الثلاثاء، 3 مارس 2009

متشائل؟! ... بقلم : صلاح حميدة

هذا التعبير لمفكر فلسطيني استخدمه ليعبر عن حالة الحيرة بين التشاؤم والتفاؤل، وهما المتناقضان اللذان لا يلتقيان، إلا في الحالة الفلسطينية، وكان الشق الأخير من دمج المتناقضين هو الشق الأخير من التفاؤل، فيما أغلب الكلمة أخذ من التشاؤم، وهو تعبير عن واقع الحال أيضاً الذي لا ييأس حتى لو كان الوضع كله ينبىء عن سوء الحال. استعرت هذا التعبير من صاحبه، لأسقطه على واقع الحوار الوطني الفلسطيني الحالي، فمنذ انطلاق الحوار في القاهرة والمزاج الغالب فلسطينياً متشائم من إمكانية نجاح الحوار، حيث يشعر الكثيرون أن ما يتم إنما هو حوارات للحوار فقط، مثل المفاوضات للمفاوضات فقط التي تتم مع الجانب الصهيوني، وأن الحوار لن ينتج عنه أية نتائج إيجابية. ويعتبر الكثيرون أن الخطوط السياسية والفكرية فلسطينياً لن تلتقي أبداً، وأن التناقضات وصلت حداً لا يمكن لها أن تقترب من بعضها، بالرغم من كون هذا التحليل هو الأقرب إلى الواقع، إلا أن الجميع أظهر استعداداً للحوار بجدية وبتفاؤلية كما أعلنوا، وقال الجميع أنهم لمسوا لغة لم يلمسوها من قبل، وكان الاتفاق على وقف الحرب الإعلامية والملاسنات الصحافية، وحرص القادة على كسر الحاجز بين القواعد والجماهير من خلال الظهور معاً في المؤتمرات الصحافية، هذه التصرفات والتصريحات كان لها الأثر الكبير في خلق حالة تفاؤلية حذرة فلسطينياً. شكلت نتائج معركة غزة دافعاً قوياً للتصالح الداخلي، وبدا أن الأطراف الإقليمية والدولية تريد هذا التصالح، وبدأت الإتصالات بحماس من الأوروبيين، وقام عدد من النواب والساسة بزيارات لقطاع غزة، لم يكونوا ليفعلوها من قبل المعركة، وكان واضحاً أن القوم الذين حاصروا حماس وعملوا على إبادتها في صراع شديد مع ذاتهم بين القبول بواقع وجودها كرقم صعب لا يمكن تجاهله، أو محاولة إعادة الكرّة للقضاء عليه بطرق أخرى، أو بنفس الوسائل القديمة. بداية لا بد من معرفة دوافع وأغراض كل طرف من الحوار الوطني : · حركة حماس:- تؤكد حركة حماس أنها معنية بالمصالحة، وهي كانت تعلن ذلك صباح مساء، بأنها تريد الوحدة الوطنية الفلسطينية، على أساس حماية المقاومة الفلسطينية ورفض التفريط بالثوابت والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني المتمثلة بالأرض والعودة والقدس وحق مقاومة الإحتلال، ولذلك لم يكن غريباً تصرف حماس لاستغلال أي بارقة لتوحيد الصف الفلسطيني. كما أن حماس معنية برفع وطأة ومعاناة الحصار عن أهل غزة بعد ما عانوا وضحوا وصمدوا، خاصة وأن مفاتيح معبر رفح بيد حركة فتح وداعمها النظام المصري، اللذين يغلقان الشريان الرئيس للحياة لأهل غزة، كما أن حماس تعلم علم اليقين أنها في وضع قوي شعبياً وعربياً وعالمياً بعد صمودها الأسطوري في معركة ( الفرقان)، وبالتالي ستكون في وضع قوي لتقريب الآخرين من طريقها لا العكس. *حركة فتح:- حركة فتح يتجاذبها جناحان، أحدهما يريد المصالحة مع حماس وإصلاح الوضع الداخلي في الحركة، وبدأ ينشط أخيراً بعد معركة غزة، وهذا الاتجاه يقوده مروان البرغوثي، والذي أعلن أنه لا يريد أن يخرج إلا من خلال صفقة الأسرى التي تديرها حماس، ولا يريد الخروج ببادرة حسن نية، وهذا يدلل على عمق الانقسام بين هذا التيار والتيار الثاني الذي يقود حركة فتح الآن، وهو الجناح الذي يرفض كل أشكال المقاومة، ويعتبر أن المدخل للوحدة الداخلية يجب أن يعبر من باب الانصياع لمطالب المحاصرين للشعب الفلسطيني، اي بالتنازل عن الحقوق الفلسطينية هكذا مقابل لقمة الخبز؟! وتمثل هذا أخيراً، بتصريحات هيلاري كلنتون التي قالت إن المطلوب من حماس الاعتراف بإسرائيل إذا أرادت للحوار أن ينجح؟! وهذا بين بما لا يدع مجالاً للشك أن من يفاوض حماس على الطاولة يعبر فقط عن ما تريده كلنتون، وما عزز ذلك الانطباع، أن أحداً من حركة فتح لم يحتج على تصريحات كلنتون، بل قام رئيس حركة فتح محمود عباس، بتأكيد ذلك من خلال تصريحاته برفقة خافيير سولانا، والذي قام أيضاً بالإعلان عن إقحام ما أطلق عليه إعمار غزة بالحوار، وبوضع نتائج الحوار في خانة الابتزاز السياسي، من خلال وضعه لأموال الاتحاد الأوروبي الموعودة كورقة تفاوضية بيد فتح، لابتزاز حماس بمعاناة الغزيين؟!. إذا كان المطلوب من حركة فتح هو الانصياع لشروط الرباعية والاعتراف بإسرائيل؟ فلماذا ذهبت فتح للحوار وهي تعلم علم اليقين أن حماس لن تقبل بهذه الشروط؟ وهل كان هذا هو المطلوب من البداية وأخفي ، ثم أعلن عنه الآن على أبواب مؤتمر إعادة الإعمار في مصر؟ أم كانت الأمور تسير بشكل جيد ثم وضعت العربة أمام الحصان لإفشال الحوار؟ أم أن الهدف كان منع حماس من إعلان ما بجعبتها مما نشر القليل منه قبل أيام من باب وقف الحرب الإعلامية؟ أم أنهم في فتح كانوا يراهنون على القدرة على تطويع حماس تحت سيف معاناة الغزيين؟ أو أنهم أرادوا إجهاض تشكيل قيادة جديدة للمقاومة، من باب أن أبواب منظمة التحرير مفتوحة الآن، فلماذا تقومون بتشكيل مؤسسة تضم القوى غير المنضوية تحت لوائها؟. · الأطراف الدولية والإقليمية:- بالنسبة لإسرائيل ودول محور النفاق العربي ومن يطلقون على أنفسهم اللجنة الرباعية، فهم يعيشون أزمة شديدة بعد معركة غزة، ولا بد أنهم أرادوا امتصاص آثار هذا النصر، ويعكس ذلك إفشال أي اتفاق مع حماس في اللحظة الأخيرة، فالتهدئة تتم ويبقى الإعلان، وتجد أنها تفشل في اللحظة الأخيرة؟! وتبادل الأسرى يتم الاتفاق عليه ويبقى التنفيذ واللمسات الأخيرة، ويتم إفشال كل شيء في اللحظة الأخيرة؟! والحوار يبدأ ويسير بوضع جيد وتفاؤلي، ثم يتم وضع العربة أمام الحصان، وتوضع نتائج محددة للحوار وهو في بدايته؟! فإذا كانت نتائج الحوار موجودة ومفروضة سلفاً، فلماذا الحوار أصلاً؟! ما يتم حتى الآن يعتبر معطلاً للحوار الحقيقي المفضي إلى المصالحة الحقيقية المبنية على التوافق على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وما يتم الآن يعتبر فقط كسباً للوقت ونوعاً من امتصاص نتائج النصر والصمود في غزة، وتعميقاً للمعاناة الشعبية في غزة، أملاً في زيادة النقمة على حماس وحكومتها وإسقاطهما شعبيا، خاصة وأن الحملة على حماس لا تدار فقط على المحاور الرسمية والإعلامية التابعة لهذه الأطراف، بل تعدت ذلك إلى حركات إسلامية، تعادي حماس وتتصيد أخطاءها، فقد بدأت هذه الحركات تأخذ منابر متأمركة لمهاجمة حماس والتشكيك بمواقفها، بل تقوم هذه الأطراف التي لا يسمع لها صوت إلا في طعن المجاهدين في ظهورهم، تقوم بالتشكيك والغمز واللمز ومحاولة نزع حتى صفة الإسلامية عن حماس، فحماس عند هؤلاء دائماً على خطأ؟! إن هادنت فتح فهي على خطأ؟ وإن قاتلت فتح فهي على خطأ؟! وإن تحاورت مع فتح أو لم تحاورها فهي على خطأ؟! وإن قبلت الرعاية المصرية أو لم تقبلها فهي على خطأ؟! وإن قاتلت اليهود فهي عل خطأ؟! وإن هادنتهم فهي على خطأ؟! يفرحون لعثرة حماس؟! ويسوؤهم انتصارها؟! إذا انتصرت فالفضل ليس لها؟! وإن هزمت فالعار يقع عليها؟!. لن أستعجل التشاؤم، مع أن التفاؤل قليل، ولكن ما يظهر من تصريحات حالياً يوحي بأن ما تريده حماس، ليس ما يريده غيرها، وأن الأمور تسير باتجاهات أخرى لا تمت لحقوق وثوابت الشعب الفلسطيني بصلة، ولذلك أعتقد أن الأمور لا تسير نحو الانفراج الداخلي، وقد يكون الصدام قريباً، وقد تصل حركة حماس وقوى المقاومة إلى حد يجعلها تقدم على خطوات إستراتيجية في مواجهة ما يحاك لها من مؤامرات، ولذلك فأفضل توصيف للحالة العامة هو تعبير التفاؤل الذي يغلب عليه التشاؤم: أي: التشاؤل، ولذلك فأنا متشائل!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق