حزب الله حصر نشاط الخلية بالعمل على مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة، حماس والجهاد كما يفترض المراقب، في الحصول على السلاح والذخائر والدعم اللوجستي بأشكاله المختلفة (التهريب)، وهو نفى بشدة أن تفويض الخلية يشتمل على ضرب أي هدف على الأرض المصرية، أو أن في نية الحزب المساس بأمن مصر القومي، أو أن يكون معنيا بنشر التشيّع في صفوف المصريين، وهي جميعها أهداف حوّلتها النيابة العامة المصرية إلى لائحة اتهام، وتناولها سياسيون مصريون بالنقد والتنديد، وعرضتها الصحافة بتوسع غير مسبوق، فيما ما يشبه الحملة على الحزب وإيران.
من يعرف حزب الله من جهة، ومن يتابع وجهة سير الدبلوماسية المصرية وأولوياتها وأجندتها في هذه المرحلة من جهة ثانية، لا يخالجه شك أبدا في أن الحقيقة تقع في منزلة وسط بين الروايتين، فحزب الله لم يكن يوما بهذه "الطهرانية" أو بهذا الزهد عن "التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية والإسلامية"، وهو - حزب الله - وغيره من الأحزاب الإيديولوجية من إسلامية ويسارية وقومية، ينتمون لمدرسة طالما سخرت من هذا الشعار، وطالما نظرت لتقديم العون والإسناد "للأشقاء في الدول الشقيقة" بوصفه واجبا ملزما ومسألة تبعث على الفخر والاعتزاز، مع أننا في حالة الحزب ومصر، نعتقد أن "الشقيق الفلسطيني" هو المستهدف بدعم حزب الله، وليس الشقيق المصري، ونكاد نصدق رواية حزب الله التي تكاد تحصر أنشطة الخلية المذكورة بغزة تحديدا.
في المقابل، تبدو الرواية المصرية مثقلة بالهاجس الإيراني، وموظفة بالكامل لـ"إعادة الاعتبار" لإيران كمهدد رئيس للأمن القومي العربي، وهي رواية مبثوثة في خطاب الاعتدال العربي بمجمله على أية حال، ومن مقتضياتها "تحويل الحبة إلى قبة" طالما أن الهدف هو عزل إيران ومحاصرة دورها الإقليمي الصاعد، وربما قطع الطريق على المقاربة الأمريكية الجديدة حيالها، والتي تثير مخاوف دول عربية "مسكونة بهواجس دور إقليمي"، لا هي استطاعت أن تحافظ عليه وتعظّمه، ولا هي قادرة على منع الآخرين من ملء فراغه.
كل ما يمكن أن يقال عن حزب الله (واستتباعا حماس ومختلف فصائل المقاومة) في باب "تهريب السلاح وتخزينه وتصنيعه"، يمكن أن يؤخذ على محمل الجد والتصديق، إذ لولا هذا "التهريب"، لما كانت ثورة ولما كانت مقاومة أبدا، يصح ذلك على تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ أواسط ستينييات القرن الفائت، كما يصح على تجربة المقاومة اللبنانية، قبل 1982 وبعدها، والقوى الفلسطينية واللبنانية، من حماس إلى حزب الله، وقبلهما فتح والشعبية والديمقراطية والحركة الوطنية اللبنانية، لطالما نظرت إلى هذه الاتهامات بوصفها أوسمة شرف تعلق على صدرها، لا بوصفها جنحا وجنايات أو مسا بأمن دول أخرى أو تدخلا في شؤونها الداخلية، وهذه "المهمة" هي الثابت فيما علاقات هذه القوى بالأنظمة العربية على اختلافها، وما عداها، فمتغير يخضع للصعود والهبوط وفقا لحسابات اللحظة وتطوراتها.
أما أن يقال، بأن حزب الله ترك وظائفه في لبنان، ليتفرغ لنشر التشيع في مصر، أو استهداف الأمن المصري، فهذا ما يصعب تصديقه، حتى في ذروة الخلاف بين الجانبين، والأمر ذاته ينطبق (وربما بدرجة أكثر) على حركة حماس وعلاقاتها مع دول الطوق، وتحديدا مع مصر والأردن.
وبعيدا عن صدقية الروايتين وجديتهما، فإن الأهم من هذا وذاك، هو ذاك التزامن بين الكشف عن "خلية حزب الله" في مصر، والغارة الإسرائيلية على السودان، إذ في الحالتين، كان الهدف "تهريب" السلاح إلى قطاع غزة، وفي الحالتين كانت إيران هي مصدر القرار والسلاح، وفي الحالتين كانت لحماس وحزب الله (والحوثيين أحيانا) فضلا عن السودان، أصابع في هذه العملية، ولا ندري حقيقة إن كنّا أمام "صدفة خير من ألف ميعاد"، أم أننا أما واحدة من "مزايا التنسيق الأمني"، أم هو "الالتقاء الموضوعي" في المصالح، يقتضي وضع إيران في صدارة الاستهدافات، لا بوصفها قوة نووية محتملة وخطرة، بل وقوة مهيمنة بلغ نفوذها ضفاف البحر الأحمر بخليجيه وشواطئ القارة السوداء وموانئها وأدغالها وصحاريها المترامية على حد سواء؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق