الخميس، 25 ديسمبر 2008

كتب فهمي هويدي : ليس سهواً

بيان الخارجية المصرية عن الوضع القانوني لغزة قرأ القانون الدولي على طريقة «ولا تقربوا الصلاة»، لذلك فإنه ذكر بعض مواد القانون لغرض مفهوم، وغض الطرف عن البعض الآخر لغرض آخر، فتحدث البيان عن أنه طبقاً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، فإن قطاع غزة لايزال جزءاً من الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يلزم اسرائيل ـ باعتبارها سلطة احتلال ـ توفير عناصر الحياة الاساسية، من كهرباء ومياه ووقود وطعام ودواء للسكان المقيمين في الأراضي التي تحتلها، وذكر البيان، الذي نشرته الصحف المصرية يوم السبت 20 - 12، أن انسحاب اسرائيل من طرف واحد من القطاع، والادعاء بأنه أصبح أرضاً محررة لا أساس له من الناحية القانونية، لأنه لم يترتب عليه من الناحية العملية تحرير القطاع من الاحتلال (الذي لايزال يحيط به من كل صوب). هذا الكلام صحيح بنسبة مئة في المئة، لكن يشوبه عيب واحد، أنه ذكر نصف الحقيقة وأغفل النصف الآخر، ذلك أن اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في عام 1949، والتي جرى الاستشهاد بها تضمنت نصوصاً أخرى مهمة للغاية تجاهلها بيان الخارجية المصرية، فالمادة 33 نصت على أن «الدول كافة عليها أن تكفل حرية مرور جميع الأدوية والمهمات الطبية والأغذية الضرورية والملابس إلى سكان أي طرف آخر، ولو كان عدواً في أسرع وقت ممكن، والمادة 35 تنص على حق الأفراد في مغادرة البلد في بداية النزاع أو خلاله، وأن أخذ الرهائن محظور». والاتفاقية الدولية المبرمة في عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية عرّفت في مادتها الثانية هذه الجريمة بأنها تتمثل في «إخضاع جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية عمدا لظروف معيشية، يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا»، وهو ما عبّر عنه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي عرّف الإبادة المجرَّمة بأنها «تشمل فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء». وقد أشار النظام الأساسي إلى اختصاص المحكمة بمختلف قضايا الاضطهاد الذي عرف بأنه «حرمان جماعة من السكان، أو مجموعة حرمانا متعمَّدا وشديدا من الحقوق الأساسية». هذا الشق المسكوت عنه في بيان الخارجية، ينطبق على مسألة الحصار ويدين إغلاق معبر رفح، بل ويسمح بمقاضاة مصر أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الاشتراك في حصار المدنيين وتعويق وصول المواد الإغاثية لأهالي القطاع. هذا الموقف تبناه تقرير قُدِّم الى مجلس إدارة نادي القضاة وأعده المستشار أحمد مكي، وركز فيه على الموقف القانوني من حصار غزة، وبعد أن استعرض نصوص اتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين ومسؤولية الدول المجاورة من تمرير احتياجاتهم من الدواء والغذاء والكساء، خلص إلى أن «إغلاق مصر لحدودها مع غزة في شأن مواد الإغاثة أو عبور الأفراد المضطرين للسفر، يُعد اشتراكا في الحصار وهو جريمة لا تسمح بها قواعد القانون الدولي، ولا يجوز المساهمة في ارتكابها. إن التقرير المقدَّم الى مجلس إدارة نادي القضاة يرد كل الحجج التي ترددها الخارجية المصرية في تبرير استمرار إغلاق معبر رفح، بما في ذلك استنادها الى اتفاقية المعابر الموقعة في عام 2005 بين الفلسطينيين والاسرائيليين والاتحاد الأوروبي (لم تكن مصر طرفاً فيها)، لأن إغلاق المعبر من الجانب المصري هو اشتراك في الحصار ومن ثم إسهام في جريمة الإبادة. ليس ذلك رأي نادي القضاة وحدهم، ولكنه أيضا رأي خبراء القانون الدولي وفي مقدمتهم د.صلاح عامر الاستاذ بجامعة القاهرة، الذي كتب مذكرة بهذا الخصوص، وحين يصبح الأمر كذلك فهو يعني أن إغلاق المعبر هو قرار سياسي وليس قانونيا ويعني أيضا أن إغفال مذكرة الخارجية المصرية لمواد اتفاقية جنيف الخاصة بحرية عبور المدنيين وتجريم حصارهم لم يكن سهوا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق