"التقرير من أسر جلعاد شليت يخدم الحرب النفسية التي يخوضها من وفر المعلومات لواضعه، ومع ذلك كان من الضروري نشره. بالفعل، فهو يغرس في عقل الجمهور الرسالة التي يرغب أحمد الجعبري في أن تصلنا ولكن يمكن ايضا ان نفهم كم هي حماس متلهفة لان تصل الى "صفقة"، وكذا – كيف يقدر العدو الارهابي صورتنا النفسية.
الابتزاز العاطفي مكشوف: "في كل مرة نقل فيها عن المصاعب في المفاوضات تدهورت نفسية شليت وغرق من جديد في حالة الاكتئاب"... "في كل مرة علم فيها شليت عن فشل آخر في المحادثات، أقل في تناول الطعام، وقضت مضاجعه وحالته النفسية المتردية كانت تصل به الى تعريض حياته لخطر حقيقي"... "في آذار 2009، في اثناء جولة المحادثات في القاهرة طرأ تحسن هام في الحالة النفسية لشليت"... عندما وصلت الانباء "عن رفض اولمرت اقرار الصفقة... عادت اليه عواصف الاكتئاب والقلق الشديدين... ولم يكف عن البكاء والصراخ الهستيري".
هذه الاوصاف لا بد صحيحة، والواقع ربما أشد وسليمان الشافعي ساعد صرخات الاسير المعذب في ان تصل الينا من داخل سجنه، ولكن ليس بطيبة قلبه اطلعنا القاتل الجعبري على هذه العذابات بل لان دولة الارهاب تحتاج على ما يبدو الى "صفقة" بسبب من أزماتها. وبالمقابل، الطريق الذي اختاروه لابتزازنا يجب أن تقلقنا لانها تدل على كيف نبدو نحن في نظرهم بل وربما ايضا كيف نحن حقا.
قوتنا الجسدية لا بد ان حماس عرفت كيف تقدرها، ولا سيما بعد "رصاص مصهور". وبالمقابل، تقديرها للروح التي تفعم فينا هو متدن على نحو ظاهر. فلو خشيت حماس غضب الرأي العام الاسرائيلي في ضوء وصف الاذلال والتنكيل بفتى عديم الحيلة، لكانت أخفت عنا هذه الفظاعة.
ولكنهم لا يتوقعون ردا عقابيا وأليما. وهم يعرفون باننا لا ننتقم بل نساوم. "ليس بكل ثمن"، يصرح زعماؤنا، أي: يوجد ثمن. ولكن المجتمع الذي لم يتعرض للتآكل الاخلاقي، للتعفن القيمي والتعب العاطفي ثمة خيار آخر: جباية الثمن منهم!
ربما لم نعرف ان جلعاد شليت احتجز لزمن قصير في اقبية مستشفى الشفاء في غزة، ولكننا عرفنا بان قيادة حماس اختبأت هناك، ولم نكن مستعدين لان ندفع ثمن الامساك بهم ولا الثمن الدولي لاحتجاز سجناء حماس في ظروف معاناة كتلك التي يعيشها جلعاد ولا الثمن الاقتصادي والسياسي لحصار حقيقي على دولة الارهاب: منع الكهرباء، الماء، المؤن، المال.
دفع الثمن من أجل جباية ثمن منهم – لذلك لم تكفنا كوابيس ليل الفتى المعذب. وانطلاقا من العجز العاطفي، الشك بعدالة الطريق والميل لرؤية زاوية نظر العدو ايضا، فان مقرري الوتيرة عندنا يتعاطون مع فظائع الارهاب دون غضب وكأن بها مصيبة طبيعية محتومة.
حماس تحتجز شليت لانها تعتقد بان هذا مجدي لها. ونحن من جانبنا لا نفعل شيئا كي لا يكون هذا هكذا لها، انطلاقا من اعتبارات الجدوى "العملية" الخاصة بنا، والتي ليس لها أي صلة بمصير جلعاد. تنقصنا زعامة قيمية، زعامة معايير.
أهل الفتى والمتظاهرون من أجله لا يقولون لنا ما هي نيتهم: لندفع "كل ثمن" بما في ذلك الضحايا المستقبليين الذين سيقعون في براثن مئات الذئاب الذين يطالبون الان بتحريرهم – او جباية كل الثمن منهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق