ماذا يجري في مصر هذه الأيام؟ هل يرقص ملايين من الشعب المصري على أنغام السيسي؟ وكيف اندلعت حفلة الجنون تلك؟ هل بدأ عمرو أديب الرقص وتبعه الآخرون من أمثال علاء الأسواني (صاحب شعار «الفاشيّة هي الحل» هذه الأيام)؟ وما الذي أدّى إلى تناسي الخلافات السياسية والأيدلوجية بين الناس في هستيريا العداء نحو الإخوان؟ ما الذي أمدّ المناخ السياسي المصري فجأة بمزاج فظيع من الفاشية، تفوح رائحته العفنة من معظم المحطات التلفزيونية المصرية ومن الإعلام السعودي الذي بات الناطق شبه الرسمي باسم مسخ ثورة السيسي؟ وكيف استطاع السيسي أن يجذب إليه هذا العدد الهائل من المعجبين والمصفقين والهتّافين والشبيحة والمُطبّلين من دون أن يكون له أي إنجازات تُذكر؟
وضع عالم النفس الشهير (والمُثير للجدل، على ما يقول الغرب عن كل من يحيد عن صراط الإجماع العام والمفروض بوسائل شتّى)، ويلهالم رايخ، كتابه «علم نفس الفاشيّة على المستوى الجماهيري» لبحث مسألة انتشار وباء النازيّة، ولتحليل أسباب اندفاع الشعب الألماني وراء الظاهرة الهتلريّة. (الكتاب مُنع في ألمانيا، كذلك فإن قاضياً أميركيّاً طالب بحرقه، وقد تعرّض رايخ للقمع من الحكومة الأميركيّة بعد هروبه من ألمانيا النازيّة). رايخ لم يكن مقتنعاً بأن أسباب نجاح النازيّة هي محض سياسيّة أو حتى اقتصاديّة. توصّل إلى خلاصة أنّ الكبت الجنسي الذي يصاحب نشأة الطفل والولد ثم الرجل، يعرّض الفرد لأمراض نفسيّة واجتماعيّة تجعله عرضةً للسيطرة والقولبة من دولة أو حركة فاشيّة، أي إنّ رايخ (الذي ساوى بين النازيّة وما سماه «الفاشيّة الحمراء»، أي الشيوعيّة، مما عرّضه للطرد من الحزب الشيوعي الألماني) رأى أنّ قمع الرغبات الجنسيّة للفرد يجعله سهل الانقياد وعرضة للفكر والممارسة التسلطيين. لن نغوص في هذا الموضوع وحول تركيز رايخ على الكبت الجنسي كعامل مفسّر، أكثر من العامل الطبقي، مع أن نوال السعداوي في كتاباتها (غير العمليّة وغير النسويّة البتّة) الأولى عزت كل الجرائم الجنسيّة في المجتمع العربي إلى الكبت الجنسي، وكأن المجتمعات الغربيّة خالية من جرائم الجنس. لكن رايخ أفرد قسماً للحديث عن دور العائلة في إعداد الفرد للانضواء في مشروع الفاشيّة، وكيف أن العائلة يمكن أن تكون خير مُعدّ. أعدّت العائلة الألمانيّة جيلاً كاملاً من الشباب للجيش النازي وفرق الموت التي آزرته. لكن دراسة ثيودور أدورنو عن «الشخصيّة التسلطيّة» كانت أكثر شمولاً وأقل هوساً بالشاغل الجنسي من رايخ. لكن من يعدّ شعوبنا نحن للأنظمة والأفكار الفاشيّة؟ هل القابليّة لاستقبال فاشيّة السيسي كانت عفويّة أم كانت نتاج عمل سنوات سبقته؟ هل الفاشيّة تطلّ برأسها مجدّداً بعدما فشلت في التجذّر إثر هزيمة فلسطين عام 1948، عندما تنطّح طغاة عسكريّون في سوريا والعراق للحكم باسم تحرير فلسطين؟ والموضوع لا يتعلّق بثقافة استثنائيّة للعرب ولا بتأثّر العرب بالنازيّة كما ردّدت أبواق صهيونيّة لتقويض الدعائم الشرعيّة الأخلاقيّة لقضيّة فلسطين، لكن اليأس والهزيمة عندما يجتمعان مع الديماغوجيا تعرّض الشعوب لأخطار. يقول سامي الجندي في كتابه «البعث» _ قد يكون هذا الكتاب للساعة أفضل نماذج الأدب السياسي العربي المعاصر _: «من عاش في تلك الفترة في دمشق يقدّر ميل الشعب العربي إلى النازيّة، فقد كانت القوة التي تأخذ بثاراته» (ص: 27). لكن السيسي يعيش في غير مكان وزمان، وهو لم يعد بالتحرير، وهو يحظى بدعم لوبي متراص أُنشئ من أجله في واشنطن ويضمّ، إضافة إلى العدو الإسرائيلي، دولة آل سعود وآل نهيان التي سماها معلّق إسرائيلي «محور العقل».
ومن دون الإسقاط على الوضع المصري، نتساءل: كيف اكتشف الشعب المصري فجأة _ أو ملايين منه وهي تتحدّث باسم كل الشعب من دون استثناء، وخصوصاً أن كل مؤيّدي الإخوان ليسوا من الشعب، ولا هم إخوة في الإنسانيّة. قل بهائم هم، يستحقون القتل والتمثيل بهم، على ما يقول إعلام السيسي وإعلام آل سعود المُتحالف معه _ تحوّل ملايين المؤيّدين والمؤيّدات للإخوان _ الذين في سنة واحدة فازوا في الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة ومن دون اعتراضات تُذكر حول نزاهة أو عدم نزاهة الانتخابات _ إلى إرهابيّين. والشاشات المصريّة باتت تثبت في ركن على الشاشة عبارة «مصر تحارب الإرهاب» _ وباللغة الإنكليزيّة، لأن كل الأنظمة العربيّة تتوجّه إلى رجال الغرب البيض أكثر مما تتوجّه إلى شعوبها. عبارة الإرهاب في مصر باتت تمثّل ما تمثّل عبارة الإرهاب في دولة العدوّ الإسرائيلي. وكل الأنظمة العربيّة التي أعلنت حروباً على الإرهاب (من النظام العراقي إلى السوري والبحريني والسعودي والإماراتي والمصري) أعلنت حروبها ضد الإرهاب من أجل التوجّه نحو الغرب وكسب عطفه وحنانه ومساعداته وأسلحته وتفهمه لجرائمها. وهذا النمط يفعل فعله في الغرب، وخصوصاً أن الإرهابيّين هم عادة خصوم الغرب، باستثناء الحالة السوريّة (بعد 2011 فقط) عندما تبنّت الحكومة الأميركيّة العصابات السوريّة المسلّحة ما عدا «جبهة النصرة». لكن الدولة السيسيّة في مصر تجمع عناصر من الفاشيّة ومن النظام التسلطي الفائق، المُسمّى «التوليتاريّة» أو الشموليّة. يختصر الشخص القائد الأمّة: ولم يتورّع جهاز الدعاية لدولة الانقلاب العسكري في مصر عن نشر ملصق وصور بعنوان «مصر كلّها السيسي». وهذه الصور تختصر النزعة الفاشيّة المتصاعدة في مصر: وفي الصورة يظهر السيسي في ألبسة متعدّدة ويتقدّم _ طبعاً _ باللباس العسكري، أي إنّ السيسي وحده اختصر ما يُسمّى «الأمة المصريّة». ولهذا يتحدّث السيسي ويأمر بالقتل والمجازر والقمع باسم الشعب المصري. السيسي هو الفلاح والعامل وصاحب المليارات، هو ساكن الترع والقصور، هو الليبرالي والناصري واليساري والوهابي السلفي. جمع كل هؤلاء في شخصه.
وملاحم الفاشيّة المنتشرة في مصر تظهر على أكثر من صعيد: في عبادة الزعيم مُختصر الأمّة، وفي عبادة الدولة. لم تنل الدولة من الثناء في تاريخها ما لقيته من ثناء أثناء حكم السيسي. تصبح الدولة ممثّلة لإرادة الشعب المصري، أو هي، على حدّ وصف هيغل في «فلسفة الحق»، التطبيق الفعلي «للفكرة المثالية». وعجزت الدولة عن الكمال قبل السيسي، وستعجز بعده، أي إن كمال الدولة والأمة يحتاج إلى وجود السيسي. وأطلق حكم السيسي، على نسق الأنظمة الفاشيّة، حملة تخويف شاملة من العنصر «الأجنبي» و«الغريب» الذي لا تستقيم الحياة العاديّة من دون قتله، وسريعاً وبكل الطرق. والغريب «الإرهابي» _ يبدو أن الخطاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بات مرغوباً من طغاة «الحروب المنتشرة ضد الإرهاب» _ يرقد في أكثر الأمكنة أماناً. وعلى طريقة صدّام حسين في مخاطبة الناس، أطلق السيسي حملة إعلاميّة قادها هو بديماغوجيا بارعة (يعرّف الإغريق العبارة التي نحتوها بـ«الثناء على الجماهير») لتحذير العامّة من هؤلاء الذين يختبئون بيننا ويحتاجون إلى أجهزة الدولة الأمنيّة للتخلّص منهم. والقوميّة المصريّة الشوفينيّة لم تبدأ مع السيسي: بُعثت في حقبة الحكم البريطاني على أيدي النخبة الليبراليّة المتعاونة مع الاحتلال والتي أرادت أن تجد مُسوّغاً للحفاظ على حكم الغرب، بطريقة أو أخرى، لكنها تجدّدت بعد الحقبة الناصريّة مباشرة على يد أنور السادات الذي نجح في إبدال الخطاب القومي بالخطاب القطري الشوفيني (وكان السادات يحذّر المصريّين من أخطار العرب ويذكّرهم يوميّاً _ على طريقة القوميّة الفينيقيّة البلهاء _ بعظمة الحضارة المصريّة القديمة (مع أنه كان لمصر القديمة حضارة، خلافاً للبنان القديم). لكن مبارك لم يكن يكترث للحديث والخطاب والمخاطبة: ترك أمور الحكم لأجهزة الأمن والاستخبارات وأميركا وإسرائيل. اكتفى بالتنعّم مع عائلته بمباهج الحياة، على أن ينفّذ أوامر أميركا وإسرائيل. وأنظمة الخليج كانت له شريكاً في ذلك، ولم يغفر الحكم السعودي حتى الساعة لـ«الثورة المصريّة» (الأولى، لأن الثانية تجري بقيادة ملك السعوديّة) ظلمها لخادمها المُطيع.
وقد استنبط السيسي أيضاً خطاب «الثورة» من جديد. لم تكتمل «الثورة» _ وهي لم تحصل بعد لأن الانتفاضات والتحركات الشعبيّة المصريّة منذ 2011 لم ترتقي بعد إلى مرتبة ثوريّة حقيقيّة، ويكفي النظر في خلفيّة حكام مصر الجدد للتيقّن من ذلك _ إلا بعدما ركب موجتها السيسي، أي إنّ النظام المباركي، وهو نظام عسكري ــ أمني في الصميم منذ فرض اتفاق السلام مع العدو الإسرائيلي، احتاج إلى أن يعود بعدما اتفق المصريّون والمصريّات على تسميته اعتباطاً «الثورة»، ولا تحلو العودة إلا كـ«ثورة»، أو مرحلة أعلى من الثورة. هذا على طريقة البعث في استسهال لقب الثورة، ثم إطلاق اسم «الحركة التصحيحية» على «الانقلابات» التي تقضي على نظام «الثورة».
لكن انخراط قطاعات في الصحافة المصريّة وفي الشعب المصري عامّة يشير إلى مزاج متقبّل للفاشيّة. بات الناس أو بعضهم يبحثون عن اللهجة الفلسطينيّة، وكعادة الأنظمة العربيّة التسلطيّة أصبح العنصر الفلسطيني الغريب مصدر قلق وإزعاج وإرهاب يقتضي استئصاله. وكلمة استئصال أساسيّة هنا، وقد استعمل مصطلحات مماثلة سفير السيسي في لندن الذي أراد أن يشبّه حملة النظام المصري على أعدائه بالحملة البريطانيّة على النازيّة، ولم يلاحظ أن النظام الذي يدافع عنه أقرب إلى عدوّ بريطانيا النازي منه إلى النظام البريطاني في الحرب العالميّة الثانيّة. من كان يتصوّر أن يتحوّل كل مواطن مصري إلى «خفير» ومُخبر وجاسوس ومُنفّذ لإرادة الدولة الأمنيّة، مع شيوع الوهم أنّ المواطن هو الحاكم؟ من الإهانة لشخص روبسبيير العظيم في الثورة الفرنسيّة تشبيهه بالسيسي. لكن الأوّل لم يكن ينطق إلا باسم «المواطنين». أصبحت هي كلمة السرّ. وكان رونالد ريغان، مُجدّد الدولة اليمينيّة الرأسماليّة المُتفلّتة في أميركا، يُكرّر على مسامع الشعب الأميركي مقولته «إنكم أنتم، أيها الشعب، الحكومة»، وليست الحكومة عينها. وكانت تلك العبارة تثير الجماهير الأميركيّة وتحفّز حناجرها وأكفّها. من كان يتصوّر أن الإعلاميّة القديرة والشجاعة، منى عشماوي، ستطلق دعوات علنيّة إلى الاستخبارات المصريّة على «فايسبوك» لإلقاء القبض على زملاء لها في المهنة بتهمة الخيانة! كيف تحوّل صحافيّون وصحافيّات شجعان إلى متطوّعين في البوليس السرّي المصري؟
وبرنامج «الحديث السياسي» على الأقنية المصريّة بات طقساً من طقوس الدرس الفاشي اليومي للناس، وما على المشاهد إلا تعليق العقل حتى إشعار آخر. متحدّث رئاسي يصرّ على أن قوّات الأمن ضبطت نفسها إلى أقصى حدّ عندما قتلت أكثر من 1000 مصري أعزل في غضون أيام. والإعلام المصري قال إنّ جثثاً لأبرياء وجدت في مساجد كان الإخوان يعتصمون فيها، وأضافوا تفسيراً للحدث: قالوا إن الإخوان في اعتصام «رابعة» قتلوا الأبرياء هناك ثم سحبوا جثثهم معهم عندما هربوا نحو المسجد. أما سبب سحب الجثث إلى أماكن آمنة بعد قتلها فلم يُقدّم له تفسير. والغريب أن ترى عمرو أديب، ذلك الذي يمثّل الرجعيّة اليمينيّة المباركيّة بأبشع صورها، يجمع حوله إعلاميّين يساريّين وناصريّين، ويتفقون في وصف الحال المصريّة. وانتشار النزعة الفاشيّة في مصر باد من خلال الإجماع حول السيسي الذي للمرّة الأولى جمع ناصريّين مع يساريّين مع فلول. والذين كرّسوا حياتهم لمواجهة العدوان الإسرائيلي ونظام كامب ديفيد تحوّلوا إلى متحمّسين لفرض مزيد من العقوبات على أهل غزة.
أحسن السيسي في التعويل على أجهزة الإعلام حتى في التشبيه الناصري غير المطابق للحقيقة. قتل السيسي في أيام أكثر بكثير مما قتل النظام الناصري في تاريخه كلّه. كذلك فإن النظام الناصري انتهج سياسة اقتصاديّة ـــ اجتماعيّة ثوريّة بالفعل: أي إنها قطعت بالفعل مع ما سبقها. أما نظام السيسي فهو استمرار للسياسة المباركيّة. هذا لا يعني أن نظام الإخوان قطع ثوريّاً مع ما سبقه: على العكس. دفع الإخوان (الذين لا يستحقون العطف، خصوصاً محمد مرسي الذي ظن أن خدماته للعدو الإسرائيلي وصداقته مع شمعون بيريز كافيتان للحفاظ على حكمه) ثمن سذاجة افتراضهم لإمكان التعايش بين نظام الإخوان المُنتخب وأجهزة الأمن والجيش غير الخاضعة لحكم الشعب ومساءلته. وقد تفاوض نظام الإخوان مع القيادة العسكريّة وقبل منها _ باسم «الثورة» _ ألا يمس الحكم المنتخب أي شيء يتعلّق بالموازنة العسكريّة أو بالسياسة الخارجيّة أو الأمنيّة. لكن النظام الإخواني ظنّ أنه يستطيع أن يحكم بالرغم من ذلك.
اليسار والليبراليّة والقوميّة الناصريّة أحاطت بالسيسي وأغدقت عليه وعلى جرائمه الثناء. حركة «تمرّد» (أو بعض منها) تحوّلت بسرعة إلى مهزلة: محمود بدر يظهر في شريط على «يوتيوب» «قبل وبعد». كان يتهم النظام السعودي بشتّى الاتهامات ويندّد بمعاداته للشعب المصري، لكنه استحال بعد ليلة وضحاها، أو أقل أو أكثر قليلاً، إلى مؤيّد للحكم السعودي وبدا منشرحاً عندما وقف مبتسماً إلى جانب الزعيم العربي الثوري المعروف، عبدالله بن زايد آل نهيان. وحمدين صباحي بعث بتحيّة، مثلما بعث غيره، إلى مملكة القهر الوهابيّة التي لم تتوقف لحظة عن التآمر ضد الحكم الناصري. لا، صباحي لم يكتف بذلك، بل دعا إلى عقد قمّة عربيّة خاصة بمحاربة الإرهاب. لعلّ قصف الأنفاق في غزة وتضييق الحصار على أهلها لم يشفيا غليله. وحتى معسكر «الممانعة» وإعلامه الغبي (وهو متنبّه هذه الأيّام للخطر الماسوني، فاحذروا) يبدي حماسة للانقلاب المصري، مع أن أعداءه الألدّاء، أعداءه اللدودين (أي إسرائيل والسعوديّة ودولة الإمارات) يرعون نظام السيسي.
حالة من التوتّر الفاشي تسود الشارع المصري. لم يعد الإخواني من فصيلة البشر: هم إرهابيّون لا يستحقون إلا القتل، وبعد قتلهم يلامون هم على موتهم. والقيادة العسكريّة المصريّة _ عماد اتفاق السلام مع العدو الإسرائيلي _ تبثّ الخوف والرعب في أوساط الناس المتشوّقين إلى رؤية هزيمة ماحقة تصيب أكبر حزب في مصر. والإخوان، على سوئهم وعلى غبائهم وعلى تآمرهم التاريخي ضد كل القضايا التحرّرية والاشتراكيّة في العالم العربي، والذين أثبتوا من خلال حكمهم أنهم يبيعون الإسلام وفلسطين من أجل البقاء في السلطة، وأن الجهاد لا يعني لهم أكثر من رسالة تملّق مقيتة من زعيمهم إلى شمعون بيريز، تحوّلوا إلى عدوّ أسوأ من إسرائيل نفسها عند تحالف الفلول ـــ الناصريّة ـــ اليساريّة ـــ الليبراليّة وغيرهم، كما أن آل سعود نجحوا من خلال إعلامهم في إقناع ملايين العرب أن إيران عدوّ أخطر على العرب والمسلمين من إسرائيل.
لكن الدوائر تدور عندما يكون الحكم جائراً ومتسلطاً وعسكريّاً. الذين قتلوا الإخوان هم الذين قتلوا «الثوّار» عام 2011، وهم الذين سوف يقتلون غيرهم عندما يرتأون ذلك. يهتف الناصريّون وبعض اليساريّين (باستثناء «الاشتراكيّين الثوريّين» الذين وقفوا وقفة شجاعة في مواجهة الإخوان وحكم العسكر معاً منذ انطلاق الانتفاضة المصريّة) بحياة السيسي الذي سيقودهم إلى المقصلة لاحقاً. هم مثل قادة حزب توده الذين وقفوا مع الخميني، قبل أن يُعرضوا كخونة على شاشة التلفزيون وقبل أن يواجهوا حكم الإعدام من النظام الذي ساهموا هم (وبغباء شديد) في صنعه. والحمّى الفاشية التي يعاني منها الملايين من المصريّين ستعود بالويلات على الشعب المصري بأكمله. لم ينجج أي نظام مصري في اقتلاع الإخوان، وهذه الحملة لا يمكن أن تقضي على الإخوان. على العكس، هم سيعودون وقد أعطاهم أعداؤهم السلاح الذي سيواجهونهم به. شرّع حكم السيسي ومن يمشي وراء السيسي استعمال العنف من قبل الإخوان مستقبلاً.
هناك في مصر من هو (أو هي) واقع تحت وطأة الخوف أو الذعر. التخويف من خطر «الإرهاب» يفعل فعله _ اسألوني أنا في أميركا عن ذلك، إذ إن عامل التخويف كان أساسيّاً في حملة إعادة انتخاب بوش للرئاسة. لكن هناك التحالف بين الفلول ونظام السيسي. عندما ترى أن عضو الاستخبارات السابق (والصحافي الحالي) نبيل عبد الفتاح يتحدّث باسم الثورة، وعندما ترى عمرو أديب (أسوأ نماذج الإعلام المصري المباركي) يتحدّث بالنيابة عن جماهير الثورة، تدرك أن ليس هناك ثورة، بل ثورة مضادة ترتدي ملابس ثورة لا تليق بها بتاتاً.
* كاتب عربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق