واغتيال "البنا" أربك التنظيم..
ومحنة 54 أخضعتها للمحاكمات العسكرية
تعرضت جماعة الإخوان المسلمين على مدار تاريخها إلى كثير من المحن التي كادت تعصف بالجماعة، والتي كان أولها كشف التنظيم الخاص وأسماء أعضائه فيما يعرف بقضية السيارة الجيب، ثم بعد ذلك اغتيال حسن البنا وتفكيك التنظيم وإعادة انتخاب حسن الهضيبي مرشدًا سريًا للجماعة، وأخيرًا المحنة الأعظم وهي محنة عام 54 وإعدام ستة من أكبر قيادات الجماعة، تبعها إعدام ثلاثة آخرين من أعضاء مكتب الإرشاد. حادث "السيارة الجيب"
كانت أولى هذه المحن في 15 نوفمبر عام 1948 في القضية المعروفة بقضية "السيارة الجيب" والتي على إثرها تم حل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها واعتقال أعضائها، بعدما قرر النظام الخاص بالجماعة نقل محتوياته من أسلحة وذخيرة قالت الجماعة، إنها كانت تستخدمها في قتال الإنجليز، وقامت قوات الأمن باعتقال المتواجدين في السيارة، وبعدها قرر محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء حل جماعة الإخوان واعتقال أعضائها وفصل الموظفين والطلاب التابعين لها من الحكومة والجامعات.
وقد أدت هذه الواقعة إلى ارتباك النظام الخاص بالجماعة ارتباكًا شديدًا، وعلى إثر ذلك نفذ فرد من التنظيم عملية اغتيال محمود فهمي النقراشي دون علم حسن البنا أو عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم وهو عبد الحميد أحمد حسن طالب بكلية الطب البيطري.
"مقتل حسن البنا"
كانت المحنة الثانية هي مقتل المرشد حسن البنا، حيث كشف موقع "إخوان ويكي" أن الجنرال كلايتون مدير عام المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط قابل حسن البنا قبل وفاته بأيام قلائل وعرض عليه مساعدة مادية للجماعة تبلغ نصف مليون جنيه مصري وكذلك تطوير جريدة الإخوان المسلمين وخروج كل الإخوان المعتقلين من السجون، إلا أن البنا رفض العرض المغري مشككًا في نيته وما وراءه من أهداف سياسية تقضى على مشروع الجماعة.
وقال "الموقع" إن رفض البنا كل هذه الإغراءات هو من تسبب في مقتله حيث لم يجدوا معه بدًا إلا أن يقتلوه ـ على حد زعمهم ـ .
وفي يوم 12 فبراير 1949 نفذت عملية اغتيال حسن البنا في شارع "الملكة نازلي" ـ رمسيس حاليًا ـ في إحدى زياراته لمقر جمعية الشبان المسلمين، حيث انقطعت الكهرباء عن الشارع ودوهمت سيارة الأجرة التي كان يقلها البنا وأطلق مجهولون عليه النار.
أحدثت عملية اغتيال مرشد الجماعة شرخًا كبيرًا في هيكل التنظيم الأقوى في مصر حيث كانت جموع الإخوان بالمعتقلات وعدد كبير من مكتب الإرشاد كذلك، وظلت الجماعة بلا مرشد ولا توجيه ولا قرارات أو فعاليات.
ظل الأمر على ذلك حتى يناير عام 1951، حتى اجتمعت الهيئة التأسيسية للجماعة في منزل أحد قيادات الجماعة بحضور المستشار حسن الهضيبي وعدد آخر من القيادات، وبحثوا أمر الجماعة عمن كانوا سيحلون التنظيم أم سيعيدونه إلى الحياة مرة أخرى، إلا أن اتفقت الجموع الحاضرة على انتخاب المستشار حسن الهضيبي مرشدًا للجماعة على أن يؤدي عمله في سرية تامة لحين إعادة بناء التنظيم مرة أخرى.
( محنة 54 )
كانت محنة العام 54 هي المحنة الأصعب والأشهر التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين حيث بدأت المحنة حينما اتخذ الضباط الأحرار قرارًا بإزاحة محمد نجيب عن الحكم، وهو الأمر الذي أغضب الجماعة فانتفضت في مظاهرة حاشدة أمام قصر عابدين يوم 28 فبراير عام 1954 وحاصروا القصر من جميع الجهات، وكانت الجماعة قد شككت في نوايا جمال عبد الناصر التي وصفوها بـ "الوصولية".
وأجبر الضباط الأحرار في ذلك اليوم على إعادة محمد نجيب للحكم مرة أخرى، وتم تنفيذ حادثة المنشية بالإسكندرية، وهي حادثة إطلاق النار على جمال عبد الناصر وهو يخطب في الجماهير، وتختلف الروايات حول حقيقة الحادثة بين من يقول بأنها "تمثيلية" نفذها عبد الناصر للإطاحة بنجيب والإخوان، فيما يؤكد آخرون أن الإخوان أطلقوا النار ـ حقيقة ً ـ على عبد الناصر.
وبعد سيطرة عبد الناصر علي مقاليد السلطة وعزله محمد نجيب خرجت تظاهرات في جامعة القاهرة نظمها الإخوان المسلمين فتصدت لهم قوات الأمن وأطلقت عليهم الرصاص الحي، فخرج عبد القادر عودة ينتقد الجيش في إطلاقه النار على المتظاهرين فقاموا باعتقاله ونفذ فيه حكمًا بالإعدام يوم 9ديسمبر عام 1954 هو وخمسة آخرون من الإخوان هم محمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف، واستمرت المحنة باعتقال الإخوان وتعرضهم للمحاكمات العسكرية، وكانت المحاكمة العسكرية الثانية هي محاكمة عم 1966 والتي أعدم فيها سيد قطب، ومحمد يوسف هواش، وعبد الفتاح إسماعيل.
وبدأت الجماعة تتعرض لهزات بالغة القوة حيث توسعت الاعتقالات إلى أن أفرغت جميع الشُـعب الإخوانية من أعضائها، وهرب الكثيرون منهم خارج مصر، ووصلت المحاكمات العسكرية إلى صفوف شباب الجماعة ـ حينها ـ حتى طالت محمود عزت، ومحمد بديع، ورشاد البيومي، وجمعة أمين، السيد نزيلي، والسيد عسكر، وعلي لبن، وتراوحت مدة الحكم عليهم من 15 سنة إلى 25 سنة.
ولم تستطع الجماعة إعادة بناء تنظيمها مرة أخرى إلا بعد وفاة عبد الناصر حيث أوكل عدد من أعضاء مكتب الإرشاد مهمة إعادة تنظيم الجماعة إلى "عمر التلمساني" عضو مكتب الإرشاد حينها وتم انتخابه مرشدا للجماعة عام 1973، وذلك مع انفتاح المجتمع والجامعات للعمل السياسي، فبدأ في احتواء شباب "الجماعة الإسلامية" والتحاور معهم، إلى أن بايعه عدد كبير من أعضاء وقيادات الجماعة الإسلامية بالجامعات وانضموا لجماعة الإخوان، وكان على رأس هذا الجيل عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد حبيب، وعصام العريان، وأبو العلا ماضي، وإبراهيم الزعفراني وكان هذا هو البناء الثاني للجماعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق