اسرائيل تقترب من الحرب مع ايران. هذا هو الاستنتاج الطبيعي، ان لم يكن الواجب، مع تحليل مواقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ عودته الى الحكم. فنتنياهو يعمل من قناعة داخلية عميقة بان اسرائيل ستكون في خطر الابادة اذا حققت ايران سلاحا نوويا. ازالة التهديد من ايران هي الهدف المركزي الذي وضعه نتنياهو لنفسه منذ سنين، والتقدم الذي حققه الايرانيون في برنامجهم النووي عزز فقط اعترافه بان الزمن ينفد وان ساعة الحسم تقترب. الهدف الفوري لنتنياهو سيكون ربط الرئيس الامريكي براك اوباما بمهمة وقف النووي الايراني بقوة امريكا الزائدة. ولكن اذا لم يرغب اوباما، او حاول ولم ينجح، فسيقف نتنياهو امام مسألة – ماذا ستفعل اسرائيل لاحباط التهديد قبل أن يكون فات الاوان؟ في الماضي اعرب نتنياهو على مسمع من مقربيه عن التقدير بان اسرائيل يمكنها أن توقف بقواها الذاتية البرنامج النووي الايراني اذا لم يكن لها مفر من ذلك.
نتنياهو ليس الزعيم الاسرائيلي الاول الذي يحذر من التهديد الايراني على امن اسرائيل وعلى العالم بأسره. أسلافه، من اسحق رابين وحتى ايهود اولمرت حاولوا تجنيد الاسرة الدولية ضد ايران. فقد تحدث رابين عن "الخمينية بدون الخميني"، وارئيل شارون قال ان ايران هي مشكلة عالمية وليست اسرائيلية. اما اولمرت فدرج على القول انه لايوجد موضوع يشغل باله اكثر من موضوع التصدي للتهديد النووي من ايران.
ولكن اسلاف نتنياهو لم يصفوا الخطر الايراني بذات القدر من الشدة مثلما فعل هو. أي منهم لم يحذر مثله من كارثة ثانية، من خراب للشعب اليهودي، اذا ما حققت ايران القنبلة. "لن اسمح لنافي الكارثة ان ينفذوا كارثة اخرى للشعب اليهودي"، حذر رئيس الوزراء في احتفال الذكرى الرسمي للكارثة والبطولة، الاسبوع الماضي. شخصيات سياسية كبيرة تروي بان نتنياهو تحدث معهم عن خطر الكارثة حتى في احاديث مغلقة وسرية. وقد اقتنعوا بانه يؤمن عن حق وحقيق بان هدفه التاريخي هو انقاذ اسرائيل من المصيبة.
نتنياهو يتباهى بانه في خطاب امام الكونغرس الامريكي في العام 1996، في بداية ولايته السابقة، حذر من ان هذه هي المشكل الاكبر التي تقف امام الانسانية. في حينه لم ينصتوا له، ورفعوا الحواجب اما اليوم فهم يفهمون بانه كان محقا. عندما كان وزيرا للمالية في حكومة شارون، تحدث الى قلب رئيس الوزراء مناشدا اياه ان يركز على الهدف الرئيس، الكفاح ضد ايران. وعندما استقال من الحكومة بسبب خطة فك الارتباط، وغادر شارون الليكود واقام كديما، قال له نتنياهو: اذا عملت ضد ايران حتى الانتخابات، فسأدعمك. اما شارون فلم يعمل.
نقطة انعطاقة تاريخية
في خطاباته في السنوات الاخيرة، شبه نتيناهو ايران بالمانيا النازية ورئيسها محمود احمدي نجاد بادولف هتلر، وتحدث عن صمت الاسرة الدولية حيال التهديدين، في 1938 واليوم. "الكارثة الثانية" التي يحذر منها نتنياهو ليست صيغة متكررة للغيتوات، القطارات وافران الغاز، بل محاولة لتصفية دولة اسرائيل. برأيه، استمرار وجود الشعب اليهودي منوط باستمرار وجود اسرائيل. ولكن توجد حدود للمعجزات، والشعب اليهودي لن يتلقى فرصة اخرى بعد كارثة اوروبا والانبعاث في دولته المستقلة. فاليوم، معظم اليهود في العالم يعيشون في اسرائيل، وفقط هنا يوجد تجدد للشعب اليهودي، الذي في بلدان اخرى آخذ في التآكل بسبب الاندماج. نتنياهو يرى في ايران الطاغية الجديد الذي يهدد وجود التجمع اليهودي – يجب صده، بمساعدة الاخرين او بانفسنا.
لا يمكن الاستخفاف بهذه الاقوال، ومن الخطأ اعتبارها صوت خلفية لـ "السيد اعلام" نتنياهو، او طرحها كمناورة سياسية مكشوفة ترمي الى صرف الانتباه عن الجمود السياسي حيال الفلسطينيين. الالتزامات العلنية للزعماء تلزمهم، وتدفعهم للايفاء بما وعدوا به. معظم الحروب بين اسرائيل وجيرانها اندلعت بعد أن اطلق احد الطرفين، او كلاهما، تصريحات الزمته بالخروج الى المعركة – حتى عندما لم تكن تحت تصرفه القدرة العسكرية لتنفيذ السياسة التي تعهد بها.
وهاكم بعض النماذج. الدول العربية اجتاحت ارض اسرائيل في 1948 بعد أن تعهدت باحباط قيام الدولة اليهودية ومساعدة الفلسطينيين، ولكن جيوشها لم تكن مستعدة للمهمة وخسرت في المعركة. في 1967، انجرف جمال عبدالناصر في خطاباته ذاته، ودفع اسرائيل للاعلان عن خطوط حمراء خاصة بها، وهكذا جر الطرفان الى حرب كان مشكوكا ان يكونا يرغبان فيها. انور السادات وعد بانه اذا لم يحصل على سيناء في مفاوضات سياسية، فانه سينطلق الى الحرب، وغولدا مائير ردت عليه "ولا شبر"، وشقت الطريق لحرب يوم الغفران. في 1991 وعد صدام حسين بالصواريخ على اسرائيل واوفى. في 2006 حقق حسن نصرالله وعده لمؤيديه في أن يختطف جنودا اسرائيليين، وايهود اولمرت دفع لان يفي بتعهده المضاد في الا يستسلم للارهاب وانطلق الى الحرب دون أن يفحص اذا كان الجيش الاسرائيلي قادرا على ان يهزم حزب الله. في 2008 عاد زعماء اسرائيل ليحذروا من أن العملية في غزة تقترب، الى أن انطلقوا اليها.
الوعود ينبغي الايفاء بها
في كل هذه الحالات، التي كانت نقاط انعطاف في الحرب، تمتع الزعماء ظاهرا بحرية الاختيار، وكان بوسعهم ان يسيروا في طريق اخرى كانت ستغير مجرى التاريخ. ولكن كرشو يظهر بان حرية الاختيار هي وهم. حين يصل الزعماء الى لحظة القرار، فانهم يكونوا مقيدين بطبيعتهم، بايديولوجيتهم، وبالمعتقدات التي باسمها تولوا السلطة، بالقدرة العسكرية والاقتصادية لدولهم وفوق كل شيء، بالتزامهم بالقرارات التي اتخذوها من قبل. في لحظة الحقيقة، زعما، حدود الساحة وقوانين اللعب تكون مقررة ولا يعود ممكنا تغييرها، والفوارق تتعلق بنوع الازمة ومنظومة اتخاذ القرارات اكثر مما تتعلق بجوهرها.
في هذه المقاييس ينبغي التقدير ايضا لسياسة نتنياهو. الشخصية القدوة لديه هي ونستون تشيرتشل – الرجل الذي حذر في الثلاثينيات من تعزيز قوة المانيا، واعتبر متشددا يمينيا هاذيا، الى ان دعي لانقاذ بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، بعد أن تحققت نبوءات الغضب التي اطلقها. ومثله، نتنياهو ايضا، يرى نفسه كواثق رأى قبل الاخرين خطر الارهاب والاسلام المتطرف، وحصل الان على الفرصة الثانية ليثبت صدق طريقه ويصد التهديدات على اسرائيل وعلى الشعب اليهودي. شخص ذو وعي تاريخي كهذا، لا يطلق الاقوال هباء عن مخاطر وجودية، عن كارثة وخراب. فهذه تلزمه عمليا. وتصريحاته حتى الان كانت حادة لدرجة أنه سيجد صعوبة في التراجع عنها وليشرح لماذا لا يخاف الايرانيون كثيرا.
الاختبار الاول لنهج نتنياهو سيكون في لقائه مع الرئيس الامريكي براك اوباما، بعد نحو اسبوعين ونصف الاسبوع في البيت الابيض. نتنياهو يرى في اوباما اكثر من أي شخص آخر في العالم – من يمكنه أن يوقف التسلح الايراني. في لقائهما في القدس في تموز الماضي، حين كان الرجلان لا يزالان مرشحين، قال نتنياهو لاوباما ان رئاسته ستختبر حسب معالجته لايران. واعرب عن تأييده لاقتراح اوباما الحوار مع الايرانيين وقال له ان النتيجة هنا اهم من الطريق. برأي نتنياهو يوجد لاوباما ثقة سياسية هائلة، لم تكن لسلفه جورج بوش، للعمل ضد ايران. وتحت تصرفه توجد جملة من القدرات الدبلوماسية، الاقتصادية والعسكرية للقوة العظمى الامريكية.
على مسمع من مقربيه ضرب نتنياهو مثلا بالرئيس كندي في أزمة الصواريخ في كوبا في 1962 – عندما نصب السوفييت رؤوسا نووية في جزيرة فيدل كاسترو على مسافة صفر من فلوريدا. كندي لم يرغب بمهاجمة كوبا بطائرات القصف وبالصواريخ، واعلن عن فرض حصار بحري. السوفييت تخوفوا من المواجهة ووافقوا على اخراج الصواريخ، مقابل الازالة الهادئة للصواريخ النووية الامريكية من تركيا. ويبدو أن نتنياهو يأمل في أن يمتشق اوباما حلا ابداعيا كهذا، ولكنه يحذر من أن الزمن الذي تحت تصرف اوباما آخذ بالنفاد، وما يمكنه أن يفعله في السنة الاولى من وجوده في البيت الابيض سيكون اكثر صعوبة بعد ذلك.
"اسرائيل باتت تستعد"
هذا بدأ في المقابلة التي اعطاها نتنياهو لجيفري غولدبرغ، مراسل مجلة "اتلنتيك" الامريكية، في اثناء تشكيل الحكومة. وكتب غولدبرغ يقول: "نتنياهو يقول ان اوباما ملزم بان يوقف ايران من الحصول على سلاح نووي، وبسرعة، والا فان اسرائيل الواقعة تحت التهديد ستضطر الى ان تهاجم بنفسها المنشآت النووية الايرانية. الاقوال صدرت دون علامات اقتباس، وغولدبرغ شرح في صفحته الالكترونية بان هذا كان تفسيره لما سمعه من نتنياهو وليس اقتباسا مباشرا لاقواله. مكتب رئيس الوزراء لم يصدر نفيا صريحا والعنوان الرئيس في "اتلنتيك" اصبح اساسا للبحث في وسائل الاعلام العالمية والجدال بين كتاب الرأي اذا كان من المجدي ان تهاجم اسرائيل ايران أم لا.
الاقتباس موضع الخلاف لنتنياهو كان فقط المقدمة، للنبأ الذي صدر في "معاريف" في ان رئيس الوزراء راض عن الاستعدادات العسكرية للهجوم على ايران؛ للتقرير في "التايمز" البريطانية على لسان مصادر أمنية في اسرائيل في أن الجيش الاسرائيلي يستعد لعملية وان مناورة الجبهة الداخلية القريبة ستكون جزءا من الاستعدادات للحرب مع ايران؛ للاستعراضات التي قدمها طيارو سلاح الجو للمراسلين العسكريين، والتي تحدث فيها المقاتلون عن الدوافع العليا لديهم للعمل ضد النووي الايراني؛ وللمقابلة في "يديعوت احرونوت" مع المدير العام المنصرف لدار البحث النووي في ديمونا، اسحق غوربتش، الذي شبه احمدي نجاد بهتلر وخطاباته ضد اسرائيل بـ "كفاحي". ينبغي الفهم بان غوربتش، الذي ادار على مدى سبع سنوات المؤسسة الاكثر حساسية في الدولة ما كان يمكنه أن يتحدث في الصحافة دون اذن من رئيس الوزراء.
وزير الدفاع، ايهود باراك كرر في جلسة الحكومة هذا الاسبوع دعوته لاوباما في أن يحصر زمنيا مدى الحوار مع ايران وان يعد مسبقا رزمة عقوبات مهددة في حالة فشل المفاوضات. "الى جانب ذلك، تقول اسرائيل مجددا باننا لا نشطب أي خيار عن الطاولة، ونحن نوصي الاخرين بان يتصرفوا بذات الشكل، ونحن نقصد ما نقول". قبل بضعة اسابيع حذر باراك بان الزمن لمعالجة ايران آخذ بالنفاد.
رئيس الاركان غابي اشكنازي، الذي زار الولايات المتحدة قبل بضعة اسابيع حاول ان يجسد لمحادثيه هناك التحدي الذي تعرضه ايران على اسرائيل: "لنفترض ان نار الصواريخ تتجدد، ونحتاج نحن الى الخروج مرة اخرى الى عملية في غزة. الاستخبارات تفيدنا بان الايرانيين تسلحوا بالقنابل النووية. ماذا سنفعل في حينه؟ كيف سنتمكن من العمل ضد حماس؟" عندما يقولون ان كل الخيارات على الطاولة، كما شرح اشكنازي، فان مهمتي ان اتأكد بان تكون هذه جاهزة.
في القيادة الاسرائيلية يرون زعماء ايران كعصبة من الدهاة والخطرين، ستضلل زعماء الغرب. رغم التأييد العلني للحوار الذي يقترحه اوباما على الايرانيين، فانهم في اسرائيل لا يصدقون بانهم سيتنازلون طوعا عن النووي ويقدرون (او يأملون) بان تتفجر المفاوضات. السؤال المثير للاهتمام سيكون ماذا ستفعل اسرائيل قيادة نتنياهو اذا لم ينجح اوباما فيحقق تسوية تبقي ايران في مكانة "دولة حافة" ذات قدرة نووية، ولكن بدون قنبلة. وماذا ستطلب اسرائيل مقابل مثل هذه التسوية، في شكل ضمانات امنية امريكية في حالة خرقها.
اسرائيل ستجد صعوبة في أن تهاجم ايران وحدها، دون "ضوء اخضر" من امريكا، وحتى ضمنيا وبغض النظر. ولكن اذا ما حانت لحظة الحقيقة، مشكوك فيه أن يأمر اوباما باسقاط الطائرات الاسرائيلية وهي في طريقها الى ايران او يعلن عن وقف المساعدات لاسرائيل وعن قطع العلاقات. واضح ان الولايات المتحدة سترغب في أن تبقي على مسافة من العملية كي لا تتعرض للرد المحتمل من ايران. ولكن التزامها المتين بامن اسرائيل لن يسمح لها بان تمنع بالقوة عملية عسكرية تستهدف منع كارثة ثانية. هذه هي الرسالة التي سيحاول نتنياهو زرعها في رؤوس اعضاء الكونغرس.طالما استمرت الخطوة الدبلوماسية، وكان اوباما يطالب اسرائيل بالانتظار، من السابق لاوانه القول ان الحرب ضد ايران محتمة. ولكن واضح أن صعود نتنياهو الى الحكم يقربها، بسبب الخطورة الشديدة التي يوليها للتهديد الايراني واحساسه بانه مكلف بان ينقذ اسرائيل والشعب اليهودي من الخراب. من يفكر بنفسه بمثل هذه التعابير، ويتحدث الى كتب التاريخ لن يرغب في أن يذكر بانه كان رئيس الوزراء الذي في عهده بالذات تحولت الجمهورية الاسلامية، التي يرى زعيمها باسرائيل "جرثومة مجنونة" الى قوة عظمى نووية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق