كان لابد من حدث جلل يقلب كل النظريات الإسرائيلية، ويعيد إلى شعبنا حالة الانتماء بوفاء، والعطاء بصفاء، والتضحية بالنفس، والرجاء، فجاءت عملية أسر الجندي "جلعاد شليط" لتنسف القواعد الأساسية التي قام عليها الإعلام الصهيوني في اختراق الوجدان العربي، جاءت لتقول: نحن على استعداد كي نموت ألف مرة، وأن تنسف بيوتنا، وأن نُعذب، وأن تُقطّع أجسادنا، ولا نترك إخوة لنا في السجون.
وجاء إخفاء "جلعاد شليط" قرابة ثلاث سنوات في منطقة تحت المراقبة الإسرائيلية، ويجري عليها المسح بالقمر الصناعي كل عشر دقائق، لينسف أسس الجاسوسية التي زعزعت أركان المنطقة، وادعت أن عين اليهودي تبصر ما وراء الغيب، وتعرف ما في الأرحام.
وجاء صمود غزة، وصبرها على الويلات الإسرائيلية، وتحملها أصناف العذاب الذي انصب على رأسها، جاء لينسف قواعد التعامل مع العدو الذي ظن أن مزيداً من القوة، والقتل، و الضغط، والتدمير، والحصار سيخضع الجباه العالية، ويركّع النفوس الأبية.
وجاء الصبر في التفاوض، والإصرار على المطالب الأساسية التي تمثلت بإطلاق سراح عدد 450 أسيرا فلسطينيا من العيار الثقيل مقابل تحرير "شاليط"، وعدم التزحزح عن هذا الطرح الذي ستخضع له الدولة العبرية، جاء لينسف الأسس التي قام عليها التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي لخمسة عشر عاماً تعود فيها الإسرائيلي أن يملي شروطه.
ولا بد أن يجيء الفرح الفلسطيني لعملية تبادل الأسرى كبيراً، وطاغياً، وثائراً، وعاصفاً، وهادراً بحجم شلال الدم الذي نزف، وبحجم الوعد الذي أزف، وعلى مستوى الصدمة النفسية التي ستشل عصب الأمل في نفوس اليهود، الذين يعرفون أن المفاوضات على إطلاق سراح "شاليط" لا تقف عند حدود الصفقة، وإنما ستمتد آثارها، وانعكاساتها بعد ذلك لتطال كل مناحي الاشتباك السياسي، والميداني الإسرائيلي الفلسطيني، وستفهم أي قيادة إسرائيلية بعد ذلك بأن ما تقوله المقاومة لا راد له، وهو قضاءٌ مبرمٌ، وسوف يمضي، وإذا قالت حماس فصدقوها، فإن القول ما قالت حماس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق