الأحد، 10 مايو 2009

إستراتيجية بلير! .....عبد اللطيف مهنا


حسناً فعلت جامعة الدول العربية بمسارعتها لنفي شبهة النية في تعديل ما تسمى "مبادرة السلام العربية". نقول هذا مع تأكيدنا سلفاً على رأينا في هذه المبادرة، و ذلك باعتبارها خطوة تنازلية عربية من شأنها إن مسّت جوهر القضية الفلسطينية، الذي هو حق العودة، المفترض أنه غير القابل للتصرف، عندما أحالته إلى ما دعته بحل "عادل متفق عليه"، بين الطرفين، أي مدار توافق بين من اغتَصب الحق و من اغتُصِب حقه. و نقوله أيضاً، بعد التذكير بأنها لم تحظ بقبول من طُرحت لمسالمته و التطبيع معه، بعد التنازل له عن 80 بالمائة من فلسطين التاريخية، و الاستعداد لمساومته على ما تبقى، و الذي، كما هو معروف، سارع لوئدها في مهدها و لازال يؤكد كل يوم على ما كان منه.
لكنما، و حيث، كما يقال، لا دخان بلا نار، فإن دخان التسريب الذي كانت له مقدماته عن نية تعديلها، أصحّ ما حمله أو لم يصح، لازال يلبد بكثافة أجواء المنطقة التي يشكل تردي حالها مرتعاً خصباً لمثل هذا الدخان، لدرجة أنه لم تنجح التصريحات التي أعقبت اجتماع نصف وزراء خارجية العرب و مقرراته الباهتة في تبديده.
الحراك العربي باتجاه واشنطن، المعلق الآمال المبالغ فيها على مشجب الإدارة الأمريكية الأوبامية، واستنطاقها بأكثر مما تنطقه و تعنيه حول إلتزامها بما يعرف ب "حل الدولتين"، و معه ما توحي به من نذير شؤم تحركات و تصريحات طوني بلير الأخيرة، و ربطنا لكل ذلك بمواقف الحكومة الإسرائيلية المعلنة، كلها أمور، إلى جانب ضآلة حجم التمثيل في اجتماع الجامعة و تواضع مقرراته، الذي يفترض منه أن يتخذ المواقف لمواجهة مواقفها، تدعونا موضوعياً إلى ترجيح سير الراهن العربي باتجاه مثل هذا التعديل مثار التسريب!
وفق المعلن، سوف يتقاطر في الأيام القادمة زعماء عرب على واشنطن، التي سبقهم آخرون منهم إليها، و بعد أن يحل نتنياهو في شرم الشيخ سوف يتوجه إلى هناك، و كل هذا يأتي في سياق ما يوصف بتحرك دولي واسع يهدف إلى "رسم خطوات إحياء عملية سلام شاملة"، خلال الأشهر الثلاثة القادمة. يتم التمهيد لها بما وُصفت ب"سلسلة متشعبة" من المشاورات الأوروبية الأمريكية مع إسرائيل و العرب لوضع خطة عمل لاتفاق سلام "متكامل"، بلير يتوقع أن تعلن خلال أسابيع!
الأوروبيون اللذين لا يكلون و لا يملون منذ أمد على طرح وساطتهم "لخلق ظروف ملائمة لجلوس الفلسطينيين و الإسرائيليين معاً"، و كأنما هذا الجلوس قد انقطع! يثابرون على عزف ما يتردد الآن على هامش هذه الحركة، التي، وفق ما يقولون، أنها تهدف للخروج ب "خطة عمل مشتركة"، يأملون أن يعلنها أوباما بعد لقاءه مع نتنياهو، حيث على أثرها تجتمع الأطراف "للبحث في كيفية دفع العملية إلى الأمام". كما أن "الرباعية" وفق ما يقوله مبعوثها بليرسوف تجتمع في واشنطن لمناقشة ما دعاه "الإستراتيجية الجديدة و تقديمها إثر لقاءات أوباما بكل من الرئيس المصري، و رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود، و طبعاً، نتنياهو، و كل من سبقهم إلى واشنطن!
هنا، لابد لنا من التوقف أمام تصريحات رئيس السلطة "الفلسطينية" إثر لقاءه مع الرئيس المصري، والذي قال فيها لقد "رتبنا الأمور فيما بيننا جيداً... و نريد تقديم مشروع لحل قضية الشرق الأوسط و ليس فقط قضية فلسطين"... بالإضافة إلى تأكيده على أنه لم يقبل استقالة حكومة سلام فياض بعد "ولذا فهي عائدة في وقت قريب مع نوع من الإضافات"، معتبراً أن هذا لن يؤثر على ما يسمى "الحوار الوطني"... الحوار الذي خبت ضجته و فترت الحماسة للحديث عنه بما قد ينبئ بمصيره المتوقع!
قد يكون من قبيل إعادة اكتشاف المكتشف أن الإدارة الأمريكية الأوبامية لم و لن تغير و ليست في وارد أو حتى قدرة تغيير الثوابت الأمريكية المعروفة اتجاه إسرائيل، و من نافل القول أن كل ما سوف يتبدل في مقاربتها للصراع في بلادنا هو الأسلوب و ليس الأهداف و المنطلقات التي لن تجافي تلك الثوابت. لكنما جديدها هو قناعتها بأن مواصلتها لحرب سابقتها على ما يسمى الإرهاب و مواجهتها مع إيران لن يكتب لهما النجاح بدون حل أو تصفية هذا الصراع أو على الأقل تهدئته. و هذا هو مصدر كل ما يشاع أو ما يؤمّل و يحمّل على حالة ما يمكن وصفه بالدفع و الجذب من بين مواقف كل من واشنطن و تل أبيب هذه الأيام حيال حكاية "حل الدولتين"، أو ما لم و لن يصل إلى مستوى الخلاف بينهما... فما هو الموقف الإسرائيلي؟!
سلفاً، و إذا وضعنا جانباً تصريحات أفيغدور ليبرمان، يعتبر نتنياهو في آخر تصريحاته أن "حل الدولتين" هو "غير قابل للتطبيق في المستقبل المنظور"، و سيطرح على أوباما، وفق ما أوردته صحيفة "يدعوت أحرنوت"، بديلاً أو عوضاً عنه فكرة "الحكم الذاتي"، و العمل تدريجياً من أجل ما دعته بناء قاعدة للتسوية الدائمة "من أسفل إلى أعلى"، في شكل يقود إلى بناء كيان يتمتع بالسيادة "على أن يتم تعريفه لاحقاً"!!!
هناك شيء ما يطبخ... لكنما هناك أيضاً ما يطرح سؤالاً هو برسم جميع الواهمين في الساحة العربية تحديداً حول جدية ما يطرح استرضاءاً لنتنياهو... يقول بلير حول الأمر: "نحن بصدد بلورة إطار عمل جديد... لكني لا أملك سوى تكهنات عن مضمونه. و إن كنت أعتقد بأن هناك دافعاً للتفاؤل لأن هذا الإطار يتم صوغه على أعلى مستوى في الإدارة الأمريكية و المجتمع الدولي"!
و إذا كان من عادة العرب أنهم دائماً في موقع من عليه أن يقدم شيئاً ما بعيد كل حكومة إسرائيلية جديدة، فإن استرضاء نتنياهو، وفق من ينطق باسمهم المنطق البليري، هو وجوب ملاقاته في وسط الطريق، الأمر الذي يصب في مطلب تعديل المبادرة العربية لزوماً... مقابل ماذا؟!
مقابل تفاوضوا و تفاوضوا، لأن عملية تهويد ما تبقى من فلسطين لم تستكمل بعد و يحتاج استكمالها لمزيد من الوقت، و حيث عملية التهويد هذه مستمرة فإن نتائج العملية التفاوضية لابأس من أن تترك إلى أن يكتمل التهويد... أو عليكم انتظار الآتي الذي يظل في علم الغيب!
هذه هي الاستراتيجية الجديدة المنشودة التي يحاول أن ينسجم معها الدور الأوروبي، أو يسعى لتمريرها الغرب أو "المجتمع الدولي"، و التي سيناقشها و يقدمها بلير و لجنته في واشنطن بعيد أن تودع هذه زوارها... الاستراتيجية التي جوهرها أن المطلوب هو شطب جوهر القضية... إسقاط حق العودة... و إذا ما أُسقط، و اُعترف بيهودية الدولة، و تم التطبيع مع الغاصب... ترى ما الذي يتبقى من قضية العرب المركزية في فلسطين؟؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق