الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

صواريخ ايران.. وبيادق العرب ... عبد الباري عطوان

يمكن القول، حتى هذه اللحظة، استناداً الى تطورات السنوات العشر الماضية، إن ايران باتت القوة الاقليمية العظمى التي تحاصر الجميع في المنطقة وتربك حسابات العالم الغربي، والولايات المتحدة على وجه التحديد، وتشكل تهديداً وجودياً بالنسبة الى اسرائيل، والفضل في ذلك يعود بالدرجة الاولى الى اتقانها فن المناورة، وتطوير قدراتها العسكرية وطموحاتها النووية، ووجود قيادة تعتمد التحدي واسلوب الصدمة وعنصر المفاجأة في تعاطيها مع القوى الاقليمية والعالمية الاخرى.

في الأيام العشرة الماضية فاجأت ايران العالم مرتين، الاولى عندما كشفت مضطرة، عن مفاعل نووي جديد بنته وسط جبل قريب من مدينة قم، يمكن ان يستوعب ثلاثة آلاف وحدة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، والثانية عندما اطلقت مجموعة من الصواريخ مختلفة الاوزان والاحجام والابعاد في اطار مناورات عسكرية، من بينها صاروخ 'شهاب3' بعيد المدى (2000 كيلومتر) قادر على الوصول الى اهداف في العمق الاسرائيلي.

هذه المناورات وصواريخها تأتي ردا على التهديدات والمناورات الاسرائيلية، في تزامن مع قرب انعقاد الجولة الحاسمة من المفاوضات بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي زائد المانيا مع ايران لبحث برنامجها النووي، وكأن ايران تقول للثالوث الامريكي البريطاني الفرنسي الذي يقرع طبول الحصار ضدها (وربما الحرب بعد ذلك) انها غير عابئة بكل التهديدات، ومستعدة للمواجهة اذا ما اضطرت لها.

الولايات المتحدة الامريكية تلوّح بسلاح الحصار الاقتصادي الخانق لأنها تخشى المواجهة العسكرية وتبعاتها المرعبة، او بالأحرى لا تريد اللجوء اليها في الوقت الراهن على الأقل، ولكن هذا الحصار، ومهما كان شرساً، من الصعب ان يحقق اهدافه في اجبار القيادة الايرانية على الرضوخ للشروط والمطالب الغربية بالتخلي عن طموحاتها النووية بشقيها السلمي والعسكري.

ايران تعيش حصاراً جزئياً مفروضاً من الولايات المتحدة الامريكية ودول غربية اخرى منذ سنوات، اي انها 'متعودة' على مثل هذه الحصارات وتملك خبرة طويلة في مقاومتها واختراقها، ولعل اعنفها كان اثناء الحرب العراقية الايرانية، التي استمرت اكثر من ثماني سنوات، مضافاً الى ذلك ان الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة والغرب على نظام الرئيس صدام حسين، واستمر اكثر من ثلاثة عشر عاماً، الحق الأذى بالشعب العراقي ولم ينجح مطلقاً في ايذاء النظام او اطاحته.

فالظروف الجغرافية الايرانية افضل كثيراً من نظيرتها العراقية، مما يجعل اي حصار ضد ايران محدود الأثر. فإيران محاطة بثلاث دول فاشلة، محكومة من قبل انظمة لا تسيطر على حدودها، وهي افغانستان وباكستان من الشرق، والعراق من الغرب، اما دول الشمال مثل اذربيجان وتركمانستان فهي متعاطفة الى حد ما مع ايران، وعلينا ان لا ننسى ان النفوذ الايراني في العراق هو الاقوى من نظيره الامريكي.


صحيح ان الادارة الامريكية تبذل جهوداً كبيرة من اجل تشكيل تكتل دولي لإحكام الحصار الاقتصادي على ايران، وتوزع الهبات والمكافآت في هذا الصدد، مثل اقدامها على الغاء مشروع الدرع الصاروخي في اوروبا لكسب ود الاتحاد الروسي، والتلويح بحوافز اقتصادية مغرية للصين، ولكن هذا لا يعني ان الاهداف المرجوة سهلة التحقيق، وحتى لو كان الحصار محكماً وخانقاً بالفعل، فإنه لن يعطي ثماره الا بعد سنوات، تطول او تقصر، وعلينا ان نتذكر ان كل ما تحتاجه ايران لانتاج اسلحتها النووية هو ثلاث سنوات فقط على اكثر تقدير. ومن المؤكد انها تستطيع ان تتحمل الحصار وتبعاته لثلاث سنوات، ان لم تكن قد بنت حساباتها على هذا الاساس، واخذت الاحتياطات اللازمة.

الانظمة العربية، والخليجية منها بالذات، ستجد نفسها جزءاً من التحالف الجديد ضد ايران، جنباً الى جنب مع اسرائيل، سواء في شقه الاقتصادي او العسكري اذا فشل الأول، واصبح اللجوء الى الثاني حتمياً نظراً لهذا الفشل.
الاوروبيون يتحدثون في صحفهم عن بدء كل من المملكة العربية السعودية والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة باستخدام سلاح العقود النفطية والصفقات العسكرية وسمات الدخول (فيزات العمل) لإغراء كل من روسيا والصين لتغيير مواقفهما المترددة بشأن الانضمام لجهود الحصار، والايحاء لهما بأن مصالحهما الاقتصادية الاستراتيجية هي مع هذه الدول (دول الخليج) وليست مع ايران.

فالمملكة العربية السعودية تتفاوض حالياً لعقد صفقة شراء اسلحة من روسيا تبلغ قيمتها ملياري دولار، هي الاولى والأضخم من نوعها، تطبيقاً لاتفاقية ثنائية جرى توقيعها العام الماضي، والهدف من هذه الصفقة ليس تعزيز القدرات العسكرية السعودية، لأن جميع التسليح السعودي امريكي وغربي المصدر منذ سبعين عاماً، وانما اقناع روسيا بعدم بيع ايران صواريخ (اس 300) المتطورة المضادة للطائرات. ومن المفارقة ان نتنياهو زار موسكو سراً من اجل الهدف نفسه قبل عشرة أيام. كما وافقت الكويت على اعادة جدولة الديون الروسية، وبدأت مفاوضات لشراء طائرات روسية حربية.
اما نصيب الصين فهو مغر ايضاً، فعلاوة على عروض سخية لشركاتها باستكشاف النفط، من المتوقع ان تمنح دول الخليج مجتمعة الصين اكثر من مليون فيزا لاستيعاب مليون عامل صيني في مشاريع مختلفة تنفذها شركات صينية، مما يساعد في تخفيف ازمة البطالة الطاحنة في الصين.



جولة مفاوضات يوم الخميس المقبل في جنيف بين ايران والدول العظمى الست، قد لا تختلف كثيراً عن الجولات السابقة، لأن الرئيس الايراني احمدي نجاد الذي ينطق بلسان المرشد الاعلى علي خامنئي، قال ان الملف الايراني خارج نطاق المفاوضات، ولأن القيادة الايرانية تعلم جيداً ان الادارة الامريكية التي تواجه هزائم محققة في العراق وافغانستان، وانهيارا ماليا داخليا، تدرك جيداً ان الشعب الامريكي غير مستعد لمساندتها في خوض حرب جديدة اكثر خطورة، وغير مضمونة النتائج.

لا يخامرنا ادنى شك في ان الاسلحة الايرانية تبدو بدائية جداً في مواجهة الاسلحة الامريكية والاسرائيلية المتطورة جداً، و لكنها في الوقت نفسه ليست اكثر تخلفاً وبدائية من اسلحة طالبان، او امكانيات المقاومة العراقية المتواضعة، فبعد اكثر من ثماني سنوات من احتلال افغانستان، وست سنوات من احتلال العراق ما زال التحالف الغربي عاجزاً عن حسم الامور لصالحه.

الانظمة العربية تواطأت مع ادارة الرئيس بوش ودمرت العراق، فحصدت نفوذاً ايرانياً طاغياً، وتحالفت مع الغرب في الحرب على الارهاب في افغانستان فجنت اصولية افغانية وعودة تنظيم 'القاعدة' الى ملاذه الآمن اكثر قوة، وفتحه فروعاً في قلب الجزيرة العربية والمغرب الاسلامي، علاوة على العراق والصومال.
هذه الانظمة عرضت مبادرة سلام مع اسرائيل التي تحتل الاقصى وباقي الاراضي الفلسطينية، وتذل العرب على مدى ستين عاماً، فلماذا لا تعرض مبادرة مماثلة مع ايران الدولة المسلمة؟

الصواريخ الايرانية البعيدة المدى لن تصل الى باريس ولندن وواشنطن، وانما الى العواصم العربية الخليجية التي قد تنجر الى هذه الحرب في حال اشتعالها، جنباً الى جنب مع اسرائيل، وسنجد انفسنا في مواجهة صراع مع الأمة الفارسية، دون ان نملك الأدوات اللازمة التي تؤهلنا له.
ان تخشى اسرائيل من امتلاك ايران اسلحة نووية فهذا أمر مفهوم لانها ستخسر احتكارها لها، وسيهاجر ستون في المئة من مواطنيها هلعا ورعبا الى اماكن آمنة، حسب استطلاعات الرأي، وستجد نفسها في موقف تفاوضي اضعف في اي عملية سلمية. ولكن لماذا يخشى العرب او بعضهم (السعودية والخليج) وهم ضعفاء اصلا لم يفكروا مطلقا في المستقبل؟

الاموال والقدرات الاقتصادية العربية الهائلة تستخدم فقط في مشاريع الهدم، لا البناء. هدم العراق، وتمزيق افغانستان، وتدمير ايران بعد حصارها. لم نسمع مطلقا انها استخدمت في بناء ترسانة عسكرية تحمي الأمة، او قاعدة اقتصادية ضخمة وعصرية توفر ملايين الوظائف للعاطلين عن العمل.
حتى نكون منصفين، قرأنا اخيرا عن بناء جامعة في السعودية، وكان الانجاز عظيما لدرجة ان سبعة زعماء وملوك وامراء عرب وعشرات الوزراء والمسؤولين الكبار على الاقل، هرعوا لحضور حفل الافتتاح العظيم. كل هذا الرهط من اجل افتتاح جامعة في دولة لا تعترف بحرية البحث العلمي ناهيك عن حرية التعبير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق