالي،وسيسقط شهداء من المقاومين ومن المدنيين ،وقد يستأنف الاحتلال سياسة الاغتيالات التي قد تشمل قادة سياسيين،ويهدد الاحتلال حركة حماس بكونها القوة الأكبر والأهم في القطاع بضربات موجعة تستهدف قياداتها ومؤسساتها.
أما هل يصل الحال إلى قيامهم بتنفيذ عملية عسكرية واسعة؟هناك من يرى أن الحكومة الحالية في فترة انتقالية ،وبأن إدارة بوش المنصرفة وإدارة أوباما الجديدة لن تعطيا ضوءا أخضرا لمثل هكذا عملية...ولكن على المقاومة دائما توقع أسوأ السيناريوهات والاستعداد لأصعب الاحتمالات دائما،كما أنه في التقييم العام فإن باراك، ولو في سبيل الحصول على مقاعد أكثر لحزبه المتهاوي،قد يدفع باتجاه هكذا عملية ،كما يجب ألا ننسى أن الاحتلال يستغل حالة الانقسام الفلسطيني والسكوت العربي الرسمي الذي يكاد يبلغ حدّ التواطؤ، وهي عوامل قد تغري لفني الطامحة لوراثة غولدا مائير ،وأولمرت الساعي للتملص من اتهامه بالفساد ،إلى العدوان الواسع على غزة ،حتى ولو لم يكن شاملا ،ومما يقوي طمعهم أن الضفة الغربية باتت في وضع لم يسبق له مثيل منذ احتلالها عام 1967....
الضفة الغربية...وضع سيىء
في الضفة الغربية وضع المقاومة لا يسر صديقا،فالتنسيق الأمني بشهادة المعنيين لم يسبق له مثيل منذ بدء تنفيذ اتفاق أوسلو ،والاحتلال على مستوى الجيش والمخابرات وجه ضربات مؤلمة وقاصمة للمقاومة،وإن لم تكن قاضية، وهي ضربات شملت أذرع كافة الفصائل،مع مسألة «العفو المشروط» التي تسببت في نشر حالة من الإحباط بين من كان ينظر للمقاومين كمثل أعلى،خاصة جيل الشباب الصغار.
وللصراحة والحقيقة فإن الفصيل الذي يمكنه تحريك المقاومة في الضفة الغربية حاليا هو حركة فتح ،نظرا لأنها الأقل تضررا من الاحتلال-نسبيا- وما زالت لديها بنية تنظيمية تستطيع من خلالها القيام بعملية تعبوية لدعم المقاومة...ولكن وكما نعلم أن حركة فتح انقلبت أولوياتها وبات همها وشغلها الشاغل محاربة حركة حماس واستئصالها من الضفة الغربية،علما بأن كتائب شهداء الأقصى في قطاع غزة ما زالت موجودة بل وتطلق صواريخ وتشارك حماس والجهاد والشعبية اجتماعات بحث وضع التهدئة،ويفترض بالعقلاء في فتح أن يتفكروا في ما آل إليه وضع حركتهم ذات التاريخ النضالي العريق ،ففتح في الضفة الآن كالتالي:-
1) تم احتواؤها لصالح المال السياسي ،وبات كوادرها أدوات لرؤوس الأموال الاحتكارية وتم إرضاء البعض بسيارات فارهة ومواقع هنا وهناك،بينما حركتهم تنقرض وهم يحسبونها في أحسن أحوالها ،أو هكذا يقولون!
2) تم حل الأذرع العسكرية للحركة،وتخويف عناصر الحركة من أن استمرار وجود تيار مقاوم معناه سيطرة حماس على الضفة الغربية،وبات العديد من العناصر يخضعون «للعفو المشروط» وهو ما يسهل على الاحتلال اقتناص من شاء منهم وقتما يشاء دون رد فعل يذكر،كما حدث مؤخرا في نابلس.
3) انهمكت الحركة في حرب ضروس ضد حتى مجرد وجود ،ولو رمزي، لحركة حماس عبر الأجهزة الأمنية التي تديرها،وعبر شتم حماس في الجلسات الخاصة والمنابر الإعلامية المختلفة،واعتبار حماس هي العدو،والإيحاء بأن الخلاص من حماس سيرفع فتح إلى الدرجات العلى،بل وصل الحال إلى حد التمني بأن تجتاح إسرائيل القطاع لتعيده إلى «الشرعية»! والنتيجة أن حماس تضررت كثيرا بسبب هذه الحملات،ولكن الاحتلال لم يقدم شيئا،ولن يقدم شيئا،وتحولت حركة فتح إلى أداة عبر أجهزة أمنية ومدنية لتنفيذ سياسات وأجندات،أدع العقلاء في فتح أن يفكروا إلى أين ستقود حركتهم وقضيتهم!
4) هناك حالة من «الانفلاش» والأنانية والفردية وطغيان التفكير الاستهلاكي والعزوف عن الاهتمام بالشأن العام وحتى الشأن التنظيمي إلا من منظور المصالح الشخصية والمكاسب الفردية الضيقة.
كل هذا مع استمرار الاحتلال بحملات الاعتقال اليومية،واستعار خطط تهويد القدس،وبناء الجدار...ولا نغفل أن الناس في الضفة منهكين والوضع الاقتصادي صعب ،وحاليا تعتمد الدورة الاقتصادية في الضفة على الرواتب والمساعدات الدولية المشروطة ،وهناك دعاية نشطة بأن تدفق الأموال سيتوقف إذا استؤنفت المقاومة.
هذا الوضع يغري الاحتلال بكافة مستوياته وأحزاب كيانه بالتفرد بغزة،وما حدث مؤخرا في مدينة الخليل وغيرها من قبل المستوطنين وعدم الرد على فلتانهم ولو برصاصة واحدة دفع الجنرال الأمريكي «دايتون» إلى كيل المديح لما حققه من «إعادة صياغة» لقوى الأمن التابعة للسلطة في الضفة الغربية،وتبين أن المقاومة لم تتراجع فقط على المستوى العملياتي الميداني ،بل على مستوى الاستعداد النفسي والمعنوي،وهنا علينا ألا نعوّل كثيرا على انفجار في الضفة إذا كثف الاحتلال عدوانه على غزة،فقط يمكن أن تخرج بعض التظاهرات والمسيرات المتفرقة هنا وهناك،والتي عادة يغلب عليها الكلام العاطفي غير المدعم بأفعال ميدانية حقيقية،ولا أريد بث الإحباط باستبعاد كامل لتفاعل الضفة مع ما قد يجري في غزة،ولكن الاحتمال الأقوى هو حالة اللاتفاعل والسلبية ...إلا إذا حدثت مفاجآت لم تكن في الحسبان!
تفاهمات «نيسان» بنسخة فلسطينية
بعيد عملية «عناقيد الغضب» التي حاول بيريس من خلالها تثبيت وضعه السياسي(نيسان 1996م) والتي ارتكب فيها مجزرة «قانا 1» ،تمكن حزب الله من تحقيق اختراق هام،وهو ما عرف بتفاهمات نيسان التي أصبح من حق حزب الله بموجبها قصف التجمعات الاستيطانية شمال فلسطين فيما لو قام جيش الاحتلال أو جيش لحد بالاعتداء على المدنيين اللبنانيين ،وجدير بالذكر أن روسيا لعبت دورا محوريا في التوصل إلى تلك التفاهمات ...والآن هل يمكن التوصل لتفاهمات مشابهة في الحالة الفلسطينية؟وهل يمكن لمصر التي رعت التهدئة الأخيرة أن تحقق مثل هذه النتيجة؟الجواب:لا،ولأسباب عدة،ولكن هذا يجب أن يدفع المقاومة إلى إيجاد شركاء لمصر بعد الاتفاق والتفاهم معها،حيث أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال دور مصر ،فمصر كونها الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة يجب أن يكون لها دور ،مع ضرورة خروج مصر من عقدة الخوف من حماس بسبب امتدادها الإخواني ؛فحماس حركة فلسطينية مهمة لا يمكن تجاهلها،ومن غير المنطقي ابتزازها عبر الحصار والإحراج السياسي ،وعبر التصريحات الاستفزازية لوزير الخارجية المصري،والحملة الإعلامية الرسمية الموجهة ضد حماس في مصر .
يجب أن تكون تركيا وروسيا وقطر أطرافا شريكة لمصر في صياغة تفاهمات جديدة،وعلى المقاومة أن تسعى لذلك منذ اللحظة،وهذه التفاهمات يجب أن تشمل فتح معبر رفح وبقية المعابر ،وضمان عدم إغلاقها كلما سقطت قذيفة أو صاروخ ،وألا يكون المدنيون من سكان القطاع عرضة لانتقام واعتداء جيش الاحتلال ...هذا يبدو خياليا أو مستحيلا ولا يمكن للاحتلال المعروف باستعلائه وغطرسته واستقوائه بما ذكرت سابقا من عوامل ضعف عربية وفلسطينية وتواطؤ دولي أن يقبل ولو بجزء مما ذكرت...ولكن هذا الاحتلال سيضطر راغما للقبول بهذه التفاهمات وأكثر منها لو تلقى ضربات مؤلمة من المقاومة تحمل له رسائل قاسية وواضحة بأنه من الصعب أن يملي عليها معادلته ،وأن فكرة القضاء على المقاومة فكرة غبية وفاشلة،وأن الهدوء وتوفير متطلبات العيش الكريم لأهالي القطاع والضفة تساوي الهدوء في أسديروت وعسقلان والمجدل،وليس العكس،مثلما يريد ويسعى باراك...المقاومة منذ اللحظة أمام امتحان صعب فهي أمام معادلة:أكون أو لا أكون ،ومن الضروري أن تسعى للنجاح في هذا الامتحان في المرحلة المقبلة...ولا يبكين أحد على انهيار التهدئة لأن الله سبحانه وتعالى قال:-
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ }الأنفال7
وهذا خير كلام أختم به هذا المقال.
سري عبد الفتاح سمور
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
الجمعة 21 ذي الحجة 1429هـ - 19/12/2008م
بريد إلكتروني:-
sari_sammour@yahoo.com
_sammour@hotmail.com
sari_sammour@maktoob.com
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق