منذ عام 1979، بحسب دائرة الأبحاث في الكونغرس، أنفقت واشنطن 68 مليار دولار في إطار المساعدة العسكرية الثنائية. تغطي هذه المخصصات السنوية، وقيمتها 1.3 مليار حالياً، أربعة أخماس نفقات تجهيز الجيش المصري، ونحو ثلث مجمل موازنته بحسب دائرة الأبحاث في الكونغرس.
هذا في حين يمثّل فيه تدريب الضباط المصريين في المدارس الأميركية وسيلة أخرى تستعملها واشنطن، كما توضح صحيفة La Tribune de Genève (لا تريبون دي جنيف) في عددها الصادر في 9 تموز: أمضى كل من الرجل القوي في القاهرة الفريق أول عبد الفتاح السيسي ورئيس أركان القوات المسلحة صدقي صبحي، سنة في الكلية الحربية الأميركية. وتأتي الصحيفة على ذكر ستيفان غيراس، الأستاذ السابق للفريق الأول السيسي، الذي يرى أنّ «ثمة علاقة الآن بين المسؤولين العسكريين الأرفع مستوى في مصر والجيش الأميركي». على نحو عام، يُرسَل نحو مئة ضابط كل عام إلى مختلف المدارس العسكرية الأميركية. بين عامي 2000 و2009، ارتاد هذه المدارس أكثر من 1150 ضابطاً، أي ما يوازي تقريباً 2.5 في المئة من مجموع الضباط المصريين.
من حيث المبدأ، بموجب القانون الأميركي، لا يمكن أن تُمنَح المساعدة لبلد وقع ضحية انقلاب أو عصيان اعتُرف به انقلاباً. عام 2011، تبنى الكونغرس مادة إضافية تفرض أن تكون المساعدة العسكرية لمصر مشروطة باحترام حقوق الإنسان، مع إعطاء وزارة الخارجية فرصة طلب إعفاءات محتملة مرتبطة بـ«الأمن القومي للولايات المتحدة».
يتعلق الأمر بترسيخ السلام المصري الإسرائيلي، من خلال دعم جيش يبقى العمود الفقري للدولة المصرية، ودولة ــ مفتاح للعالم العربي، الأعرق، والأكثر كثافة سكانية، بل وأيضاً الأكثر هشاشة: زعزعة الاستقرار في ليبيا، التهديد السوداني لمياه النيل، التوترات في غزة وفي سيناء، وبالتالي فإنّ الجبهة السياسية الداخلية تخضها الهزات منذ كانون الثاني 2011. في هذا السياق، إذا جاز التعبير، ستبدي مصر المتعاطفة مع العالم الغربي «عقلانية» أكبر في ما يتعلق بضمانات الأمن التي تُمنح لإسرائيل، أو حرية الوصول إلى قناة السويس، ممر استراتيجي إن وجد، بالنسبة إلى الأسطول الأميركي على نحو خاص.
إنّها لم تمنع تنحية المشير حسني مبارك، ولا إقامة نظام عسكري انتقالي جديد ارتكب الكثير من الأعمال الوحشية خلال 18 شهراً، ثم انتخاب رئيس وبرلمان يهيمن عليه الإسلاميون.
وهم مقتنعون أيضاً بأنّ المصاعب التي على الجيش المصري مجابهتها كلها في آن واحد لن تحفّزه كثيراً على خوض مغامرة عسكرية ضد إسرائيل، حتى ولو أنّه، بالنسبة إلى العسكريين في مصر، تبقى هذه الدولة عدواً يحلمون بتحقيق التكافؤ العسكري معه، حتى وإن بالكاد ذاق الرأي العام المصري على نحو عام والإخوان المسلمون بنحو خاص طعم «الشراكة الاستراتيجية» التي أقيمت مع إسرائيل في عهد الرئيس مبارك.
إسرائيل، إن صدّقنا وسائل إعلام عدة في هذه الدولة، ضغطت على الولايات المتحدة في هذه الأيام الأخيرة... لعدم تجميد المساعدة العسكرية للقاهرة، إذ إنّ الجيش المصري لا يملك الوسائل الكافية لضمان أمن سيناء. كذلك، عبّر المسؤولون الإسرائيليون عن خشيتهم من أن يؤدي تعليق المساعدة الأميركية إلى الطعن في معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية التي أُبرمت عام 1979.
(ترجمة باسكال شلهوب الخوري / "الأخبار")
* عن «لوموند ديبلوماتيك» بتصرف
1ــ كورين ليسنيس، «حرج الرئيس باراك أوباما»، صحيفة «لوموند»، 5 تموز (يوليو) 2013.
2ــ يحرص التعاون الأميركي على الصعيد العسكري مع دول المنطقة على ضمان الحفاظ على درجة من التقدم للقوات الإسرائيلية.
3ــ اقرأ لوران شيكولا وإدوارد بفليملين، «إسرائيل تنسحب وراء الدرع الصاروخية»، صحيفة «لوموند ديبلوماتيك»، حزيران (يونيو) 2011.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق