بعض الأشياء لا تصدق، ولا يدركها العقل البشري، ولا يعرف كي تحدث، وأحياناً يتوه في التفكير وهو يقف عاجزاً عن التفسير، لقد وقفت أمام بعض القصص، أنقلها للقارئ بالأسماء مندهشاً من أرض غزة، كيف يحدث هذا، ولماذا يحدث، وما الحكمة من ذلك؟
الأولى: كان الشرطي الفلسطيني "جمعان حنيدق" يقف وسط زملائه في مركز شرطة غزة عندما تعرضوا لقصف الطائرات الإسرائيلية صباح السبت 27 ديسمبر 2008، لم ير إلا ومضة ضوء الصاروخ الإسرائيلي، ليجد نفسه غارقاً بالدم وسط عشرات الجثث المحروقة، والأشلاء المقطعة، حسب نفسه ميتاً قبل أن يتحسس جسده، إنه يتحرك، وقف على قدميه، مشى بعيداً غير مصدق أنه لم يصب بأي أذي.
الثانية: بعد أن تسلم عمله الجديد في الجامعة الإسلامية، ذهب شرف أبو شمالة لتقديم استقالته من العمل في الشرطة، حاول زملاؤه على البوابة أن يستوقفوه لدقائق والتحدث معه، ولكنه أصر بأنه في عجلة من أمرة، دخل مسرعاً مقر الشرطة، فجاءت الطائرات الإسرائيلية ليحترق مع العشرات من أفراد الشرطة.
الثالثة: قبل ثلاثة سنوات كانت غزة بكاملها تحت الاحتلال الإسرائيلي، تمشط الطائرات الإسرائيلية شعرها كل صباح، وتحرث الدبابات الإسرائيلية شوارعها كل مساء، ويفتش الرصاص الإسرائيلي جسد غزة عن قطعة سلاح، ويغلق المستوطنون مدارسها، ويحرقون زرعها، اليوم تدخل غزة موسوعة "جينس للأرقام القياسية" إذ كيف تنجح مدينة محاصرة براً وبحراً وجواً في تطوير مقاومتها، وقدرتها على ضرب العمق الإسرائيلي، وفي زمن قياسي، ثلاث سنوات، لتفرض على عشرات ألاف الإسرائيليين إغلاق المدارس، وتغلق أكثر من ثمانين مصنعاً، وتمنع التجول على أسدود، وعسقلان، وهي تعيش على الكفاف، عجيبة.
الرابعة: "آنه موبو باسسيان" يهودية جاءت من رومانيا إلى أرض السمن والعسل، نامت الليلة مع أولادها، وجارتها الأثيوبية في الملجأ رقم 84 في مدينة أشدود، تقول: لصحيفة "يديعوت أحرونوت": هناك من ترك المدينة بعد مقتل ثلاثة إسرائيليين، وإصابة العشرات، ولكنني خفت أن تصيبنا القذيفة قبل أن نبتعد، ففضلت النوم في الملجأ، لم نكن نحسب أن القذائف ستصل إلى هنا، ولكنها وصلت، لقد خدعونا. يبدو أنها تقصد واحد من اثنين، الأول: رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عندما وصف الصواريخ بأنها: عبثية، والثاني: الكاتب "طارق الحميد" من صحيفة "الشرق الأوسط" الذي وصفها بصواريخ التنك.
الخامسة: ترك زملاؤه ينتظرون في مقر الشرطة في غزة، وخرج "زياد مخيمر" مسرعاً لإحضار طعام الإفطار لهم، وهو يؤكد أنه لن يتأخر عليهم، وقبل أن يدخل مقر الشرطة عائداً، فإذا بالصواريخ الإسرائيلية تحرق المكان بزملائه، رفض أن يتناول الإفطار وحيداً.
السادسة: أين "حماس"؟ أفتش في شوارع غزة عن "حماس" فلا أجد، أين "حماس"؟ أين ذهبت "حماس"، أين رجالها؟ أين سلاحها، أين قادتها؟ أحاول الاتصال ببعض من أعرف، لا أحد يرد، أحاول الحديث، وسؤال من أعرف أين "حماس"؟ أين "حماس"؟ لا رائحة، ولا شكل لـ"حماس"، ولا وجود لـ"حماس" في غزة، لقد عادت "حماس" مع قذائفها إلى اسدود، وعسقلان، وبيت دراس.
السابعة: انظر إلى حيث يندفع المئات من الفتية الفلسطينيين لتعرف المكان الذي تعرض للقصف الإسرائيلي، تراهم يركضون، يلهثون، يتسابقون، يحيطون بالمكان المقصوف قبل رجال الإسعاف ولسان حالهم يقول: لماذا تأخرنا قليلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق