الاثنين، 14 يوليو 2014

السيسي بطل حصار غزة ومصر

بدر الإبراهيم
في كل مرة يشن فيها الكيان الصهيوني عدواناً على غزة، تتجه أنظار العرب صوب مصر، ليس لأنها بلد عربي مركزي ومؤثر فحسب، بل لأنها، أيضاً، البلد العربي الوحيد الذي يجاور غزة مباشرة، وموقف قيادة هذا البلد وسلوكه يلعبان دوراً مهماً في تطورات الأحداث في غزة. النظام المصري، منذ اتفاقية كامب ديفيد في 1978، يلعب دور الوسيط غير المحايد في القضية الفلسطينية، وربما يصح القول إنه يلعب دور "الرسول الاسرائيلي" الذي ينقل رسائل التهديد والوعيد الإسرائيلية إلى الفلسطينيين، ويضغط عليهم، من أجل تقديم التنازلات للصهاينة. هذا الموقع الذي اختاره النظام المصري، وما يترتب عليه من مواقف في الصراع، يجعل جماهير عربية كثيرة تنظر إليه باعتباره شريكاً في أي عدوان على غزة.

كان إعلان الرئيس أنور السادات أن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة إيذاناً بانتقال النظام في مصر، من موقع المواجهة مع إسرائيل إلى موقع المواجهة مع مناهضي إسرائيل في الوطن العربي، فقد كان السادات يتحدث عن تسليمه كل أوراقه للأميركيين والإسرائيليين، مترجماً ذلك في اتفاقية كامب ديفيد التي أحدثت انقلاباً في الدور المصري في المنطقة، فلم تنكفئ مصر، وتلتزم الحياد في الصراع العربي – الاسرائيلي، وإنما انتقلت بالتدريج، وخصوصاً في عهد حسني مبارك، إلى موقع الشريك الأمني الموثوق للكيان الصهيوني.

خسرت مصر دورها القيادي في المنطقة، ولم تربح بتحقيق الرفاهية في الداخل وزيادة معدلات التنمية، وهذا العذر الذي كانت تبرر به القيادة المصرية تغيير موقعها في الصراع، فقد تدهور الاقتصاد، وزادت معدلات الفقر والبطالة مع سياسات "الانفتاح" على الفساد ونهب المال العام، إضافة إلى تكريس القمع والاستبداد عبر قانون الطوارئ، وتعزيز النظام البوليسي. أدت هذه التراكمات إلى انفجار ثورة 25 يناير، لكن عدم اكتمال الحالة الثورية قاد إلى بقاء السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية على حالها. - 


لم يتغير كثيراً دور الوسيط في عهد الرئيس محمد مرسي، ففي أثناء حرب غزة عام 2012، لم نشهد تبدلاً استراتيجياً في الدور المصري. صحيح أن السفير المصري استُدعيَ من تل أبيب، وأن وفوداً رسمية وشعبية سُمَح لها بزيارة غزة للتضامن، لكن جوهر الدور السياسي لمصر في لعب دور الوسيط بقي على حاله، ما استدعى إشادة شيمون بيريز بدور مرسي في أثناء الحرب في حديثه مع توني بلير، وقوله إن حماس لم تستمع إلى مرسي، فيما كانت إسرائيل تحاول العمل مع الرئيس المصري ("هآرتس" – 21/11/2012). كان هذا المشهد جزءاً من غياب الحالة الثورية عند "الإخوان المسلمين"، فهم فضلوا، في إطار سعيهم إلى التفاهم مع الجيش والأميركيين، أن يحافظوا على "كامب ديفيد"، وألا يمسوا دور الجيش والمخابرات المصرية في التنسيق مع الإسرائيليين في موضوع غزة.

غير أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاوز جميع من سبقوه في أدائه في أثناء الحرب الراهنة على غزة، فقد أعاد إلى الأذهان تواطؤ نظام حسني مبارك في التحضير للعدوان على غزة، وذلك بإيفاد السيسي مدير المخابرات العامة المصرية، محمد فريد التهامي، إلى الكيان الصهيوني، قبل يومين من العدوان، بما يذكر بزيارة تسيبي ليفني إلى القاهرة عام 2008، قبل أيام من العدوان على غزة في ذلك الحين. كما أن حصار المقاومة في غزة قائمٌ على قدمٍ وساق، فقد تزامنت بداية العدوان على غزة مع إعلان القوات المسلحة المصرية عن تدمير 19 نفقاً في رفح، ما يشير إلى أن التعاون الأمني والاستخباراتي المصري مع إسرائيل ضد المقاومة في تطور مستمر.

وصل الأمر إلى أن يطلب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، من السيسي تخفيف المعاناة الإنسانية عبر فتح معبر رفح، فيما تتحدث وزارة الخارجية المصرية، في بيانها، بشأن العدوان عن "عنفٍ متبادل"، كأنما المعركة بين طرفين متساويين، وحتى تحميل إسرائيل مسؤولية العدوان لم يرد في البيان الذي سعى إلى التزام "الحياد" في لغته. 

لكن حصار غزة في عهد السيسي يختلف حتى عن عهد مبارك، إذ لا يقف عند حدود إغلاق المعبر، أو تدمير الأنفاق، بل يتعداهما إلى اعتبار حركة حماس، رأس حربة المقاومة في غزة، حركة إرهابية، والعمل على تكثيف حملات تزييف الوعي الإعلامية التي يقودها إعلاميو النظام، وخلق حالة مناهضة للمقاومة في غزة، ومتشفية بأهلها في أوساط الرأي العام المصري، وهذه الحالة الناقمة على المقاومة وأهل غزة، أو غير المبالية تجاههم، لم تكن موجودة بهذا الحجم في عهد مبارك، وإن بقيت حالة التضامن الشعبية مع غزة أكبر.

امتدح قوميون ويساريون السيسي، واعتبروه بطلاً، وزعموا أنه سينهي دوران مصر في الفلك الأميركي، لكنه يثبت، كل يوم، أنه يتفوق على مبارك، في تقزيم دور مصر الإقليمي، فيلعب دور البطل في حصار مصر ودورها، وهو الحصار الأصلي الذي يتفرع منه حصار غزة، ولا يمكن توقع نهاية الحصار الفرعي من دون نهاية الحصار الأصلي.

يقتضي التعبير عن حالة ثورية في مصر، على مستوى سياسات النظام، التحرر من أَسْرِ "كامب ديفيد"، والعودة إلى الموقع الطبيعي في مواجهة إسرائيل. تغيير الأشخاص من دون السياسات لا يعطي نتيجة ثورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق