الأحد، 28 ديسمبر 2008
بيان غزة ... بقلم د. عزمي بشارة
العدوان على قطاع غزة استمرار للحصار بوسائل أخرى، فالحصار عدوان والقصف عدوان. وعندما فشل الحصار التجويعي على القطاع في كسر إرادة أهلها، لم يعد ممكنا الاستمرار في إحكامه فترة طويلة، وأصبح محتما لمن يريد الاستمرار في نفس النهج لتحقيق نفس الهدف أن يقوم بعملية عسكرية.
كان واضحا أن هذا "الاستحقاق" سيحل مع نهاية مرحلة ما سميت زورا وبهتانا بالتهدئة. كانت التهدئة عدوانا مسكوتا عنه، كانت عدوانا يرد عليه بتهدئة، كانت حصارا تجويعيا دون رد. وكان واضحا أن العدوان سيحل مع المزاودة بين القوى السياسية الإسرائيلية في التنافس الدموي على كسب قلب الشارع الإسرائيلي المجروح الكرامة من لبنان.
كان واضحا أن من لم يأت إلى حوار القاهرة للاعتراف بانتصار الحصار وبنتائجه السياسية المستحقة سيدفع الثمن. كانت هذه هي الفرصة الأخيرة التي يلام عليها من لم يستغلها.
تماما كما أعذر من أنذر ياسر عرفات عندما لم يقبل بكامب ديفد، وكما أعذر من أنذر سوريا بعد الحرب على العراق، ومن أنذر حزب الله على طاولة الحوار التي سبقت يوليو/تموز 2006.
جرى التحضير للعدوان بعد تنسيق أمني سياسي مع قوى عربية وفلسطينية، أو إعلامها على الأقل، حسب نوع ومستوى العلاقة.
يتراوح موقف بعض القوى العربية من إسرائيل بين اعتبارها حليفا موضوعيا ضمنيا حاليا أو حليفا مستقبليا سافرا، وبين اعتبار النقاش معها مجرد سوء تفاهم، في حين تعتبر نفس هذه القوى الصراع مع قوى الممانعة والمقاومة صراعَ وجود.
لا تناقض بين تنسيق العدوان مع بعض العرب وبين إدانة العدوان الصادرة عنهم، بل قد تكون الإدانة نفسها منسقة. ويجري هذا فعلا بالصيغة التالية "نحن نتفهم العدوان ونحمل حركة حماس المسؤولية، وعليكم أيضا أن تتفهموا اضطرارنا للإدانة.. قد نطالبكم بوقف إطلاق النار، ولكن لا تأخذوا مطلبنا بجدية، ولكن حاولوا ان تنهوا الموضوع بسرعة وإلا فسنضطر إلى مطالبتكم بجدية".
من يعرقل عقد القمة يريد أن يأتيها بعدما تنهي إسرائيل المهمة، ومن يذهب إليها في ظل القصف الإسرائيلي الآن يعرف بعقل وغريزة السلطان أنه رغم التردي العربي فإنه ما زال الذي يقف مع إسرائيل يخسر عربيا.
عندما قرر جزء من النظام العربي الرسمي أن إسرائيل ليست عدوا، بل ربما هي حليف ممكن أيضا، صارت دوله تتحين الفرص للسلام المنفرد، وتدعم أية شهادة زور فلسطينية على نمط "عملية السلام"، وعلى نمط "لا نريد أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين".. أصبحت مقاومة إسرائيل شعبية الطابع، وهي تحظى بدعم من جزء من النظام العربي الرسمي لأسباب بعضها تكتيكي وبعضها إستراتيجي.
من اتجه للتسوية منع المقاومة الشعبية من بلاده، ولكنه لم يستطع شن الحرب عليها في البلدان التي بقيت فيها مقاومة. وقد دامت المقاومة فقط في البلدان التي تضعف فيها الدولة المركزية ولا يمكنها منع المقاومة: السلطة الفلسطينية، لبنان، العراق.
ومن هنا يستعين هذا المحور العربي بإسرائيل مباشرة لضرب المقاومة. ففي العام 1982 صمت هذا المحور على العدوان على المقاومة وحاول أن يحصد نتائجه فيما بعد، وهذا ما جرى عند حصار المقاطعة. أما في يوليو/تموز 2006 وما يجري في ديسمبر/كانون الأول 2008، فقد كان التنسيق سافرا.. هذا هو الجديد.. فقط اللغة المستخدمة في وصف هؤلاء لم تعد واضحة وحاسمة، ولم تعد تسمي الأشياء بأسمائها.
العالم -بمعنى الرأي العام العالمي- مصطلح وهمي، والشرعية الدولية مصطلح عربي.. لو فشلت المقاومة اللبنانية في الدفاع عن ذاتها، لما نفعها مجلس أمن ولا برلمان أوروبي، ولانتقلت شماتة "المعتدلين" إلى التبجح وحصد نتائج انتصار إسرائيل الذي لم يأت.
انتهى موضوع الديمقراطية عربيا كأجندة غربية، لفظت مصداقيتها أنفاسها الأخيرة، فهي إما أن تكون عربية أو لا تكون: أميركا تتعامل مع كل عدو لإسرائيل بمن فيهم أعداء الاحتلال الإسرائيلي كأعدائها، حتى لو كانوا منتخبين ديمقراطيا. أما حلفاء إسرائيل فهم حلفاؤها حتى لو كانوا دكتاتوريات.
حصار السلطة الفلسطينية المنتخبة وعدم منحها فرصة، وتفضيل شروط وإملاءات إسرائيل على انتخابات ديمقراطية وعلى إرادة الشعوب، فضحت قذارة الحديث الأوروبي عن الأخلاق في السياسة، فأوروبا هي الأقل أخلاقا خارج أراضيها.
"العالم" لا يتضامن مع ضحية لأنها ضحية، هذا ما يقوم به بعض النشطاء الأخلاقيين الصادقين.. ولا "شرعية دولية" تُعِينُ مهزوما، أو تهرع لتأخذ بيده على إحقاق حقوقه، أو على تنفيذ القانون الدولي. "العالم" يتضامن مع ضحية تقاوم لأنها على حق وتريد أن تنتصر.. والشرعية لمن لديه القوة أن يفرضها.
الأساس هو الصمود على الأرض، الأساس هو قلب حسابات العدوان بحيث يدفع المعتدي ثمنا. هذا ما سيفرض نفسه على القمة العربية، وهذا ما سيفرض نفسه على الهيئات الدولية.
التضامن المسمى إنسانيا مع الضحية لا يدعو للحقوق بل للإغاثة، ولا معنى للتضامن السياسي المطلوب عربيا، إذا لم يدعم صمود المقاومة. والإغاثة عمل مهم ولكنها ليست هي التضامن.
خطأ الحديث عن تضامن فلسطيني، أو تضامن الضفة أو الشتات مع غزة.. هذه نفس القضية، ونفس المعركة ويجب أن تخاض. ولا أحد يسدي لأحد معروفا هنا.
حتى الأعداء يعالجون الجرحى في الحروب، وحتى الأعداء يسمحون بدخول قوافل الأدوية والغذاء.. هذا ليس عملا تضامنيا، ولا هو أضعف الإيمان.
يجب ألا يتحول التضامن العربي الانفعالي إلى تنفيس عربي، فبعده تستفرد إسرائيل بنفَسها الطويل بالشعب على الأرض. ومن أجل ذلك يجب وضعُ أهدافٍ سياسية له، أهمها أن تخسر إسرائيل المعركة سياسيا، وذلك بإضعاف ومحاصرة التيار الذي يؤيد أي تسوية معها.. وهذا نضال تصعيدي حتى تحقيق الهدف، حتى يحصل تراجع بعد آخر لإسرائيل والقوى المتعاونة معها على الساحة العربية.
يمكن إفشال العدوان.
كان واضحا أن هذا "الاستحقاق" سيحل مع نهاية مرحلة ما سميت زورا وبهتانا بالتهدئة. كانت التهدئة عدوانا مسكوتا عنه، كانت عدوانا يرد عليه بتهدئة، كانت حصارا تجويعيا دون رد. وكان واضحا أن العدوان سيحل مع المزاودة بين القوى السياسية الإسرائيلية في التنافس الدموي على كسب قلب الشارع الإسرائيلي المجروح الكرامة من لبنان.
كان واضحا أن من لم يأت إلى حوار القاهرة للاعتراف بانتصار الحصار وبنتائجه السياسية المستحقة سيدفع الثمن. كانت هذه هي الفرصة الأخيرة التي يلام عليها من لم يستغلها.
تماما كما أعذر من أنذر ياسر عرفات عندما لم يقبل بكامب ديفد، وكما أعذر من أنذر سوريا بعد الحرب على العراق، ومن أنذر حزب الله على طاولة الحوار التي سبقت يوليو/تموز 2006.
جرى التحضير للعدوان بعد تنسيق أمني سياسي مع قوى عربية وفلسطينية، أو إعلامها على الأقل، حسب نوع ومستوى العلاقة.
يتراوح موقف بعض القوى العربية من إسرائيل بين اعتبارها حليفا موضوعيا ضمنيا حاليا أو حليفا مستقبليا سافرا، وبين اعتبار النقاش معها مجرد سوء تفاهم، في حين تعتبر نفس هذه القوى الصراع مع قوى الممانعة والمقاومة صراعَ وجود.
لا تناقض بين تنسيق العدوان مع بعض العرب وبين إدانة العدوان الصادرة عنهم، بل قد تكون الإدانة نفسها منسقة. ويجري هذا فعلا بالصيغة التالية "نحن نتفهم العدوان ونحمل حركة حماس المسؤولية، وعليكم أيضا أن تتفهموا اضطرارنا للإدانة.. قد نطالبكم بوقف إطلاق النار، ولكن لا تأخذوا مطلبنا بجدية، ولكن حاولوا ان تنهوا الموضوع بسرعة وإلا فسنضطر إلى مطالبتكم بجدية".
من يعرقل عقد القمة يريد أن يأتيها بعدما تنهي إسرائيل المهمة، ومن يذهب إليها في ظل القصف الإسرائيلي الآن يعرف بعقل وغريزة السلطان أنه رغم التردي العربي فإنه ما زال الذي يقف مع إسرائيل يخسر عربيا.
عندما قرر جزء من النظام العربي الرسمي أن إسرائيل ليست عدوا، بل ربما هي حليف ممكن أيضا، صارت دوله تتحين الفرص للسلام المنفرد، وتدعم أية شهادة زور فلسطينية على نمط "عملية السلام"، وعلى نمط "لا نريد أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين".. أصبحت مقاومة إسرائيل شعبية الطابع، وهي تحظى بدعم من جزء من النظام العربي الرسمي لأسباب بعضها تكتيكي وبعضها إستراتيجي.
من اتجه للتسوية منع المقاومة الشعبية من بلاده، ولكنه لم يستطع شن الحرب عليها في البلدان التي بقيت فيها مقاومة. وقد دامت المقاومة فقط في البلدان التي تضعف فيها الدولة المركزية ولا يمكنها منع المقاومة: السلطة الفلسطينية، لبنان، العراق.
ومن هنا يستعين هذا المحور العربي بإسرائيل مباشرة لضرب المقاومة. ففي العام 1982 صمت هذا المحور على العدوان على المقاومة وحاول أن يحصد نتائجه فيما بعد، وهذا ما جرى عند حصار المقاطعة. أما في يوليو/تموز 2006 وما يجري في ديسمبر/كانون الأول 2008، فقد كان التنسيق سافرا.. هذا هو الجديد.. فقط اللغة المستخدمة في وصف هؤلاء لم تعد واضحة وحاسمة، ولم تعد تسمي الأشياء بأسمائها.
العالم -بمعنى الرأي العام العالمي- مصطلح وهمي، والشرعية الدولية مصطلح عربي.. لو فشلت المقاومة اللبنانية في الدفاع عن ذاتها، لما نفعها مجلس أمن ولا برلمان أوروبي، ولانتقلت شماتة "المعتدلين" إلى التبجح وحصد نتائج انتصار إسرائيل الذي لم يأت.
انتهى موضوع الديمقراطية عربيا كأجندة غربية، لفظت مصداقيتها أنفاسها الأخيرة، فهي إما أن تكون عربية أو لا تكون: أميركا تتعامل مع كل عدو لإسرائيل بمن فيهم أعداء الاحتلال الإسرائيلي كأعدائها، حتى لو كانوا منتخبين ديمقراطيا. أما حلفاء إسرائيل فهم حلفاؤها حتى لو كانوا دكتاتوريات.
حصار السلطة الفلسطينية المنتخبة وعدم منحها فرصة، وتفضيل شروط وإملاءات إسرائيل على انتخابات ديمقراطية وعلى إرادة الشعوب، فضحت قذارة الحديث الأوروبي عن الأخلاق في السياسة، فأوروبا هي الأقل أخلاقا خارج أراضيها.
"العالم" لا يتضامن مع ضحية لأنها ضحية، هذا ما يقوم به بعض النشطاء الأخلاقيين الصادقين.. ولا "شرعية دولية" تُعِينُ مهزوما، أو تهرع لتأخذ بيده على إحقاق حقوقه، أو على تنفيذ القانون الدولي. "العالم" يتضامن مع ضحية تقاوم لأنها على حق وتريد أن تنتصر.. والشرعية لمن لديه القوة أن يفرضها.
الأساس هو الصمود على الأرض، الأساس هو قلب حسابات العدوان بحيث يدفع المعتدي ثمنا. هذا ما سيفرض نفسه على القمة العربية، وهذا ما سيفرض نفسه على الهيئات الدولية.
التضامن المسمى إنسانيا مع الضحية لا يدعو للحقوق بل للإغاثة، ولا معنى للتضامن السياسي المطلوب عربيا، إذا لم يدعم صمود المقاومة. والإغاثة عمل مهم ولكنها ليست هي التضامن.
خطأ الحديث عن تضامن فلسطيني، أو تضامن الضفة أو الشتات مع غزة.. هذه نفس القضية، ونفس المعركة ويجب أن تخاض. ولا أحد يسدي لأحد معروفا هنا.
حتى الأعداء يعالجون الجرحى في الحروب، وحتى الأعداء يسمحون بدخول قوافل الأدوية والغذاء.. هذا ليس عملا تضامنيا، ولا هو أضعف الإيمان.
يجب ألا يتحول التضامن العربي الانفعالي إلى تنفيس عربي، فبعده تستفرد إسرائيل بنفَسها الطويل بالشعب على الأرض. ومن أجل ذلك يجب وضعُ أهدافٍ سياسية له، أهمها أن تخسر إسرائيل المعركة سياسيا، وذلك بإضعاف ومحاصرة التيار الذي يؤيد أي تسوية معها.. وهذا نضال تصعيدي حتى تحقيق الهدف، حتى يحصل تراجع بعد آخر لإسرائيل والقوى المتعاونة معها على الساحة العربية.
يمكن إفشال العدوان.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق