الجمعة، 15 نوفمبر 2013

مُشعل حجارة السجيل >>>"الجعبري" .. عِنَاد التفاوض وجسارة الميدان

شعبان عدس:
"لا يمكن أن نعلم بأي دائرة تُوجد التفصيلة الاستخبارية التي تجعله مستهدفاً... يجب أن نتذكر أنه حَذِر على نحو منقطع النظير"، عبارة مقتطفة من حديث أحد الجنود الصهاينة الذين أشرفوا على تخطيط عملية اغتيال "رئيس أركان حركة حماس"، كما كانوا يصفونه دوماً عبر الإعلام.
إنه نائب القائد العام لكتائب القسام أحمد سعيد الجعبري "أبو محمد" ومهندس صفقة "وفاء الأحرار"، الذي ارتقى شهيداً في الرابع عشر من شهر نوفمبر من العام 2012، جراء اغتياله بطائرة استطلاع بصحبة أحد مرافقيه، لتنطلق شرارة معركة حامية الوطيس قُصفت خلالها "تل أبيب" والقدس بصواريخ المقاومة.
يذكر شقيقه أبو عاصم مجريات صفقة وفاء الأحرار بالقول: "جاء الأخ موسى أبو مرزوق لأبي محمد بعد أن رأى جلعاد متبوّلاً على نفسه مرتعباً"، قائلاً له مازحاً: "حرام عليك يا ظالم، هذا الجبان مقابل ألف أسير. إنه لا يساوي 20 ديناراً"، فرد عليه "إنه لا يساوي رباط حذاء أحد أسرانا، لكن هذا الثمن الذي يجب أن تدفعه إسرائيل".
ويشير في حديثه لـ "وكالة الرأي" إلى أن الإعلام أغفل اهتمام أبي محمد بالجانب الدعوي، فكان دوماً يتمنى أن يجلس في المسجد ليربي الأجيال والشباب، إضافة لحرصه على الإصلاح بين الناس، قائلاً: "لقد طلب مني، ونحن بالحج الاتصال بالإخوة بغزة لحل مشكلة بين عائلتين حدثت بحي الشجاعية".
وتابع: "كان أبو محمد يهتم بالمُتعلمين ويدعمهم مالياً من أجل إكمال تعليمهم، كما كان يهتم بالرياضيين والرياضة التي كان يتابعها ويُشجع القائمين عليها حتى أثناء انشغاله بالصفقة، إضافة لحُبه لمساعدة الفقراء، تطبيقاً لقول الله تعالى الذي يصف المؤمنين بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم".
مفاوض عنيد
وعن تواضعه الجم، يُضيف شقيقه "عقب إتمام الصفقة وخروج أبي محمد من إحدى العمليات الجراحية، أبلغته أن المواطنين والأهالي يدعون له"، فكان الرد منه بالقول: "أبلغهم ألا يدعوا لي، بل يدعون لمن صنع القنبلة والعبوة وللحركة والحكومة التي لولاها ما تطورت المقاومة، أما بالنسبة لي، فأنا أفتخر أنني أبن حماس".
وعن إصراره وعِناده بالتفاوض مع الاحتلال يتحدث: "في جولات التفاوض كان الاحتلال يرفض الإفراج عن أسرى ملطخة أيديهم بدماء صهاينة كما كانوا يصفونهم، لكن ثبات أبي محمد دفع الحاخامات اليهود لإصدار فتوى تُبيح تبديل الجندي الحي بأسرى قتلوا مواطنين منهم".
وينوه أبو عاصم إلى أن القائد الجعبري كان يرفض وبشكل قاطع فكرة أن يجلس أمام المفاوض الصهيوني مباشرة خلال عملية التفاوض، حيث كان يقول: "لا أريد أن يكتب التاريخ أن أحمد الجعبري جلس أمام الصهاينة على طاولة واحدة، وهم من يقتلون أبناء شعبي ليل نهار".
وحول شعوره بِقرب اللقاء مع الله والاستشهاد، يذكر أنه دار حديث بينه وبين شقيقه الجعبري خلال توجههم لمهمة، بعد العودة من الحج، فيقول: "ذكرت له أن علامات قبول الحج تكون إما بتغير سلوك الحاج للأفضل وإما أن يتوفاه الله نظيفاً من الذنوب، فأخبرني أنه يريد الثانية"، مطالباً إياه بعدم الإسراع بالقيادة رغم وجود الطيران، قائلاً: "إحنا حجينا خلص".
ابن بار
تلك الصفات التي جعلت منه قائداً فذاً لم تُلغِ دوره كابن بار بوالدته المُسنة التي شكل رحيله بالنسبة لها فقدان الأنيس الذي يُدخل على قبلها الفرحة، ويسعى دوماً لكسب رضها في كل المواقف، بعد أن رزقها الله إياه عقب إنجابها أربعة أولاد، جميعهم ماتوا قبل دخول المدرسة.
وتُشير الحاجة في حديثها لـ"الرأي"- وعلامات الشوق لابنها تظهر على عينيها المحاطة بتجاعيد وجهها- إلى أن أبا محمد كان باراً بها ويسعى دائماً لنيل رضها ودعائها لتيسير أموره وخطواته، حتى في أصعب الظروف كان يأتي ليقبل يديها قبل أن يذهب لأداء مهمته، تاركاً إياها تلهج بالدعاء له.
وتضيف مسترجعةً شريط ذكرياتها إلى الوراء قليلاً "عندما كنا بالمحكمة ونطق القاضي بسجنه 13عاماً، قال أبو محمد: "لا يهزني حكمهم وعلى حذائي"، فتكالب عليه الجنود وضربوه بقوة، لكنني في كل مرة كنت أزوره أجد عزيمته أقوى من السابق، متمسكاً بعظمته كما عرفته طيلة حياته".
وتُكمل الأم المكلومة، ونظراتها تتجه نحو صورته المعلقة حيث تقيم "كان رجلاً متوكلاً على الله في كل أمور حياته. لا يخاف طائرة ولا تهديداً، ويتحرك بقلب قوي، ولا يترك ليلة إلا ويذهب للاطمئنان على أبنائه في الثغور كما كان يصفهم، باعتبارهم الجيش الذي جهّزه للانتصار على المحتل".
وتتحدث الوالدة عن رحلة حجّه الأخيرة قبل أيام من استشهاده "عندما زارني بالبيت، وطلب مني الرضا، خاصة أنه علم بأنني غضبت من ذهابه دون توديعه، فضحك ومسح على رأسي وقال لي: "الآن أنا جاهز للشهادة، فقد أديت الحج، وقمت بدوري تجاه وطني ودعوتي وقضيتي، ودعوت الله أن أكون شهيداً".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق