الخميس، 16 أبريل 2009

إعمار غزة فرصة جديدة أمام أبو مازن.....د. إياد السراج

في لقاء مع "جيري آدمز" رئيس منظمة المقاومة الإيرلندية "الشين فين" قال "إن على الفلسطينيين أن يحسنوا أداءهم وإلا سوف يكونوا نادمين لفترة طويلة" وقال أيضاً "لقد كنا نقاتل الإنجليز أعداء حريتنا ولكنا نحن الذين صنعنا السلام وفرضناه على أعدائه لأن السلام كان انتصاراً للحرية".لا يختلف كثيرون حول الآثار الوخيمة للانقسام الفلسطيني على الواقع الذي يعيشه الشعب في غزة بآثار الحصار وعلى الضفة أيضاً بآثار الخطة الإسرائيلية الأمنية الاستيطانية ويعم التشاؤم بمستقبل الحوار في القاهرة.ويتفق الكثيرون على أن المبادرة الفلسطينية في ما يتعلق بالقضايا الفلسطينية قد انحسرت لصالح مبادرات وأفعال ومواقف إقليمية أو دولية فأصبحت إسرائيل ومصر وسوريا وإيران وأمريكا بالطبع لاعبين أساسيين في القضية الفلسطينية أكثر أحياناً وجوداً وتأثيراً من الفلسطينيون ذاتهم.فتح تضررت كثيراً بفعل الانقسام والتمرد العسكري أو الحسم في غزة وكانت الآثار معنوية جسيمة أكثر من الخسارة المادية خاصة لدى أولئك الفتحاويون الذين تركوا غزة قسراً وبشعور المهانة ولم يتم التعامل مع هذه النكبة المعنوية بالطرق الصحيحة ربما لأن فتح كانت أصلاً تعاني من انشقاقات ومشاكل طويلة وعميقة، ولدى فتح فرصة للملمة الجراح والصفوف إذا استطاعت عقد مؤتمرها الحركي التي تم الوعد به وتأجيله عدة مرات. إن فتح تتراوح ما بين الحركة أو انقسام أو الموت البطيء. حماس وإن استفادت مؤقتاً بإثبات قدرتها على الحسم العسكري، وتثبيت الأمن والتصدي للعدوان الإسرائيلي إلا أنها قد وضعت نفسها في خانة اللاشرعية والتبرم العربي والانعزال الدولي، بالإضافة إلى تخطي الصراع الداخلي مع فتح والحكومة الفلسطينية في رام الله حدوده المعقولة فأصبحت حماس منشغلة أكثر في هم هذا الصراع أكثر من أي شيء آخر، ناهيك عن أن حماس قد ارهقت وهي ترى مدى معاناة الناس بالفقر والحصار في غزة. لكن رياح التغيير تهب على المنطقة خاصة بعد وصول أوباما للحكم وبدأت نوافذ كبيرة بالانفتاح على حماس تمهيداً لاعتراف العالم بها وبشرعيتها خاصة بعد أن تيقن الجميع أن حماس قوى سياسية كبرى لا يمكن الحديث عن القضية الفلسطينية دون الحديث معها.ان المعضلة الأساسية التي تواجه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي محاولة الموائمة بين الحكم والمقاومة، فالحكم يعني الاعتراف بالقانون والالتزام به داخلياً ثم الاعتراف بالمواثيق والاتفاقات الدولية والحرص على الشرعية، ومن ناحية أخرى فإن المقاومة حق أساسي للشعب الفلسطيني يفترض أن يمكنه من الصمود والدفاع عن حقوقه والتوحد في مواجهة العدوان وتحقيق آماله ويفترض استعمال السلاح ولذلك كله استحقاقات ومضاعفات ليست الحرب الأخيرة على غزة إلا مثلاً عليها. وحين تقرر حماس أنها على استعداد للعمل السياسي والتلاقي مع العالم فإن العالم سيندفع تجاهها.والحكومة الفلسطينية في رام الله في أزمة شرعية وأزمة أخرى بسبب أن الكثير من فتح يعتبرون أنها أضرت بالحركة حيث ظهر أنها مشتركة بالحصار على غزة بوقف الرواتب وحرمان الناس من جوازات السفر والدواء والتشجيع على الإضرابات..إلى آخره. وينظر هؤلاء من فتح إلى أنه كان لابد لهذه الحكومة أن تكون فتحاوية وإن لم تكن فيجب أن تمد يد العون والرحمة للأهل في غزة خاصة وأنها ظهرت للناس في غزة وكأنها حكومة تستند إلى قواعد فتح. إن دراسة هذه الحالة الفلسطينية تستوجب التوقف لمحاولة وضع الأصبع على موقع الوجع ومحاولة تصور طريقة العلاج. والحال أن هناك أزمة عميقة تهدد اليوم المستقبل وهناك فرصة ذهبية لابد من استغلالها خاصة بظهور أوباما واحتمال المواجهة مع حكومة إسرائيل الجديدة خاصة بعد انكشاف الوجه الإسرائيلي البشع مرة جديدة في الحرب على غزة وازدياد التعاطف الدولي مع الفلسطينيين ومع حماس.والحالة أن هناك أزمة عميقة تهدد اليوم والمستقبل..فتح في أزمة كبيرة متشعبة الجذور وحماس في أزمة تهددها من الخارج ومن الداخل والشعب الفلسطيني في الضفة وغزة واقع بين شرور الانقسام والتعسف الفلسطيني وبين البطش الإسرائيلي.إن الطريق إلى الأمام يمكنه أن يبدأ:- محاولة وضع برنامج مرحلي تنموي اجتماعي وسياسي يجتمع عليه معظم القوى السياسية وبالأخص حماس وفتح وحكومة رام الله.- محاولة وضع استراتيجية جديدة للعمل في ميادين المقاومة والسياسية والبناء الداخلي تجتمع عليه حماس وفتح والقوى السياسية والفكرية.- ليس بالضرورة تحالف حماس وفتح بل يمكن الاكتفاء بالاتفاق على برامج مشتركة.- الاتفاق على برنامج إعادة إعمار غزة باشتراك الجميع ونقترح بهذا الصدد تشكيل هيئة وطنية بقرار من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية/رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأن يكون هو رئيساً لهذه الهيئة وتشتمل على عضوية د. سلام فياض والسيد إسماعيل هنية بالإضافة إلى وزير من كل حكومة وعضوين عن كتلة حماس البرلمانية كذلك من كتلة فتح وشخص ثالث من كل طرف، وممثلين عن هيئة العمل الوطني، وممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص على ألا تزيد العضوية عن 23 شخصاً وتبقى اللجنة القيادية لهذه الهيئة مكون من الرئيس وأربعة أعضاء أساسيين من بينهم د. فياض وإسماعيل هنية.إن مثل هذا الاقتراح أو غيره لو تم تنفيذه يضع الأرضية الصالحة للحوار الجاد على قضايا عملية وبناءة، وأهم من ذلك أنه يعطي الجميع فرصة متساوية في اتخاذ القرار على أعلى مستويات السلطة.ويمكن أيضاً التقدم باقتراح أن تشكل هيئة استشارية لمنظمة التحرير الفلسطيني ذاتها بتعيين د. محمود الزهار مستشاراً أول للرئيس محمود عباس ومعه آخرين يتم اختيارهم ليكونوا مواكبين ومتابعين لكل التطورات السياسية الداخلية والخارجية وأن يكون التواصل بينهم مستمراً.إن فتح تحتاج إلى دافعية كبيرة لتنهض من أزمتها وقد تكون استعادة غزة بالوحدة مع الضفة طريقها الأمثل وأن حماس تحتاج إلى مراجعة ذاتية، وتحتاج إلى دافعية من أجل التقدم على طريق إعادة الوحدة، وذلك بالتأكيد لها على دورها على مستوى القيادة وعلى مستوى العمل الداخلي خاصة في موضوع الاعمار، وأن يكون ذلك مدخلاً لمفاوضات حول برنامج مرحلة وخطة استراتيجية، وحل الصراع بين قيادة المقاومة وإدارة الحكومة والتقدم للحصول على الشرعية الدولية دون التخلي عن الحقوق.باختصار: نحن نقترح1. تشكيل هيئة استشارية قيادية لرئيس منظمة التحرير يشترك فيها عناصر قيادية من حماس.2. تشكيل هيئة إعمار وطني برئاسة السيد محمود عباس وباشتراك رئيس حكومة غزة ورئيس حكومة رام الله.3. البدء في حوار حول برنامج عمل مرحلي لإعادة البناء وإعادة اللحمة الاجتماعية.4. البدء في حوار استراتيجي حول آفاق المستقبل والعمل الوطني.ولو استطاع الفلسطينيين الاتفاق على ما تقدم فإن صورتهم ستتغير أمام العالم التي أصبحت وكأنهم أعداء أنفسهم ويستطيع بذلك استعادة القدرة على المبادرة بدل انتظار القرارات والمبادرات من عواصم العالم.والفرصة مازالت متاحة للرئيس أبو مازن ليحضر إلى غزة ويعلن بنفسه هذه القرارات ويعلن تشكيل حكومة الوفاق مع حماس فيكون بذلك سباقاً بفك الحصار عن غزة وعن حماس، ونحن نستفزه ليقوم بذلك كما قام الرئيس ياسر عرفات في فك الحصار عن طرابلس في رحلته الشهيرة إليها عبر البحر على مركب صيد صغير أيام الانشقاق، لكن هذه الفرصة الماثلة أمام أبو مازن لن تستمر طويلاً، فالتطورات السياسية تتصارع وربما يسبقه غيره بمبادرة شجاعة وحكيمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق