الثلاثاء، 26 مايو 2009
عرب إسرائيل ضد 'عروبة' إيران ....عبد الحليم قنديل
كل كلام عن المفاوضات والتسويات مع إسرائيل ينتهي دائما إلى المحصلة الصفرية .هذه حقيقة يدركها حتى الذين يقضون آناء الليل وأطراف النهار، وهم يحدثونك عن السلام، وعن حسن الظن بالإدارة الأمريكية الجديدة، وعن أمل مراوغ في كلام نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي يتحدث عن مسارات اقتصادية وأمنية وسياسية، وإلى آخر كل هذا الكلام المتخشب الذي لا معنى له، والذي تحول إلى فولكلور سخيف في الصفحات الأولى للصحف وفي مقدمة نشرات الأخبار، فقد انفصلت المعاني عن المباني، وانفكت العروة الوثقي بين التفاوض وموازين القوة، وصار الحديث عن المفاوضات ـ في ذاته ـ كأنه حرفة، وعن الرحلات إلى واشنطن كأنها بعثة الحج (!). وقد لا نكون في حاجة إلى قليل من ذكاء لندرك الحقيقة، وهي أنه لا أحد يقصد ما يقول، فلا إسرائيل مستعدة لانسحاب من الضفة والقدس بمجرد الكلام والإلحاح عليه، ولا الحكام العرب ـ من عينة مبارك المصري وعبد الله الأردني وعباس الفلسطيني ـ عندهم حل ولا أمل، ولا أمريكا ـ حتى مع سحر أوباما ـ قادرة على اجتراح حلول، أو الإصرار عليها، فلا أحد يسعى لتجاوز أزمة، بل هي مجرد تحركات لإدارة أزمة، ولا فرق بين كلام أوباما عن 'حل الدولتين ' وكلام بوش، وكله كلام لا يعدو كونه دخانا ينفث في الهواء، وخطط توضع إثر خطط، وميزانيات إنفاق، ورحلات طائرات، ودوائر مفاوضات حلزونية لا تنتهي لغير تكريس الاحتلال، وتوحش الاستيطان، وهدم منازل القدس، ومحو ما تبقى من عروبتها .وربما يكون البعض ميالا لانتظار، وإلى أن يذهب مبارك وعباس للقاء أوباما، وإلى ترقب إعلان الإدارة الأمريكية عن خطة جديدة، مع أن الخطاب ظاهر من عنوانه، فلن تطلب أمريكا من إسرائيل غير إبداء الاستعداد لاستئناف مفاوضات عبثية، وسوف تكرر كلاما ـ بلا ضغط ـ عن وقف الاستيطان، ثم يكون الطلب الجدي ـ كالعادة ـ هو إيقاف المقاومة المنعوته بالإرهاب، وحصار حماس وأخواتها من حركات المقاومة الفلسطينية، والتعهد بتوسيع رقعة التطبيع والتعجيل بها في تعديل مطلوب لنص ما يسمى ' مبادرة السلام العربية '، والمحصلة ظاهرة، فالأطراف العربية المعنية لا تسعى سوى لغطاء أمريكي يستر تنازلاتها ومؤخراتها، ويوفر الأجواء الملائمة لما هو أهم، وهو المشاركة الجادة في معركة أخرى جارية، والتحالف الضمني ـ فالظاهر ـ مع إسرائيل تحت القيادة الأمريكية، وتصوير إيران كأنها العدو الأولى بالنزال، وإجراء تبديل جوهري في اللغة السياسية المتداولة، وبحيث يحل الصراع العربي ـ الإيراني محل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والترويج المطرد لحكاية صدام المعتدلين ضد المتطرفين، ودون تعيين قومي أو ثقافي أو تاريخي .وقد يقولون لك ان ثمة خلافا بين أمريكا وإسرائيل، فأوباما يكرر حديثه عن 'حل الدولتين'، بينما نتنياهو يرفض النطق أو التصريح بالكلمة السحرية، وكأن هؤلاء نسوا أن بوش كان يتحدث دائما عن 'حل الدولتين'، وأن رؤساء وزارات إسرائيل السابقين كلهم تحدثوا عن حل الدولتين إياه، ودون أن يعني ذلك شيئا بالمرة، ودون أن تفعل أمريكا سوى منح مزيد من الضمانات لإسرائيل. ما علينا، ربما الأهم أنهم يقولون لك ان إسرائيل تسعى إلى تقديم الخطر الإيراني، وإعطاء الأولوية لمواجهته، وهذا صحيح، فإسرائيل تسعى إلى دعم أمريكي لرغبتها في ضرب إيران، أو إلى توريط أمريكا ذاتها في ضرب إيران نيابة عنها، وهو ما يبدو ـ لأول وهلة ـ مخالفا لرغبة أوباما في حوار مع إيران، وهي الرغبة التي عبر عنها في حملته الانتخابية، وداوم على ترديدها بعد أن أصبح رئيسا رسميا، لكن المدقق في التصريحات يدرك التغير الذي لحق بلغة أوباما، فقد عادت لغة أوباما لتقترب من لغة بوش، ووضع ـ تحت ضغط اللوبي الإسرائيلي ـ سقفا زمنيا للحوار ينتهي بنهاية العام 2009، ثم انه عاد ليتحدث عن الخيارات المفتوحة باتجاه إيران، ولم يستبعد اللجوء إلى مزيد من العقوبات أو حتى الخيار العسكري، ويبدو هذا التغير مريحا للسياسة الإسرائيلية، والتي ناورت بالحديث عن ضربة إسرائيلية منفردة لمنشآت إيران النووية، ثم أبدت تراجعا مقابل تغير جوهري في لغة أوباما باتجاه إيران، وجعلت أفيغدور ليبرمان ـ وزير خارجيتها الأشد تعصبا ـ مسؤولا عن الحوار الاستراتيجي مع واشنطن، وهكذا تدافعت الخطوات لتسوية الخلافات، ولرسم أسس تحالف أمريكي ـ إسرائيلي ضد إيران، وهي تريد الآن ـ بمعونة الراعي الأمريكي ـ جذب أطراف عربية للتحالف ذاته، وتوزيع الأدوار عليها، وبحيث تنهض مصر ـ من خلال الحوار الفلسطيني ـ بمهمة محاصرة حماس ذات العلاقة الطيبة مع إيران، فيما تنهض السعودية ـ على الجبهة اللبنانية ـ بمهمة حصار حزب الله الحليف الأقوى لإيران.هذه خرائط الصراع الذي يراد فرضه على المنطقة، ولا يبدو فيها من أثر لمصلحة عربية ولا فلسطينية من باب أولى، فأولوية الصدام مع إيران تنطوي على مصلحة إسرائيلية مدعومة أمريكيا باطراد، والنظم العربية المعنية لا دور لها غير دعم المجهود الحربي والسياسي لإسرائيل، وهي لا تطلب سوى بعض أوراق توت وتصريحات باهته عن السلام والمفاوضات والذي منه، وربما لا تدرك أنها عارية وفي عراء تاريخي، فاللعبة مكشوفة، وهذه النظم تسعى إلى صالحها الذاتي لا إلى مصالح شعوبها، فهي غير منتخبة ديمقراطيا، ولا يوجد حس شعوري يربطها بالناس، ومجمعها الانتخابي الافتراضي في جيب إسرائيل وواشنطن، وهي تطبق القاعدة الذهبية لبقائها، أي تكثيف محبة إسرائيل لكسب رضا أمريكا، ثم التسليم ـ كرها أو طوعا ـ لإسرائيل بما تطلب، وعلى مراحل صارت معروفة، وهي أن يبدو الطلب أمريكيا لا إسرائيليا، أي أن يكتب الطلب باللغة الإنكليزية المخففة لا باللغة العبرية القحة، ثم أن يجري تعريب الطلب الأمريكي بركاكات السياسة إياها، وهي مزيج من أحاديث السلام مع إسرائيل مخلوطة بأحاديث الحروب بين الشيعة والسنة، والمحصلة: أن تبدو الحرب مع إيران بديلا عن حرب مع إسرائيل لا نقدر عليها، فإيران القوية تذكر النظم العربية بذنوبها وخطاياها، وكلما زادت قوة إيران تضاءلت هذه النظم، وبدت إيران ـ غير العربية ـ كأنها الدولة العربية الوحيدة في المنطقة، والتي تدعم المقاومة العربية بكثافة على جبهات لبنان وفلسطين، وإن تخلفت ـ بدواعي التعقيد الطائفي ـ عن دعم المقاومة في العراق الذي جرى غزوه واحتلاله أمريكيا بدعم مالي ولوجستي من النظم العربية .وربما لا تكون في حاجة إلى عين زرقاء اليمامة لتتنبأ بما سيجري، فإحلال الصراع العربي ـ الإيراني محل الصراع العربي ـ الإسرائيلي هو ذهاب إلى المكان الخطأ في الزمان الخطأ، وهو يضيف إلى شعبية وجاذبية النظام الإيراني في المنطقة كلها، فإيران لها استقلال قرارها، ولها مشروعها النووي والصاروخي وصناعاتها العسكرية المتطورة، ولها نظامها نصف الديمقراطي مقابل الديكتاتورية الكاملة للنظم العربية، وبوسعها امتصاص أثر أي ضربة إسرائيلية أو أمريكية محتملة، ثم انها تستطيع أن ترد بعنف بالأصالة أو بالوكالة، وهو ما يعني ـ في الحساب الأخير ـ تكريسا لاعتراف أمريكي بالنظام الإيراني وقوته الضاربة، بينما لا تبدو النظم العربية المعنية سوى سلال مهملات، وبقايا ديناصورات منقرضة، وموتى في قبر بلا عنوان، فليس من عنوان يليق للعرب اليوم سوى حركات المقاومة، وهي في الطرف الأقرب لإيران والأبعد عن النظم العربية، ثم انها الطرف الأبقى في الصراع الأبقى مع إسرائيل.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق