الخميس، 30 أبريل 2009
حدود التدهور بقلم : عزمي بشارة
الثلاثاء، 28 أبريل 2009
انتشار مكثف لصور الرئيس الفلسطيني "محمود عباس "في رام الله والبيرة يثير جدلا بين الفلسطينيين
في حين كان من اللافت تلك الكمية الكبيرة من الصور التي علقت فوق إعلان عملاق في أحد شوارع رام الله لحاسوب نقال (لاب توب)، أظهرت وبشكل مسيء، وكأن الرئيس يروج لهذا النوع من الأجهزة.
صور الرئيس الفلسطيني تنتشر في كل مكان، ما أثار العديد من التساؤلات والتعليقات الساخرة، خاصة أن الانتشار "الرهيب" للصور، وغموض الأسباب والجهات الكامنة وراءه، بات حديث الشارع الفلسطيني، خاصة في مقاهي ومطاعم ومدارس وجامعات وكليات وحتى المؤسسات الرسمية بمدينتي رام الله والبيرة على وجه الخصوص، لاسيما أن الفلسطينيين غير مقبلين على انتخابات رئاسية، أو أي استحقاق شبيه.
بعض الملصقات الصغيرة والمرتفعة لم تصب بأي سوء، في حين تعرضت بعض ملصقات الرئيس الفلسطيني التي اتخذت أماكن منخفضة للتمزيق، و"الشخطبة"، وبعض المجهولين كتبوا على عدد من الملصقات شتائم نابية، ما دفع مصدر مسؤول للإشارة بأن "هذه الحملة أساءت دون قصد إلى الرئيس".
وقال المصدر المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه "هناك من حاول تقديم خدمة للرئيس .. لا أستطيع الكشف عن الجهة وراء هذه الحملة، لكنهم، ودون أن يدورا، أو يقصدوا، أساءوا إليه".
وترافقت الحملة مع جملة من التعليقات الساخرة ضدها، فهناك من قال بأن السبب وراءها ربما كثرة أسفار الرئيس في الفترة الماضية، وبالتالي هي محاولة لتثبيت صورته في أذهان المواطنين، أو أنها هدية من مجهول لمناسبة عيد ميلاده، علماً أن مطلقي هذه "النكات" عبر منتديات الدردشة على شبكة الإنترنت، أو الهواتف النقالة، على محدوديتها، أكدوا أنهم يجهلون يوم مولد الرئيس الفلسطيني.
الغريب في الأمر أن محافظة رام الله والبيرة، وبلدية رام الله، أكدتا جهلهما للجهة المنفذة للحملة، وأنه لم يتم التنسيق معهما بالمطلق في هذه الحملة بالتحديد، وهو ما أكده نمر حماد، مستشار الرئيس الفلسطيني الذي قال "لا علم لي بالجهة التي تقف وراء هذه الحملة، والهدف من ورائها".
وقال أحمد أبو لبن، مدير عام بلدية رام الله، الذي فضل عدم التعليق على حملة صورة الرئيس "في أية حملة ينص القانون على ضرورة التنسيق مع البلدية التي تتبع الشوارع المراد إلصاق الملصقات ضمن إدارتها، على أن لا تعلّق أية ملصقات فوق أبواب المحلات التجارية، أو على أسوار المنازل والمؤسسات، دون استشارة أصحابها أو القائمين عليها".
المحلل السياسي خليل شاهين، وفي تعقيبه على "الانتشار الرهيب لصور الرئيس في كل مكان، وبالتحديد في رام الله"، قال "رغم أن أحداً "لم يعلن مسؤوليته" عن هذه الحملة لصالح الرئاسة الفلسطينية، إلا أن التقديرات قد تشير إلى أنها تأتي كمحاولة لتثبيت شرعية الرئيس عباس، ليس كونه رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية فحسب، وهو أمر يشكك به البعض، بل كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية المرجعية الوطنية العليا، خاصة مع توقعات بفشل الحوار الوطني الفلسطيني وبالتالي اندلاع معركة الشرعيات مجدداً، وفي وقت يخشى فيه على استهداف شرعية المنظمة التي يرأس لجنتها التنفيذية الرئيس محمود عباس (أبو مازن).
وأضاف شاهين "تترافق هذه الحملة أيضاً مع اتهامات موجهة بالفساد إلى الرئيس محمود عباس وعائلته، وبالتالي تأتي هذه الحملة كمحاولة للعمل على استعادة الرئيس لشعبيته في مواجهة هذه الاتهامات التي تحاول النيل من شعبيته، مع العلم أن لا علاقة للرئيس بهذه الاتهامات، وفق التقارير الصحافية العالمية التي نشرت مؤخراً".
وختم شاهين حديثه بالتأكيد "رغم الحملة المكثفة لصور الرئيس علينا أن ندرك أن الشرعية في مجتمع يخضع للاحتلال تقاس بمدى ترسيخ مقاومة الاحتلال ومخططاته، والتصدي لها، ولطالما نجحت حركة فتح في ذلك، عبر التأكيد العملي على دورها كحركة مقاومة، وحامية للمشروع الثوري، وليس في قدرة هذه الجهة أو تلك على "شن حملات دعائية".
نقلا عن الغد الاردنية
من فولكلور الحرب على المقاومة: فرية الارتباط بالأجندات الخارجية ....رشيد ثابت
ومن المجدي والمثير في حمأة هذا التكالب على المقاومة أن ننتبه إلى أن تاريخ الحرب على حركات التحرر والمجاهدين يكشف أن الغزاة لطالما رددوا عين تهمة حمل الأجندات الخارجية هذه - وإن تغيرت شخوص المتهمين بطبيعة الحال بسبب اختلاف ظروف الزمان والمكان - في إطار نزع الشرعية عن جهاد المجاهدين. فلا بد من مؤامرة خارجية تجند هؤلاء المقاتلين من أجل الحرية؛ ولا بد من يد محركة محرضة من وراء الحدود؛ ولا بد أن مبلغًا من المال هو الذي يحسم الصراع النفسي داخل كل مقاتل من مقاتلي القسام: "هل أخرج لأفجر نفسي في العدو أو لا أفعل"! لا بد أن يكون كل هؤلاء الفدائيين والمرابطين والأبطال قتلة مأجورين أو طلاب مغانم شخصية؛ ولا يصح أن يكون أبناء العروبة والإسلام مدفوعين بحاجتهم الطبيعية والبديهية لقتال الغزاة؛ ولولا "إيران" لما قاتلت حماس ولما احتيج لكل هذه المعاناة في محاربة الصهاينة - كأن فلسطين لم تقاتل حتى قامت حماس أو كأن حماس لا تقاتل لولا وجود دعمٍ ما من إيران. ولأن هذه التهمة أصبحت أكثر جريانًا على ألسنة فرعون وزبانيته؛ فإن من الأوقع في النفس - ونحن نحاول أن نثبت أنها بضاعة الاستعمار القديمة الجديدة - أن نأتي بمثال على ترديدها والنفخ فيها من التراث السياسي المصري نفسه؛ فكيف كان ذلك؟
تجيء الإجابة من إحدى صفحات تاريخ الحملة الفرنسية على مصر. صحيحٌ أن أكثر المصريين يدرس تاريخ البلاد من مناهج التعليم؛ وصحيح أن أكثر هذه المناهج قد تم نزع أكثر ما فيها من تفاصيل عربية وإسلامية وحشيت عوضًا عنها بمطولات عن "منقرع" و"حتشبسوت" وما إلى ذلك؛ وصحيح أن "أمريكا" تشترط دائمًا في اتفاقيات مكتوبة ورسمية أن يتم تغيير مناهج التاريخ واللغة العربية والتربية الإسلامية؛ وتقرن معونتها المالية للفرعون بتلك الشروط (بالمناسبة هم لا يطلبون تغيير مناهج العلوم والرياضيات أبدًا ويرون أن على الأمة أن تستمتع بالتخلف الذي هي فيه وليس في الإمكان أبدع مما كان) وصحيح أن آخر جولات غسيل الوعي والذاكرة قد تمت برعاية المثلية "ليز تشيني" ابنة نائب الرئيس الأمريكي الأسبق "ديك تشيني"؛ وصحيح أن أكثر زبانية النظام المصري هم من الجهلة والسفلة ولن يكون مستبعدًا عنهم الجهل بألصق الأحداث بتاريخ بلادهم؛ وصحيح أن أكثر المصريين والعرب يعتقد أن حملة نابليون على مصر كانت "معسكرًا كشفيًّا" أفضى إلى إدخال الطابعة إلى العالم العربي (طبعًا دخلت لطباعة بيانات الاحتلال وخرجت بالمناسبة معه حين خرج) ولا يدري عن المذابح التي دارت من قرية لقرية في دلتا النيل وعلى الطريق من الاسكندرية إلى القاهرة؛ فضلاً عن مذابح القاهرة نفسها وما صاحبها من حرق ونهب واغتصاب - أقول كل هذا صحيح؛ لكن لدي أمل بأن بعض البعض لا زال يفهم ويعرف أن ما نفذه نابليون كان احتلالاً؛ وأنه أيضًا استدعى مقاومة كما فعل العرب والمسلمون على الدوام تجاه أي غازٍ وكما تفعل كل شعوب الأرض تجاه من يدهم أرضها.
إذًا أطلقت مصر حينها عدة موجات لمقاومة الفرنسيين؛ وقد تنوعت هذه الموجات بين تصدي السلطة الحاكمة آنئذ - المماليك - للغزاة في معارك خاسرة عكست فجوةً حضاريةً عمرها ستة قرون (منذ أن صدت مصر هجمة فرنسي آخر هو "لويس التاسع" وهزمته وأسرته) وانتقلت الراية للجمهور بعد أن سقط النظام - أو فرت أركانه للصعيد - ونفذ الأهلون ثورتين كاسحتين ضد المحتل؛ وتوجت الأعمال الحربية للمقاومة بعملية الاغتيال الناجحة للحاكم الفرنسي العسكري على مصر ونائب نابليون فيها - المدعو "كليبر".
يومها عز على الفرنسيين أن يروا مجموعة من شباب الشرق العربي المسلم والمتدين - من طلاب الأزهر - يدبرون خطة فريدة من نوعها لاغتيال رأس العدو في القطر المحتل؛ ولذلك اتجهت تحقيقاتهم الوحشية وما مارسوه فيها من تعذيب لفرض رواية تقول أن بطل العملية "سليمان الحلبي" قد نفذ الهجوم استجابة لطلب ضابط تركي؛ بعد أن شكا له سليمان من فداحة الضرائب الباهظة المفروضة على أبيه فوعده الضابط بمراجعتها إن هو ذهب إلى مصر وأسدى له خدمة اغتيال قائد الفرنسيين فيها - هكذا بكل سذاجة وبساطة وتسطيح! فبالنسبة للفرنسيين كان من الضروري أن تعقد خيوط مؤامرة كبرى تصل قتل قائدهم بضباط عثمانيين ربطتهم في النهاية بالصدر الأعظم في "استانبول"! وكان لا بد من ضرب المتهمين ضربًا مبرحًا ليضطروهم للاعتراف بأن ما كان عملية استشهادية رفيعة لم يزد على أن يكون مؤامرة رخيصة للقتل حركها بريق الذهب العثماني!
ودون دخول في تفاصيل وضع مصر الإداري في تلك الحقبة - حيث كانت علاقة المماليك بالدولة العثمانية صورية وكانت مصر شبه مستقلة عن السلطان باستثناء بعض الشكليات التي لا تقدم ولا تؤخر - فإن الدولة العثمانية كانت بمثابة "قوة إقليمية" خارجية قادرةٍ افتراضًا على أن تؤثر في الوضع المصري (مثلما هي إيران في منطقتنا اليوم وإلى حد كبير) وكان من الأحسن للفرنسيين أن يلحقوا "المقاومة" كتهمة بالعثمانيين على أن يقروا علنًا بأن المصريين العرب المسلمين - ومن عاونهم من العرب والمسلمين الآخرين - هم من يقاتلهم ويرفض وجودهم من منطلقات شعبية أصيلة لا يد للخارج فيها؛ أو على الأقل لا تحتاج للخارج ليعطيها الدوافع الأساسية للتحرك.
فما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ بالأمس كان الاحتلال يردد دعاية "الأجندات الخارجية" بلسانه الأعجمي الأعوج؛ أما اليوم فهو يجدد في فولكلور محاربة المقاومة؛ وينجح في تجنيد عشرات السياسيين والزعماء والقادة والصحافيين ورجال الإعلام من العرب الأقحاح من المحيط إلى المحيط للنخير بدعواه وتكرارها. افتحوا صحف الصباح في أي بلد عربي ولن تعدموا أحد هؤلاء "الهمل" الذين صيرته المقادير كاتبًا - كأن الكتابة الصحافية في العالم العربي صارت معادلاً للعمل في "البحرية" في أمريكا - يتحدث عن الخطر الإيراني والارتهان لإيران بذريعة المقاومة (طبعًا هو يقول ذلك ولا يفكر حتى في رفع الرضاعة الأمريكية من فمه وهو يحدثنا عن استقلال القرار؛ وربما هو يشعر بالفخر لوجود اسمه على موقع وزارة الخارجية الصهيونية أو الحزن لعدم وضع اسمه في قائمة "عدم الشرف" بعد!)
بالأمس كانت جماهير الأمة - حتى تلك التي هي تحت حكم الأمراء المصلحيين وولاة الدنيا المشغولين بملكهم - تنفر للجهاد والقتال ونصرة إخوانها تلقائيًّا وبالحد الأدنى من الحشد والتجييش. يقول أحد مؤرخي حملة نابليون على مصر بخصوص المدد القادم للمجاهدين المصريين من البلاد العربية: " وكان أرهب الأمداد المقاتلون العرب القادمون من الحجاز؛ والذين عبروا البحر الأحمر بالآلاف؛ وقد زعموا كلهم أنهم من سلاسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكانوا يلبسون العمائم الخضراء. ومع أن شريف مكة لم يشجعهم على الانضمام لمراد (حاكم المماليك) فإنه لم يفعل شيئا لثنيهم. وقد أرسل في الوقت ذاته الرسائل الودية لبونابرت لأن موارده كانت تعتمد إلى حد كبير على ما يصدره من البن إلى مصر". أما اليوم فإن إمداد المقاتلين ممنوع؛ ومن يفعل ذلك "مجرم" يمس "بالأمن القومي" وينفذ "أجندات خارجية" (يقولون ذلك دون أن يرف لهم جفن وهم الذين يخبرهم السفراء الأمريكيون بكل ما يجب أن يفعلوه وما يجب أن ينتهوا عنه) فإن كانوا عاجزين عن أن يكونوا مقاومين في ذوات أنفسهم؛ فماذا عليهم لو كانوا مثل "شريف مكة": لا يرضون عن دعم المقاومة ولا يسخطون أيضًا؛ ويحافظون على البن في الوقت نفسه؟!
ولو فحصنا حادثة اغتيال "كليبر" أكثر لوجدنا أن منفذ العملية من سوريا - سليمان الحلبي - وأن اثنين من الذين اعتقلوا معه بتهمة تخطيط العملية وتدبيرها كانا من غزة - الشيخان محمد وعبدالله الغزي - وكان جميع الأربعة المتهمين بالقضية بمن فيهم سليمان من طلاب الأزهر "المولودين ببر الشام" كما قال الجبرتي مؤرخ الحملة من الجانب العربي المسلم؛ فهل يفهم مبارك ومطبلوه ومبخروه مغزى هذه المعطيات؟ هل يفهمون أن الأمة حري بها أن يشد بعضها أزر بعض حين يتعرض قطاع منها للغزو والاحتلال؛ وأن التناصر على المحتل ليس فيه "تحميل جمايل" فغزة تدافع عن مصر ومصر تدافع عن غزة (أو هكذا كان ينبغي؟!)
لكن أملي في أن يفهم هؤلاء مقطوع لأن همتهم أحط من ذلك؛ فمن العبث توقع أي التئام في "شرم الشيخ"؛ وأكاد أزعم أن من سوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى - والله تعالى أعلم - أن يدعو المرء للمختوم على قلوبهم هؤلاء بأن يسمعوا ويعقلوا...ومع ذلك لا بأس في قرع رؤوسهم بهذه الأدلة التاريخية والموضوعية والتي لا تكذب حين تحكم بأنهم عملاء وأجراء للمحتل يرددون نفس مقالاته؛ ولا بأس أيضًا في أن نثبت قلوب إخواننا بالحجة والدليل أنهم على الحق؛ وأن عزاءهم فيما ما نزل بهم من نوازل أنهم قد سبقهم إخوانهم من المجاهدين في السلف الصالح إلى معاناتها ومكابدتها؛ "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين"؛ وبإذن الله ستسقط الأجندات الخارجية فعلاً هذه المرة – الخارجية على المعنى الصحيح في تولي أمريكا والصهاينة – وسيبطل سحر العملاء ويفسد صنيعهم؛ وستكون حال جيش محمد صلى الله عليه وسلم من حال قائدهم من حيث يقول رب العزة: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
تيارٌ للتسوية أم وكلاءٌ للاحتلال ؟ ....ماجد الزبدة
حماس.. مراجعات سياسية وعسكرية ....بقلم: مؤمن بسيسو
فالحركة التي خرجت لتوّها من جحيم حرب إسرائيلية استهدفت استئصالها وإجهاض سلطتها وضرب قدراتها، والتي تجاذبتها حوارات فصائلية ماراثونية برعاية مصرية إبان الأسابيع الأخيرة تقف اليوم على مفترق طرق بالغ الأهمية والحساسية تؤسس اتجاهاته لخيارات متناقضة وسيناريوهات متضاربة، وتواجه تحديات ثقيلة على مختلف الأصعدة والمستويات، ما يفرض عليها إبداء وقفة مسؤولة تراجع فيها -بجدية مطلقة وتفكير عميق- خياراتها وسياساتها وسلوكياتها السياسية والعسكرية.
مراجعات سياسية
إن أي مراجعة سياسية حقيقية تبتدرها حماس ينبغي أن تراعي جملة الحقائق الموضوعية التي يكرسها الواقع المعاش، وتفطن للحقائق الواضحة التي تحكم محددات السياسة الراهنة، محليا وإقليميا ودوليا.
أولى هذه الحقائق أن القضية الفلسطينية لم يرتكس حضورها يوما كما الارتكاسة الراهنة، وأن الحال الفلسطيني قد بلغ أسوأ مراحله انحدارا وانقساما وانفصالا، وأن العلاقات الوطنية لم تكن أكثر تدهورا مثلما هو الحال اليوم.
ثانية تلك الحقائق أن إعادة الإعمار تشكل أحد أهم التحديات المرحلية لحكومة حماس، وأن مفتاحها يكمن في تشكيل حكومة فلسطينية جديدة ذات قبول دولي.
ثالثة تلك الحقائق أن الحصار السياسي والاقتصادي والجغرافي المضروب لا زال على أشدّه، وليست هناك أي إرهاصات حقيقية لتفكيكه في المدى المنظور أو المتوسط إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وأن الزيارات واللقاءات والجولات التي يعرّج فيها مسؤولون ونواب أميركيون وأوروبيون إلى غزة أو دمشق لا تعدو كونها فعاليات ذات طابع استكشافي لسياسات ومواقف حماس، وطبيعة الأمور على أرض الواقع، أو محاولات استدراج متصاعدة لجهة صوغ مقاربات سياسية تقترب من مربعات الغرب وشروط "الرباعية"، ولا يمكن التعويل عليها بأي حال من الأحوال.
رابعة تلك الحقائق أن التيار المسيطر على حركة فتح ومنظمة التحرير ليس في وارد النزول عن شجرة السياسات والمواقف المعروفة التي تتشبث باتفاقات أوسلو وتوابعها والتزاماتها الأمنية إلى ما لا نهاية، وأنه يحاول -بكل وسيلة- جرّ حماس إلى مربعه السياسي، ما يؤشر إلى انسداد الأفق تماما أمام صياغة برنامج سياسي وحدوي فلسطيني مشترك متحرر من شروط "الرباعية" وقيودها المجحفة.
خامسة تلك الحقائق أن حركة فتح والقوى الإقليمية والدولية لا تبتغي من وراء حوار القاهرة سوى تشكيل حكومة فلسطينية جديدة وفق المقاسات الدولية، دون طرق أو علاج أي من القضايا الشائكة الأخرى.
سادسة تلك الحقائق أن وجود حماس في الحكم وسيطرتها على غزة قد منح إسرائيل الشرعية لشن حرب ضدها، وأن الظروف التي أنتجت الحرب الأخيرة مرشحة لإنتاج حرب أخرى حال بقاء حكم حماس مستقبلا في ظل انعدام فرص التوصل إلى تهدئة مع الاحتلال.
سابعة تلك الحقائق أن البناء الحركي والتطور المؤسسي الذي أنجزته حماس طيلة الأعوام الماضية، يبقى عرضة -بشكل أو بآخر- لخطر التبديد والاستهداف المباشر إسرائيليا مع أي حرب إسرائيلية جديدة.
ثامنة تلك الحقائق أن وجود حماس في الحكم وهيمنتها على الحكومة بعد الانتخابات التشريعية وما تلا ذلك من "حسم عسكري"، قد كلّف الحركة الكثير، سياسيا واقتصاديا وميدانيا وتنظيميا، وشغلها عن بعض المهام والأولويات التي يفترض أن تبقى في صدارة أجندة اهتمامات الحركة على الدوام، خاصة قضيتي المقاومة والشأن التنظيمي الداخلي، لصالح منح الأولوية والاهتمام لشؤون الحكم والسياسة.
إن كل هذه الحقائق تحتّم على حماس إعادة النظر في خياراتها وتكتيكاتها السياسية، وتحري الخيار الأصوب والأكثر مواءمة مع حقائق السياسة والواقع، وإبداء مرونة ذات مدى أوسع سياسيا، تطول التكتيكات والفرعيات لا الإستراتيجيات والكليات.
وقد يكون في قبول حكومة من المستقلين على أساس البرنامج السياسي لاتفاق مكة كأحد الخيارات المقبولة دوليا، الخيار الأصح لهذه المرحلة التي تعج بالمطبّات والألغام والتحديات، فهو -من جهة- يستجيب تماما للتحديات السياسية: الخارجية والداخلية، وتحدي إعادة الإعمار، فضلا عن كونه يحافظ على برنامج حماس السياسي، ويحجزه عن أي شكل من أشكال الخدش أو الانثلام من جهة أخرى.
إن أي مخاوف لدى حماس بشأن التعاطي مع "حكومة مستقلين" ذات مهام محددة قد لا تكون مبررة، انطلاقا من أن:
- حماس لا تستمد فاعلية دورها السياسي والوطني من قيادتها أو وجودها داخل الحكومة، بقدر ما تستمده من خدمة شعبها وتبنيها لهمومه وآلامه، ومدى التصاقها مع قضيته الوطنية ومشروعه المقاوم.
- قدرة الحركة على ترشيح وزراء مستقلين يخدمون برنامجها السياسي ورؤيتها الوطنية.
- أن الحكومة المطروحة لا يمكن أن تحظى بأكثر من دور سياسي واقتصادي، بعيدا عن أي دور أمني مركزي، في ظل تبعية الأجهزة الأمنية المعروفة لكل من فتح وحماس في الضفة والقطاع.
- أن الدور السياسي المناط بالحكومة لن يشذّ عن الخط التوافقي المرسوم، كونها تشكل مزيجا غير متجانس سياسيا، انطلاقا من تبعية أو ميل عناصرها –وإن كانوا مستقلين- لرؤى ومواقف القوى والفصائل التي تولت ترشيحهم.
- أن الخشية من استثمار أبو مازن لحالة التوافق السائدة لجهة التفرد بإبرام اتفاق نهائي مع الإسرائيليين، هي خشية ليس لها ما يبررها في ظل مواقف وسياسات الحكومة الإسرائيلية الراهنة.
ومن هنا فإن تشكيل "حكومة مستقلين" وفق المهام المتفق عليها، يضخّ دفقة أمل جديدة في أوصال القضية الفلسطينية، ويُعفي حماس من تبعات وتكاليف الحكم الباهظة، سياسيا وماليا واقتصاديا، ويحررها من مسؤولية الالتزام والمساءلة المباشرة أمام الجماهير في ظل الكارثة الاقتصادية المعاشة، ويقطع العديد من الذرائع التي تبرر تجدد العدوان الإسرائيلي بأشكاله الواسعة المنفلتة، ويمنح الحركة فرصة التفرغ لإعادة بناء وترميم وتدعيم بناها ومؤسساتها الحركية والتنظيمية والاجتماعية، ويهبها آفاقا أرحب نحو تفكير أدق وأصوب حيال المشروع المقاوم، وسبل صيانته وتنميته وإرساء قواعده ونشر أشرعته وفق رؤى تجديدية وتطويرية تتم بلورتها في ظل التحديات التي تعصف بالوضع الفلسطيني قاطبة.
مراجعات عسكرية
لا يمكن تبيان خطورة هذا المحور وآثاره البالغة في تقرير مسار المواجهة وطبيعة العلاقة مع الاحتلال، بمعزل عن فهم واستقراء واقع المعركة العسكرية التي دارت رحاها بين حماس وإسرائيل إبان الحرب الأخيرة على غزة.
فقد كشفت الحرب العديد من الثغرات وأشكال الخلل في إطار خطة وإستراتيجية المواجهة العسكرية التي رسمتها كتائب القسام الجناح المسلح لحماس رغم البلاء الحسن الذي أبدته في تصديها لجحافل القوات الإسرائيلية الغازية، المدججة بكل أنواع الأسلحة، والمعززة بآخر التقنيات والابتكارات التكنولوجية.
ابتداء، لا يمكن إنكار الجهد الهائل الذي بذلته حماس لتطوير قدراتها وأدواتها وبنيتها العسكرية والتسليحية، والقفزات النوعية التي تم بلوغها في إطار العمل المقاوم أثناء انتفاضة الأقصى وحتى اليوم، لكن إمكانات وقدرات حماس التي توفر لها فرصة المناوشة والاستنزاف والتصدي للاجتياحات المحدودة أو المتوسطة شيء، ومواجهة جيش جرار ذي ترسانة حربية هائلة يبغي السحق والإبادة والاستئصال شيء آخر تماما.
ولعل نظرة فاحصة لأداء حماس العسكري -على الصعيد الإيجابي- أثناء الحرب تقودنا إلى العرض التالي:
- أن حماس أفادت كثيرا من تأخر تنفيذ العملية البرية لجهة امتصاص الصدمة التي ولدتها المفاجأة الحاصلة بطبيعة وحجم وتوقيت الحرب، وإبداء أكبر قدر ممكن من التهيئة والاستعداد للنزال والمواجهة.
- أن الحركة حاولت بكل جهدها وطاقتها الإفادة من تجربة حزب الله في حرب تموز 2006 في لبنان، خاصة في مجال المواجهة البرية وحفر الخنادق والأنفاق وسبل إطلاق الصواريخ.
- أن الحركة قد مارست العديد من التكتيكات العسكرية التي فوجئ بها جيش الاحتلال، وأجبرته على بطء الزحف والتوغل وعدم الرعونة أو التهور.
- أن الحركة ابتعدت تماما عن الأساليب الاستعراضية والبهرجة الإعلامية الخاصة بمقاتليها وأدائها العسكري المقاوم.
- أن الحركة اعتمدت تكتيك استدراج القوات الغازية المتوغلة إلى حيث مناطق الكثافة السكانية، بدلا من السقوط في فخ استدراجها إلى المناطق المفتوحة التي يسهل فيها ضرب واصطياد عناصرها.
- أن الحركة استخدمت العديد من الأسلحة لصدّ العدوان والدفاع عن النفس، ومن بينها الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة والقذائف المضادة للدروع ذات المدى المحدود وقذائف الهاون وصواريخ القسام وصواريخ غراد ومضادات الطيران محدودة المدى.
- أن الحركة لم تستخدم كل عناصرها العسكرية في إطار المعارك.
ومع ذلك، كشفت تفاصيل الحرب جانبا من النواقص وأشكال الخلل لدى الجناح العسكري لحماس يمكن إجمالها في التالي:
- أن مستوى الاستعدادات والتجهيزات العسكرية لم يكن كاملا عامة، وجاء قاصرا عن بلوغ تحدي معركة كبرى بهذا الحجم رغما عن التهديدات الإسرائيلية التي لم تكن تنفك توقفا ضد غزة وحركة حماس.
- أن الاعتماد على محاكاة أساليب حزب الله فحسب لم يمثل عامل مفاجأة للجيش الإسرائيلي كما كان مأمولا، فقد عمد جيش الاحتلال إلى كبح وإحباط الكثير من هذه التكتيكات والأساليب التي تحسّب لها جيدا، وكان لا بد من إضافة أساليب أخرى ذات نمط إبداعي جديد لم يواجهها جيش الاحتلال من قبل.
- عدم امتلاك وسائل قتالية رادعة للطيران، أو على الأقل المروحيات، كشف الظهر الفلسطيني عموما، وقلل –إلى حد كبير- من هامش الحركة والفعالية الميدانية، وحدود وإمكانات المناورة لدى مقاومي الحركة في الميدان.
- عدم امتلاك الحركة قذائف مضادة للدبابات ذات مدى متوسط أو بعيد (تزيد عن 1000 متر) حرمها القدرة على مواجهة أرتال الدبابات والآليات الإسرائيلية، ومنح أفضلية ميدانية للقوات الغازية.
- وجود العديد من الثغرات الميدانية والمناطق الساقطة عسكريا التي كانت كافية للنفاذ منها إلى العمق السكاني الفلسطيني، بما يؤهل لإحداث اختراق إستراتيجي في مسار ونتيجة الحرب لصالح الاحتلال، ولم يخفف من وقعها سوى استغلال جيش الاحتلال لبعضها جزئيا دون استثمارها كليا لأسباب غير ميدانية.
- استبعاد الحركة كليا لخيار المواجهة الواسعة والاجتياح الشامل قبل نشوب الحرب، ورسم حسابات غير دقيقة لخيارات المواجهة مع الاحتلال.
- عدم وجود خطة إستراتيجية عسكرية لتنفيذ حرب عصابات طويلة المدى حال الاجتياح الإسرائيلي الشامل، واقتحام الاحتلال لعمق المناطق السكنية.
- ضعف القدرة على اكتشاف العديد من شبكات العملاء قبل الحرب، ما كان له الدور الأخطر في تقديم سيول من المعلومات التي أفادت جيش الاحتلال في ضرب الكثير من الأهداف والمواقع الفلسطينية.
يُضاف إلى ذلك العديد من مظاهر الخلل المزمنة التي تعاني منها ساحة الفعل المقاوم، خاصة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، والمتمثلة في:
- عشوائية الفعل المقاوم لدى العديد من فصائل المقاومة، خاصة في مجال إطلاق الصواريخ.
- تضارب المواقف والأجندات لدى فصائل المقاومة في بعض الأحيان.
- غياب التنسيق الجدي بين أجنحة المقاومة المختلفة.
- عزل العمل المقاوم عن مظلة الاستثمار السياسي في كثير من الأحيان.
- ضعف التقدير الصحيح لتوقيتات العمل المقاوم الذي يفترض أن يرتبط بحسابات دقيقة تظللها المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
- ظهور بعض "المجموعات المتطفلة" و"أدعياء المقاومة" في مفاصل ومنعطفات وطنية حساسة ابتغاء العبث والتخريب أو الاستهلاك والبهرجة الإعلامية.
ما سبق يُملي بوضوح على حماس أشكال العلاج المتوخاة، ويدفع باتجاه تدارك الخلل القائم، والنزوع الجاد والسريع نحو إصلاح الأخطاء الميدانية والبنيوية والعملياتية، والشروع في صوغ خطة إستراتيجية لاحتمالات اندلاع حرب جديدة، ورسم كل الخيارات والبدائل والاحتياجات، ووضعها موضع التنفيذ الفوري دون تأخير.
بموازاة ذلك، الحركة مطالبة بضبط وترتيب آليات العمل المقاوم على جبهة غزة، وإرساء توافق محسوب لدى فصائل المقاومة، يشتمل على وضع الحلول والأدواء المناسبة للسلبيات القائمة.
ولعل من نافلة القول أن الحركة قد استخلصت العبر والدروس من الحرب، أو جانبا معتبرا منها، إلا أن العقبة الكأداء التي تعترض سبل تنفيذ بعض الأجزاء الحساسة منها لا ترتبط بعناصر القدرة والدفع الذاتي للحركة بقدر ما تتعلق بالظروف الخارجية والمعوقات الموضوعية.
أخيرا.. على حماس أن تدرك أن حالة المراجعة والتقييم والاستدراك بقدر ما تُعبّر عن حكمة وحيوية وسعة أفق وفهم للمصلحة وإعمال لفقه الموازنات، بما يحفظ الوطن وفصائله المقاومة، والشعب وقضيته العادلة، وسط محيط التحديات العاصفة التي تنهشه من كل حدب وصوب، فإنها تعبر –أيضا- عن فهم دقيق لنواميس الكون، وانسجام واضح مع قوانين الوجود والحياة، التي لا تُحابي أو تستثني أحدا مهما كان.
يوم فهمت أن الانتفاضة ماتت / بقلم: آفي يسسخروف / هآرتس 28/4/2009
في بداية تشرين الثاني 2007 اتصل بي "ابو طالب"، احد قادة كتائب شهداء الاقصى – الذراع العسكري لفتح في طولكرم. وطلب مني زيارته كي اسمع ما لديه ولرفاقه من الكتائب ما اقوله عن اتفاق العفو بين السلطة الفلسطينية واسرائيل. في اطار الاتفاق اياه منحت في حينه اسرائيل العفو لبضع مئات من المطلوبين، من نشطاء فتح ممن سلموا اسلحتهم الى السلطة وتوقفوا عن كل نشاط تخريبي ضد اسرائيل. ولكن بعضا من المطلوبين من كتائب شهداء الاقصى لم يدرجوا في الاتفاق. ابو طالب طلب ان اسمعهم.
كان من الصعب ان افهم في حينه الى اين تتجه الامور في الساحة الفلسطينية. فمنذ زمن غير بعيد سيطرت حماس على قطاع غزة، بينما حاولت السلطة استقرار وضع امني جديد في الضفة الغربية. ولكن نشاط الجيش في يهودا والسامرة استمر كالمعتاد تقريبا وحوادث النار بين اسرائيل والمسلحين في الضفة كانت لا تزال مثابة الامر الاعتيادي. معظم المحللين من رجال الجيش السابقين ادعوا في حينه بان السلطة لا تفعل ما يكفي لمكافحة البنى التحتية للارهاب.
في شقة صغيرة في مخيم اللاجئين انتظرني نحو عشرة مطلوبين. بعضهم كانوا مسلحين. آخرون امتنعوا عن حمل السلاح، كجزء من الاتفاق بين السلطة واسرائيل. ابو طالب شرح بان من لم يحصل على العفو من جهاز الامن في اسرائيل لا يزالون يتنقلون وهم يحملون السلاح. في بداية الحديث كان يخيل لي بان هذا سيكون واحدا من اللقاءات الاخرى مع مطلوبين مسلحين من كتائب الاقصى، اساسه اطلاق الشعارات حول التزامهم بمواصلة الكفاح والانتفاضة "حتى طرد الاحتلال الصهيوني".
ولكن سرعان ما تغير شيء ما في الاجواء. المخربون الخطرون بدأوا يروون بالتفاصيل عن المشاكل الشخصية التي وقعوا فيها بسبب كونهم مطلوبين. وشددوا المرة تلو الاخرى على أنهم غير معنيين بمواصلة القتال ضد اسرائيل، واعترفوا بانهم يريدون أن ينالوا العفو وفي نهاية الامر "العودة الى بيوتهم بسلام".
المشاكل التي بسطها ابو طالب اوضحت كم اصبح ابطال الشارع في بداية الانتفاضة شخصيات غير مرغوب فيهم في مدينتهم: سائقو السيارات العمومية يرفضون تسفيرهم خشية ان يؤذيهم جنود الجيش الاسرائيلي. اصحاب الدكاكين لم يوافقوا على بيعهم من بضائعهم. وحتى الحلاقين في المدينة خافوا من الحلاقة لهم خشية أن يصابوا هم باذى.
المشكلة الاصعب التي واجهوها كانت غدوهم مرفوضي العفو. أحد المطلوبين، مؤيد ابو تمام، روى بانه سعى الى الزواج من فتاة في المخيم ولكن والدها رفضه بشدة. رفيقه صلاح واجه مشكلة مشابهة. والد الفتاة التي احبها لم يوافق على زواجها منه. صلاح حاول في البداية ممارسة "ضغط اجتماعي" على الاب: فقد أطلق النار على عواميد الكهرباء على مقربة من بيت الفتاة وعلى مدى بضع ساعات كان كل مخيم اللاجئين في الظلام. ولكن الاب لم يتراجع وصلاح تزوج من فتاة اخرى، من عائلة أقل اعتبارا. أما مطلوب آخر، متزوج، فروى عن مشاكل في العلاقات الجنسية مع زوجته في ضوء الخوف الذي يشله.
وعند الظهيرة خرجنا في جولة قصيرة في المخيم ووصلنا الى مقهى "فوزي بابا". وعندما دخلت عصبة المطلوبين الى المكان، سارع كل نزلاء "فوزي بابا" الى الخروج الى الشارع. وتبادل الكلام بين صاحب المقهى فوزي وبين ابو تمام، صديقه من الطفولة، اوضح كم دراماتيكيا كان التغيير في الواقع الامني في الضفة. "لماذا جئتم الى هنا؟" سأل فوزي. احد نزلاء المقهى لم يخف حتى من مواجهة المطلوبين. "انتم تظنون انه بسبب الصحافيين الاسرائيليين لديكم حصانة الان؟ لا ضمانة. هيا، انتم ملزمون بالخروج". ومع أنه كان الحديث يدور عن حدث محلي فقط، فقد كان الاحساس انه جزء من سياق أكبر بكثير. اولئك المطلوبين، الذين في بداية الانتفاضة كانوا ابطال الشارع الفلسطيني اصبحوا في غضون بضعة اشهر "غير مرغوب فيهم": أناس يسعى المجتمع الى لفظهم من داخله تقريبا. الضغط الاجتماعي كان جزءا من التفسير للاستجابة الواسعة جدا من مطلوبي كتائب شهداء الاقصى الموافقة على العفو. بعد وقت قصير من ذلك اختفى المسلحون من شوارع جنين، نابلس، الخليل وباقي مدن الضفة. السلطة الفلسطينية نجحت في اعادة قدر معين من القانون والنظام الى الاماكن التي اعتبرت في الماضي عواصم الفوضى والارهاب
الاثنين، 27 أبريل 2009
قميص غزة على الطراز الصهيوني ....بقلم: د. فايز أبو شمالة
لا أرد دفاعاً عن إيران، وإنما وددت الإشارة إلى أن غزة التي تحاصر محاصريها قد فرضت نفسها رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزه، وقميصها ما زال فلسطينياً وعربياً ينطق بالضاد، وإسلامياً على المذهب السني، بينما الضفة الغربية المحتلة مباشرة من (إسرائيل)، وقد نسيها الجميع، لأنهم ألبسوها قميص نوم المفاوض، لتمسي أرضها نهباً للمستوطنين اليهود، وتصير مدنها مستباحة، وشوارعها تقطعها الحواجز الإسرائيلية، وهي محط أحلام وأطماع المستوطنين الصهاينة، وما زالت على سرير التفاوض تنتظر أن تمن عليها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، أو الحكومات الإسرائيلية بكلمة مجاملة أو لمسة حنان، تكفل لها سبل العيش، ولكن دون جدوى! ليغدو الأكثر نفعاً للفلسطينيين والعرب؛ أن تلبس الضفة الغربية قميص غزة المقاوم.
إن محاولة الربط بين غزة والجنوب اللبناني من جهة وبين "إيران" هي محاولة للتنصل من فكرة المقاومة، والتقليل من سحرها وتأثيرها على الشعوب، بل ومحاربتها باعتبارها عملاً مستنكراً، مرفوضاً، ومن هنا كان انصباب حبر بعض الأقلام على أن غزة لم تنتصر، وأن الجيش الصهيوني قد شق بطنها، ولم تقاوم غاصبها، والهدف من ذلك؛ رفع العتب عن عدم رفع راية المقاومة، بديلاً عن راية المفاوضات، ومن ثم المفاوضات، وثم المفاوضات حتى تبسط (إسرائيل) يد مستوطنيها على الضفة الغربية، بعد أن ضيقت على سكانها حياتهم، بينما تخرج غزة من الغرق في البحر الذي تمناه لها أعداؤها، لتمثل اليوم قلعة الصمود، وإذا كان قد تلاقى صمود غزة مع المصالح الإيرانية، فإن الخلل ليس في غزة التي عبرت المسافات، تفتش عن أكسير البقاء، وإنما الخلل في من غلّق على الشعب الفلسطيني كل طرق المقاومة والتحرير، وأبقى على طريق اللقاءات والمفاوضات الثنائية إلى الأبد.
إن الذي يتباكى على أهل غزة وعلى حال سكانها، هو الذي ينسج لأهل فلسطين قميصاً على الطراز الصهيوني بزعامة المتطرف "ليبرمان" الذي وقع اتفاقاً مع "نتنياهو" على إزالة حماس من الوجود، كشرط لانضمامه إلى الحكومة، وهو الذي يعرف أن عدوه الحقيقي في المنطقة هي حركات المقاومة بشكل عام، بغض النظر؛ أكانت إسلامية باسم حركة حماس والجهاد الإسلامي، أو وطنية باسم حركة فتح، أو قومية تحت أي اسم كان.
ويا حبذا لو استطاعت أنامل القادة الفلسطينيين والعرب أن تنسج لأهل غزة قميص كرامة، وكبرياء على الطراز العربي، لئلا تنكشف عورة غزة العزة دون قميص.
في ذكرى شطب الثورة: م.ت.ف مماليك بلا مملكة...!! بقلم: عماد عفانة
وتسجل هذه الثورة انقلابا على نفسها وتشطب ثورتها لتتعاون عوضا عن ذلك مع محتليها، فيما يبقي الجزء الآخر والأكبر من شعبنا متمسكا بما انطلقت م.ت.ف من اجله الا وهو تحرير فلسطين من الماء الى الماء
في ذاك اليوم المشؤوم يوم شطب الثورة كان الجو يبدوا حارا جدا مليئا بالقرف والملل فقد اكتظت الزنزانة في سجن الوقائي بغزة بالنزلاء الطارئين، او ما سموا بالمخربين المحتملين خوفا من قيامهم برفع صوتهم بكلمة لا مما قد يعكر صفو كلنتون الذي ما جاء الا ليسمع كلمة واحدة وهي كلمة نعم، ولا ليشاهد إلا أيدي مرفوعة تعبر عن الاستسلام لكل املاءاته واشتراطاته التي جرت على شعبنا وقضيتنا مزيدا من الويلات والخيبات.
فلا ضير أن يتنفس أحرار فلسطين في ذلك اليوم رائحة عرق بعضهم في الزنازين المكتظة في سجون السلطة التي بنيت بأموال الدول المانحة.
في ذلك اليوم الحار صادق أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في غزة الذين فقدوا أهليتهم في تمثيل شعبنا منذ زمن منذ تحولوا من ثوار إلى رجال مال واستثمار لهذه الثورة لتحقيق مصالحهم الشخصية، صادقوا بكل ذلة وخسة على إلغاء مواد الميثاق الوطني الفلسطيني التي تؤدي إلى القضاء على دولة إسرائيل وتعديل بعضها الآخر التزاما لاتفاق واي بلانتيشن.
وكي لا ننسى وتنسى اجيالنا، وكي لا يذهب هؤلاء بعيدا في التغني كذبا وزورا ودجلا بالوطن والوطنية والاسرى والقدس، فنذكر المواد الملغاة وهي 6 و7 و8 و9 و10 و15 و19 و20 و21 و22 و23 و30، أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي 1 و2 و3 و4 و5 و11 و12 و13 و14 و16 و17 و18 و25 و26 و27 و29.
فمنذ هذا التعديل وطبقا للمادة رقم 6 لم يعد اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني فلسطينيون، بل نواة دولة صهيون.
وطبقا للمادة رقم 7 لم يعد الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخ بفلسطين حقيقتان ثابتتان، فقد اصبحتا من الأوهام.
و وطبقا للمادة رقم 7 اصبحت تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية ثورية واتخاذ كل وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفا روحيا وماديا عميقا وتأهيله للنضال والكفاح المسلح والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير جريمة وطنية وليس واجب قومي بل جريمة يتهم من اجلها بالارهاب.
وطبقا للمادة رقم 8 لهذا التعديل فقد اصبحت المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني مرحلة سلام وليس مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين؛ فقد عادت فلسطينهم حسابات في البنوك وفيلات سوبر لكس في عدد من العواصم العربية والغربية، وكراسي فارهة ومناصب ورتب عاليه.
كما اصبحت التناقضات بين القوى الوطنية الفلسطينية تناقضات رئيسية والتناقض مع الاحتلال هو تناقض ثانوي، وعلى الحركة الوطنية ان تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين القوى الفلسطينية، بينما تبقى اجواء الوئام والسلام هي السائدة بين الصهيونية والاستعمار من جهة وبين الشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية، سواء من كان منها في أرض الوطن أو في المهاجر تشكل منظمات وأفرادا جبهة وطنية واحدة تعمل لتأمين حياة وأمن اليهود المحتلين وتحارب كل من يرفع السلاح في وجههم.
وطبقا للمادة رقم 9 لهذا التعديل فقد اصبح الكفاح المسلح هو الطريق الممنوع والمحظور والمجرم لتحرير فلسطين، والسلام والمفاوضات هو الخيار الإستراتيجي وليس التكتيكي لاستعادة الحقوق المسلوبة.
وأكد مدعي تمثل الشعب الفلسطيني في هذا التعديل ان الشعب الفلسطيني مصمم تصميما مطلقا وعزما ثابتا على متابعة المفاوضات والغاء الكفاح المسلح والسير قدما نحو طاولات المفاوضات لتحرير وطنه والعودة إليه وعن حقه في الحياة الطبيعية فيه وممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه، فالوطن في تعريفهم اصبح الكانتونات المقطعة في الضفة المحتلة وغزة المخنوقة المحاصرة.
وطبقا للمادة رقم 19 لهذا التعيدل فقد اعتبر الموقعون المستسلمون ان تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل هو حق للمحتلين، اما حق تقرير المصير التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة فهو باطل من أساسه وذلك استجابة لإرادة الشعب الفلسطيني .
وطبقا للمادة رقم 20 فقد اعتبر هؤلاء ان وعد بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما فهي حقائق واقعية، وأن دعوى الترابط التاريخية والروحية بين اليهود وفلسطين تتفق مع حقائق التاريخ و مع مقومات الدولة في مفهومها الصحيح. وأن اليهودية بوصفها دينا سماويا هي قومية ذات وجود مستقل وكذلك فإن اليهود هم شعبا واحدا له شخصيته المستقلة ومواطنون في دولة اسرائيل.
وطبقا للمادة رقم 21 فقد اقر الموقعون في هذا التعديل العار بان الشعب العربي الفلسطيني معبرا عن ذاته بالمفاوضات وليس بالثورة المسلحة، يرفض كل الحلول البديلة عن المفاوضات كخيار لتحرير فلسطين التي ليس لها حدود، ويقبل بقوة كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها فقد مل الثوار.
اما الصهيونية فقد اصبحت وطبقا للمادة رقم 22 لهذا التعديل حركة سياسية مرتبطة ارتباطا عضويا بالانسانية العالمية، وهي حركة غير عنصرية تعصبية في تكوينها، وغير توسعية استيطانية في أهدافها، وغير فاشية نازية في وسائلها، وأن إسرائيل هي الثمرة الحرة للحركة الصهيونية وقاعدة بشرية جغرافية للسلام العالمي ونقطة ارتكاز ووثب لها في قلب الوطن العربي لتحيقي أماني الأمة العربية في التحرر والوحدة والتقدم.
وإن إسرائيل مصدر دائم لتحقيق السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع، ولما كان تحرير فلسطين يقضي على الوجود الصهيوني والإمبريالي فيها ويؤدي إلى الحروب في الشرق الأوسط، لذلك فإن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نصرة جميع أحرار العالم وقوى الخير والتقدم والسلام فيه وعلى رأسهم اليهود والحركة الصهيونية ويناشدهم جميعا على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم تقديم كل عون وتأييد لإسرائيل فهي التي ستحرر لنا وطننا.
وطبقا للمادة رقم 23 ويقول الموقعون ان من دواعي الأمن والسلم ومقتضيات الحق والعدل تتطلب من الدول جميعها حفزا لعلاقات الصادقة بين الشعوب واستبقاء لولاء المواطنين لأوطانهم أن تعتبر الصهيونية حركة مشروعة وتشرع وجودها ونشاطها.
اما المقاتلون وحملة السلاح في معركة التحرر وطبقا للمادة رقم 30 فهم نواة الإرهاب الشعبي الذي سيكون رأس الحربة ضد مكتسبات الشعب العربي الفلسطيني، لذا علينا محاربتهم وملاحقتهم لسجنهم أو قتلهم.
ويلكم أيها الموقعون على شطب الثورة، فالثورة اولا هي ملك للشعب والوطن وليس ملك احد، ولم يخول شعبنا ولا وطننا ومقدساتنا السليبة احدا ليوقع باسمهم على شطب الثورة وبيع الوطن
وإذا استمرأ أزلام م.ت.ف وأذنابها فيما يسمى بالمجلس الوطني شطب الثورة ليتحولوا من ملوك للثورة إلى مماليك لدى مملكة يهود، فان شعبنا لم يوقع ولم ولن يتنازل عن ذرة تراب من حقه في تراب فلسطين التي هي وقف للأمة الإسلامية جمعاء.
وإذا كان زعيم الثورة السابقة ياسر عرفات هو قدوتكم وهو أول من رفع يده مستسلما ومؤيدا شطب الثورة، فانظروا كيف تحولت مملكته في المقاطعة إلى سجنه ثم قبره وخذوا منه العبرة والعظة وإلا فإنكم لا تعقلون، وإذا كنتم كذلك فسحقا لكم من مماليك أغبياء
الاثنين، 20 أبريل 2009
سجن جنيد وسجن نابلس ....د. عبد الستار قاسم
تم اعتقالي في العهد الصهيوني المباشر مرتين في هذا السجن، وكنت دائما أرى ضرورة تحويل المكان إلى متحف. المكان تاريخي، وموقعه جميل، وغرفه ملائمة لعرض الآثار التاريخية والتراثية. لكن المكان كانت تشوهه قضبان الحديد والأسلاك الشائكة، وحتى أن إحدى غرفه قد أقيمت داخلها زنازين (زنزانات كانت تعرف من قبل المعتقلين بالإكسات) وذلك لحشر الخاضعين للتحقيق. لكن الملاحظة الهامة أن كل الإجراءات والتدابير اليهودية الخاصة بالمبنى لم تكن تؤثر على هيكل وتركيب المبنى. يعني أن الإكسات قد أقيمت داخل إحدى الغرف دون هدم جدران أو إدخال المواد الإسمنتية إلى صلب المبنى، وكان من السهل إعادة كل الغرف إلى حالاتها الأصلية دون تشويه.
اعتقلتني السلطة الفلسطينية في هذا السجن مرة واحدة، وللأسف وضعتني في غرفة إسمنتية في الطابق الثاني داخل غرفة من غرف السجن. نظرت كثيرا إلى المنظر، وسألت الضابط المسؤول عن سبب هذا التشويه والعبث بجدران الغرفة فقال بأنه هو الذي أشار بعمل ذلك. وشرح لي بأنه كانت هناك حاجة لغرف، ولم ير ضرورة للغرف الفسيحة، وأقنع المسؤولين بسهولة بإحداث ذلك التغيير. شرح لي وهو يقول بأن المسؤولين أغبياء ولولا نظرته الثاقبة لما خطرت الفكرة على بالهم.
قام اليهود بقصف السجن بهدف القضاء على الشهيد أبو هنود، ودمروا إحدى الغرف تماما، وأصابوا السجن بأضرار. وبعد ذلك، قاموا بقصف السرايا وألحقوا بها أضرارا جسيمة. ومنذ فترة وجيزة تم تجريف سجن نابلس نهائيا من قبل السلطة الفلسطينية.
كان من المفروض المحافظة على المبنى لقيمته التاريخية أولا، ولأنه من الممكن استغلاله لأغراض إنسانية واجتماعية متعددة. كان من الممكن تحويل المكان إلى متحف وجعله دارا للزوار والسواح. لكن يبدو أن عقل السلطة الفلسطينية قد ضاق بهذا الأمر.
أما سجن جنيد فهو أصلا عبارة عن مستشفى عسكري بنته الحكومة الأردنية، وسقط بيد الاحتلال وهو غير مكتمل (بناية عظم). قرر اليهود تحويله إلى سجن مع بداية الثمانينيات، واقترفوا بذلك جريمة سكت العالم عنها. أبقى اليهود على الشكل الخارجي للمبنى، لكنهم أجروا تعديلات إنشائية جوهرية داخلية عليه بحيث اختفت معالمه كمشفى. لقد اعتقلت من قبل الصهاينة فيه حوالي العام.
استلمت السلطة السجن بعد اتفاقية طابا، وتم اعتقالي فيه مرتين لمدة محدودة جدا. أول ما شاهدت أن السجن ليس نظيفا بتاتا. أعقاب السجاير وقشور البرتقال وغير ذلك ملقاة على الأرض، والذباب يملأ المكان، والرائحة غير الطيبة منبعثة. هذا لم يكن موجودا تحت إدارة اليهود المباشرة. ولاحظت أيضا إضافات إنشائية خارجية، وإذا بها غرف لضباط أو أبناء ضباط. المكان ما زال سجنا حتى الآن، وفيه يجري تعذيب فلسطينيين على أيدي فلسطينيين.
كان على السلطة أن تعيد المكان إلى ما قصد منه، أي إلى مشفى. صحيح أن تكاليف إعادة تأهيل المكان عالية، لكن الذي يتسول من أجل بناء سجون ومقار أمنية بإمكانه أن يتسول من أجل إعادة تأهيل مشفى. المكان يجسد الكثير من الآلام والأحزان، ويجب ألا يبقى كذلك.
الوعود الكاذبة والاتفاقيات المزعومة ..عزمي بشارة
قد حصحص الحقُ.. لا سلمٌ ولا كلامٌ مع اليهود وقد أبدت عواديها
قد حصحصَ الحقُ لا قولٌ ولا عملٌ ولا مواثيقُ صدقٍ عند داعيها
أين السلامُ الذي نادت به محافلكم أين الشعاراتُ يا من بات يطربها
تآمرٌ ليسَ تخفانا غوائلهُ.. وفتنةٌ نتوارى من أفاعِيها
الخميس، 16 أبريل 2009
من هم هؤلاء؟! ....بقلم: د. فايز صلاح أبو شمالة
ومن هم هؤلاء الذين قال فيهم الكاتب "عدلي صادق": وربما يكون هذا هو بالضبط، ما جعل المستفيدين من "فتح" الغامضة والفضفاضة والمتذرعة بالعملية السلمية وبمقتضيات السلطة؛ يتطيرون من "مروان البرغوثي" ويرون في وُجهته النضالية، وهو على رأس تنظيم الحركة في الضفة، أمراً مقلقاً وكاشفاً لعوراتهم، وغراب بينْ، فيما هم الذين أدمنت ألسنتهم على أكذوبة تقول: أن مصدر قلقهم في كل حين، لا بد أن يكون من صنع إسرائيلي.
ومن هم هؤلاء الذين يقول عنهم الكاتب يحيى رباح، وهو يتحدث عن مزاوجة الأسير مروان البرغوثي بين فعل التحرر الوطني، وبناء قواعد الدولة، يقول: فإن مروان اختار عن عمد وسابق إصرار وبوعي عميق، ليمارس هذه الرؤية من داخل "فتح"، بل من داخل شرعيتها الرئيسية!!! ولما كان الكثيرون قد خلعوا عنهم أرديتهم القديمة، وظنوا أن زمن المقاومة قد ولى إلى غير رجعة!!! فإن مروان البرغوثي وجد نفسه مرات عديدة في مواقف صعبة، ملاحق بالعديد من الأوصاف، وحالات الغدر، بل والتجني والتهم الجاهزة.
ومن هم هؤلاء الذين يقصدهم السيد "فتحي البس" وهو يكتب: شعبنا لا يقبل الرخاوة في أي مجال، يريد الحزم في المواقف والسلوك، يريد السلام المشرف ويريد أن تدرك قيادته أنه يتحسس من أي كلمة أو حركة في غير مكانها، إن شعبنا غير متطرف، لكنه مقاوم، لذلك يجب أن يكون سلوكنا اليومي مقاومة.
فمن هم هؤلاء النخب الفلسطينية الطفيلية التي صنعت مصالح مشتركة مع الإسرائيليين كما يقول "إبراهيم أبراش"، ومن هم الذين تجنوا على "مروان البرغوثي"، وحاربوه، الذين ظنوا أن زمن المقاومة قد ولى، كما يقول "يحيى رباح"؟ ومن هؤلاء المستفيدين من فتح الغامضة الفضفاضة المتذرعين بالعملية السلمية، ومقتضيات السلطة، كما قال "عدلي صادق"؟ ومن هم هؤلاء الرخويين الذين يطالبهم "فتحي البس" بأن يكون سلوكهم مقاوم؟ من هم هؤلاء؟ وإلى متى يظل الحديث عنهم بلغة الإشارة: هؤلاء، ولا تتم تسميتهم بالاسم الصريح الواضح الذي يعرفهم فيه شعبنا؟ والشعب الفلسطيني يخزن في وجدانه الكثير الكثير، وله رأيه الصريح في الصغير قبل الكبير، ولذلك فهو يعشق التغيير
إعمار غزة فرصة جديدة أمام أبو مازن.....د. إياد السراج
الثلاثاء، 14 أبريل 2009
احتلال سيناء! ...صلاح حميدة
حدث واحد وروايتين مختلفتين ..عريب الرنتاوي
حزب الله حصر نشاط الخلية بالعمل على مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة، حماس والجهاد كما يفترض المراقب، في الحصول على السلاح والذخائر والدعم اللوجستي بأشكاله المختلفة (التهريب)، وهو نفى بشدة أن تفويض الخلية يشتمل على ضرب أي هدف على الأرض المصرية، أو أن في نية الحزب المساس بأمن مصر القومي، أو أن يكون معنيا بنشر التشيّع في صفوف المصريين، وهي جميعها أهداف حوّلتها النيابة العامة المصرية إلى لائحة اتهام، وتناولها سياسيون مصريون بالنقد والتنديد، وعرضتها الصحافة بتوسع غير مسبوق، فيما ما يشبه الحملة على الحزب وإيران.
من يعرف حزب الله من جهة، ومن يتابع وجهة سير الدبلوماسية المصرية وأولوياتها وأجندتها في هذه المرحلة من جهة ثانية، لا يخالجه شك أبدا في أن الحقيقة تقع في منزلة وسط بين الروايتين، فحزب الله لم يكن يوما بهذه "الطهرانية" أو بهذا الزهد عن "التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية والإسلامية"، وهو - حزب الله - وغيره من الأحزاب الإيديولوجية من إسلامية ويسارية وقومية، ينتمون لمدرسة طالما سخرت من هذا الشعار، وطالما نظرت لتقديم العون والإسناد "للأشقاء في الدول الشقيقة" بوصفه واجبا ملزما ومسألة تبعث على الفخر والاعتزاز، مع أننا في حالة الحزب ومصر، نعتقد أن "الشقيق الفلسطيني" هو المستهدف بدعم حزب الله، وليس الشقيق المصري، ونكاد نصدق رواية حزب الله التي تكاد تحصر أنشطة الخلية المذكورة بغزة تحديدا.
في المقابل، تبدو الرواية المصرية مثقلة بالهاجس الإيراني، وموظفة بالكامل لـ"إعادة الاعتبار" لإيران كمهدد رئيس للأمن القومي العربي، وهي رواية مبثوثة في خطاب الاعتدال العربي بمجمله على أية حال، ومن مقتضياتها "تحويل الحبة إلى قبة" طالما أن الهدف هو عزل إيران ومحاصرة دورها الإقليمي الصاعد، وربما قطع الطريق على المقاربة الأمريكية الجديدة حيالها، والتي تثير مخاوف دول عربية "مسكونة بهواجس دور إقليمي"، لا هي استطاعت أن تحافظ عليه وتعظّمه، ولا هي قادرة على منع الآخرين من ملء فراغه.
كل ما يمكن أن يقال عن حزب الله (واستتباعا حماس ومختلف فصائل المقاومة) في باب "تهريب السلاح وتخزينه وتصنيعه"، يمكن أن يؤخذ على محمل الجد والتصديق، إذ لولا هذا "التهريب"، لما كانت ثورة ولما كانت مقاومة أبدا، يصح ذلك على تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ أواسط ستينييات القرن الفائت، كما يصح على تجربة المقاومة اللبنانية، قبل 1982 وبعدها، والقوى الفلسطينية واللبنانية، من حماس إلى حزب الله، وقبلهما فتح والشعبية والديمقراطية والحركة الوطنية اللبنانية، لطالما نظرت إلى هذه الاتهامات بوصفها أوسمة شرف تعلق على صدرها، لا بوصفها جنحا وجنايات أو مسا بأمن دول أخرى أو تدخلا في شؤونها الداخلية، وهذه "المهمة" هي الثابت فيما علاقات هذه القوى بالأنظمة العربية على اختلافها، وما عداها، فمتغير يخضع للصعود والهبوط وفقا لحسابات اللحظة وتطوراتها.
أما أن يقال، بأن حزب الله ترك وظائفه في لبنان، ليتفرغ لنشر التشيع في مصر، أو استهداف الأمن المصري، فهذا ما يصعب تصديقه، حتى في ذروة الخلاف بين الجانبين، والأمر ذاته ينطبق (وربما بدرجة أكثر) على حركة حماس وعلاقاتها مع دول الطوق، وتحديدا مع مصر والأردن.
وبعيدا عن صدقية الروايتين وجديتهما، فإن الأهم من هذا وذاك، هو ذاك التزامن بين الكشف عن "خلية حزب الله" في مصر، والغارة الإسرائيلية على السودان، إذ في الحالتين، كان الهدف "تهريب" السلاح إلى قطاع غزة، وفي الحالتين كانت إيران هي مصدر القرار والسلاح، وفي الحالتين كانت لحماس وحزب الله (والحوثيين أحيانا) فضلا عن السودان، أصابع في هذه العملية، ولا ندري حقيقة إن كنّا أمام "صدفة خير من ألف ميعاد"، أم أننا أما واحدة من "مزايا التنسيق الأمني"، أم هو "الالتقاء الموضوعي" في المصالح، يقتضي وضع إيران في صدارة الاستهدافات، لا بوصفها قوة نووية محتملة وخطرة، بل وقوة مهيمنة بلغ نفوذها ضفاف البحر الأحمر بخليجيه وشواطئ القارة السوداء وموانئها وأدغالها وصحاريها المترامية على حد سواء؟!.
أكثر من 11 ألف أسير في سجون الاحتلال بينهم 400 طفل و68 أسيرة (تقرير)
وقالت الوزارة في تقرير إحصائي، أمس، إن ما يقارب من 800 ألف فلسطيني تعرضوا للاعتقال منذ عام ،1967 أي أن ما نسبته 25% من الفلسطينيين فيما بلغ عدد من تعرضوا للاعتقال منذ انتفاضة الأقصى نهاية عام ،2000 أكثر من 68 ألف فلسطيني.
وذكر التقرير، الذي صدر بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف في 17 ابريل/ نيسان الحالي، أن ما يزيد على 1500 فلسطيني بينهم نساء وأطفال ونواب وقادة تعرضوا للاعتقال منذ بداية العام الحالي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة الى مئات الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم في الأراضي المحتلة بحجة أنهم لا يملكون تصاريح العمل.
وأشار الى أن من بين المعتقلين، 1000 أسير من قطاع غزة، و470 من القدس وال ،48 و47 أسيراً عربياً من جنسيات مختلفة، بينهم أسير سعودي وآخر تركي تم اعتقاله مؤخراً بالقرب من الحدود المصرية و9400 آخرين من الضفة الغربية.
وبحسب التقرير فإن هناك أكثر من 750 أسيراً يقضون أحكام بالسجن المؤبد لمرة أو لمرات عدة، أعلاهم الأسير عبدالله البرغوثي الذي حكم عليه بالمؤبد 67 مرة، ومن بينهم 620 معتقلاً إدارياً من دون محاكمة، و4800 أسير موقوف و5500 أسير محكوم.
وذكر التقرير أن 1600 أسير يعانون أمراضاً مختلفة ويتعرضون للإهمال الطبي، مبيناً أن 550 منهم بحاجة الى عمليات جراحية عاجلة، و170 أسيراً يعانون أمراضاً خطرة جداً كالسرطان والكلى والقلب والشرايين و17 أسيراً يستخدمون الكرسي المتحرك والعكازة في حركتهم وتنقلهم. وأشار الى أن 196 أسيراً “استشهدوا” في سجون الاحتلال منذ عام 1967.
تجليات العبث الإسرائيلي في ديارنا .....فهمي هويدي
لسنا بحاجة إلى سيناريو «المؤامرة» لكي نتتبع تجليات الاختراق والعبث الإسرائيليين في دول المنطقة. فالوثيقة التي تسربت حول الشهادة المثيرة التي أدلى بها المسئول الأمني الأول في الدولة العبرية تسلط أضواء كافية على تدابيرهم ومخططاتهم، تغنينا عن الاجتهاد والتخمين في الموضوع.
(١)
أول الكلام كان عن حظوظ مصر من تلك التدابير، وهو ما عرضته في الأسبوع الماضي بما تضمنه من معلومات خطيرة وإشارات صادمة ومحيرة. ولأن الحديث كان عن استراتيجية الدولة العبرية في المنطقة، فقد تبقى منه جزء ثان عن بقية الدول التي تناولتها محاضرة آفي ديختر رئيس «الشاباك» السابق «جهاز أمن الدولة الإسرائيلية» الذي صار وزيراً للأمن الداخلي في حكومة إيهود أولمرت. وهو في منصبه الأخير أدلى بشهادته أمام الدارسين في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي. كنت قد وعدت بعرض ذلك الجزء الثاني الذي يخص الدول الأخرى هذا الأسبوع، وهذه خلاصة لكلامه، حيث اضطررت لاختصار بعض المعلومات التفصيلية، لاعتبارات تتعلق بالحيز لا أكثر.
- فيما يخص الساحة الفلسطينية قال ديختر إن "إسرائيل" استخدمت فيها كل الخيارات. فخيار القوة مشهور ومعلوم للكافة. أما الخيار الثاني الذي لجأت إليه فيتمثل في السعي المستمر لتعميق الصراع بين الفصائل الفلسطينية وبين السلطة التي أفرزتها اتفاقية أوسلو 1993. وذكر في هذا الصدد أنه حين كان رئيساً للشاباك، شارك في إعداد الحملات والملاحقات ضد ما أسماه «المنظمات الإرهابية»، التي قامت بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خاصة جهاز الأمن الوقائي. وقال صراحة إنه في تلك المهمة وجد تعاوناً على أوسع نطاق من محمد دحلان مسئول الأمن في غزة، وجبريل الرجوب الذي كان مسئولاً عن الأمن في الضفة!!. وحسبما ذكر فإن تلك الحملات أدت إلى إفشال مئات العمليات «التخريبية». كما أدت إلى اعتقال العشرات من قيادات وكوادر تلك المنظمات، وأسهمت في وصول اليد الإسرائيلية إلى قيادات مهمة مثل المهندس يحيى عياش والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين وأبوشنب وأبوعلي مصطفى وغيرهم.
تباهى ديختر بأن الصراع الذي دارت رحاه بين حركتي حماس وفتح كان نتاج سياسة إسرائيلية محكمة. وقال إن ثمة عوامل ساعدت على إنجاح ذلك المخطط، منها مثلاً إدراك الجهات المعنية في "إسرائيل" لعمق العداء لحركتي حماس والجهاد، بين قادة المؤسسة الأمنية الفلسطينية (ذكر محمد دحلان وتوفيق الطيراوي مسئول المخابرات) ومعهما بعض قيادات السلطة وفتح. وهو العداء الذي ظهر جلياً بعد رحيل أبوعمار. من تلك العوامل أيضاً شعور قادة الأجهزة الأمنية بأن تنامي حركة حماس يشكل تهديداً وجودياً لهم، واقتناعهم بضرورة حسم هذه المسألة خصوصاً بعدما تولي أبو مازن رئاسة السلطة.. وأضاف في هذا الصدد أن تيار الحسم الذي يستهدف قمع حركة حماس وإقصاءها لقي تأييداً مالياً وسياسياً ومعلوماتياً ليس من "إسرائيل" وحدها، وإنما أيضاً من الولايات المتحدة والرباعية الدولية. وخلص الرجل إلى أن استمرار الصراع في الساحة الفلسطينية يحقق مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى، وأن القضاء على حماس والجهاد يظل هدفاً استراتيجياً ينبغي ألا تتوقف مساعي تحقيقه بكل السبل.
(2)
- في شهادته اعتبر ديختر أن لبنان «أكثر بيئة إقليمية تفرض التحدي الاستراتيجي على إسرائيل». وقال إن خيار القوة استخدمته "إسرائيل" مع حزب الله في عام 2006، وعدم نجاحها في تلك الجولة لا يعنى استبعاد ذلك الخيار، الذي سيظل قائماً والاستعداد له مستمر بوتيرة عالية. في الوقت ذاته فإن "إسرائيل" لم تتوقف عن السعي لإحداث الاضطراب وتعميق الشقاق في الساحة اللبنانية. وقد حققت في ذلك نجاحات عدة، منها مثلاً أنها استطاعت خلق بيئة معادية للمنظمات الفلسطينية «توجت» باندلاع الحرب الأهلية عام 1975. في هذا الصدد أشار إلى التنسيق الذي قام بين "إسرائيل" وبين بعض القوى اللبنانية في تلك الحرب. حيث زودت "إسرائيل" تلك القوى بالسلاح والأموال، بموافقة رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين ووزير الدفاع شمعون بيريز.
ومن هذه النقطة استطرد قائلاً إن المجهودات الإسرائيلية الاستخباراتية داخل لبنان والسياسية في المحافل الدولية. هي التي أجبرت السوريين على الانسحاب من لبنان.
الدور الإسرائيلي في إيجاد بيئة معادية للمنظمات الفلسطينية في السبعينيات تكرر مع حزب الله، الذي بذلت الأجهزة الإسرائيلية جهداً خاصاً لتشويه صورته وحصاره ومحاولة استنزافه وتمزيق قوته.. وهي في ذلك تخوض حرباً سرية لم تتوقف ضد الحزب بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تقوم بحشد المنظمات وإقامة المعسكرات للفرق التي تلتقي مع البلدين حول هدف التخلص من «خطره». وتحدث في هذا السياق عن معسكرين لم يفصح عنهما تتطلع "إسرائيل" إلى مساندتهما وتعظيم قوتهما في لبنان، لكسب المواجهة الحاسمة ضد حزب الله.
بالتوازي مع ذلك ـ أضاف صاحبنا ـ إن "إسرائيل" تجرب مع الولايات المتحدة محاولة اختراق الساحة اللبنانية وزرع الاختلالات فيها، لتعميق النزاعات السياسية والمذهبية والطائفية، وقطع الطريق أمام تحقيق التوافق بين القوى السياسية، ومن ثم استمرار إذكاء العداء لحزب الله ولسوريا وإيران.
أما سوريا فمن رأيه أنها غير جادة في التوصل إلى سلام مع "إسرائيل"، وأن أولمرت اعتبر أن التفاوض معها يخدم خيارات إسرائيلية في التعامل مع كل من إيران وحزب الله، وهو ما لم يؤيده ديختر ـ الذي ذكر أن خيار استخدام القوة ضد سوريا يؤيده قطاع عريض من القيادتين السياسية والعسكرية.
إلى جانب ذلك اعتبر أن ثمة خيارات ثلاثة متاحة في الوقت الراهن للضغط على سوريا، أولها استراتيجية «شد الأطراف» التي كانت مطبقة منذ الخمسينيات، وبمقتضاها لعبت تركيا دوراً مهما في الضغط على سوريا، ولكن بعد التحسن الذي طرأ على علاقات أنقرة ودمشق خلال السنوات الأخيرة، فمن الممكن أن يقوم الأكراد بهذا الدور. وهو ما سعت إليه "إسرائيل" خلال السنوات الخمس الأخيرة، حين بذلت جهوداً حثيثة لتشجيع الأكراد على إقامة كيان خاص بهم في شمال العراق، أصبح الآن دولة من الناحية العملية، معتبرة أن الدور الكردي في الضغط على سوريا يمكن أن يعوض الدور التركي.
الخيار الثاني يتمثل في استخدام الساحة اللبنانية للضغط على سوريا، وحسب كلام ديختر فإن ل"إسرائيل" أصدقاء في لبنان على استعداد للقيام بهذا الدور، لكنهم لا يريدون الكشف عن العلاقات التي تربطهم بتل أبيب، التي تحرص على استثمار موقف أولئك الأصدقاء بالتعاون مع الولايات المتحدة.
الخيار الثالث يكمن في التعامل مع المعارضة السورية، وتكرار تجربة "إسرائيل" مع المعارضة العراقية، حين ساندتهم سياسيا ووفرت لهم الدعم المالي الأمريكي كما دربتهم عسكريا، وهو نفس الأسلوب الذي اتبع مع بعض القوى المعارضة في السودان ولبنان.
في ختام هذه النقطة قال ديختر إن «شد أطراف» الساحة السورية أمر ميسور، وإن هناك منافذ عدة تحقق ذلك الغرض، عبر الأردن ولبنان وكردستان العراق.
(٣)
- المعادلة الحاكمة لموقف "إسرائيل" الاستراتيجي من العراق تنطلق من الحرص على تقويض مظان القدرات العربية في دولها الرئيسية، من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي الإسرائيلي. هذه كلمات ديختر التي أضاف عليها أن العراق لا ينبغي أن يعود إلى سابق عهده وقوته، بحيث يصبح دولة مواجهة ضد "إسرائيل" وصاحبة دور على الصعيدين العربي والإقليمي، وهم يعولون كثيراً على الأكراد الذين يحتفظون معهم بعلاقات تاريخية وثيقة منذ السبعينيات، ولكنهم لا يريدون الاكتفاء بما يمثلونه من ضمانة لهم في شمال العراق، ولكنهم يتطلعون إلى توفير تلك الضمانة في بغداد ذاتها، حيث تحاول الأجهزة الإسرائيلية نسج علاقات مع بعض النخب السياسية والاقتصادية تستهدف إبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية المشتبكة على "إسرائيل"، في هذا الصدد ذكر الرجل أن تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية من تكريس وإدامة تحييد مصر.
فيما يخص مراهنتهم على الأكراد، ذكر ديختر أن ثمة التزاماً من القيادة الكردية بإعادة تشغيل خط نقل النفط من كركوك إلى حيفا عبر الأردن، الذي نوقش مع مسئوليه. وإذا ما تراجع الأردن فهناك البديل التركي، أي مد خط كركوك من كردستان إلى تركيا ثم "إسرائيل"، وهذا المشروع تمت دراسته لتوصيل أنابيب المياه والنفط إلى تركيا ومن تركيا إلى "إسرائيل".
- حين تطرق الرجل إلى إيران، فإنه اعتبرها «أكثر الساحات تهديداً لإسرائيل وتصديراً للتحديات». وقال إن الحل الأمثل هو تقويض النظام القائم في طهران واستبداله بنظام علماني يستطيع أن يتفاهم مع الولايات المتحدة و"إسرائيل". لذلك فإنه انحاز إلى فكرة العمل العسكري الذي يستطيع أن يحقق هذا الهدف، وإلى جانب ذلك هناك خياران آخران هما: أولاً الضغط على إيران من خلال الوجود الأمريكي في العراق، ودعم منظمة مجاهدي خلق، واستخدام النفوذ الأمريكي في الخليج، وتطويق إيران من خلال الدول المحيطة بها. أما الخيار الآخر فيتمثل في تفكيك الدولة الإيرانية التي تضم عرباً وأكراداً وبلوشاً وفرساً وأتراكاً.. إلخ وهذه مهام لن تتحقق لها الفاعلية المطلوبة إلا إذا شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل جاد.
في رأيه أن لدى "إسرائيل" معلومات تشير إلى أن إيران قد تنتهي من صنع أول رأس نووي في العام الحالي (2009)، كما أنها حصلت من روسيا على منظومة متطورة جدا مضادة للجو، وهى أمور ينبغي ألا تسكت عليها "إسرائيل"، التي ينبغي أن تتحرك لمواجهتها بحزم وسرعة.
(4)
- ختم ديختر محاضرته بحديث عن السودان، كنت قد أشرت إلى بعض جوانبه في مقال سابق، وقد لخص رؤيته في أن السودان ينبغي ألا يصبح قوة مضافة للعالم العربي. ونقل عن بن جوريون وغيره من الآباء المؤسسين للدولة العبرية قولهم إن إضعاف السودان يجب أن يتم من خلال تشتيت جهوده وتبديد طاقاته، وهو الموقف المبدئي الذي دفع تل أبيب إلى تكثيف أنشطتها في الجنوب وفي دارفور وتتطلع إلى إثارة القلاقل في بقية أنحاء السودان، وحسب تعبيره فإن هناك قوى دولية تتزعمها الولايات المتحدة مصرة على التدخل المكثف في السودان، بما يؤدى إلى استقلال الجنوب فيه، وإقليم دارفور على غرار استقلال كوسوفو، وبالتالي يتم تقسيم البلد إلى عدة كيانات مثلما حدث مع يوغوسلافيا التي انقسمت إلى ست دول. وهذا المخطط ماض في طريقه بنجاح، ستكون أولى ثمراته إعلان استقلال الجنوب قبل موعد إجراء الاستفتاء على ذلك في عام 2011.
ثمة أسئلة عديدة تلح على المرء وهو يستعرض هذه المعلومات منها مثلاً: هل هناك أحد في العالم العربي يفكر في هذه الأمور، وهل هناك تشاور من أي نوع بين أركانه حول كيفية التعامل مع العبث الإسرائيلي الذي لا يزال يرى أن "إسرائيل" لن يهدأ لها بال، إلا إذا تم إنهاك وتفكيك العالم العربي وتدمير القوة الإيرانية ـ لست واثقاً من وجود رد إيجابي على هذه التساؤلات، الأمر الذي يدفعني إلى تخفيض سقف التوقعات والاكتفاء بإبلاغ القارئ، لكي يكون على وعي بما يحيط به. والأمر متروك له بعد ذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الخاسر: نظام مصر وليس حزب الله ....د. عبد الستار قاسم
في تاريخ الشعوب، هناك حالات مدّ وجزر. في حالات المدّ، تكتسب الشعوب قوة أخلاقية صلبة بفعل عوامل متعددة على رأسها تميّز قادتها ورقي أدائهم الإنساني وحصافة آرائهم وإصرارهم على التقدم والبناء. وهي بذلك تتمسك بقيم العمل الجماعي والتعاون المتبادل، وتعزز الثقة المتبادلة بين مختلف الناس والجماعات والمؤسسات، ويصبح الصدق والوفاء والالتزام من شيمها البارزة. هكذا تبدأ الأمة بالصعود في مختلف مجالات الحياة، وتستمر في النهوض على الرغم من الظروف القاسية التي يمكن أن تواجهها، وعلى الرغم من أعداء قد يحيطون بها. هذه مرحلة مدّ لها المستقبل، والماضي يصبح بالنسبة لها عبارة عن ذكريات.
أما في حالات الجزر، فالأمة تغرق بالمفاسد الأخلاقية، ويسود الشك علاقاتها الداخلية، وتصبح السرقة والاختلاس والمحاباة والتمييز بين الناس سمات بارزة في نظامها الخلقي. تتدنى الروح المعنوية للناس، وتصبح الأمة عرضة للغزو والاضطهاد والاستغلال، ويمتهن أغلب الناس النفاق والكذب، ويغلب عليهم الجبن وتعزّ الشجاعة.
الدول العربية جميعها بدون استثناء تعيش حالة الجزر التي تنعكس سلبا على التعليم والصحة والذوق العام والأخلاق، وتجعل من الوطن العربي ساحة للغزاة والناهبين والطامعين. هناك قلة من الأنظمة العربية غير مرتاحة لهذا الوضع، لكنها أعجز من أن تتمرد على ذاتها وتقرر تغيير ما هي فيه، وهناك كثرة مرتاحة لهذا الوضع وتعمل على تكريسه، وهي تزداد تخلفا على تخلف، ومهانة على مهانة، وإذلالا على إذلال. هذه الأنظمة الكثرة عبارة عن ألعوبة بيد إسرائيل وأمريكا، وهي تعمل وسيطا رخيصا لجعل الوطن العربي مسرحا للبغاة، وهذا ما نراه في فتح أبواب الوطن ومخادعه لإسرائيل.
أنظمة العرب وعلى رأسها النظام المصري يعيش في الماضي، وهو التجسيد الحقيقي لمرحلة الهزيمة العربية على مختلف المستويات، أما حزب الله فيتطلع نحو المستقبل بخطى ثابتة على الرغم من كل محاولات ضربه وإنهاكه وإخراجه من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني. لقد أثبتت سياسته الداخلية على المستوى اللبناني وسياسته في مواجهة إسرائيل نجاعة ونجاحا، وأثبت الحزب أن منهجه يقوم على أسس علمية دقيقة ومدروسة، وهي أسس لم يعتد عليها العربي. اعتاد العربي على كثرة الكلام والخطابات الرنانة والوعود الكاذبة والهزائم، ويجد الآن ان نمطا جديدا على الساحة العربية يتبلور بقيادة حزب الله، وأن في هذا النمط ما يبعث على الأمل.
الصراع الآن على الساحة العربية بين من يرى مستقبله في الماضي، وبين من يرى مستقبله بالخطى الحثيثة نحو الأيام القادمة. لا يوجد في التاريخ حالة واحدة هزم فيها الماضي المستقبل، ولا تغلب أصحاب الخطى الخلفية على أصحاب الخطى الأمامية. قد يسدد المصرّون على التخلف والهزيمة بعض الضربات القاسية للطرف الآخر، لكنهم في النهاية لا يستطيعون الصمود. واضح أن عددا من الأنظمة العربية تفقد صوابها بسبب صمود المقاومة في جنوب لبنان وغزة، وهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة إيقاف عجلة التاريخ. لكن التاريخ لا يتوقف.
الشعوب العربية في أغلبها تتطلع نحو السيد حسن نصر الله وحزب الله كنموذج جديد ناجح، ومن الممكن أن ينجح بالمزيد إذا لقي الدعم، أو على الأقل إذا توقفت المؤامرات العربية ضده. هذه الشعوب لا تهمها فكرة السنة والشيعة، وإنما تهمها فقط كرامتها وعزتها المفقودة على مدى سنوات طويلة، وهي مستعدة لتأييد كل من يواجه الاستعمار بكافة أشكاله والاحتلال بكافة أشكاله حتى لو كان حبشيا لا علاقة له بالعروبة. الشعوب العربية لا تنظر بثقة إلى الأنظمة العربية وإنما بشك واستياء ورفض (غير فاعل حتى الآن)، وكل عمل تقوم به ضد حزب الله أو ضد المقاومة العربية عموما هو موضع شك وتساؤل. وإذا كان يظن النظام المصري أن سيحصل على تأييد الشعوب العربية في ملاحقته لحزب الله وحماس وعموم المقاومة العربية فإنه مخطئ تماما.
الأنظمة العربية لا تساعد نفسها بمثل هذه الأعمال التي يقوم بها النظام المصري تحت ادعاء السيادة والكرامة الوطنية، فنحن جميعا نعرف أن السيادة الوطنية العربية مفقودة، ويستطيع أي موظف صغير في البيت الأبيض الأمريكي أن يتحدى رئيس أكبر دولة عربية. على العكس، تكرس هذه الأنظمة النظرة الشعبية العربية، وتؤكد بأنها أنظمة مطواعة لأعداء الأمة. وإذا كانت الأنظمة العربية تخشى ما يسمى بالمدّ الشيعي (علما أن علاقتها بالإسلام واهية، وأنا متأكد من أن قادة العرب من مراكش حتى العراق لا يعرفون الفرق بين السنة والشيعة)، وأنها بأعمالها هذه تحافظ على أهل السنة، فإنني أرى أن أهل الشيعة سيقودون المسلمين بتأييد جماهير السنة. أما إذا كانت الأنظمة تبحث عن مخرج للأمة ككل، فإن عليها أن تتخلى عما هي فيه من تدنّ وانحطاط، وتتبع سياسات جديدة تعبر عن طموحات الناس، وتجعل لآمالهم معنى.
قلوب الشعوب العربية مع غزة وفك الحصار عنها، ولا أرى أن أعمال النظام المصري في تشديد الحصار تستهوي مشاعر الناس. تشديد الحصار يثلج صدر إسرائيل، لكنه يملأ قلوب العرب اشمئزازا ومقتا.
الأحد، 12 أبريل 2009
كاتب اردني : سياراتنا "مكشّرة" مثلنا تماما...احمد حسن الزعبي
السبت، 11 أبريل 2009
أين العرب من الحرب الإقليمية على البحر الأحمر وأفريقيا ؟ ..عريب الرنتاوي
بين تركيا وإيران، ينحصر التنافس في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافة والاجتماعية، كل طرف يسعى في خطب ود دول القارة، أنقرة خصصت برنامج مساعدات معلن ومعروف وشفاف، فيما طهران لديها شبكة واسعة من البرامج متعددة المستويات والطبقات التي لا نعرف عنها الكثير سوى أنها فاعلة ومؤثرة وتحتية، والمؤكد ثمة بعد مذهبي (وسياسي) مؤثر في درجة تطور علاقة هذه الدولة الأفريقية أو تلك بكل من إيران وتركيا.
إسرائيل التي نظرت وتنظر لأنقرة كرديف استراتيجي، تضع لإيران في المقابل كخطر وجودي، وهي إن كانت مستعدة لـ"النظر بعين العطف" لدور تركيا في القارة السوداء، إلا أنها تتابع بكل القلق تزايد النفوذ الإيراني على مقربة منها ومن الطرق البحرية المؤيدة إلى ميناء إيلات، وتحديدا في الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
في سعيها لاستهداف إيران وتشديد أطواق العزلة حولها، وربما التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية لها قبل الصيف القادم، فتحت الاستخبارات الإسرائيلية مؤخرا ملف "خطوط تهريب السلاح من إيران إلى غزة" عبر الخليج وباب المندب واليمن وبور سودان، مرورا بالطبع بالعمق المصري وعطفا على صحراء سيناء وصولا إلى القطاع المحاصر وأنفاق التهريب المفضية إليه.
ومن أجل قطع "طريق الحرير" الجديد هذا، شنت طائرات وقطع بحرية إسرائيلية ثلاث غارات على السودان كما تقول المصادر الإسرائيلية، استهدفت (مرتين) شاحنات على مقربة من الحدود السودانية مع مصر، وضربت سفنا صغيرة في ميناء بور سودان أو على مقربة منه.
الروايات الإسرائيلية تتحدث عن دور إيراني رسمي ومنظم في عمليات التهريب، وهي تقول أن السلاح يأتي أولا للحوثيين في اليمن، ومن ثم يواصل طريقه إلى السودان فحماس في قطاع غزة، وإذ ترافقت التسريبات الإسرائيلية مع أحاديث عن كشف شبكة كبيرة لحزب الله في مصر، تزود حماس بالمال والسلاح، فإن الرواية الإسرائيلية تأخذ طابعا دراماتيكيا إقليميا، أكثر "جدية"، وأقرب تناولا.
وتمضي تل أبيب في نسج فصول إضافية لحكاية الخطر الإيراني المتمد لأفريقيا والبحر الأحمر، فتقول أن إيران تحتفظ بقاعدة بحرية لها في ميناء عصب الإيرتيري، وأنها تستخدم هذه القاعدة لتكون على مقربة من إسرائيل إن حصل الاشتباك العسكري بين الدولتين، فضلا عن تهريب السلاح لحلفاء طهران في غزة واليمن والسودان وأفريقيا عموما.
في ظني أن إسرائيل تبالغ عن قصد وغرض، في تصوير الحضور الإيراني في أفريقيا والبحر الأحمر، ولقد علمت من مراجع أوروبية ذات صلة، بأن ما يقال عن قواعد إيرانية في أيرتريا مبالغ به، وأن إسرائيل ما زالت تحتفظ لنفسها بقواعد في أفريقيا، ومن ضمنها إيرتريا.
الخلاصة تقول، لإيران وجود في أفريقيا والبحر الأحمر، بيد أن إسرائيل معنية بتضخيمه والحديث عن "خطر إيراني" هناك، والهدف "بناء قضية" ضد إيران، ظاهرها التمدد والتغلغل وتهريب السلاح، وباطنها البرنامج النووي الإيراني، وهي مسرحية تبدو واشنطن على دراية بمن كتبها ووضع السيناريو والحوار لها، ولهذا حذر جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، من مخاطر "التهور الإسرائيلي" واحتمالات قيام تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وكذلك فعل الجنرال بترايوس من قبل.
ولا شك أن واشنطن تعرف ما في جعبة نتنياهو وحكومته، وأنها تابعت الاجتماعات الثلاثة التي عقدها الرجل منذ تشكيل حكومته للمستويين الأمني والعسكري للاطلاع على خطط الضربة العسكرية لإيران، حيث خرج بمفاجأة من النوع السار على حد قوله، ألا وهي أن تل أبيب أصبحت جاهزة لتنفيذ الضربة العسكرية لإيران عملياتيا، وأن جهوزيتها هذه لا ينقصها سوى القرار السياسي، الذي يحتاج بدوره إلى تهئية وتحضير، وهذا ما تقوم به آلة الدعاية الإسرائيلية اليوم، من البحر الأحمر والسودان وميناء عصب، وانتهاء بلبنان وغزة وشاحنات السلاح وخلايا إيران النائمة واليقظة في المنطقة.
أما نحن كعرب، فغائبون تماما عن الصورة، فقدنا إيرتريا من قبل، والأرجح أننا سنفقد الصومال وجيبوتي وجزر القمر من بعد، والبحر الأحمر الذي طالما عُدَّ بحيرة عربية، يبدو العرب اليوم، الطرف الأضعف في تقرير مستقبله ومصائره، وجارتنا الإقليمية (القارة السوداء) التي طالما كانت مجالا حيويا لنا، تتحول إلى ساحة لاصطراع قوى إقليمية ودولية، ليس من بينها قوة عربية واحدة، لكأنه كتب علينا أن نكون "شهود زور" هذا العصر، وفي مختلف الأزمات والملفات.