رغم تقديري الشديد والكبير لظاهرة المستقلين لدينا عبر عشرات السنين في كافة مؤسسات العمل الوطني ابتداءً بالدكاكين الصغيرة وانتهاءً بالمجلس الوطني..... لم يستطع هؤلاء ولو لمرة واحدة أن يثبتوا استقلاليتهم لأسباب كثيرة....... بسبب تقاطع مصالح هؤلاء مع الأحزاب السياسية العاملة في الساحة الفلسطينية..
هذا التقاطع أخذ أحياناً أشكالاً سياسية وتارة أخرى أشكالاً مالية وكثير من الأحيان عرض أنفسهم ومواقفهم بسعر التكلفة والفائدة هو ترويج أسماءهم والتمتع بوجودها على صفحات الجرائد أو المواقع الالكترونية أو من خلال الإذاعات المحلية والفضائيات، وبناءَ على ذلك كان يتم توزيعهم بأسماء حزبية كأن تقول مستقلي فتح، ومستقلي حماس، ومستقلي الشعبية، ومستقلين حسب الطلب، وسبق وكان لي تجربة في الانتخابات السابقة عندما سألت أحدهم عن امكانية فوز أحد المرشحين فقال لي " هل هو محسوب على الأمريكان " فقلت له " لا .." فقال: " هل هو محسوب على الإسرائيليين؟ " قلت " لا" .. قال " على المصريين" قلت " لا" " هل هو محسوب على الأردنيين" قلت " لا إنه مستقل يا رجل" قال لي " لن يحصل على أكثر من ألف صوت، هذا إذا كان غنياً وأصوات عائلته إذا كان فقيراً، وقد يحصل على صوته إذا كان بخيلاً في هذه الأيام".
وفي ظل فشل كافة الأطراف السياسية في الساحة الفلسطينية رسم سياسات واستراتيجيات الخروج من الوضع الراهن وكيفية مواجهة المرحلة التي كثر فيها المتخاذلون والمتآمرون والمتخلفون والمتسلقون.. بدأ يعود إلى السطح من جديد ظاهرة المستقلين.. .. ولكن مستقلين عن من؟!..
لا أعرف ولكنهم بالتأكيد يمتلكون سيارات فاخرة وبدل وجرافاتات وأرصدة متواضعة في البنوك وزد على ذلك رائحة بارفاناتهم جميلة ويتكلمون الانجليزية.. يسمع عنهم المثقفون ولا يعرفهم الناخبون.. يعطوك من طرف اللسان حلاوة... يبتسمون .. ممكن أن تكون معزوماً على موائدهم أو على طاولاتهم في مقاهي البحر أو في مكان آخر... ولكن لا يجوز لك أن تطلب عشاء لأن موعد الانتخابات لم يقترب.. يرفعون شعار " نعم للمرشح النباتي" ولكن مغرومون بأكل اللحم الحي والمذبوح على الشريعة.. وإن سألت أحدهم ماذا يريد يقول " لك أنه فداء الهم الوطني" وهو مستعد لتقديم الغالي والنفيس لهذا الوطن الصبور.. ولكن دون الحديث عن استراتيجيات المواجهة مع المحتل أو تكتيكات العمل السياسي لمواجهة المخططات الإسرائيلية في الضفة والقدس وغزة.
ممكن أن يتحدثون عن طريقة للتوسل لأصحاب الشأن لتخفيف الحصار أو فتح المعابر للتهوية أو الحديث بالانجليزية عن معاناة المواطن في الحصول على كابونة ولكنهم لا يقدمون الكابونات.. ولا يدفعون فواتير الكهرباء أملاً في فتح حوار مع المعنيين للدفع على طريقة الصفقة بالعربية لا ينجزون ولكنهم يحبون الأنجزة.
ممكن أن يتكلم على الفضائيات بدون ولا مليم ويمكنك عمل لقاءاً صحافياً أو إذاعي والمواصلات على حسابه المهم أن تنُصبه حيث يريد وتنقل على لسانه جملاً رنانة وموزونة وفيها بعض السجع.. يجيدون فن المديح ولكنهم لا ينتقدون أحد إما خوفاً من بطشهم أو تملقاً لشخصهم أو رغبة في كسب ودهم.. لأنه معذور ( ما إله ظهر)........ فهو ضد الانقسام ومع التقسيم وضد الفلتان ومع المنفلتين.. يكره أن يكون المعبر مغلقاً ولكنه يحب المصريين.. هو ضد الغلاء ومع التجار المليانيين.. هو بالضبط مثل قطر مع الأمريكان.. ومع الإيرانيين ومع السلطة.. ويدعمون حماس ومع إسرائيل ويدعمون الانتفاضة .. هم سنة ويحبون الشيعة وبعضهم مسيحيون ويحبون المسلمين.. تجدهم على كل الموائد ذات اليمين وذات الشمال يدعون للتحرير وهم بحاجة لمن يحررهم من أنفسهم وإذا سألت أحدهم عن الآخر قال " لك أنه يدعي أنه مستقل ولكنه .. ؟ !
وإذا سألته عن نفسه قال لك " أنا معك ولكن لا أستطيع أن أقول ذلك جهراً علشان لزوم الشغل.. ما أنت عارف مستقل.. ؟؟"
اللهم قرب استقلالنا وأبعد مستقلينا آمين .. الهم ما أرحنا من باص 11 واجعلنا نستقل سياراتهم.. آمين.... ونعم للقرار الفلسطيني المستقل..... وكل استقلال وانتم بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق