الثلاثاء، 26 مايو 2009

القمة الثلاثية الإيرانية–الأفغانية–الباكستانية:الخلفيات والنتائج

شهدت العاصمة الإيرانية يوم أمس انعقاد قمة ثلاثية ضمت رؤساء إيران – باكستان – أفغانستان، ويكتسب اللقاء أهميته الكبيرة بسبب ارتباط باكستان وأفغانستان بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الخصم الرئيس لإيران، وبكلمات أخرى فإن هذا اللقاء لم يكن ليحدث لولا حصول النظامين الأفغاني والباكستاني على موافقة واشنطن المسبقة.
* الوضع الميداني في مثلث إيران – باكستان – أفغانستان:
يتميز الوضع الميداني الحالي في المنطقة بالتصعيد الشديد وتداخل الصراعات والنزاعات وعلى هذه الخلفية يمكن رصد المؤشرات التالية:
• أفغانستان: تشهد صراعاً مركباً بين قوات حلف الناتو وقوات حركة طالبان الأفغانية، إضافة إلى احتمالات دخول تحالف قوات الشمال الأفغانية في الصراع ضد كل من قوات حلف الناتو والقوات الحكومية الأفغانية وقوات حركة طالبان.
• باكستان: تشهد صراعاً مركباً بين قوات طالبان الباكستانية والقوات الحكومية الباكستانية، وبين قوات حركة طالبان والقوات الأمريكية، إضافة إلى احتمالات دخول المليشيات الأصولية الإسلامية الأخرى في القتال ضد القوات الأمريكية والقوات الحكومية الباكستانية، مع احتمالات أن يشهد الجيش الباكستاني المزيد من التفكك.
• إيران: تشهد الساحة الإيرانية صراعاً بين المحافظين والإصلاحيين إضافة إلى احتمالات تزايد الصراعات في منطقة بلوشستان الجنوبية الشرقية وغيرها من مناطق الأقليات السنية والإثنية الإيرانية وما هو أهم يتمثل في صراع إيران مع محور واشنطن – تل أبيب الذي وصل منذ فترة طويلة إلى صراع على حافة الحرب.
التطورات الجارية في باكستان تنذر باحتمالات مواجهة الحكومة الباكستانية المزيد من الانهيارات الميدانية وتزايد ظاهرة وسقوط المحافظات في أيدي المليشيات الأصولية الإسلامية. أما في الصراع في أفغانستان فمن المتوقع أن يشهد المزيد من المعارك والاضطرابات الداخلية وعلى وجه الخصوص المناطق الجنوبية إضافة إلى احتمالات تزايد معاناة قوات الناتو بسبب عدم انتظام الإمدادات.
* الأبعاد غير المعلنة لقمة طهران الثلاثية:
تتضمن خلفيات قمة طهران الثلاثية العديد من التساؤلات حول مدى مصداقية مستقبل الوجود الأمريكي في المنطقة وحالياً تواجه الاستراتيجية الأمريكية مأزقاً حقيقياً إزاء القيام بالمفاضلة بين الخيارات والبدائل المتاحة خاصة وأن حسابات الفرص والمخاطر الخاصة بكل خيار وبديل أصبحت أكثر تعقيداً بسبب التطورات الميدانية المضطردة التي أصبحت عجلتها تسابق كل حسابات دوائر صنع واتخاذ القرار العسكري – الأمني الأمريكي.هذا، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الإشارة إلى بعض هذه الخيارات والبدائل الأمريكية المعقدة على النحو الآتي:
خيار زيادة القوات الأمريكية:
أكدت الإدارة الأمريكية على خيار زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان ولكن بسبب تزايد الصراع في باكستان برز خلاف بين الخبراء الأمريكيين حول أيهما أفضل: إرسال القوات الأمريكية إلى أفغانستان أولاً لمساعدة قوات الناتو وحكومة كرزاي في القضاء على طالبان الأفغانية، أم إرسالها إلى باكستان للمساعدة في القضاء على حركة طالبان الباكستانية؟
• خيار تأمين خطوط الإمداد:
بسبب تصاعد الصراع في باكستان وتزايد قوة حركة طالبان الباكستانية أصبحت خطوط إمداد قوات الناتو والقوات الأمريكية العابرة للأراضي الباكستانية أكثر تعرضاً للضربات واستطاعت حركة طالبان الباكستانية تدمير العديد من قوافل الإمدادات داخل باكستان قبل وصولها إلى الحدود الأفغانية، وتتضمن الجهود الأمريكية تأمين خطوط الإمداد ولكن ما زالت المفاضلة بين جدوى كل واحد منها تصطدم بالمشاكل والعقبات:
- خط الإمداد عبر آسيا الوسطى: تتمثل المصاعب في النفوذ الروسي على آسيا الوسطى إضافة إلى انخراط دول آسيا الوسطى في منظمة تعاون شنغهاي التي تضم كل من الصين وروسيا، وبالتالي فإن الحصول على موافقة هذه الأطراف تتطلب من واشنطن تقديم المزيد من التنازلات الصعبة لكل من الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى إضافة إلى ذلك فإن تحالف قوات الشمال المسيطر على الجزء الشمالي من أفغانستان يشترط اقتسام السلطة والثروة مع حكومة كرزاي، إضافة إلى الدعم الأمريكي للموافقة على مرور خطوط الإمداد عبر مناطق سيطرتها.
- خط الإمداد عبر الأراضي الصينية يشترط الحصول على موافقة بكين، ويتطلب عقد صفقة أمريكية – صينية تقدم فيها أمريكا التنازلات التي لن يكون أقلها ملف تايوان وملف حركات الإيغور، وملف تمرد التبت الذي يقوده الدلاي لاما، إضافة إلى التزام أمريكا بالضغط على الهند في ملفات نيبال وبوتان وهي تنازلات سوف لن تؤدي إلا إلى تراجع النفوذ الأمريكي وصعود النفوذ الصيني.
- خط الإمداد عبر الأراضي الإيرانية: يشترط موافقة إيران ويتطلب تقديم المزيد من التنازلات الأمريكية لطهران في ملفات برنامجها النووي وملف العراق والعقوبات الاقتصادية.حتى الآن، لم تحسم واشنطن خياراتها النهائية لجهة تحديد المكان الأمثل لإرسال القوات الأمريكية باكستان أو أفغانستان؟ ولجهة تحديد خط الإمداد البديل من آسيا الوسطى أو الصين أو إيران؟
* هل من صفقة جديدة؟
تشير المعلومات إلى أن إيران أصبحت أكثر اهتماماً بالتطورات الجارية في المسرح الأفغاني – الباكستاني على أساس اعتبارات أن حركة طالبان بشقيها الأفغاني والباكستاني سيشكل نموها وسيطرتها على الأوضاع خطراً محتملاً ضد إيران، وما يهم الإيرانيين أكثر أن تصاعد نفوذ حركة طالبان وإن كان سيترتب عليه إضعاف النفوذ الأمريكي فإنه من الناحية الأخرى سيترتب عليه تزايد النفوذ السعودي في أفغانستان وباكستان.وتأسيساً على ذلك، فقد أشارت التقارير إلى أن أجندة جدول أعمال القمة الثلاثية الإيرانية – الأفغانية – الباكستانية قد ركزت حصراً على كيفية القضاء على الخطر المشترك المتمثل في صعود قوة ونفوذ حركة طالبان بشقيها الباكستاني والأفغاني.
وأضافت التقارير أن واشنطن ستحاول دفع طهران إلى القبول بصفقة وفقاً لصيغة السماح لإيران بدعم حلفائها الأفغان مقابل أن تسمح بمرور إمدادات حلف الناتو عبر أراضيها، وتشير التقارير إلى أن إيران سبق وأجرت اتصالات مع زعماء تحالف قوى الشمال الأفغاني.أما بالنسبة للموقف الإيراني إزاء التحركات الدبلوماسية الأمريكية التي تتم عبر الوكيل الباكستاني والوكيل الأفغاني فإن إيران على الأغلب أن ترفض العرض الأمريكي لأنه يتضمن قدراً كبيراً من عدم التكافؤ إضافة إلى أنه عرض غير متوازن لأنه من جهة يتيح لإيران القضاء على الخطر الثانوي المحتمل المتمثل في حركة طالبان والنفوذ الدبلوماسي السعودي مع احتمالات توريط إيران في مستنقع المسرح الأفغاني – الباكستاني ومن الجهة الأخرى يجعل إيران أكثر انكشافاً في مواجهة خطر محور واشنطن – تل أبيب المتزايد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق